|
قراءة في تاريخ العلاقات العراقية التركية
جاسم محمد دايش
كاتب وباحث
(Jasem Mohammed Dayish)
الحوار المتمدن-العدد: 5923 - 2018 / 7 / 4 - 04:17
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تبرز أهمية العلاقات العراقية التركية بكونها ذات أبعاد متداخلة ، إذ خضع العراق للسيطرة العثمانية منذ دخول السلطان العثماني سليمان القانوني بغداد عام(1543م)،واستمرت هذه السيطرة حتى نهاية الحرب العالمية الأولى عام (1918) , ومع انهيار الدولة العثمانية عام (1918) ، ومن ثم إعلان الجمهورية التركية عام (1923) التي تبنت التوجهات العلمانية وتغيير وجهتها نحو أوربا بدل المشرق العربي ، وصلت العلاقات التركية مع دول المشرق العربي إلى مفترق الطرق . مرت العلاقات الثنائية بين تركيا والعراق منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة عام (1921) , بالكثير من العراقيل والصعوبات ، لاسيما أثر مطالبة الأتراك بعد تشكيل دولتهم الحديثة في أعقاب الحرب العالمية الأولى عام (1923) ، بولاية الموصل ( الموصل ، وكركوك ، وأربيل ، والسليمانية ، ودهوك ) ، وانتهاء هذه المشكلة التي عرفت بـ(مشكلة الموصل) بصيرورة ولاية الموصل جزءاً من العراق ، أثر قرار عصبة الأمم المتحدة سنة (1926) ، وتوقيع الاتفاقية العراقية– التركية ، ومنذ ذلك الوقت سارت العلاقات في طريقها الطبيعي . وتحكم العلاقات القائمة بين العراق وتركيا جملة عوامل وأسس تاريخية واقتصادية ودينية وثقافية ، نابعة من مواريث دينية والعلاقة التاريخية كون تركيا قد استعمرت العراق لردح طويل من الزمن ، وبعد تفكك الدولة التركية والاستيلاء على ممتلكاتها من قبل الدول الأوربية ، وتحولها إلى دولة منكفئة على داخلها، لم يعد لها ممكناً إلا أن تقيم علاقات حسن جوار واحترام سيادة وتوجهات الدول الأخرى ، إلا أن الحال لم يكن كذلك ، نظراً للتشابك في المشكلات مع الدول المجاورة لها ، وبخاصة العراق وسوريا والى حد ما إيران ، وكانت تحل معظم المشكلات من خلال أما ضغوط الدول التي ورثت الهيمنة التركية عليها، أو تغليب المصالح، وبالنظر لعدم قدرة تركيا لحسم موضوعة الأكراد، ظلت على مر التاريخ الحديث إلى السعي لتلمس تفاهمات تساعدها في كبح جماح التطلع الكردي ، ناهيك عن رغبتها في توسيع قاعدة العلاقات الاقتصادية كالنفط والتجارة بجانب التفاهمات الأمنية . أعلنت الجمهورية التركية اعترافها رسمياً بالعراق منذ عام 1927 ، بعد إزالة أسباب الخلافات بينهما أثر توقيع ( معاهدة الحدود الثلاثية ) ، واتفاقية ( حسن الجوار بين العراق وتركيا وبريطانيا في عام 1926) . وبموجب هذه المعاهدة ، قابل ذلك حصول تركيا على (10%) من عائدات النفط المستخرج من ولاية الموصل لمدة (25) عاماً ، وإقامة علاقات حسن الجوار والتعاون المشترك بين العراق وتركيا . كان العراق بحاجة كبيرة للتواصل مع تركيا بحكم الحقبة الطويلة من الاحتلال العثماني للعراق، فيما يخص النواحي الإدارية والثقافية . فعلى سبيل المثال كل ما يتعلق بأوراق ( الطابوو ) تسمى شعبياً (السند الاسود) وأوراق التسجيل لكل ممتلكات كل شخص عراقي كانت موجودة في اسطنبول ، والتي كانت تخص الممتلكات أبان السيطرة العثمانية . فضلاً عن سجلات الأوقاف والتعداد السكاني وملكية الأراضي الزراعية . والتي كانت تهتم بها الدولة العثمانية ، كونها تشكل الجزء الأكبر من الفائض المنزوع من العراق لصالحها بفعل الضرائب . وفي عام 1930 تم عقد معاهدة بين بريطانيا وتركيا والعراق , لتطوير تلك العلاقات التي قامت على حسن الجوار والتنسيق والتعاون لضبط أمن الحدود والاتفاق على استثمار النفط والتجارة ، وجرت مباحثات حول هذه المسائل بين (نوري السعيد) وزير خارجية العراق آنذاك ، وبين رئيس وزراء تركيا (عصمت اينونو) ووزير خارجيته (توفيق رشدي) من أجل تحسين العلاقات مع العراق بعد تسوية مشكلة الموصل . وفي ( عام 1932 تم عقد معاهدة اقتصادية ) ، تمنح لكل منهما معاملة الدولة الأولى بالرعاية ، فيما يتعلق برسوم الإدخال والإخراج ، ثم أخذت العلاقات بين البلدين تشهد تطورات مهمة ،لاسيّما على الصعيد الاقتصادي. إذ إنَ الاستيرادات في العام (1932) شهدت تحسناً ملحوظاً على عكس العام (1933 و1934)، إذ شهدت ارتفاعاً مرة أخرى في العام (1935)، وتراجعت في السنوات التي تلتها. وفي عام 1937 تم عقد (ميثاق سعد آباد ) بين العراق وتركيا وإيران وأفغانستان ، الموقع في قصر سعد آباد في طهران في (8 تموز 1937) ، وعبرت دول الميثاق تلك عن إدراكها لضرورة تشكيل كتلة إقليمية متعاونة ، لحماية أمنها وضمان مصالحها ، وبلور الميثاق ( ظاهرة التضامن الإقليمي لمواجهة التهديدات المشتركة ) ، وبعد توقيع الميثاق سارت توجهات السياسة الخارجية نحو التعاون الإقليمي , إذ أكدت هذه الدول على: 1. الامتناع المطلق عن أي تدخل في شؤونهم الداخلية. 2. حرمة الحدود المشتركة. 3. التشاور فيما يخص كل الاختلافات التي لها صبغة دولية، ولها علاقة بمصالحهم المشتركة. 4. الامتناع عن العدوان. وفي عام (1940) تم عقد اجتماع بين العراق وتركيا ، أثر التطورات الموقفين الدولي والإقليمي في أعقاب النكسات العسكرية لقوات الحلفاء والاحتلال النازي لفرنسا . وتطرق الوفد العراقي (نوري السعيد وزير خارجية العراق وناجي شوكت وزير العدلية) إلى احتمالات تنازل حكومة فرنسا الخاضعة للنفوذ النازي عن سوريا لصالح ايطاليا ، وقد رد وزير الخارجية التركي بالقول (أن تركيا تنازلت بموجب معاهدة لوزان عن حقوقها في البلدان التي انسلخت عن الدولة العثمانية ، وأن تركيا لا ترغب في الدخول إلى سوريا أو أية دولة أجنبية ، وأنها تتمنى أن تكون سوريا دولة مستقلة) . وفي عام ( 1945 ) تم وضع مسودة لاتفاقية جديدة بين العراق وتركيا من اجل ضم تركيا إلى (جامعة الدول العربية) ، وعند عرض هذه المسودة على تركيا أكدت الأخيرة ضرورة توثيق التعاون الثنائي مع العراق دون الدخول لعضوية الجامعة العربية ، ووافق الطرفان على وضع صيغة نهائية للأسس التي شملت التعاون في المجالات الآتية: 1.التعاون على صعيد السياسة الخارجية على أساس تحالف البلدين مع بريطانيا، وعضويتهما في منظمة الأمم المتحدة، ولقدرة تركيا للتأثير في إيران وأفغانستان، فإن السياسة الخارجية للأخيرتين ستتأثر بطبيعة العلاقات بين تركيا ودول الجامعة العربية، وبذلك يتحقق التنسيق بين دول ميثاق سعد آباد والجامعة العربية لتحقيق المصالح المشتركة. 2.التعاون الاقتصادي اعتماداً على مبدأ المعاملة الأكثر حظوة. 3.التعاون في الأمور المالية. 4.التعاون في مجال المواصلات بين العراق وتركيا وإيران لتوثيق الروابط الاقتصادية وتنميتها، وتطوير العلاقات الاجتماعية والسياسية. 5.التعاون في المجالات الثقافية . وفي عام (1946) جرى أبرام اتفاقية بين تركيا والعراق , وهي اتفاقية صداقة وحسن جوار . والتي تؤكد على ( السيطرة المشتركة على الأنهار من الدولتين وتوثيق العلاقات بينهما) . وقد أخذ العراق تعهد على تركيا بأن لا تقيم أي بناء على نهري دجلة والفرات إلا بموافقة العراق . فيما عقدت تركيا مع العراق حلفاً في (24 شباط 1955) ، وهو نواة ( لحلف بغداد ) الذي انضمت له تباعاً كل من بريطانيا وإيران وباكستان ، وقد أيدت الولايات المتحدة الأمريكية هذا الحلف وشاركت في لجانه ، وبذلك دخلت العلاقات العراقية– التركية مرحلة جديدة في التطور على الصعيد الرسمي . وأن حلف بغداد الذي أدى إلى توطيد العلاقات بين العراق وتركيا ، وضمان الدفاع المشترك وتوسيع حجم التبادل التجاري والدبلوماسي والعلمي بين الطرفين ، حتى قيام ثورة (1958) ، لكن تركيا التي قررت الانسحاب منه في (24 آذار 1959) لأسباب ترى من مصلحتها الانسحاب منه . أدت ثورة (14 تموز 1958) في العراق إلى توتر العلاقات بين العراق وتركيا ، ولا سيما إذا عرفنا أن تركيا كانت راغبة في التدخل عسكرياً لتقويض الثورة ، لأن الحكومة التركية أفصحت عن نيتها بالتدخل في الأوضاع الداخلية للعراق ، إذ تحرك الجيش التركي نحو الجنوب ، وإن النشاط الأمريكي القوي وإبداء النصيحة لعدنان مندريس حال من دون ذلك . بسبب معارضة الولايات المتحدة الأمريكية لفكرة التدخل العسكري التركي في شؤون العراق الداخلية، إذ كان الأمريكان مترددين تماماً في استخدام أية حجة يطرحها الأتراك لغزو العراق، وكانوا واثقين من أن الأتراك لم يقدموا على أي عمل ضد العراق وحدهم ، من دون تقديم الدعم والإسناد الأمريكي، وهذا ما أكده عصمت اينونو، فيما بعد أمام المجلس الوطني عام (1963) بقوله :"إن الحكومة التركية أرادت قمع ثورة 1958في العراق،بإرسالها الجيش إلى هناك لكن حلفاء تركيا نصحوها بالتريث". وبعد استقرار الأوضاع السياسية في العراق ، أخذت الصحافة التركية تغيّر لهجتها ومواقفها تجاه الثورة ، وبدأت تنشر الأخبار عن استقرار الحالة الأمنية في العراق ، وسير الأمور فيه على وفق مجراها الطبيعي ، ونشرت الصحافة التركية البيانات التي قدمتها السفارة العراقية في أنقرة ، والتي أوضحت فيها أهداف الثورة في العراق ، وكون الحركة الوطنية التي قامت فيه هي حركة داخلية ، كما نشرت تركيا أنباء اعتراف العديد من دول العالم بالنظام الجديد في العراق ، وعلى رأسها الاتحاد السوفيتي . وأعلنت تركيا في (31 تموز 1958) ، اعتراف حكومتها عن طريق السفير التركي في بغداد (بهجت اركمان) بحكومة الجمهورية العراقية ، وعلى الرغم من اعتراف الحكومة التركية بالنظام الجديد في العراق، إلا أن عدنان مندريس رئيس الوزراء وحزبه الديمقراطي الحاكم، لم يستطيعا تجاوز موقفهم السابق، من عدم الارتياح والرضى لما جرى في العراق، ولعل هذا ما دفع عبد الكريم قاسم بالتعليق على الاعتراف التركي بقوله، "إننا نؤمن بأن مصدر اعتراف تركيا بالجمهورية العراقية هو الشعب التركي. وعندما قام انقلاب (8 شباط 1963) في العراق سارعت تركيا على الاعتراف به . لكن لتركيا موقف سلبي من ( لميثاق 17 نيسان 1963 ) الذي عقد بين العراق وسوريا ومصر , وهو موقف بطبيعة الحال معادي لأي اتحاد عربي يقع على حدود تركيا الجنوبي . وهذا أزم الموقف مع العراق ، لاعتقادها بأن ذلك يشكل خطراً مباشراً على مصالحها . واصلت تركيا مواقفها السلبية تجاه محاولات العرب الوحدوية ومحاولة إجهاضه . إذ دعت تركيا إلى اجتماع طارئ للجنة العسكرية في الحلف عقد في استانبول في (28 نيسان 1963)، حضرته وفود الحلف وضمت رئيس هيئة قيادة القوات المشتركة الأمريكية، ورئيس هيئة الدفاع البريطانية ، ورؤساء قيادات القوات المشتركة، في كل من تركيا وإيران وباكستان، ولم يذع شيء عما دار في اجتماعهم سوى الإعلان عن أنهم بحثوا ما سموه بـ "استراتيجية الدفاع الإقليمي في حالة وقوع عدوان أجنبي . وهكذا عندما تؤكد الأوساط السياسية في تركيا، إخفاق الأقطار العربية الثلاثة (العراق، ومصر، وسوريا) في تحقيق الوحدة الاتحادية الثلاثية ؛ بسبب حالة الشك وعدم الثقة التي ظهرت عقب إعلان ميثاق(17نيسان 1963)، عندئذ أبدت السلطات التركية ارتياحها لهذا التطور، والذي يعني أن تركيا سوف تقيم علاقات مع العراق القائمة، على أساس تكوين علاقات ثنائية مع الأقطار العربية، بما يتوافق وظروف كل دولة على حده . شهد عاما (1965و1966) عدداً من الاتصالات واللقاءات بين المسؤولين الأتراك والعرب ومنها العراق، الذي قام بإرسال العديد من الوفود إلى تركيا ، ولعل أبرزها تلك الزيارة التي قام بها وزير الدولة للشؤون الخارجية الأسبق ، (عدنان الباجة جي ) في السابع من نيسان (1966) إلى تركيا ، وهي الزيارة الأولى من نوعها منذ قيام ثورة الرابع عشر من تموز، وكان (الباجة جي ) فور وصوله إلى أنقرة ، قد قابل رئيس الجمهورية التركية بالوكالة إبراهيم شوقي، وسلمه رسالة من الرئيس العراقي عبد السلام عارف، أعرب فيها عن أمله في تنمية علاقات الصداقة بين العراق وتركيا ، كما أعرب عن أمل الحكومة العراقية بأن تقف تركيا موقفها المؤيد إلى جانب القضية الفلسطينية . وفي الثالث من تموز من 1966 ، قام (عبد الرحمن البزاز) رئيس وزراء العراق بزيارة رسمية إلى تركيا ، أعلن فيها مساندة العراق لتركيا في قضية قبرص . مقابل مساعدة تركيا للقضية الفلسطينية ، وأكد سليمان ديميريل رئيس الوزراء التركي في البيان المشترك الصادر في نهاية الزيارة تعاطف حكومته مع محنة اللاجئين الفلسطينيين العرب . وبعد تغير نظام الأخوين- عارف في (17 تموز1968) في العراق ، اعترفت تركيا بالتغير الجديد ، وهذا ما دفع الحكومة العراقية إلى تعزيز العلاقات الودية مع تركيا على أساس المصالح المشتركة وسياسة عدم التدخل بالشؤون الداخلية . وفي عام 1972 زار تركيا الرئيس العراقي أحمد حسن البكر على خلفية التحول في رؤية تركيا تجاه العراق، وتم توقيع البلدين على بروتوكول التعاون الاقتصادي والفني ، والذي عالج فيه موضوع المياه المشتركة عن طريق الاتفاق على وضع برنامج مَلءِ (خزان كيبان) ، بغية تأمين حاجات العراق من المياه ، وتضمن أيضا مد أنابيب النفط من كركوك إلى السواحل التركية على البحر المتوسط ، وقد أدى هذا المشروع إلى تنمية العلاقات بينهما في المجالين السياسي والاقتصادي ، فعلى سبيل المثال كانت هذه الأنابيب تدر على تركيا منافع اقتصادية هائلة قدرت بـ (250) مليون دولار سنوياً . وفي 27 آب من العام 1973 تم توقيع اتفاقية بين العراق وتركيا وبدأت العلاقات العراقية التركية بالتطور المستمر، بعد أن خفضت تركيا من دعمها للأكراد ، لبناء خط من كركوك إلى (Dortyol) في تركيا ، وتم تخصيص (350) مليون دولار لتنفيذ المشروع ، وهذا الخط ينقل النفط من الحقول العراقية إلى المراكز الصناعية التركية . وأن توقيع اتفاقية خط الأنابيب لم تكن مساومة بخصوص المشكلة الكردية . ووقفت تركيا موقفاً ودياً من العرب في حرب (تشرين الأول 1973)، إذ أكدت على مواقفها السابقة بشأن القضية الفلسطينية ، وبذلت حكومة (بولند أجاويد) بعد أزمة النفط عام (1973) ، جهوداً كبيرة لغرض تحسين علاقاتها مع الدول العربية لضمان استمرار إمدادات النفط . كما أن العديد من الدول العربية وقفت إلى جانب تركيا، على خلفية تدخلها العسكري في قبرص عام (1974)، وتركت المساعدات المقدمة من العراق والسعودية وليبيا إلى الجانب (التركي) في قبرص، أثرها الحسن في الرأي العام التركي . وفي آذار عام (1976)، قام الرئيس التركي (فخري كوروتوك) بزيارة رسمية للعراق . أعقبتها زيارة مماثلة لرئيس الوزراء التركي بولند أجويد . وعند اندلاع الحرب العراقية- الإيرانية والتي تزامن مع وقوع الانقلاب العسكري الثالث في تركيا عام (1980) ، عبرت الحكومة التركية عن موقفها من الحرب ، على لسان رئيسها التركي آنذاك كنعان افرين، بقوله: (نحن نأسف للحرب العراقية- الإيرانية ونقلق من ذلك، وأن تركيا بذلت ولازالت تبذل كل الجهود لإنهاء هذه الحرب بالطرق السلمية) . وفي الحرب العراقية الإيرانية كانت تركيا طريقاً رئيساً لكلا الطرفين المتحاربين إلى أوروبا وخاصة العراق، الذي صارت تركيا شريكاً رئيساً له،إذْ كانت تعد ممره إلى أوربا وأحدى طرق الإمداد الحربي طيلة سنوات الحرب . وعلى الرغم من تخلل السنوات1977 -1980 ببعض المشاكل الاقتصادية بين البلدين، ومن بينها هذه المشكلات إيقاف ضخ النفط عبر الأنبوب العراقي– التركي ، نتيجة الخلافات بين البلدين حول سعر النفط ورسوم مروره عبر الأراضي التركية ، والمشكلة الناجمة عن عدم إيفاء تركيا بالدين ، الذي بذمتها للعراق لتسديد المبلغ في الوقت المتفق عليه بين الجانبين ، لكنه تم بعد ذلك تسوية الموضوع بتصدير تركيا كميات من القمح إلى العراق لاحقاً . وفي مجال النقل البري والبحري، فقد عقدت اتفاقية النقل بين البلدين عام (1980)، بعد الإجراءات التي اتخذتها سورية بعدم السماح بنقل البضائع والسلع للعراق عن طريق السكك الحديد . وتمثلت الأعوام من ( 1981 إلى عام 1989 ) بنسبة تبادل تجاري كبيرة بين العراق وتركيا ، واشتملت على السلع الزراعية والغذائية مثل الحنطة والحبوب واللحوم والدهن النباتي ومعجون الطماطة والتبغ والبقوليات والغزول ، فضلاً عن المكائن والمعدات ووسائل النقل والسيراميك والحديد وحبيبات البلاستيك . وفي تشرين الأول (1984)، وقع العراق مع تركيا (اتفاقية المطاردة الحثيثة)، الذي بموجبه تبيح كل دولة لجيش الدولة الأخرى دخول أراضيها لعمق يصل إلى (10) كم ولمدة ثلاثة أيام ، لتعقب الانفصاليين الأكراد (المناوئين للنظامين) ، وكان المستهدف منه حزب (pkk)، وقد جمدته تركيا من جانب واحد عام (1988) ، وفي تلك المدة قامت تركيا بثلاث عمليات عسكرية داخل الأراضي العراقية بين عامي (1987-1988)، وتم تنفيذها بموافقة العراق . وفي عام 1986 تم عقد معاهدة بين العراق وتركيا تقضي بتزويد تركيا بالطاقة الكهربائية بمعدل (800) مليون كيلو واط / ساعة، على أن يتم زيادة هذه الطاقة في عام (1989) لتصل إلى مليار كيلو واط / ساعة، على أن تقوم اللجان الفنية بإجراء مباحثات تفصيلية للاتفاق على الصيغة النهائية لتنفيذ هذه الاتفاقية، مع العلم أن تركيا تسد احتياجاتها من الطاقة الكهربائية عن طريق استيرادها من الاتحاد السوفيتي وبلغاريا . وبين نهاية الحرب في آب (1988) وبداية أزمة الخليج في آب (1990)، برزت دلالات على أن العلاقات العراقية– التركية ، لن تكون طبيعية كما كانت في الماضي القريب ، وذلك لأن العراق كان أثناء الحرب يرتبط بعلاقات وثيقة مع تركيا ، وقد بات عليه الآن أن يحدد التأكيد على استقلاليته . وقد أقدمت تركيا في (13 كانون الثاني 1990) ، على قطع تدفق المياه في نهر الفرات باتجاه سوريا والعراق مدة شهر كامل حتى (13 شباط 1990) ، رغم احتجاج الدولتين . وبدأت الدوائر الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية بالتهيئة لحشد رأي عام دولي ضد العراق ، وكان لابد للولايات المتحدة الأمريكية من أن تلجأ إلى دول إقليمية في المنطقة للتأثير فيه ، ولاسيما تركيا التي بدأت بالتحول نحو موقف جديد في سياستها تجاه العراق . قامت الحكومة التركية بإصدار بيان في (2/آب/1990)، جاء فيه " (تشعر تركيا بالقلق لأن الأزمة التي كانت قائمة بين العراق والكويت، قد أدت إلى دخول القوات العراقية أراضي الكويت منتهكة سيادة دولة الكويت ووحدتها الإقليمية)، وصرح وزير الخارجية التركي في الوقت نفسه: (إن احتلال العراق للكويت غير مقبول وأن من الضروري للعراق الانسحاب منها). وما أن بدأت حرب الخليج الثانية في ليلة 16/17 كانون الثاني (1991) حتى أقدمت الحكومة التركية على سحب أعضاء السفارة التركية في بغداد من دون قطع العلاقات ، فضلاً عن قيام وزارة الخارجية التركية بممارسة الضغط على القنصلية العراقية في اسطنبول في (11/شباط/1991)، بحجة أن عدد الموظفين الموجودين لا يتناسب مع حجم أعمالهم حالياً . وفي عام (1996) الذي شهد توقيع مذكرة التفاهم مع الأمم المتحدة وشهد في أواخره تطبيق صيغة النفط مقابل الغذاء ، فقد حصل فيه تحسن نسبي في التبادل التجاري بين البلدين , ومنذ عام (1997)، استطاعت تركيا أن تكون في مقدم الدول التي تتعامل مع العراق , وأسهمت هذه الخطوة في تفعيل التبادل التجاري في هذا العام الذي وصل فيه إلى مبلغ (251) مليون دولار،بحسب سجلات اتحاد المصدرين الأتراك لسنة (1996). وفي عام (1998) شهد التبادل التجاري انخفاضاً واضحاً مقارنة بعام (1997)،إذْ أصبح (619) مليون دولار وبلغت الصادرات التركية منه (372) مليون والاستيرادات (247) مليون، ليكون الميزان التجاري فائضاً لصالح تركيا أيضاً بمبلغ (125) مليون دولار. بينما شهد عام (1999) تحسناً نسبياً في حجم التبادل التجاري الذي بلغ (661) مليون دولار، وكانت صادرات تركيا منه (247)، أما استيراداتها فقد كانت (414) مليون، ليسجل الميزان التجاري عجزاً لتركيا هذه المرة بمبلغ (167) مليون دولار. أما التبادل التجاري في عام (2000)، فإنه حقق زيادة في قيمته مقارنة بعامي (1998 و1999) ليصل إلى (858) مليون دولار. إذ بلغت الصادرات التركية (371) مليون والواردات(487) مليون، وليسجل عجزاً في الميزان التجاري التركي بمقدار (116) مليون دولار . ويعود هذا التطور اللافت إلى ارتفاع قدرة الجهات الاستيرادية العراقية على التعاقد، بسبب الزيادات التي حصلت في قيمة وكمية النفط التي يصدرها العراق بموجب مذكرة التفاهم، والتي تم رفع سقف الكميات المسموح بتصديرها . ومنذ العام ( 1999 إلى العام 2003 ) سجلت هذه السنوات عجزاً وبقيم ليست كبيرة في قيمة الصادرات والواردات من قيمة التبادل التجاري بين البلدين ، نظراً لمحدودية توافر العملات الأجنبية في العراق، وخضوع الاستيرادات والصادرات العراقية إلى الرقابة الدولية، بسبب العقوبات . وقد تضررت تركيا اقتصادياً من جراء الحصار الاقتصادي المفروض على العراق ، ورفض تركيا تدفق النفط بشكل طبيعي عبر أراضيها؛ بسبب الضغوط الأمريكية والقرارات الصادرة من الأمم المتحدة ضد العراق . اعتمدت هذه القراءة على المصادر التالية ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ - صموئيل هنتنغون ، صدام الحضارات: إعادة صنع النظام العالمي، ترجمة طلعت الشايب ، (بلا)، 1997. - احمد نوري النعيمي ، العلاقات العراقية– التركية : الواقع والمستقبل ، عمان ، دار زهران للنشر ، 2009. - عوني عبد الرحمن السبعاوي ،العلاقات العراقية- التركية 1932– 1958، جامعة الموصل، 1986 . - ويكيبديا الموسوعة الحرة ، حلف بغداد ، من على الموقع الالكتروني http://ar.wikipedia.org/wiki - إبراهيم الداقوقي ،صورة الأتراك لدى العرب ، مركز دراسات الوحدة العربية ، ط1، بيروت ، 2001. - رواء زكي يونس الطويل ، الحصار الاقتصادي على العراق واثره على نتائج برامج الاستقرار والتكييف الهيكلي في تركيا 1980- 1996، دراسات اقتصادية، العدد الاول، السنة الثالثة، 2001.
#جاسم_محمد_دايش (هاشتاغ)
Jasem_Mohammed_Dayish#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ماهية السلوك السياسي
-
فكرة الموازنة العامة للدولة
-
الاقتصاد السياسي جذوره ومفهومه
-
العوامل المؤثرة في الرأي العام
-
طبيعة التعاقب على السلطة في الدول العربية
-
الرأي العام المفهوم والنشأة
-
الرأي العام وأثره في السياسة العامة
-
التحديث السياسي مفهومه وتوجهاته
-
اللاعنف في المجتمعات الديمقراطية
-
-جان جاك روسو- حياة صنعت فكره السياسي
-
الاعتذار والتسامح أخلاق إنسانية
-
التعايش السلمي وقبول الاخر
-
الإصلاح السياسي في العراق ضرورة وطنية
-
الديمقراطية وحقوق الانسان
-
وسائل دعم مؤسسات المجتمع المدني
-
النظام السياسي الديمقراطي
-
مضمون المجتمع المدني والأصل
-
الديمقراطية والتنمية
-
مظاهر عدم الاستقرار السياسي في الدول العربية
-
الانتخابات في العراق ...العزوف والمشاركة
المزيد.....
-
الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي
...
-
-من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة
...
-
اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
-
تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد
...
-
صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية
...
-
الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد
...
-
هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
-
الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
-
إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما
...
-
كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|