أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - كمال الجزولي - ورقةٌ مستعادةٌ من رُزنامة قديمة: الحَاكِميَّة بَيْنَ القَضَاءِ والسِّيَاسَة!














المزيد.....

ورقةٌ مستعادةٌ من رُزنامة قديمة: الحَاكِميَّة بَيْنَ القَضَاءِ والسِّيَاسَة!


كمال الجزولي

الحوار المتمدن-العدد: 5920 - 2018 / 7 / 1 - 06:21
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


الذين رفعوا شعار "الحاكميَّة" في مختلف مراحل التَّاريخ الإسلامي، ابتداءً بالخوارج، ومروراً بأبي الأعلى المودودي، ثمَّ سيِّد قطب، وانتهاءً بحركات الاسلام السِّياسي في واقعها الرَّاهن، بما في ذلك حركته في السُّودان، والتي أنجزت، تحت هذا الشِّعار، انقلابها في الثلاثين من يونيو 1989م، كانوا يدركون، كما يدركون الآن، ولا بُد، استحالة استصحاب أيِّ سند لشعارهم من القرآن أو السُّنة، وذلك، ببساطة، لكون هذا السَّند غير موجود أصلاً (سنعرض، بعد قليل، للاشكاليَّة التى ظلوا يثيرونها حول تفسـير الآيات 44 ـ 45 ـ 47 ؛ المائدة).
مع ذلك، ولأنه لا بُدَّ لهؤلاء من سند في هذين المصدرين الأساسيَّين، فقد عمدوا، بلا هوادة، لإحلال "تأويلهم" هم الخاص محلَّ السَّند الغائب، بعد إكسابه، تعمُّلاً، نفس قداسة هذين المصدرين. وما ذلك، في الواقع، إلا لكونهم انطلقوا من فرضيَّة قبْليَّة خاطئة، فحواها، وفق محى الدين عطيَّة، أن الكتاب والسُّنة يشتملان على كلِّ النُّظم الحضاريَّة، فلكأنَّ لسان حالهم يقول: قلِّب الصَّفحات تجدها! هذا فى حين أن القرآن ليس موسوعة علميَّة، أو دائرة معارف سياسيَّة، بل هو، بحسب محمَّد الغزالي، كتاب هداية للإيقاظ، ودعم الإيمان، وأخذ العـبرة، وترشـيد السُّـلوك. ونضيف أن الله سبحانه وتعالى قد وصفه بنفسه، فى محكم التنزيل، بأنه "هُدى للمتَّقين" (2 ؛ البقرة).
إن أخطر وجوه هذا "التأويل" الذي يعتمده هؤلاء الأقوام أنه يفضي بأصحابه، حتَّى وفق بعض مفكِّريهم كمحمَّد عمارة، إلى الخلط والتَّخليط في شأن دلالة مصطلح "الحكم" القرآني الذى اشتقوا منه، تعسُّفاً، مصطلح "الحاكميَّة". لقد "ظنوا"، خطأ، أنه يدلُّ على "النِّظام السِّياسي"، بينما دلالته الصَّحيحة، لدى ثقات التَّفاسير، هي "النُّبوَّة"، أو "القضاء"، أو "الحكمة"، أي "الفقه" والعلم النَّافع والنَّظر العقلي. ففي بعض الآيات يصف، سبحانه وتعالى، ذاته الإلهيَّة بأنه "يحكم"، أي "يقضـي": "أن الحكم إلا لله"، أي "القضاء" (40 ؛ يوسف، الجَّلالين)؛ ويقـول أيـضـاً: "وكيـف يحكِّـمونـك وعنـدهـم التَّـوراة فيهــا حكـم الله" (43 ؛ المائدة، الجَّلالين) ـ "وله الحكم وإليه ترجعون"، أي وله القضاء النَّافذ في كلِّ شىء (70 ؛ القصص، الجَّـلالين) ـ "ألا له الحكـم وهو أســرع الحاسـبين"، أى له الفصل والقضاء (62 ؛ الأنعام، صفوة التَّفاسير للصَّابوني) ـ "أن الحكـم إلا لله يقصُّ الحقَّ وهو خير الفاصلين"، أي وهو خير من فصل القضـايا (57 ؛ الأنعام، إبن كثير). وفى آيات أخرى يخبر سبحانه وتعالى عن أنبيائه؛ فعيسى عليه السَّلام لم يكن رجل دولة أو سياسة، ومع ذلك أوتى "الحكم" في معنى "الحكمة": "ما كان لبشـر أن يؤتيه الله الكـتاب والحكـم والنُّبوَّة ثمَّ يقـول للنَّاس كـونوا عـباداً لـي" (79؛ آل عمران، صفوة التَّفاسـيـر للصَّـابـوني). ونبيُّ الله يحى لم يكن حاكماً سياسيَّاً، ولا يُتصوَّر منه ذلك وهو صبي، بل ابن سنتين أو ثلاث، في قول قتادة، وابن ثلاث في قول مقاتل (القرطبى)، ومع ذلك يقـول الله تعالى: "يا يحي خذ الكتاب بقوَّة. وآتيناه الحكـم صـبيَّا" (12 ؛ مريم)، أي النُّبوَّة (الجَّلالين)، أو الفهم، والعلم، والجِّدَّ، والعزم، والإقبال على الخير، والاكباب عليه، والاجتهاد فيه (إبن كثير). ولم يسأل سيدنا ابراهيم ربَّه أن يهبه "دولة" أو "سلطة سياسيَّة" حين دعا: "ربِّ هب لي حكما والحقني بالصَّالحين"(83 ؛ الشُّعراء)، وإنَّما سأله أن يهبه "كمالاً في العلم والعمل" (البيضاوي). ويعدِّد سبحانه وتعالى أنبياءه، واصفا إيَّاهم بأنهم: "أولئك الذين آتيناهم الكتاب والحكم والنُّبوَّة"، أي الحكمة (83 - 89 ؛ الأنعام، البيضاوي).
وثمَّة حُجَّة واهية أخرى تثار، عادة، فى تأويل مصطلح "الحكم" بدلالة "السُّلطة السِّياسيَّة"، ويحاول أصحابها الاستناد، بلا طائل، إلى الآيات الثَّلاث (44 ـ 45 ـ 47 ؛ المائدة): "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون/ الظالمون/ الفاسقون"، لكي يؤسِّسوا على مظهرها اللفظى العام "فهمهم" السِّياسي الخاص، والخاطئ تماماً، لشعار "الحاكميَّة". غير أن هذا "الفهم" سرعان ما يتزلزل عند عرضه على تفسير أيٍّ من الثِّقات، كابن كثير، والواحدي النيسابوري، وجلال الدِّين السَّيوطي، مثلاً، حيث يرد، نقلاً عن الأحاديث الواردة في الصِّحاح والمسانيد المعتمدة، أن هذه الآيات نزلت لأسباب تتعلق بإقامة بعض الحدود، كالقتل في حالة الأقوام من اليهود الذين ارتكبوه، ثمَّ أضمروا أن "يتحاكموا" إلى النَّبيِّ (ص)، فإن أفتى بالدِّيَّة أخذوا بها، وإن "حكم" بالقصاص لا يسمعون منه، وكذلك الزِّنا في حالة يهود المدينة الذين وجدهم (ص) وقد استبدلوا تسويد الوجه مع الجَّلد بحدِّ الرَّجم، كما في التَّوراة، وفى الحالين كانت المآرب المضمرة هي التي تحرِّك الأفعال، لا ابتغاء وجهه تعالى بإخلاص، فنزلت فيهم هذه الآيات. ومن ثمَّ، فإن أيَّ مسعى لسحب دلالتها إلى نطاق "السُّلطة السِّياسيَّة" لا يعدو كونه ضرباً من التَّعسُّف العاري من السَّند، ونموذجاً للمماحكة بدافع "القفز إلى "الحكم شهوة وطموحاً"، على حدِّ تعبير خليل عبدالكريم.
هكذا ، وباستخدام منهج النَّظر في مناسبة التَّنزيل، أيضاً، تستبين فداحة موحل القائلين باشتقاق "الحاكميَّة" من مصطلح "الحكم" القرآني، ساعين للإيهام بأنه يعني "السُّلطة السِّياسيَّة"، رامين بذلك إلى سلب "الأمَّة" كلَّ سلطان على أمرها، وتركيزه فى يد فرد أو نخبة تدَّعي أنها تسوسهم بـ "الحقِّ الإلهي"!

***



#كمال_الجزولي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ورقةٌ مستعادةٌ من رُزنامة قديمة وَجَاءَ يَوْمُ شُكْرِهِ!
- الجنس كاستراتيجية عسكرية!
- رَفْعُ الصُّلْبَانِ فِي بَافَارْيَا!
- شذور من متاعب الترابي!
- الزُّنُوجة وسط شواغل الفكر الأفريقي
- رُوَانْدَا: طَائِرُ الفِينِيقِ الأَفْريقي!‎
- ورقةٌ مستعادةٌ من رزنامةٍ قديمة: شُرْبُ القَهْوَةِ فِي المَت ...
- سياسات الذاكرة
- ورقةٌ مستعادةٌ من رُزنامة قديمة: مَارْكْسْ .. بِالبَلَدِي!
- كُوبَا فِي مُفتَرَقِ الطُّرُق!
- درس الجنائية الدولية .. الكيني!
- قيامة دوما: هل العالم على شفير الهاوية؟!
- هباء حقوق الإنسان المنثور!
- المُهَاجِرُونَ غَيْرُ الشَّرْعِيين: فَظَاظَةُ الدَّوْلَةِ وَ ...
- جوبا تطرق باب الجامعة العربية .. فلا ينفتح!
- ستيلا: صَفْحَةٌ مَاجِدَةٌ فِي أَدَبِ الحَرْبِ الصَّافِع!
- آخِرُ العِلاجِ الآيْ سِيْ سِيْ: الرُّوهينغَا والاستِجَارَةُ ...
- مقتلة الغوطة!
- بَيْنَ القَوْمِيينَ الجُّدُدِ والسُّودَانِ الجَّدِيد!
- جَنُوبُ أَفْرِيقيَا: لِلشُؤْمِ وُجُوهٌ كُثْر!


المزيد.....




- استقبل تردد قناة طيور الجنة أطفال الجديد 2024 بجودة عالية
- 82 قتيلاً خلال 3 أيام من أعمال العنف الطائفي في باكستان
- 82 قتيلا خلال 3 أيام من أعمال العنف الطائفي في باكستان
- 1 من كل 5 شبان فرنسيين يودون لو يغادر اليهود فرنسا
- أول رد من الإمارات على اختفاء رجل دين يهودي على أراضيها
- غزة.. مستعمرون يقتحمون المقبرة الاسلامية والبلدة القديمة في ...
- بيان للخارجية الإماراتية بشأن الحاخام اليهودي المختفي
- بيان إماراتي بشأن اختفاء الحاخام اليهودي
- قائد الثورة الاسلامية آية الله‌خامنئي يصدر منشورا بالعبرية ع ...
- اختفاء حاخام يهودي في الإمارات.. وإسرائيل تتحرك بعد معلومة ع ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - كمال الجزولي - ورقةٌ مستعادةٌ من رُزنامة قديمة: الحَاكِميَّة بَيْنَ القَضَاءِ والسِّيَاسَة!