|
برنامج جيد في وسط إعلامي رديء
هويدا طه
الحوار المتمدن-العدد: 1498 - 2006 / 3 / 23 - 09:53
المحور:
الصحافة والاعلام
ما أحلى الرجوع إليكم! فثلاثة أشهر بعيداً عن التواصل معكم من خلال زاوية "فضائيات" هي فترة تكفي أي كاتب كي يشعر بطغيان الحنين.. الحنين إلى القراء والصحيفة والقرطاس والقلم! لم يكن غياباً مقصوداً على كل حال، كان ظرفاً قاهراً.. لكن مثل هكذا ظرف قاهر من شأنه أيضاً أن يمنح الكاتب فرصاً ثلاث ضرورية، أولها أن يتحلل لأشهر من متابعة الفضائيات قسراً! إلا من متابعة العناوين الرئيسية للأخبار.. فقط العناوين (ومش كل يوم كمان!) وثانياً أن يجد نفسه مقدماً على متابعتها بروح ٍ استكشافية عند العودة إلى الكتابة عما تبثه، وثالثاً فإنه يكون قد أخذ وقتاً كافياً كي يخرج من أسر هاجس موضوع ٍ ما.. كان يلح ويلح عليه فيما يكتب فيوقعه- أدرك ذلك أو لم يدرك- في فخ التكرار.. والاجترار، وذاك على كل حال مقتل الكاتب الذي يخط لنفسه خط (النقد)، النقد كأحد أهم أدوات تقدم ونهضة البشر.. أفراداً ودولاً.. فيما يظن. هكذا اكتشفت ذات صباح.. ومع أول يوم في المتابعة المنتظمة للفضائيات مجدداً.. أن الكثير من الأحداث وقع، أوف.. لماذا لم ينتظرني العالم؟! هذا شارون إذن معلقٌ هناك بين السماء وأرض الميعاد، احتفت الفضائيات بعض الوقت بغموض رحلته العمودية.. ثم تركته يتأرجح في انسحابه أحادي الجانب.. إلى حين تعود في بثٍ مباشر لجنازة قادمة قد تكون قريبة.. من المؤكد أن كلماتٍ دولية ستلقى فيها عن رجل السلام الشجاع الذي نفذ خطته للانسحاب ثمناً للسلام! وهذه أطوار بهجت تدفع روحها الشابة وجسدها الغض ثمناً باهظاً في صفقةٍ أكبر منها.. صفقة تعقدها جميع الأطراف حولها لتحويل مسار التاريخ قسراً، وتلك السفينة المصرية تغرق ببعض المواطنين المصريين في قاع البحر بلا ثمن، لتطفو على السطح حقيقة أن كل المصريين وإن بقوا أحياء لا دية لهم، ثم ذلك جمال مبارك يصبح عريساً.. مبروك، بالرفاه و..البنين.. يتربوا في عز مصر إنشالله.. رؤساء مصر القادمين! كل هذا الكم من الفضائيات الجديدة؟ لا بأس.. فذلك جيد كمياً.. وإن كان هناك كلام حوله نوعياً، فنحن في العالم العربي نمر بمرحلة تجاوزها منذ زمن العالم المتقدم .. الذي تنسب فيه كل قناة تليفزيونية جديدة إلى مؤسسيها دون التوقف كثيراً أمام مسألة كونها عامة أو خاصة، لاسيما أن غالبية تلك القنوات تعبر القارات وتتجاوز المجتمع الذي نشأت فيه، بينما في عالمنا العربي حيث نخطو حديثاً نحو خصخصة الإعلام.. نهتم كثيراً بتلك النقطة، إذ يترتب عليها تساؤلات عديدة، مرجعها كلها أن لدينا جميعاً سلطة عليا قابضة (سياسية أو دينية) تمنح وتمنع الحقوق بمشيئتها، فحسب رضاها عن اتجاه تلك الصحيفة أو هذه القناة أو الإذاعة تغض الطرف عن مصدر التمويل وتمنح حق الكلام وحق الاستمرار وحق النفاق وحق النقد وأي حق آخر يتعلق بحرية التعبير والاختلاف، ويمكنها ببساطة أن تمنع هذه القناة أو تلك فلا تعود المسافة واضحة بين الإعلام الخاص والعام، كما أن الإعلام الخاص ذاته يموله في الغالب أشخاص أثرياء تربطهم مصالحهم بالسلطة بأكثر مما تربطهم بالناس، والبيئة العربية ليست تلك البيئة الصالحة للتعبير عن الرأي بلا خوف سياسياً وثقافياً ودينياً، لذا فعبارة (إعلام خاص) ليست بالضرورة دالة على نظيره في العالم الغربي، والمشاهد العربي وعلى الرغم من قابلية استقباله لأي شيء فهو يستطيع أن ينسب القناة إلى (سلطتها القابضة) الحقيقية، فقنوات mbc هي سعودية وقناة الجزيرة هي قطرية وهكذا، وعلى الرغم من أن الخليجيين هم الأكثر إسهاماً في ذلك الإعلام التليفزيوني العربي الخاص بسبب وفرة التمويل اللازم.. وعلى الرغم من أن المصريين تأخروا في ذلك المجال عن الخليجيين إلى أن ظهرت في مصر طبقة الأثرياء القادرين على إنشاء محطات تليفزيون فضائية.. فإن إعلاماً خاصاً نشأ في مصر كذلك، لكنه كمثل إعلام أثرياء الخليج أيضاً.. تحده تلك السلطة القابضة سياسيا ودينيا، إما بفرض نفسها عليه شريكا رغما عنه أو بممارسة الابتزاز مع مؤسسيه أو بتهديد العاملين والمبدعين فيه أو بحساب المصالح المتبادل بين من يملك سلطة الحكم ومن يملك القناة الإعلامية.. هذه الخلطة الغائمة بين ما يسمى عندنا إعلام خاص أو إعلام حكومي أو عام تنتج بطبيعتها وسطاً إعلامياً كذاباً منافقاً.. وأحياناً كثيرة غوغائياً موجهاً سطحياً تافهاً لا مشروع له ولا حرية حقيقية تمارس فيه أو معه، وسط إعلامي ردئ للغاية لا سبيل إلى تنقيحه إلا ذاك السبيل الوحيد القادر- ليس فقط على تنقيح الإعلام- وإنما القادر على تنقيح مؤسسات المجتمع كله من عيوبه السياسية والثقافية والدينية والاجتماعية.. سبيل الحرية الحقيقية، ذلك الذي تعتبر الديمقراطية أولى الخطوات فيه وليس منتهاها، لكن الحديث عن ذلك على كل حال له مجال آخر.. وحتى لا نسقط تماما في فخ التشاؤم العدمي.. فإنه في هذا الوسط الإعلامي الردئ تفلت بعض الأشياء الجيدة، مثال عليها هنا هو برنامج "العاشرة مساء" على قناة دريم المصرية الخاصة، وهو برنامج تقدمه منى الشاذلي.. مذيعة جميلة لطيفة حبابة تتحدث بعفوية وبلا تشنج، لكن ما يجعله برنامجاً جيداً ليس بالطبع جمال ولطف وعفوية مقدمته.. وإنما ذاك الفريق الذي يعد لها مادتها وذلك السقف الذي يحاولون تعليته بشكلٍ أو بآخر في ممارسة النقد للأوضاع المتدنية المتردية في مصر اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً و.. سياسياً أيضا، هم يجاهدون للبقاء على الهواء دون إغضاب السلطة القابضة إلى حد إخراجهم من الساحة.. وفي نفس الوقت يمسون أوجاع المصريين، على مدى الأسبوع الماضي كانت لهم عدة متابعات جيدة، منها تلك التغطية الموجعة حقاً لتداعيات غرق السفينة المصرية، وهناك ذلك المرور وإن كان سريعاً على احتجاجات العمال المسرحين من الشركات الحكومية المباعة على ضآلة تعويضاتهم الهزيلة، حتى أن عاملا ً اشتكى في البرنامج قائلا: " النقابة قالت لنا إنتو اتباعتم خلاص.. ملكمش عندنا مطالب"! اتباعتم كلمة عامية مصرية معناها (تم بيعكم).. هذا الذي قال تلك الجملة للعامل المشتكي.. ياله من معبر حقيقي- بلا قصد- عما يحدث في بر مصر! وهناك كذلك ندوة عقدتها منى الشاذلي بعنوان "أربع سيدات من مصر"، كم كانت رائعة.. دعونا نحكي عنها في مقالٍ آخر.. فهي تستحق، أو قل.. هؤلاء السيدات يستحققن أن نتحدث عنهن أو بالأصح.. نستمع لهن. هكذا إذن قد تفلت بعض بقع ضوء في طريق إعلامي ٍ ردئ قاحل.. علينا نحن الجمهور (وفي قولٍ آخر: الجماهير) أن نشجعها، إلى أن.. ترحل عن مجتمعاتنا تلك السلطة القابضة.. أو تقبض علينا أو ربما.. نقبض عليها!
#هويدا_طه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
!الإعلام يكشف تناقضات المجتمع المصري: هي دي مصر
-
دور أقباط المهجر في التغيير
-
الانتخابات المصرية: أسلمة وبلطجة ورشاوى وتزوير.. حاجة تقرف
-
ثمن ظهور مثقف في التليفزيون المصري
-
إن شفت قاضي بينضرب وصندوق اقتراع في الترعة بينقلب: يبقى انت
...
-
يا فرعون إيه فرعنك.. ملقيتش حد يلمني
-
بعد المشهد الدموي في الأردن: هل تتغير عبارة(ما يسمى)بالإرهاب
...
-
التنوير بدلا من التحريض أو التخدير: BBC فضائية جديدة من
-
لا تبيعوا قناة السويس مرة أخرى
-
حتى لا تنحرف حركة كفاية عن طريق الأمل
-
عدوان ثلاثي على سوريا
-
جمال مبارك: العبرة في الصلابة
-
الدين مذبح الفقراء في دولة البوليس والفساد
-
الجريمة السياسية: استبداد الحاكم مقدمتها واغتياله نتيجتها
-
الجامعة المصرية: بيت ذل وغضب
-
متى يكون القتيل الفلسطيني شهيدا؟
-
للمرة الرابعة جائزة نوبل لمصري وليست لمصر
-
حكم مجحف بحق تيسير علوني: الصحافة كساحة صراع بين الشمال والج
...
-
زمن بث المؤتمرات الشعبية: كفاية تتحدى مبارك على الهواء
-
الموت بلا معنى.. لعنة أصابت بغداد
المزيد.....
-
شاهد لحظة قصف مقاتلات إسرائيلية ضاحية بيروت.. وحزب الله يضرب
...
-
خامنئي: يجب تعزيز قدرات قوات التعبئة و-الباسيج-
-
وساطة مهدّدة ومعركة ملتهبة..هوكستين يُلوّح بالانسحاب ومصير ا
...
-
جامعة قازان الروسية تفتتح فرعا لها في الإمارات العربية
-
زالوجني يقضي على حلم زيلينسكي
-
كيف ستكون سياسة ترامب شرق الأوسطية في ولايته الثانية؟
-
مراسلتنا: تواصل الاشتباكات في جنوب لبنان
-
ابتكار عدسة فريدة لأكثر أنواع الصرع انتشارا
-
مقتل مرتزق فنلندي سادس في صفوف قوات كييف (صورة)
-
جنرال أمريكي: -الصينيون هنا. الحرب العالمية الثالثة بدأت-!
المزيد.....
-
السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي
/ كرم نعمة
-
سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية
/ كرم نعمة
-
مجلة سماء الأمير
/ أسماء محمد مصطفى
-
إنتخابات الكنيست 25
/ محمد السهلي
-
المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع.
/ غادة محمود عبد الحميد
-
داخل الكليبتوقراطية العراقية
/ يونس الخشاب
-
تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية
/ حسني رفعت حسني
-
فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل
...
/ عصام بن الشيخ
-
/ زياد بوزيان
-
الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير
/ مريم الحسن
المزيد.....
|