|
التعليم..عندنا وفي العالم
حسام محمود فهمي
الحوار المتمدن-العدد: 1499 - 2006 / 3 / 24 - 09:50
المحور:
المجتمع المدني
التعليم، طموح يصبو إليه كثيرون، بدافع طلب العلم أحياناً وبدوافع أخري في معظم الأحيان، توفره المؤسسات التعليمية بدافع تقديم العلم كمهمة مقدسة وبدوافع أخري في أحيان عدة. تختلف الفلسفة التعليمية من بلد لآخر، ففي دول يُعتبر التعليم من أساسيات الحياة وفي دول أخري هو من الكماليات والديكور. لنستعرض إذن واقع تعليمنا لنعرف أين نحن، طلاباً ومؤسسات تعليمية ودولة. بداية، موقع التعليم من الحياة يعكس نظرة المجتمع ككل للحياة ذاتها، هل هي حياة تستهدف الرقي والتقدم ومنافسة الدول في عالم لا يرحم ضعيف، أم أنه يأتي في مرتبة متأخرة بعد ما تفرضه معتقدات وأولويات سياسية ودينية واجتماعية؟ فالتعليم قد يكون بعد لقمة العيش، وقد يكون بعد خدمة الوطن، وقد يكون بعد ما يُري أنه جهاد، أياً كان. ولو افترضنا أن التعليم دخل في الأولويات، فأي تعليم سيكون؟ تعليم التكنولوجيا، الآداب، العلوم الإنسانية؟ أم سيقتصر علي العلوم الدينية؟ ولمن سيكون التعليم؟ للمجتمع كله؟ أم لفئة دون أخري لمقومات مثل المال والجاه؟ أو لجنس دون آخر كأن يكون للرجل دون المرأة؟ أو لعرق بعينه أو لدين دون غيره؟ تساؤلات أكثر من كثيرة تضع علامات الاستفهام والتعجب في مأزق ألا تفي بها. المجتمعات المتقدمة حسمت موقع التعليم من الحياة، حددت أنه أول الأولويات، هو الذي يقترح الحلول والبدائل، في الحاضر والمستقبل، يتوقع، يفترض، يبحث. لا حياة بدون تعليم، فلسفة مجتمع، لا يجرؤ أي نظام حكم علي المساس بها، لا تخضع لاعتبارات الدين أو السياسة أو الاقتصاد، التعليم هو الهدف الأول، بدونه الحياة عبث، ماضي ضائع، حاضر أهوج، مستقبل مسدود. أين التعليم في حياتنا؟ نظرة سريعة دونما كثير من التفحص توضح أن التعليم خارج الأولويات، الواقع الاجتماعي من أمية وفقر يجعل التسرب من المدارس أو عدم دخولها أصلاً ظاهرة؛ لنترك جانباً حكاية أن نسبة القضاء علي الأمية في إحدى المحافظات بلغت 100%، كلام مناسبات ينفيه واقع بمرارة العلقم. حتي من يُفترض أنهم تعلموا وأنهوا تعليمهم الثانوي ليسوا إلا آلات رديئة لحفظ البيانات المنقوصة، فاقدوا القدرة علي التحليل والاستنباط والاستخلاص. تلي ذلك مرحلة جامعية تسيطر عليها أيادي كثيرة، ما خفي منها أعظم من كل ما يظهر، تيارات تري في الطلبة تربة خصبة لكل ما تريد غرسه وحصده، الدولة عاجزة عن الملاحقة، مشغولة باعتبارات وحسابات بقائها. القيادات في الجامعات تُختار لاعتبارات لا يُشترط أن تكون من بينها الكفاءة الإدارية أو قبول الزملاء. عقول أعضاء هيئة التدريس بالجامعات حبيسة مقهورة، جيوبهم عششت فيها خيوط العنكبوت. واقع شديد القسوة يُفرغ العملية التعليمية من أي مضمون. ومع انفصال إدارات الجامعات عن أعضاء هيئات التدريس يبدأ كل طرف في البحث عن مصلحته الخاصة. إدارات الجامعات لا تبحث إلا عن الاستمرار، تتغاضي، تقف باسم الرحمة مع الطلاب في مواجهة المؤسسة التعليمية. أعضاء هيئة التدريس من ناحيتهم يبحثون عما يسد رمقهم، في أي مكان، ولو بالمخالفة لقوانين العمل، بعلم إدارات الكليات والجامعات، فاقد الأمان لا يؤدي. وضع سقيم هادم للمجتمع ككل، لأول مبادئ السلوكيات القويمة. أما عن تبعية المؤسسات التعليمية من مدارس وجامعات فالتناقضات أعظم من أن يتسع لها مقال أو حتي جريدة بكاملها. التعليم العام تتولاه الحكومة اِسماً، يخضع لواقع آخر فعلاً. الحكومة، ممثلة في وزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي التي أحياناً يتبعها البحث العلمي، تعلن عن انتظام الدراسة وتوفير المستلزمات والمجانية. أما الواقع، فصول ومدرجات تالفة قذرة، الطلاب في الشوارع والكافتيريات وفي دور السينما والحدائق؛ لما الانتظام والدروس الخصوصية هي البديل الأمثل، إنها عرف فاسد طغي. التعليم الخاص ليس بأفضل حالاً، إنه المزاج كله، مقررات فخمة، أسماؤها رنانة، لا تُدرس إنما يُزدان بها، شهادات مضروبة لكن مضمونة، حفلات لأكبر نجوم الفن إعلاناً عن بدء الدراسة وانتهائها، النجاح سهل، الرسوب ممنوع والزعل مرفوع، زعل أخلاقيات التعليم وآداب احترامه. أعضاء هيئات التدريس بجامعات الحكومة هجروا جامعاتهم لتعليم خاص، لا يُعلم، يكنز المال في مقابل الشهادات، يبيعها، علناً. اِختيار كليات بعينها يخضع اِسماً لإشراف الحكومة من خلال مكتب التنسيق لكن الواقع يؤكد أن السيطرة لمافيا بعض النقابات المهنية بما لها من حُظوة إعلامية، تباكي متواصل علي الأحوال المهنية وتدني مستواها لكثرة الأعداد، الأخطاء القاتلة تُكذِب، إنها ممن تربوا في زمن الوفرة وقلة الأعداد، الشعارات ليست إلا مجرد هلع من المشاركة في رزق تحتكره القلة وتورثه، عالية الصوت، تُرهب و تُهدد، صناع القرار أضعف من المواجهة، أكثر هشاشة. التعليم حياة، عندنا التعليم سبوبة، ديكور، وجاهة، لا يؤدي إلا إلي الانقراض السريع،،
#حسام_محمود_فهمي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الغزوة المباركة بالكاسيت
-
أي تعليم وأي جودة؟
-
المرأةُ ما بين الشعاراتِ والواقعِ
-
المِصريون مَعصورون
-
تعليقٌ علي تعليقاتِ .. مرة أخري
-
دمٌ رخيصٌ
-
مقاطعة الدنمارك .. ثم ماذا؟
-
حماس .. أي نموذج؟
-
اختيار الوزراء .. من حق الشعب أولاً
-
تعليقٌ علي تعليقاتِ
-
.. لتشغيل المحجبات
-
الحَجُ مرآة
-
إسرائيل لن تموت ولن تتيتم
-
مأساة اللاجئين السودانيين .. اعتياد الخطأ
-
أيجلب الرزق؟!
-
الساطور هو الحل
-
سبع صنايع .. وحق الجامعة ضايع
-
جلباب أبيض شفاف وزوجة منقبة
-
في مصر..غياب الوعي..خروج الروح
-
إصلاح أم تغيير
المزيد.....
-
الأمن الروسي يعلن اعتقال منفذ عملية اغتيال كيريلوف
-
دراسة: إعادة اللاجئين السوريين قد تضر باقتصاد ألمانيا
-
إطلاق سراح سجين كيني من معتقل غوانتانامو الأميركي
-
إعلام الاحتلال: اشتباكات واعتقالات مستمرة في الخليل ونابلس و
...
-
قوات الاحتلال تشن حملة اعتقالات خلال اقتحامها بلدة قفين شمال
...
-
مجزرة في بيت لاهيا وشهداء من النازحين بدير البلح وخان يونس
-
تصويت تاريخي: 172 دولة تدعم حق الفلسطينيين في تقرير المصير
-
الجمعية العامة للأمم المتحدة تعتمد قرارا روسيا بشأن مكافحة ت
...
-
أثار غضبا في مصر.. أكاديمية تابعة للجامعة العربية تعلق على ر
...
-
السويد تعد مشروعا يشدد القيود على طالبي اللجوء
المزيد.....
-
أسئلة خيارات متعددة في الاستراتيجية
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|