أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - زانا كرداغي - اقتصاد السوق الاجتماعي والديموقراطية قرءة في اللعبة السورية















المزيد.....


اقتصاد السوق الاجتماعي والديموقراطية قرءة في اللعبة السورية


زانا كرداغي

الحوار المتمدن-العدد: 1499 - 2006 / 3 / 24 - 10:02
المحور: الادارة و الاقتصاد
    


يحاول النظام السياسي السوري القفز من فوق الحقائق من خلال التشبث بمعطيات أصبحت من الماضي في الوقت الذي يلون نفسه بالوجه الناصع للتغيرات العالمية تارةً، ويضع نفسه في الخندق المدافع عن القيم الاجتماعية والسياسية التي تتوافق ومصالح شعوب المنطقة تارةً أخرى.
إن هذه الإزدواجية في الموقف للتعاطي مع المتغيرات التي تشهدها الساحة العالمية منذ نهاية الثمانينيات من القرن الماضي يضع النظام السياسي في دمشق في مواقف صعبة، يضطر معها إلى التظاهر بإحداث تغيرات على الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتهلل أجهزة الإعلام كعادتها لتبشر بنزول الخير من السماء على أرض الوطن من خلال إطلاق مشاريع وبرامج إصلاحية اقتصادية وإدارية، لا تلبث أن تموت بعد صرخة الولادة العسيرة.
دائماً، تفيد الدروس التاريخية أن القضايا الصغيرة تتأزم وتصبح عصيةً على الحل، إذا تم التعامل الخاطئ معها، سواء أكان ذلك التعامل مقصوداً أم غير مقصود. وتحصد هذه القضايا في النهاية رؤوس أصحابها. هنا يكمن سر التعامل السوري مع القضايا والتحديات التي تواجه تطور المجتمع السوري، إذ يتميز هذا النظام باختزال جميع القضايا بدءاً من مجانية التعليم وحتى تحرير الجولان في شعارات تزين بها اليافطات، ولاشيء أكثر من ذلك.
بعد سلسلة المشاريع الإصلاحية الفاشلة منذ عام 2000 والتبرير لها، وجد النظام في دمشق نفسه في وضع حرجٍ جداً إلا أنه بذات الوقت نجح إلى حدٍ ما في توجيه الأنظار إلى المؤتمر العاشر للحزب وخرج بتبني مفهوم اقتصاد السوق الاجتماعي، هذا المفهوم الذي ظل عصياً على الفهم في المجتمع السوري، والذي يحمل في طياته إلتباساً خطيراً في حقيقة كونه جاء تلبيةً للضغوطات الخارجية، أم لمواجهة تلك الضغوطات، كما جاء في الخطاب الرسمي للنظام.
فالحقيقة، هي أن تبني النظام لهذا المفهوم جاء أولاً وقبل كل شيء تلبيةً لمصالح الفئات المستفيدة من الظروف السائدة في البلد منذ أربعة عقود. فقد وجدت تلك الفئات أن مصالحها بدأت بالاهتزاز نتيجة الاصطدام مع سيل التطورات الاقتصادية العالمية ومارافقها من تغيرات في بنى الأنظمة السياسية. لذلك نرى بأنها لجأت إلى تبني اقتصاد السوق من حيث أنه يخدم مصالحها وذلك بإضافة كلمة الاجتماعي لتبرير التدخل القوي للنظام السياسي في توجهات النظام الاقتصادي. معللاً ذلك بأنه محاولة لاختيار منهج لا يتماهى بأي صلة مع الليبرالية الجديدة.
على أية حال فالنظام السياسي السوري، قد وضع نفسه مرةً أخرى في مأزق يصعب عليه الخروج منه بتبنيه لمفهوم اقتصاد السوق الاجتماعي، نظراً لاستحالة أن يتمكن نظام فردي قائم على فلسفة إنكار الآخر، أياً كان صفته وحجمه، من إقامة معادلة توافقية بين ليبرالية السوق القائم على حرية الطلب والعرض، والدفاع عن مصالح الطبقات الدنيا في المجتمع والتي بدأت أصلاً بالتدهور خلال العقود السابقة.
أياً كان المستفيد من طرح منهج اقتصاد السوق الاجتماعي، وأياً كانت التبريرات التي يسوقها المستفيدون من طرح هذا المنهج, فإن ما يهمنا هنا هو إمكانية تطبيق هذا المنهج في الاقتصاد السوري الذي يعيش ترسبات عقود تميز فيها النظام بالشمولية السياسية والاقتصادية والثقافية والفكرية إلى حدٍ ما، واليوم يعيش إنكساراته. إن البحث عن الجواب الموضوعي يفرض الغوص في الأعماق التاريخية للمفهوم المطروح وعلاقته بالشمولية أو بالديموقراطية، وذلك للتمكن من وضع الأجوبة المناسبة للسؤال المطروح.
أولاً: اقتصاد السوق الاجتماعي، تطور في المفهوم
ان النظرية الماركسية – اللينينية وما تمخضت عن تطبيقها في الاتحاد السوفياتي السابق في بداية القرن العشرين، كانت السباقة للاهتمام بالجانب الاجتماعي في الاقتصاد من خلال طروحاتها المناهضة تماماً للنظام الرأسمالي وتبنيها لقضايا العمال، من خلال إلغاء دور آليات السوق في التنمية الاقتصادية.
حقق النموذج السوفياتي مكاسب كثيرة على صعيد مجانية التعليم والصحة والاهتمام بالبحث العلمي والصناعات الثقيلة، وذلك من خلال برامج تنموية لخصت في الخطط الخمسية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية.
بدأت الدول الأوربية الغربية الأكثر تطوراً، وخصوصاً التي حكمتها أحزاب اشتراكية ديموقراطية، كالدول الاسكندنافية وألمانيا وفرنسا، بعد أن تبنت هذه الأحزاب وقياداتها التاريخية ولاسيما في بريطانيا ثم السويد ثم ألمانيا الاتحادية والنمسا وفرنسا وإيطاليا وغيرها لهذا النظام(السوق الاجتماعي) ,لأنها تتبنى قضايا العمال, وقوننت معالجتها في إطار حوار إجتماعي متعدد الأطراف.
لقد أدى بروز النموذج السوفياتي للاهتمام بالجانب الاجتماعي في الاقتصاد ومنحه الأولوية المطلقة إلى تعميق حالة الانشقاق الموجود أصلا بين طبقات المجتمع الرأسمالي المتضارب المصالح والذي دخل مرحلة أزمة خانقة في عام 1929 واستمرت حتى عام1932، وأدت إلى القذف بملايين العمال إلى خارج دائرة الإنتاج، وبالتالي دائرة الاستهلاك. في حينها فقط أدرك النظام الرأسمالي حقيقة الخطر السوفياتي الزاحف باتجاه الغرب، مما حدا بالاقتصاديين من أمثال كينز والأحزاب الاشتراكية الديموقراطية أن تتبنى استراتيجية تسوية تاريخية لإزالة العداء التاريخي بين المنتجين وقوى الإنتاج في النظام الرأسمالي بتطبيق اقتصاد السوق الاجتماعي، الذي حقق نتائج رائعة جداً، خصوصاً في النموذج السويدي الذي بدأ منذ عام 1932، وذلك بمزاوجة مصالح أصحاب رؤوس الأموال والعمال، باختيار طريق المفاوضات بين نقابات العمال ونقابات أصحاب رؤوس الموال، وقد حققت هذه الاستراتيجية الغربية نتائج إيجابية جداً في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية.
ومما تجدر الإشارة إليه هو أن هذه الدول التي تبنت استراتيجية اقتصاد السوق الاجتماعي، هي دول صناعية تتميز بإنتاجية عالية لوسائل الإنتاج وتحقق فائض اقتصادي كبير يتم تخصيص جزء منه للتأمين في جميع المجالات الاجتماعية كالصحة والتقاعد والتعليم والسكن. كل ذلك إلى جانب توفير مناخ صحي لإقامة منظومة ديموقراطية شاملة قادرة على منح كل ذي حق حقه، في ظل سيطرة تامة للنظام القانوني.
توج هذا التزاوج مابين الإنتاجية العالية لوسائل الإنتاج وتوفير المناخ الديموقراطي بنجاح فلسفة اقتصاد السوق الاجتماعي في الدول الغربية، وذلك لمنع الزحف الشيوعي باتجاه الغرب.
ثانياً: التعارض النسبي للنظام العالمي المعولم مع اقتصاد السوق الاجتماعي
إن أهم مسألة مطروحة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي والمنظومة الاشتراكية على الصعيد العالمي هي: ما مصير المكاسب الاجتماعية التي حققتها الطبقات العمالية في النظم المتقدمة بعد انهيار أكبر منظومة معادية للنظام الرأسمالي. فلا شك أن المعطيات على الصعيد العالمي قد تغيرت ملامحها، وما كان يخشى منه بالأمس، اليوم هو جزء من الماضي.
بدأت الدول الغربية تقلص من حجم برامجها الاجتماعية وتغير قوانين العمل بما يتوافق مع مصالح أصحاب رؤوس الأموال والشركات المتعددة الجنسية و دون إعطاء اعتبارات كبيرة للمخاطر الاجتماعية. لذلك لوحظ أن الأحزاب اليسارية بدأت بالانتصار في الانتخابات البرلمانية في كل من ألمانيا وفرنسة وبريطانيا وغيرها في تسعينيات القرن الماضي. وذلك في إطار ردة فعل اجتماعية على التطورات العالمية في الحقبة ما بعد الاشتراكية
إذا كل ذلك يندرج في إطار رد الفعل الاجتماعي للمعطيات العالمية الجديدة، وتوسع نشاط مؤسسات المجتمع المدني للحفاظ على المكاسب المتحققة من قبل الطبقات الدنيا في المجتمعات المختلفة، إلى جانب التوسع الكبير لدور الشركات عابرة القومية في رسم الخارطة السياسية والاقتصادية للعالم نتيجة هيمنتها الاقتصادية وتفوقها العلمي والتكنولوجي الذي يضع العقبات أمام تنمية دور مؤسسات المجتمع المدني. خاصةً إذا أدركنا أن العولمة لم تمنح حرية التنقل للرؤوس الأموال البشرية بالدرجة التي منحتها لتحرك الأموال على الصعيد العالمي.
فقد أدى هذا التحرك المرن للأموال على الصعيد العالمي إلى تقويض دور الحكومات والمؤسسات المدنية على حدٍ سواء، وأدى في كثير من الحالات إلى تراجع مستوى التنمية الاجتماعية على الصعيد العالمي، حيث تشير معظم الدراسات إلى تزايد حدة الفقر وانتشار الأوبئة والتلوث في الوقت الذي زاد فيه عدد أصحاب المليارات في عام 2005 بنسبة 15% عن عام 2004 . كان لمنطقتنا حظاً وافراً من بينهم، لعل كان اسم هند الحريري أبنة الأثنين والعشرين ربيعاً هو الأكثر إلتفاتاً للانتباه.
إذاً يمكننا أن نحدد دور العولمة المناقض لاقتصاد السوق الاجتماعي من خلال عدة أوجه:
1-تراجع دور دولة الرفاه الاجتماعي، لدرجة أن منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية تحذر توني بلير من زيادة النفقات الصحية والتربية، في إشارة إلى أهمية عدم تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية و الاجتماعية.
2-الاندماج بين الشركات الكبيرة، قد أدى إلى تسريح الألاف من العمال في دول الشمال والجنوب على حد سواء، وأدى إلى قبول العمال بالظروف الصعبة للعمل خشية أن يجدوا أنفسهم خارج دائرة الإنتاج، وانتشار ظاهرة العقود قصيرة الأجل عوضاً عن العقود طويلة الأجل، مما أدى إلى توسع نطاق الحركات المناهضة للعولمة، واتخاذها أحياناً لطابع العنف.
3-انتشار ظاهرة تشغيل الأطفال والنساء، حيث تشير الإحصائيات إلى أن نسبة النساء العاملات(العمالة الرخيصة) في المصانع التي نزحت من الشمال باتجاه الجنوب، مثل الألبسة والأجهزة الإلكترونية،تتراوح مابين 70% إلى 90% من إجمالي العاملين فيها.
4-انتشار ظاهرة اقتصاد الظل في الدول المتخلفة على وجه الخصوص، والذي يلعب دوراً كبيراً في التهرب الضريبي والحد من حجم الإيرادات العامة للدول، وبالتالي التأثير الفعال على دور الدولة في التنمية الاجتماعية.
ثالثاُ: وهم خصوصية الاقتصاد السوري
طرح هذا المفهوم للتداول في بورصة المصطلحات التي انتشرت في سورية في السنوات الأخيرة، دون أن نعرف ما المقصود بها، وما أبعاده، وهل هذه الخصوصية هي ظاهرة إيجابية أم سلبية؟ وهل تعني هذه الخصوصية أننا نعيش خارج المجموعة البشرية؟
فالواضح من خلال التصريحات الرسمية في البلد أن خصوصية الاقتصاد السوري هي حالة صحية ينفرد به الاقتصاد السوري، ويتميز من خلاله عن سائر اقصاديات الجنوب، وتمكنه هذه الخصوصية لمواجهة التحديات الناتجة عن العولمة، أياً كان حجمها أو مصدرها أو شكلها.
فإذا كانت خصوصية الاقتصاد السوري نابعة من التعددية الاقتصادية، فإن فهم ذلك يفرض علينا الرجوع إلى الوراء قليلاً. إلى خمسينيات القرن الماضي، حيث كانت سورية تعيش عصراً ذهبياً على الصعيدين الاقتصادي والسياسي، على الرغم من عمرها الفتي. إذ لم يكن قد مضى على استقلالها سوى سنوات قليلة. إلا أن الوضع السائد حينذاك لم يروق للغلاة الذين تركوا الثكنات، ولجموا التطور الطبيعي للاقتصاد السوري من خلال القضاء على دور القطاع الخاص في التنمية، عبر آلية تأميم المنشآت الصناعية والمصرفية. واستمر هذا الوضع لغاية 1991 على الرغم من حدوث تغيرات طفيفة كانت تجري من فترة إلى أخرى. وقد عرف الاقتصاد السوري خلال هذه المرحلة بأنه كان اقتصاد يسير بالقرارات الترقيعية وليس بتبني استراتيجية اقتصادية شاملة لوضع اليد على الجرح.
لم يكن أمام سورية سوى خيار الانفتاح على الخارج للخروج من الأزمة التي مرت بها خلال الثمانينيات، كغيرها من الدول المتخلفة التي منيت بتجربة تنموية فاشلة، ليس لشيء، إلا لغياب المناخ الديموقراطي. وأي إدعاء بأن البلد كان منفتحاً على الخارج قبل ذلك ما هو إلا كذبة اقتصادية كبرى، لأن الذاكرة السورية مازالت تحمل أزمة الحرمان التي عانى منها الشعب السوري في الثمانينيات.
أما إذا كانت الخصوصية السورية نابعة من التعددية السياسية، فإن فهم ذلك لا يتطلب سوى القول أن لاتعددية سياسية في قانون طوارئ يحكم البلد منذ أكثر من أربعين عاماً، ويحرم أي مبادرة فردية للتنمية.
لا يكون إلا واهماً من يقر بما يسمى الخصوصية السورية، فالنظام الاقتصادي السوري كان يسير وفق منهج مختلط مابين الاشتراكية والرأسمالية، اشتراكية الطبقات المسحوقة ورأسمالية الطبقات الطفيلية المتكونة من خلف ستار(لا حياة في هذا القطر إلا للتقدم والاشتراكية). وإذا كان لسورية خصوصية اقتصادية، فهي خصوصية تشكل طبقات طفيلية ظهرت من خلال تأسيس علاقات مشبوهة مع مراكز القرار السياسي.
فعندما عمدت الدولة إلى إصدار قانون الاستثمار رقم 10 لعام 1991 فهي بذلك لم تعمل على جذب الاستثمارات الأجنبية بقدر ما عملت على فتح قنوات جديدة للرأسمالية الطفيلية المتكونة خلال السنوات الثلاثين الأخيرة.
رابعاً: البعد السياسي للإصلاح الاقتصادي في سورية
القاعدة الطبيعية التي أثبتها التاريخ منذ آدم سميث - على أقل تقدير- هي أن المعطيات الاقتصادية تحدد معالم التوجهات السياسية في أي نظام كان. فعندما تنقلب هذه القاعدة رأساً على عقب، وتتغير المعادلة لصالح النظام السياسي، فإن ذلك يعني سيطرة حالة غير طبيعية، لذلك فالجهود التي تبذل للإصلاح الاقتصادي وتبني منهجية اقتصادية مختلفة وتتماشى مع المعطيات العصرية التي أفرزتها مرحلة العولمة تتوجه باتجاه التراخي، نظراً لوجود مصالح مكتسبة قوية لا مصلحة لها في أي تغيير.
إن أهم نتيجة لرفع شعار الإصلاح الاقتصادي وتبني مفهوم اقتصاد السوق الاجتماعي وتطبيقه هو تحويل مركز السلطة إلى يد جمهور المستهلكين والمنتجين، وهذا ما يشكل خطراً حقيقياً على أصحاب المصالح المكتسبة، لذلك فالنظام السياسي يعمل على جبهتين ليحول دون تحقيق ذلك:
الجبهة الأولى: فتح المجال لقطاع خاص غير فعال وغير قادر على أداء دوره التنموي في الاقتصاد السوري. خشية تعاظم دوره، وتوسع دائرة تأثيره.
الجبهة الثانية: الابتعاد عن تفعيل آليات الانفتاح السياسي وتوفير المناخ الديموقراطي الذي يشكل الشرط الأساسي لنجاح أي عملية إصلاح اقتصادي، والعنصر الأهم في اقتصاد السوق الاجتماعي.
النظام السياسي في سورية يعي حقيقة أهمية تداول السلطة من خلال إصدار قانون الأحزاب وتفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني للتوجه نحو اقتصاد السوق الاجتماعي، إلا أن التناقض الذي تخلقه هذه الحقيقة يجعل النظام أبعد عن تطبيق مفهوم اقتصاد السوق الاجتماعي، رغم تبنيه له، ولاشك أن ذلك سيبقى شعاراً لتزيين اليافطات كغيرها من الشعارات الكثيرة التي تم تبنيها على مدى عقود طويلة، تم تقديسها، ثم ما لبثت أن اصبحت من الماضي.
خامساً: ما العمل؟
أدى تبني مفهوم اقتصاد السوق من قبل الأنظمة الشمولية، وغير الديموقراطية إلى تحقيق نمو اقتصادي، ووقوع الأنظمة نتيجة ذلك النمو في تناقض واضح مع المصالح الاقتصادية المتشكلة، وانتهت بصراعات أدت إلى تغيير البنية السياسية لتلك الأنظمة.
أن العمل لتحقيق اقتصاد السوق الاجتماعي، يمر عبر الطريق الذي يؤدي إلى خلق ذلك التناقض بين النظام السياسي والاقتصادي وتعميقه وذلك من خلال الجبهات التالية:
1-الديموقراطية و استراتيجية التنمية
التجارب التنموية الأكثر نجاحاً، هي تلك التي تبنتها الأنظمة السياسية الديموقراطية التي منحت الفرص للمبادرة الفردية وشجعت القطاع الخاص على الاستثمار في مختلف القطاعات، والتي أدركت أن المبادرة الفردية هي الشرط اللازم للكفاءة في إدارة الموارد الاقتصادية، ولكنه ليس الشرط الكافي لتحقيق تنمية شاملة. ولا يمكنه من أداء دوره إلا إذا تم صقلها بالشروط التالية:
آ-تنمية بشرية
ب-تداول السلطة وتبني قضية المساءلة السياسية والإدارية وتطبيقها دون تمييز.
ج-العدالة الاجتماعية وتفعيل دور مؤسسات حقوق الإنسان.
د-حماية البيئة بشكل فعال، الأمر الذي يحد من همجية رأسمال الخاص.
2-إصدار تشريعات قانونية عصرية
ما يدعو للسخرية هو تبني المؤتمر القطري العاشر لحزب البعث لمفهوم اقتصاد السوق الاجتماعي، في الوقت الذي يمكن فيه محاكمة أي شخص بتهمة مناهضة النظام الاشتراكي في البلد. لذلك فالمطلوب هو إصدار تشريعات قانونية تتواءم مع روح العصر، وقادرة على الاستجابة لمتطلبات مرحلة العولمة وتطبيقها مثل(قانون أسواق المال، الشركات المساهمة، تأمينات اجتماعية ومكافحة البطالة بمختلف أنواعها). وفصل السلطات الثلاث عن بعضها من خلال تبني استقلالية القضاء ومعاكسة المعادلة التي اخضعتها للسلطة التنفيذية.
3-دور الإعلام الحر
لا يمكن لنظام إعلامي خاضع تماماً للسلطة السياسية من أداء دوره الاقتصادي والتنموي في نظام اقتصادي يفترض بأنه بدأ بالانفتاح على السوق. لأنه لا يمكن لنظام إعلامي من هذا الشكل أن يفضح السلبيات المتفشية في النظام السياسي والأضرار الناتجة عنها. إذ يقتصر دوره في الأنظمة الشمولية على تعظيم الإيجابيات واعتبارها انجازات ثورية ضخمة لم يتحقق في بلد آخر.
إن قانون المطبوعات الصادر في عام2001 جاء ليرسخ هذه الحقيقة المظلمة في تاريخ الصحافة السورية، وذلك لأن هذا القانون ولد ليثبت الموقف الرسمي الرافض للتطورات العالمية، من خلال العصا الغليظة الذي صممه القانون لرئاسة الوزراء، ليشهره وقتما يشاء وكيفما يشاء.
مادامت المقومات الأساسية لاقتصاد السوق الاجتماعي لم تتبلور في مجتمعنا، وما دام الاصلاح الاقتصادي غير مسبوق بإصلاح سياسي جذري وشامل، إن الحديث عن ما يسمى باقتصاد السوق الاجتماعي ما هو إلا ضرب من السذاجة للبعض، وهروب من الواقع للبعض الآخر.



#زانا_كرداغي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- البنك الدولي: إسرائيل دمرت 93% من فروع البنوك في غزة
- يقترب من الـ 51 .. سعر الدولار اليوم في البنك المركزي والبنو ...
- كلنا هنلبس دهب براحتنا من تاني “تراجع  سعر الذهب اليوم عيار ...
- إحصاءات أوروبية: روسيا ثاني مورد غاز للاتحاد الأوروبي بعد ال ...
- “27 لاعب في القائمة” تشكيلة العراق المتوقعة في كاس الخليج.. ...
- وفد إسباني يزور الجزائر لتعزيز العلاقات بعد رفع القيود على ا ...
- الكشف عن أسباب تأخير إرسال الموازنات: أضرار اقتصادية هائلة! ...
- شركات نفط الإقليم تعلن عن زيادة بالإنتاج هذا العام
- بلومبيرغ: -هوندا- و-نيسان- تستعدان لمفاوضات اندماج
- بريطانيا تفرض عقوبات على 20 ناقلة نفط من أسطول الظل الروسي


المزيد.....

- الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل / دجاسم الفارس
- الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل / د. جاسم الفارس
- الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل / دجاسم الفارس
- الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي ... / مجدى عبد الهادى
- الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق / مجدى عبد الهادى
- الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت ... / مجدى عبد الهادى
- ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري / مجدى عبد الهادى
- تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر ... / محمد امين حسن عثمان
- إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية ... / مجدى عبد الهادى
- التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي / مجدى عبد الهادى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - زانا كرداغي - اقتصاد السوق الاجتماعي والديموقراطية قرءة في اللعبة السورية