|
المشهد الشرق أوسطي
غسان المفلح
الحوار المتمدن-العدد: 1500 - 2006 / 3 / 25 - 09:24
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
بدا المشهد السياسي والاجتماعي العراقي على فرز لا شعوره التاريخي، هناك حيث الوضع أصبح للطائفية برموزها وقيمها ومكبوتاتها الجمعية التي تؤدي إلى قيام حرب الجميع ضد الجميع والفرد ضد الدولة وضد نفسه في صراع دموي عرقي، لم يشهد العراق له مثيلا في تاريخه الحديث والمعاصر. حتى أنك لم تعد تجد هنالك ما يوحد العراقيين أبدا لا قيم لاتاريخ لا أديان لاثقافة . وقد أتى الوضع الدولي والأقليمي ليرفع الغطاء عن هذا المخبوء بغفلة من غفلات التاريخ فسقط الرابط الذي كان يجمع العراقيين وهو الرابط الصدامي على ما يبدو أنه لم يكن هنالك بين العراقيين رابطا سوى قمع صدام كما كتب أحد الكتاب [ حاجة العراق لصدام جديد ]لأن هذا الصراع في دمويته يحجب أية صورة أخرى للعراق وتاريخه وحتى مستقبله الذي أصبح في خضم المجهول . إنها اندحار لكل قيم العقل والإنسان بكل ما تحمله من روابط بين الإنسان والآخر وبين الإنسان ومحيطه وبين الإنسان ودولته حتى بين الإنسان ونفسه / إنه غياب للعقل بأبهى صورة تراجيدية تشبه حفلة لطم شيعية أو تواطئ سني مع صدام في قمعه لبقية أطياف الشعب العراقي بدموية قل نظيرها في العالم / لإنها تراجيكوميديا التاريخ العربي والإسلامي في الصراعات المذهبية يعاد أحيائها على صورة مسخرة دموية ولا يتعلق الأمر بالصراع العقائدي الذي شغل تاريخ العراق القديم ، بل يتعلق بسقوط كل ما من شأنه أن يبعد الذات الفردية عن قيم الآخر والانفتاح على قيم الآخر وهذا ماكانت سلطة صدام قد تكفلت به مما جعل الفرد يعود إلى قبلياته المفترض أنها باتت في طي التاريخ الغريزي للكائن المتحضر . حتى التعاليم الدينية والمذهبية كلها تخلت عن نزوعها الإنساني من أجل قيام عراق جديد رأسماله الرمزي تاريخ من الدم العراقي نفسه وهذا ليس تسييسا للدين فحسب بل تمزيقا لآخر نسيج قيمي حضاري ممكن أن تحمله هذه المذاهب والأعراق الإنسانية ، هذا التدين السياسي التطييفي الولاءاتي : جعل الفرد العراقي بلا قيمة خارج هذه [ اللاجمعية ] التاريخية في استحضارها لجانبها الدموي منذ أيام معاوية وسيدنا الحسين , ولم نقل الجمعية التاريخية لأننا اكتشفنا بالملموس وبعدد أرقام الضحايا أن ليس هنالك ما يجمع هذه المذاهب والأعراق : سوى تاريخ من الانتقام والدم . إذن هي تاريخية لاتجمع مطلقا بل تفرق طالما أتاحت لها الظروف أن تحتل واجهة الوعي الفردي والسياسي . كذلك أثبتت التجربة أن هذا التمزق الطائفي والعرقي إنما يترك آثاره حتى على كل التنظيمات البشرية في هذا العراق الجريح من أحزاب وجمعيات وتنظيمات دينية ومدنية ..الخ ولتتحول هذه التنظيمات إلى مادة ومحرض من جديد لهذا المشهد المأساوي والذي لم نعد نرى فيه سوى أن الدم والحديد هو عنوان هذه المرحلة من تاريخ العراق المعاصر . هذه لم تكن خارج توقعات الحركة اليسارية العربية مطلقا بل كانت ضمن تخوفاتها من حدوث مثل هذا العنف المجاني في الكثير من دول المنطقة لهذا تم إعلان الحرب عليهم بحجة كفرهم وهاهم المؤمنون يؤدون فروض الدم موغلين في هذا الوحل من التاريخ الراهن على الجثث والضحايا ليس ضد من هو خارجهم بل حتى ضد بعضهم وضد أنفسهم التي فقدت القدرة على التكيف السلمي مع التاريخ المعاصر ولم يبق أمامها سوى الدموية الصراعية كي تثبت وجودها في هذا العصر / حيث جاءت قوات الاحتلال بحمولة ليست على قدر معرفي من العمق والمسؤولية لتسمح لعدم القدرة هذه على التكيف بالانفلات العشوائي / العقل بين الرمزية الدينية والطائفية وبين المقدس يفقد القدرة على رؤية الصورة لأن في العقل لا مكان للمقدس إذا كان سيلغي وظيفة هذا العقل .. لهذا يحارب هذا العقل كل من يحاول إلغاءه أو تكفيره أو منعه من التفكير ويناضل من أجل أن يترخنه / أن يقول له : لا لست مقدسا أبدا إنك في بحر من الدم الإنساني لا يمكن لك حتى أن تلامس المقدس .. تماما كحرق السفارات .. وهنا تحضرني مقالة أخيرة للصديق الكاتب ياسين الحاج صالح حول الرمزية والمقدس والعقلانية المكانيكية لدى بعضا من مثقفي العرب في عدم فهمهم لردة الجماهير العربية على الصور المسيئة لسيدناالرسول الكريم صلوات الله عليه وسلم , ويطرح مثالا من لدن المسرح الشرق أوسطي في شقه العربي : حادثة نزع الحجاب عن رؤوس النساء المسلمات في دمشق من قبل ميليشيا نظام الأسد , هذا الحدث الجلل لم يشهد أية ردة فعل جمعية ولو من باب الاحتجاج الرمزي في الشوارع الدمشقية ؟ بينما في قضية الرسوم الدنماركية وصل الاحتجاج إلى حرق السفارات .. والراحل لم يعتذر عن هذا بل قال أن التحرر لا يأتي بهذه الطريقة !!؟ وعلى هذا الهامش أود ان أطرح قراءتي لهذه الواقعة سريعا لأهميتها في الموضوع العراقي : هذه الواقعة جرى تحميلها لشقيق الرئيس الراحل رفعت الأسد بينما هي لم تكن خارج توجيهات من الرئيس الراحل نفسه بعد أن قضى على تمرد الأخوان في حماة وحلب ويريد رؤية نتائج عمله على شعب دمشق : في أكثر رمز ممكن له أن يحرك الشارع السني فكانت هذه القضية .. والتي ساهمت مخابرات الراحل بإشاعة أن لاعلاقة للرئيس بهذا الأمر .. وفعلا أدرك الرئيس الراحل من خلال هذه الحادثة أن الشارع السوري أصبح طوع بنانه نتيجة لحالة من الهلع القصوي ... فإذا كان خلع ستر رأس المرأة قد تم بدون أي احتجاج مهم .. معنى ذلك أصبحت سوريا كلها طوع بنانه ..وهذا ما حصل ..فعلا ..ولازالت سوريا طوع بنان شبح الراحل ..كما كان العراق الدموي الآن طوع بنان صدام حسين . يقول باحثنا الكبير مطاع الصفدي : [ أتعس أشكال العصبيات التي كان ابن خلدون منظرها الأول في علم الاجتماع الإنساني عامة، هي تلك التي لم يتحدث عنها بعد، لغياب ظواهرها في عصره، بينما راحت تسيطر على مدنية القرن الواحد والعشرين للأسف، وهي العصبيات الملتحفة بالغيبيات. إنها أخطر من رابطة الدم المتمثلة في وحدة العشيرة والقرابة المباشرة وغير المباشرة، التي تحكمت بنشوء المجتمعات والدول طيلة التاريخ الإنساني ما قبل العصر الصناعي. لكن العجيب وفي ذروة عصر التكنولوجيا، تتأجج فجأة عصبيات التدين والتمذهب. وتصبح أكبر دولة، أمريكا، أشبه بكنيسة كنائس التبشير كلها في العالم، وبناء على وعي إرادوي وتنظيم استراتيجي من نخبة عقولها. فالأمركة باتت مرادفة للتبشير. كأن الرسالة القصوى للعولمة هي إعادة تديين العالم، مع ذروة استثماره اقتصادياً، واستهلاكه بيئوياً، وتحشيده ضد بعضه في شتي صراعات العصبيات كلها. ] وهذا القول صحيح بامتياز ما خلا أن الأمركة تصبح مرادفا عنده دوما للتآمر وشتى أنواع السوء !! بينما المعادلة ليس كذلك لأن الأمركة ما زالت ترفع الغطاء عن المخبوء في عالمنا العربي وبغض النظر عن صحة الطريقة / في مصر و الخليج العربي / وخطأها في العراق الجريح .. لأنه يعود للقول : [ لم يتبق ثمة من وسيلة لإحكام السيطرة الكاملة على ثروات العالم إلا بإحداث الانقلاب الأشمل على مدنيته. وليس ثمة من استراتيجية قادرة على بلوغ هذا الهدف إلا بحرمان العالم من مختلف الفرص العقلانية لإحلال سلام دائم، هو حلم الأحلام الإنسانية منذ فجرها. ويأتي حرمان العالم العربي والاسلامي خاصة من أبسط فرص هذا السلام الأهلي أولاً ما بين مكوناته الاجتماعية، هو المدخل للالتفاف على صحوة التنوير التي منع منها دائماً تحت وطأة استئناف التظليم بعد كل شرارة نور تلمع في آفاقه. والتظليم هذه المرة مقترن بفرز العصبيات البدائية تحت مختلف التسميات. وآخرها هي الأسماء الدينية بالرغم من موروثها. أما ما يكتب ويُفعل ويحرك تحت هذه الاسماء فليس سوي أضداد معانيها. فالانفصام ليس لغوياً فحسب بين العنوان والنص، لكنه حاصل أصلاً بين العقل والتاريخ قبل أن يقع بين العقل والواقع. بمعنى أنه لا يمكن لأي فكر استراتيجي مخادع أن يأتي بأسماء الماضي ليلبسها أفعال الحاضر. وبالتالي لا يمكن إدارة الواقع بعقلية اللا واقع.] هذا القول يلخص خلاصة حقيقية للتاريخ العربي والإسلامي ولكنه يحمله في نتائجه للأمركة وهي العلة والسبب كي تقطف النتيجة , وهذا غير صحيح وإن كان التاريخ مخاتلا أحيانا , لأن من مصلحة أمريكا استقرار المنطقة تحت الهيمنة السلمية ولو تسنى لها ذلك والهيمنة هنا ليست سوى مفهوما من مفاهيم العصر الرأسمالي برمته وليس مفهوما أمريكيا خالصا ..وما يجري في العراق هو شكل من أشكال السيطرة وليس الهيمنة التي تسعى أمريكا للوصول إليها فالهيمنة مشروعا سلميا اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا نموذجه في الغرب وليس عندنا .. دعونا لانتعامل كما النعامة : هذا نحن وهذا ما أفرزته نظمنا السياسية والمعرفية والتاريخية ..كما كانت من قبل أوروبا وأمريكا نفسها إنها المسافة التاريخية بين طورين في نفس الحضارة .. ثم من قال أن السياسة الأمريكية مبنية على مقولة صراع الحضارات : بودي أن أبكي حقيقة وآسف من نفسي ومن العرب والمسلمين عموما إن سألت وقلت : أية حضارة لدينا الآن ..؟ وأية حضارة بقيت لدينا بعد أن احتلنا العثمانيون أو بشكل أدق بعد انهيار آخر ممالك الأندلس ..عن أية حضارة هذه يريد الأمريكان مصارعتها ؟ لماذا نضخم بحجم حضورنا الحضاري المعاصر كمنافس حضاري لأمريكا تريد تحطيمه .. على من نضحك بالحديث ليل نهار على أن الأمركة مبنية في منطقتنا على صراع الحضارات ..حتى بعض المنظرين الأمريكيين من أصحاب هذه النظرية عاجزين عن الخروج من تحت لحافها النظري الذي تبين لهم كم هو : لايقي من برد ولا من حر ..!! وأسأل باحثنا الكبير وغيره من الأقلام العربية الكبيرة لو بقي صدام حسين في السلطة : ماذا كان سيحصل للعراقيين ؟ سيأتي قصي على هيئة أبيه .. !! هل هذا أفضل أم نعرف من نحن كما نحن لا كما يخبئنا النظام التسلطي العربي بالبسطار تحت عباءته .. هذا نحن . وهذا تاريخنا الراهن .. والسبب ليس في الأمريكان بل السبب في النظام التسلطي عند شعوب المشرق العربي .. هنا السبب وهنا البحث .. ومن هنا يمكننا إيجاد المخرج وهذا أمامكم عينة لازالت تعمل : إنها السلطة السورية . ولازال المسرح العراقي يدفع ثمن تغييبه عن جمهوره طيلة عهدة البعث وطيلة عهدة صدام المغتصب لكل الوجه العراقي ..
غسان المفلح
#غسان_المفلح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نوروز لكل السوريين مثل عيد الأم
-
إلى يوسف عبدلكي رفيقا وصديقا وأشياء أخرى ..
-
وقفة خاصة مع السيد عبد الحليم خدام
-
ملالي طهران والدور المذعور
-
المرأة تكتب عن المرأة لكن الرجل دوما يكتب للمرأة
-
في كلمة السيد الرئيس بشار الأسد ثمة أسئلة كثيرة
-
إلى مؤتمر الأحزاب العربية المنعقد في دمشق غدا
-
النظام السوري يزيد من عدد الممنوعين من السفر
-
فوز حماس ..نقطة نظام
-
الجولان ينتظر
-
القوى اللبنانية والملف السوري
-
حداثة بلا نهاية ..عولمة بلا حدود
-
أزمة كاريكاتير أم أزمة ثقافة ؟
-
تصدير الخوف
-
التغيير الرئاسي السوري
-
الطائفية والإرهاب تدافع عن آخر مواقعها والعراقيون يدفعون الث
...
-
بوش والديمقراطية في الشرق الأوسط
-
صور أبو غريب وغوانتنامو ..بوش هل يستغني عن النفط ؟
-
المساعدة المالية الأمريكية للمعارضة السورية
-
الخيار الأمريكي في سوريا خيارا وطنيا أم خيارا سياسيا؟
المزيد.....
-
لبنان: غارة مسيّرة إسرائيلية تودي بحياة صيادين على شاطئ صور
...
-
-لا تخافوا وكونوا صريحين-.. ميركل ترفع معنويات الساسة في مخا
...
-
-بلومبيرغ-: إدارة بايدن مقيدة في زيادة دعم كييف رغم رغبتها ا
...
-
متى تشكل حرقة المعدة خطورة؟
-
العراق يخشى التعرض لمصير لبنان
-
مقلوب الرهان على ATACMS وStorm Shadow
-
وزارة العدل الأمريكية والبنتاغون يدمران الأدلة التي تدينهما
...
-
لماذا تراجع زيلينسكي عن استعادة القرم بالقوة؟
-
ليندا مكمان مديرة مصارعة رشحها ترامب لوزارة التعليم
-
كيف يمكن إقناع بوتين بقضية أوكرانيا؟.. قائد الناتو الأسبق يب
...
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|