|
العبد والرعية لمحمد الناجي : من الترضيات إلى التفكير المؤلم
لحسن وزين
الحوار المتمدن-العدد: 5926 - 2018 / 7 / 7 - 14:01
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
العبد والرعية لمحمد الناجي : من الترضيات الى التفكير المؤلم (1من2) اشكاليات مجتمعاتنا في تخلفها وانحطاطها الشامل، على كل المستويات البنيوية المادية والتطورية في حركة سيرورتها التاريخية، طرحت نفسها بالحاح موضوعي وذاتي، منذ القرن التاسع عشر، اي مع الهجوم العنيف للحداثة. وعبر التاريخ الحديث والمعاصرحاولت النخب بمختلف مستوياتها الثقافية والفكرية والسياسية اكتشاف السؤال الذي تباينت صياغاته الشكلية في الطرح: من لماذا تأخر المسلمون وتقدم الغرب؟ وصولا الى الحرية والكرامة والديمقراطية التي طرحها جيل الربيع العربي، مرورا بأسئلة الهزائم المتوالية، والنهوض الحضاري، وهواجس سطوة الفكر الديني و التراثي. وكان السؤال ايديولوجيا عنيفا في اغلب خلفياته الفكرية والسياسية العملية، مما أدى الى تضحيات جسيمة دون ان تفلح اغلب هذه النخب الحزبية والمستقلة في اكتشاف السؤال الذي تتطلبه اللحظة التاريخية والمرحلة الحضارية. لكن سيرورة السيطرة والهيمنة الكولونيالية والاستبداد السياسي والتغلب الصهيوني والتوالد الذاتي للارهاب الديني الداخلي، كل هذا لم يلغ او يعطل عند بعض المفكرين الباحثين مسؤولية حرقة الاسئلة التي تطرحها هذه التحديات في محاولة منهم تقديم اجابات موضوعية علمية للخروج من نفق الانسداد التاريخي في وجوهه الداخلية والخارجية. لهذا تناولت الكثير من الاقلام العربية بالدراسة والبحث وفق مقاربات ومنهجيات علمية حديثة الطبيعة التاريخية للبنيات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية والفكرية لمجتمعاتنا، دون ان يغفل بعضها البنى النفسية كما هو الشأن مثلا بالنسبة لكتابات مصطفى حجازي سيكولوجية الانسان المقهور، وايضا في الانسان المهدور. وفي هذا السياق البحثي الفكري، والمعرفي السياسي، ركز بعضهم على الدين والسلطة في أسس منطلقاتهما الفكرية السياسية واليات اشتغالهما الانتروبولوجي والسياسي والثقافي، كما هو الشأن مثلا في كتابات عبد الله حمودي، خاصة في كتابه الشيخ والمريد. وتبعا لهذا التراكم التاريخي الذي فرضه تحدي اكتشاف السؤال العلمي الدقيق القادر على التفكيك والحفر لبناء التملك المعرفي للواقع الحي لطبيعة السلطة والمجتمع والثقافة، واكتساب التمكين العلمي للمنهجيات الحديثة في التحليل والنقد، وفي تعرية المسكوت عنه والمغيب بالالية السلطوية لقداسة ممنوع التفكير فيه او المستحيل التفكير فيه، نفهم هاجس سؤال الدين والسلطة من زاوية المقاربة الاسترقاقية الذي تجشم عناءه الباحث محمد الناجي في كتابه " العبد والرعية" متناولا ثلاثية العبودية والسلطة والدين في العالم العربي. فهل استطاع حقا الباحث تلمس طريق السؤال ومحاولة خوض غمار بنائه بما يسمح برؤية اعمق لما يخفيه عنف أشعة السلطة الحارقة لكل من سولت له نفسه الاقتراب من سماوات الغيب؟ وكيف تجاوز الاسئلة الزائفة والمحتشمة لبعض الاقلام النقدية التي حاورت بتمسح ديني ثلاثية العبودية والسلطة والدين؟ ماهي حدود ومحدودية هذه المقاربة؟ أولا – من ايديولوجيا الترضيات الى التفكير المؤلم الكثير من الباحثين والمفكرين تناولوا انسانية الانسان العربي والمسلم، حريته، كرامه، حقوقه الاقتصادية الاجتماعية، السياسية والثقافية...في اطار الصراع السياسي بين قوى التغيير الديمقراطي العلماني الحداثي وقوى الاستبداد السياسي المسيج باقنعة الحداثة والقداسة المتوحشة للارهاب الديني.الا ان كتابات هؤلاء الباحثين والمفكرين خضعت بشكل او باخر لاكراهات سيطرة الفكر السائد وسطوته المعرفية والابستيمولوجية والسياسية في التحليل والنقد، بمعنى ان خطاب المركز كان يلتهم خطاب الهامش ويفرض عليه منطلقات فكرية وسياسية جاهزة تضيق من افاق حريته وتحرره في استثمار المنهجيات النقدية الحديثة في العلوم الانسانية والاجتماعية، قصد بناء معرفة علمية بالتاريخ والوعي والهوية والثقافة والدولة والمجتمع... والمفكر ناصر حامد ابو زيد في كتابه الخطاب والتأويل يشير في سياق ممارسته الفكرية السياسية لهذا الصراع الى خطورة الانزلاق الى التربة الايديولوجية للخصم، منبها الى الدرس الرشدي حيث التهمته سطوة خطاب فكر الغزالي. وهو انزلاق ايديولوجي تفرضه سيطرة خطاب الاستبداد السياسي والارهاب الديني بأشكال متفاوتة القهر والتحكم، بين المرن القانوني المؤسس على ثقافة الحس المشترك للجهل المقدس، وبين القمع والالغاء الصريح للوجود السياسي او الانساني، اما بالسجن او التهجير القسري، او الاغتيال... فطبيعة الصراع السياسي الاجتماعي والفكري الابستيمولوجي في شروطه وظروفه جعل من الصعب التحرر نهائيا من سطوة منطق الفكر السائد في التفكير والممارسة خاصة وان البعد الاجتماعي للجهل المقدس حاضر بثقله باستمرار، الشيء الذي حد من سقف واهتمام المفكر النقدي، بل غلط حقيقة اهمية استقلاله الفكري والسياسي والمنهجي الابستيمولوجي، بما يخلق نوعا من التوافق بين تصوراته وممارسته. وفي غياب هذا الوعي النقدي عوض ان تكون عينه على جدل التنوير انساق وراء التعبئة والتجييش في الصراع حول أحقية امتلاك الشرعية اللاهوتية، وبالتالي السلطة والتراث. لهذا تحايل كثيرا ووجد نفسه من حيث يدري او لا يدري يستعمل الخطاب نفسه من حيث المنطلقات والاليات في تناوله للثلاثية التي تعنينا هنا من خلال كتاب محمد الناجي: العبودية والسلطة والدين. فحامد نصر ابو زيد مثلا في كتابه دوائر الخوف تناول بشكل نقدي ظاهري قضية المرأة بنوع من الانتقاء الوسطي التوفيقي، كما لو كان يمارس التفكير تحت ضغط آلية ايقاف التفكير التي يفرضها البعد الاجتماعي للاستبداد السياسي والارهاب الديني. فعوض توسيع الرؤية في تناول انسانية وكرامة المرأة في النص والتاريخ، وفي السيرورة التاريخية الاجتماعية للمجتمعات العربية والاسلامية راح يتحدث عن عظمة الاسلام فيما يتعلق بموقف الاسلام المشرف من المرأة بما يناقض التشويه المتعمد للخطاب الديني العنصري الطائفي لرجال الدين، وفي كتابه هذا ينبه اكثر من مرة الى خطورة الانزلاق الى منطق الخطاب الديني في الاتكاء على النصوص في التحليل والنقد والمناقشة، وهو في ذلك يمسك العصا من الوسط في نوع كما قلنا من المنافسة الشرعية في امتلاك الفهم و التأويل الصحيحين للحقيقة الدينية المتعلقة بانسانية الانسان في حريته وكرامته، مختزلا هذا البعد الانساني في بعض الحقوق البسيطة للمرأة الحرة دون ينال الانسان بمعناه الشامل الانساني في كتاب "دوائر الخوف"موقع مركز الاهتمام في التأسيس المعرفي الفكري والتحليل النقدي والتناول المنهجي الابستيمولوجي للنصوص والوقائع الاجتماعية التاريخية في شروطها التاريخية البشرية كورشات تتطلب النقد والنقض والاغناء والتطوير وفق سياقات المرحلة بما ينسجم وواقع الشرط الحضاري الانساني الحديث، كمشترك بشري في التركيب والبناء، وفي التفاعل والتثاقف، وفي النقد والتنوع والاختلاف ضمن اللحظة التاريخية والمرحلة الحضارية في ثرائها وتنوعها واختلافها وتعددها، وليس خارجها بدعوى الهوية والخصوصية وما شابه ذلك من اشكال الانغلاق والانسحاب من جدل التاريخ البشري، انكفاء على الذات، وهروبا من تحمل مسؤلية بناء المشروع الوجودي الانساني التاريخي، ثقافة ودولة ومجتمعا، بعيدا عن ايديولوجيا القداسة للتحكم في المصير التاريخي للمجتمع. فأغلب الكتابات النقدية العربية في تعاملها مثلا مع مسألة العبودية في التاريخ العربي الاسلامي غير وارد بالنسبة لها التفكير انها ازاء محدودية النص الديني والتجرية التاريخية للمشروع الديني الاسلامي، لذلك تشبه ما طرحه نصر حامد ابو زيد، وتأتي اشارتنا الى ماورد في كتابه حول الحرية والعبودية والكرامة من منطلق اعتبارنا له احسن نموذج نقدي على مستوى النضج المعرفي والمنهجي، بمعنى انه يمثل حالة مثالية في "التفكيك والتحليل والنقد" ، إلا ان ذلك يتم للاسف من زاوية المذهبية والطائفية في الصراع الايديولوجي حول الاحقية اللاهوتية في التعبير عن معاني ودلالات الحقيقة الدينية، دون الاقدام على ممارسة التفكير المؤلم من زاوية نظر علمية توفرها الاطر المعرفية الحديثة ومنهجياتها في خلفياتها الفلسفية والمعرفية والابستمولوجية، كما يوفرها الشرط الحضاري الانساني، بدل تقديم تنازلات علمية وفكرية واجتماعية سياسية ارضاء لسطوة الجهل المقدس كرهان على التنوير الايديولوجي الذي تكون عينه على صراع السلطة والتغلب الاجتماعي السياسي عوض ان يكون فعله وممارساته على جدل التاريخ في بناء المجتمعات الانسانية باستقلال عن هيمنة القداسة على التاريخ البشري في التكون والتطور، وفي التحول والتغيير. لهذا نعتقد بان التحايل النقدي القريب مما سماه نصر حامد ابو زيد ب "الترضيات"، اي التنازلات الفلسفية والفكرية التي يقدمها الباحث والمفكر ارضاء لسطوة ثقافة الحس المشترك في التعبئة والتجييش الايديولوجي للجهل المقدس، خوفا مما سماه هاشم صالح بالضرورة التاريخية للعملية الجراحية على مستوى العمق النفسي والذهن والمعرفي التي تنتظرنا ازاء الماضي، فالترضيات، تؤدي الى تكريس الجهل المقدس والاستبداد بكل أقنعته السياسية والدينية... فالخوف الفلسفي الفكري والتحايل المنهجي والنقدي وممارسة لعبة اقنعة الترضيات الدينية في التمييز بين النص والواقع، او بين الرسالة والتاريخ يؤدي دائما الى ابتلاع المركز للاطراف، والسائد للمهمش في معاودة انتاج للواقع الاجتماعي نفسه في مستوياته البنيوية بعلاقاتها المختلفة التحديدية المادية والتطورية للصراع السياسي، مما يعرقل حركة التطور التاريخي للمجتمع والدولة والثقافة... فضد هذا الافق الذي كرس التخلف الشامل في مجتمعاتنا الى درجة انتاج نوع خطير من التآكل الداخلي و من التدمير الذاتي لحصانة ومناعة مجتمعاتنا في بعدها التاريخي الحضاري والسوسيولوجي الثقافي، اقصد هنا التوحش والارهاب الديني، وضد هذه السياقات في الخضوع لدوائر الخوف على حساب التفكير الصعب والمؤلم انتصارا لضرورة السؤال في شطب أجوبة الجهل المقدس لحقائق التغلب والتسلط السياسي والديني المتلبس وجه القداسة الدينية، يمكننا قراءة كتاب محمد الناجي " العبد والرعية العبودية والسلطة والدين في العالم العربي" ثانيا ما المقصود بالتفكير المؤلم؟ هو كبح التحيزات الانفعالية للايمان الموروث وفقا للتصورات والمعتقدات التي ترسبت في الاعماق بفعل قهر التلقين الاقرب الى التشريب مع حليب الطفولة، والتخلص من المخاطرة الايديولوجية في خوض صراع زائف لامتلاك شرعية التمثيل الشعبي للمعاني والحقائق الدينية، خاصة التشريعية والطقوسية. انه الاستعداد النفسي والفلسفي والفكري والسياسي لامتلاك مفاهيم الحركة والتطور والصيرورة والنقد والصراع والابداع والتغيير...بمعنى نزع القداسة عن التاريخ البشري، خاصة فترة ظهور الاسلام وماتلاها من وقائع واحداث ونصوص، وخلال سيرورة انتاج المعرفة ونقدها وتداولها. " نزع الطابع القدسي عن المقاربة التاريخية لهذه الفترة، وللفترات التي تلتها. نزع القداسة بمعنى ازالة الحواجز القائمة بين الحقل السياسي والحقل الديني. وقراءة هذه المرحلة التي توافق اللحظة الاساسية لتشكل دولة مدينة، مثل جميع الدول، لمنطق اشتغال العامل الاجتماعي بالمعنى الواسع.ان القيام بهذا العمل، معناه الانفلات من سلطة الاحداث التي تعمل، رغم اهميتها وحجمها، على تغليط منظور الدينامية الاجتماعية. معناه ايضا كتابة تاريخ ذي بعد انساني يسمح باخراج الاشباح التي تسكن الحاضر بكيفية افضل."1 فجدل التكامل بين السلطة والدين والعبودية لايمكن فهمه وتحليله ونقده الا من خلال نزع طابع القداسة وتسمية الاشياء والوقائع والعلاقات والدلالات ...بأسمائها وفق نظرة شاملة ترفض البتر والتجزيء، بحيث يصعب الحديث في تجربة الاسلام نصا وتاريخا عن الاخوة والمساواة و حرية وكرامة الانسان، دون استحضار الدور الخطير الذي لعبه الاسلام في تكريس العبودية والعنصرية والطائفية. فالمقاربة الاسترقاقية التي اعتمدها محمد الناجي قدمت صورة واضحة حول واقع الرق من خلال علاقات السلطة التي وجدت اسسها البنائية الاجتماعية والاقتصادية والدينية والتاريخية في معاودة انتاج علاقات الانتاج الاجتماعية القائمة على الاسترقاق والتغلب والقهر والاستبداد السياسي والديني. وهذه التعرية للمعتم في تاريخنا، والكشف عن المسكوت عنه لم يكن ممكنا الا من خلال التفكير المؤلم الذي لا تغريه منهجية التهجم على المعتقدات والتصورات الموروثة بفعل قداسة الجهل كوعي سياسي لعلاقات السلطة السائدة التي بها تستمر وتخوض صراعها لضمان ديمومتها وتأبيد لحظتها العبودية. هذا التفكير المؤلم الذي رسخت علاقات السلطة السياسية والدينية، عبر التاريخ العربي الاسلامي، إزاءه في الوعي الشعبي للناس الية اجتناب التفكير فيه، بالاضافة الى اقترانه بالية النفور والتكفير، هو ما حاول الباحث محمد الناجي ممارسته في كتابه دون ان يكون هاجسه التهجم او المس بالمعتقدات بقدر ما وضع النصوص والوقائع تحت ضوء المقاربة التاريخية والسوسيوجية والنقدية اللغوية...وذلك لكشف حقائق الترابط الجدلي المعقد لتكامل مستويات العبودية والسلطة والدين. بمعنى ان ما كان ولازال يخفيه القهر الديني كاسترقاق لانسانية الانسان في صورة روحانية لعلاقة التعبد الى درجة الالغاء والسحق والانمحاء هو ما تستثمره علاقات السلطة في انتاج علاقات اجتماعية عبودية تشرعن الاستغلال والظلم والقهر والهدر لحرية وكرامة الانسان. فالبداهات والمسلمات السائدة والمسيطرة حول الطفرة النوعية التي أنجزها ظهور الاسلام داخل القبائل العربية، ثم في المدينة وامتداداتها اثناء تكون وتطور توسع الامبراطورية الاسلامية، الطفرة او الثورة على مستوى حرية وكرامة الانسان، كانت هذه المسلمات المنزلة بشكل قدسي بالية الاستلاب العقائدي لسحر الخلاص الديني بمثابة عائق معرفي اجتماعي وتاريخي مانع لامكانية التفكير في العبودية والرق في الاسلام، ومدى استمرار امتهان واذلال الكرامة الانسانية بالنسبة للكثير من الفئات الاجتماعية من العبيد والاماء والجواري والاسرى... ولم يكن للتفكير المؤلم ان يشق طريقه العلمي والبحثي الا من خلال زحزحة هذه البداهات والمسلمات من خلال المنهجية التاريخية والدراسة النقدية للغة باعتبارها ذاكرة سوسيولوجية وتاريخية وثقافية للعلاقات والممارسات الاجتماعية المادية والرمزية، ذاكرة لعلاقات القوة والسلطة والتراتب العمودي المجتمعيفي الارض والسماء. ثالثا – من السائبة الى المولى " فمن القدسي الى الدنيوي لا توجد سوى خطوة واحدة. وعلى غرار الدواب، التي بامكانها ان ترعى مطلقة العنان كان بامكان العبد، في مجتمع ما قبل الاسلام، الدخول، في وضعية السائبة، اذا كانت تلك ارادة سيده. وبالتالي يصبح حينها معتقا. ولن يعود لاية عبودية. اي انه يصبح انسانا حرا بالمعنى الكامل للكلمة."2 الميزة البحثية التي يتمتع بها كتاب العبد والرعية هي قدرته المعرفية والمنهجية على مستوى استراتيجية الكتابة النقدية التي تشرك القارئ في سيرورة تكونها وتطوها في الحفر والتحليل والنقد والتفكيك والبناء، فهي تمارس الاشتغال من داخل الحقول الدلالية الاجتماعية للكلمات كتجليات لعلاقات اجتماعية تمثل القوة والسلطة. وفي هذا السياق مثلا نشير الى ما يورده الباحث من معاني لكلمة عبد، " تنحدر كلمة عبد في اللغة العربية، من داس الارض ووطئها من اجل طريق سالكة، غير وعرة، تماما مثل الطريق المعبدة، كما يقال اليوم. سحق، ملس، أزال كل احتكاك، وكل مقاومة: تلك هي الالية العميقة للعبودية. ان فكرة الدوس، هنا، اساسية لكونها تضيف الى استعمال القوة، معنى الازدراء الذي تنطوي عليه وتتضمنه"3. وانسجاما مع هذا الأفق في مقاربة الواقع المجتمعي، من منظور الزاوية الاسترقاقية كأرضية اساس لتشكل بنيات وعلاقات التضافر البنيوي بين السلطة والدين، في نوع من الاعتماد المتبادل، يتعمق محمد الناجي في عدد من المعاني لكلمات العبودية التي هي بمثابة اضاءات لغوية اجتماعية للتناقضات والتفاوتات المجتمعية التي تنتجها علاقات القهر والتسلط، سواء في علاقات الانسان بالارض او بالسماء. فالدوس والسحق والتحت، اي ناس التحوت" الذين كانوا تحت اقدام الناس لا يعلم بهم"4، وكل اشكال العبودية تعود في اساسها التاريخي الاجتماعي الى العلاقة الارضية بين السيد و العبد،" وهي العلاقة التي تظل المرجع الملموس والواقعي. لكن ينبغي في البدء تجريد العلاقة الارضية من شوائبها ونقائصها للوصول الى المستوى الاعلى من العبودية، يتم استبداله وتعويضه بارتباط غير مشروط، اي بنوع من وهب النفس."5 يركز دائما محمد الناجي في كتابه هذا على التتبع النقدي للغة، في خصائصها الدلالية المعنوية والفكرية، وهي ولا تعكس فقط، بل تنتج ممارسات وعلاقات اجتماعية متفاوتة المكانة والقوة والسلطة. لذلك ينطلق من التراجع القيمي والاعتقادي والاجتماعي الذي طال الكثير من العلاقات والقيم الاجتماعية التي لا يمكن فهم تراجعها الا من خلال ذاكرة الكلمات، باعتبارها الوجه الاخر للواقع الحي وما يحتضنه من دلالات وعلاقات وتناقضات تاريخية مجتمعية. فكل المعاني والتصورات والمعتقدات الاعتقادية والاجتماعية في بعدها الخلاصي من قيد التحكم والتملك التي تدل عليها كلمة " السائبة" قبل ظهور الاسلام سيتم استبدالها بكلمة " المولى" التي تعنى الاقصاء النهائي والدائم من حق الحرية و المكانة والسلطة والثروة. ويمتد هذا الانقلاب الى اسقاط معاني ودلالات قدحية على كلمة السائبة لتتحول من الحرية الى التمرد، الغوغاء... " هذا النوع من التحرير سيلغى مع الاسلام، وسيغدو كل عبد محرر مدينا بولائه الى سيده السابق. وبذلك سيبقى في وضعية قريبة من وضعية العبد. وقد أثرت السائبة تأثيرا قويا على اللغة السياسية العربية. بحيث باتت الكلمة التي مازالت تستعمل اليوم بكثرة، مرادفا للانشقاق والتمرد. ان اللفظة التي ارتبط ظهورها بفعل سخي مصدره التزهد والتضحية، وجدت نفسها مرادفة للتشكيك في سلطة الاسياد "6. وسؤال المولى في خلفياته وجذوره هو سؤال الخلافة والصراع حول السلطة ولذلك تم الاجهاز على امتيازات ومكتسبات التبني ليتحول ابن النبي بالتبني ومن شابهه وضعا الى مجرد مولى مفتقرا بذلك الى احد شروط تولي السلطة . كما بين الباحث ان اقتصاد الغنيمة، وما يؤسسه من علاقات اجتماعية، وقيم مجتمعية وثقافية تحتقر و تزدري العبيد والاماء والجواري، استبعد من أولوياته حرية الانسان لذلك لم يكن النص الديني في آياته وأحاديثه وممارساته التاريخية معنيا بالدرجة الاولى بتحرير العبيد وفرض قيم انسانية جديدة تطال الجميع بدل هذا التناقض بين الحر والعبد، بين الاماء والحرائر...الذي استمر عبر التاريخ العربي الاسلامي. ولاتزال قوى التدين الديني الى اليوم تبشر به وتمارسه وتحلم بعودته. فكيف يستقيم القول بكرامة الانسان والمساواة والاخوة في الاسلام في الوقت الذي تأسس فيه المشروع الجديد على اساس ريع اقتصاد العبيد، في البيع والشراء واستغلال قوة العمل، مع اعطاء الاولوية لذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل؟ اما في الرقاب او ما ملكت ايمانكم فكانت آخر ما يفكر فيه ومايرد في القرأن والحديث " العبد اذن يأتي في المرتبة الاخيرة بعد الفئات الاخرى. يبدو ان دعم الاشخاص الاحرار يحظى بالاولوية على حساب دعم الشرائح المستعبدة. ان المرتبة المخصصة للجار ذي القربى وللجار الجنب اي المنتمي بعبارة اخرى الى ملة اخرى حسب بعض المفسرين ولابن السبيل تفسر قلة الحماس المبذول من اجل مساعدة العبد."7 ما يهم محمد الناجي من هذا كله هو الاقتراب من خلال المنهجية التاريخية والدراسة النقدية للغة اكثر ما يمكن الى الدينامية الاجتماعية لفهم كيف تنتج البنيات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، الى جانب علاقات القوة و السلطة، الاسترقاق كآلية سلطوية مادية ورمزية دينية للانفراد بحق السلطة والمكانة و التملك، ليس للثروة فحسب، بل للانسان، وليس فقط التحكم في جسده بالبيع والشراء، بل اخطر من ذلك السيطرة على روحه وأمل خلاصه. الشيء الذي جعل هذا الواقع العربي الاسلامي في سيرورته التاريخية يزخر بأنوع مختلفة من العبودية، من التملك الشامل الى العبد المكاتب والعتق العابر وما يترتب على المولى من التزامات عبودية لا فرار منها، فهو مدنس وله عشرات من الاسماء التي توثق بيوغرافيته الاسترقاقية أبا عن جد، في مجتمع كانت تحركه مصالح الجماعة المهيمنة المهتمة بحرية تحرير العبيد من اصل عربي . فمثلا " في الحالة التي يكون فيها العربي قد أنجب طفلا مع امرأة أمة لايملكها، وهو أمر مذموم من الناحية الاخلاقية، كان من حقه استرداد ابنه الحر مقابل التنازل عن عبدين اثنين. ومن ثم فمقابل عبد محرر يكون قد دخل في العبودية شخصان آخران، ان التحرير لم يكن يعني توسيع دائرة الحرية، بقدر ما كان تكريسا لمجموعة تدافع عن حرية ذويها، وبالتالي لم يكن من شأن مثل هذه الممارسات الا تشجيع الطلب في سوق العيد"8 رابعا - سبح اسم ربك الأعلى " ان النصوص وان تشكلت من خلال الواقع والثقافة تستطيع بالياتها ان تعيد بناء الواقع ولا تكتفي بمجرد تسجيله او عكسه عكسا اليا مرآويا بسيطا... ان جدلية النص والواقع ليست جدلية بسيطة، فالواقع يتحول في اللغة الى ألفاظ تدخل في علاقات تركيبية بناء على قوانين خاصة هي قوانين اللغة...وقد رأينا هنا كيف ان النص الذي يخاطب محمدا ويستجيب لهمومه التي هي هموم الواقع يتجاوز موقف الاستجابة السلبي الى محاولة صياغة واقع جديد، صياغة الايديولوجية التي طال البحث عنا في دين ابراهيم".9 هذه العلاقة المعقدة بين الفكر والواقع هي التي خاض غمارها الباحث محمد الناجي، اذ يعود الى الجذور الاولى لعلاقة السيد بعبيده، مشيرا الى علاقة اليمنيين بملوكهم. " وحتى بعد مجيء الاسلام فان علامات الاسترقاق في اشكال التعبير عن طاعة امير المؤمنين والتي تذهب الى حد الركوع لم يكن ينظر اليها دائما باعتبارها بدعا مذمومة منبوذة بحيث كانوا يعتبرونها جزءا لا يتجزأ من عبادة الله، من خلال طاعة خلفائه في الارض."10 وأغنى الباحث مقاربته بالارتكاز على التناول النقدي للبعد اللغوي المعجمي من جهة، ولواقع العلاقات الاجتماعية لتلك الفترة من جهة اخرى، كما عاد الى التصورات والمعتقدات الدينية، خاصة في كل مايتعلق بالحقل اللغوي الدلالي الاجتماعي للعبودية في تقاطعها مع كل سمات وخصائص الاذلال والاسترقاق والاستعباد والتزلف والتقرب والهبة والخدمة والخضوع والخشوع الى درجة الانكار والسحق والدوس، بما يناسب حق التصرف في كل ما يقع تحت اليد بالقوة والسيف والمال، ومانتج عن هذا من تسلط وقهر وتجبر وطغيان موازي لسطوة الالهة في رحمتها وعقابها." العبادة هي قبل كل شيء اعتراف بالنعمة الاولى نعمة الحياة" وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا". من ثم نفهم معنى السحق والدوس، اي اعدام المرء، كما هو الشأن في الموت،وعدم السماح له بالحياة الا بصفته مخلوقا وصنيعا للسيد."11 تكشف المقاربة الاسترقاقية للسلطة والدين التي يعتمدها محمد الناجي عن جدل التكامل بين الارض والسماء، بين النص والواقع، وهذا ما يشكل مدخلا لفهم كل علاقات القوة والقهر والرحمة والعفو والسلطة والولاء... بين الله وعباده، بين السيد وعبيد، بين الملك والرعية، مما يجعلنا ندرك كيفية تشكل الدين والسلطة معا من طمي الارض " من في الارض عبيد لمن في السماء. لنفهم من كلمة السماء هنا الشرف والرفعة التي تتولد عن الشرف، وكذا السلطان الناتج عنهما. من ثم فان العابد يوجد في وضعية الاسترقاق الكامل، بحيث يجرد نفسه من اية مبادرة امام القوة، اي انه يقول في نفسه " انا عبد ضعيف لا املك لنفسي اجتلاب نفع ولا ضر كالممالك والعبيد". ووراء النعم يبقى رضى السيد هو موضع العبادة. ان الاحالة على الاستعباد الارضي لازمة ولا فكاك منها".12 فالكثير من الذل والقهر والدوس للكرامة الانسانية الذي يهرب منه الانسان بحثا عن اطمئنان داخلي بآلية دفاعية تمنح وهم الخلاص والراحة مؤقتا، سرعان ما يجد نفسه في دائرة معاودة انتاج علاقات الانتاج الاجتماعية الاسترقاقية. يتم هذا دون وعي منه بتاريخية تشكل البنية الدينية الاجتماعية الثقافية للعبودية، وكيف تحايل السيد الارضي فاعتلى السماوات السبع لاكتساب شرعية نزوة سطوته وتسلطه في الارض يخلق ما يشاء ويفعل ما يريد من القهر والاذلال والوسم للناس باعتبارهم ما دون البشر، اي مجرد بهائم خاضعة لكل اشكال التعسف والتجاوز." ان العبد بصفته نموذجا كاملا للذات المستعبدة، هو في الحقيقة معدود في خانة الدواب...من بين التسميات التي تطلق على العبد نجد القيان من البعير وهي كلمة تعني موضع القيد من وظيفي يدي البعير. فالقوة المطلقة هي مولدة الاسترقاق الذي تسعى الى اضفاء المشروعية عليه في الزمن من خلال نزع الطابع الانساني عن ضحاياها. هناك تقابل بين الحر الخالص والعبد الخالص، او العبد زلمة."13 وفي هذا السياق نفهم المعجم الفقهي والديني عامة الى جانب اللغة السياسية المتداولة بشأن استعمال مصطلحات الراعي والرعية والخضوع والمعارضة فهي ذات جذور ما دون خط البشر بالمعنى الاسترقاقي الخالص." ذلك ان الدواب يجري تصنيفها بحسب درجة الانقياد. فالناقة الريض هي التي تنفر وتستعصي على الانقياد والعسير صعب الترويض والقضيب الصلب غير الذلول والعروض الدابة التي تبدي مقاومة عنيفة. .. الدابة المعاندة ذات القوائم الاربعة هي التي منحت في اللغة السياسة العربية الحديثة اسمها للمعارضة".14 ان تشريح التاريخ الاجتماعي السياسي العربي الاسلامي من قبل الباحث محمد الناجي، من زاوية المقاربة الاسترقاقية لفهم اسس تكون وتطور و تواصل سيرورة الاليات السلطوية الاسترقاقية عبر التاريخ الى يومنا الراهن، يبين بجلاء الاعتماد المتبادل لجدل التكامل والتآزر بين السلطة والدين ، الشيء الذي يجعل من الصعب الاعتقاد باشتغال الاليات السلطوية الدينية للعبودية بمعزل عن السياقات التاريخية الاجتماعية السياسية للاسترقاق، وبالتالي لا داعي للحديث عن الحرية في الاسلام، بل بالأحرى لا كرامة إنسانية في الرسالة والتاريخ ونحن نستحضر وطأة هذا العبء التاريخي لضحايا العبودية والرق والجواري...لان قيم الخنوع والخضوع والذل والاسترقاق هي التي سادت وانتصرت، خاصة ونحن نرى مع محمد الناجي كيف شكل الواقع النص الديني، وهو يمتح وينهل من المعجم اللغوي الاجتماعي التاريخي في دلالاته وعلاقاته، ومن سياقات الدينامية الاجتماعية حتى أنتج معادلا له في السماء يغرف من وحل الأرض القصص والأمثال في العبادة والعبودية وفي السمع والامتثال والطاعة. " الطاعة المقصودة هنا تلجأ الى صورة نحر الذبيحة الكلي، هو الفداء والتضحية التامة. ان وضعية المؤمن في صلاته هي إعادة إنتاج رمزية تستحضر باستمرار هذه الصورة. ينبغي ان يسرع العبد للاستجابة لطلب سيده. وهذا ما تعبر عنه بقوة العبارة الشهيرة " سبحان الله" وهي تعني السرعة والخفة في طاعته. كانت هذه العبارة تستعمل في البدء في خدمة الأسياد"15 الهوامش 1- محمد الناجي: العبد والرعية ترجمة مصطفى النحال المكتبة الوطنية ط1 س 2009 ص 303و304 2- المرجع نفسه ص 36 3- المرجع نفسه ص 72 4- نفسه ص 72 5- نفسه ص 73 6- نفسه ص 37 7- نفسه ص 45 8- نفسه ص 67 9- نصر حامد أبو زيد مفهوم النص المركز الثقافي العربي ط2س2000 ص69 10- محمد الناجي العبد والرعية ص 75 11- نفسه ص 74 12- نفسه ص 74 13- نفسه ص 77 14- نفسه ص 78 15- نفسه ص 79
#لحسن_وزين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
النساء والشريعة
-
الاستثقال الديمقراطي
-
القحبة والخرقة البالية
-
انهيار سد الفم..من تداعيات قطع لسان حكاية الراس المقطوع
-
العذراء ترش قليلا من افيون الساعة على الخبز الحافي
-
القديس محمد شكري
-
مجنون الحياة
-
حفلة التلقي قراءة في رواية عبد الرحمان منيف الان ..هنا ج1
-
حفلة التلقي ج2
-
رن الهاتف..انا قادم
-
استراتيجية الاسئلة
-
الشيخ والمريد
المزيد.....
-
صدق أو لا تصدق.. العثور على زعيم -كارتيل- مكسيكي وكيف يعيش ب
...
-
لفهم خطورة الأمر.. إليكم عدد الرؤوس النووية الروسية الممكن ح
...
-
الشرطة تنفذ تفجيراً متحكما به خارج السفارة الأمريكية في لندن
...
-
المليارديريان إيلون ماسك وجيف بيزوس يتنازعان علنًا بشأن ترام
...
-
كرملين روستوف.. تحفة معمارية روسية من قصص الخيال! (صور)
-
إيران تنوي تشغيل أجهزة طرد مركزي جديدة رداً على انتقادات لوك
...
-
العراق.. توجيه عاجل بإخلاء بناية حكومية في البصرة بعد العثور
...
-
الجيش الإسرائيلي يصدر تحذيرا استعدادا لضرب منطقة جديدة في ضا
...
-
-أحسن رد من بوتين على تعنّت الغرب-.. صدى صاروخ -أوريشنيك- يص
...
-
درونات -تشيرنيكا-2- الروسية تثبت جدارتها في المعارك
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|