أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - بير رستم - التغيير الديمغرافي في سوريا _عفرين نموذجاً_















المزيد.....


التغيير الديمغرافي في سوريا _عفرين نموذجاً_


بير رستم
كاتب

(Pir Rustem)


الحوار المتمدن-العدد: 5910 - 2018 / 6 / 21 - 20:08
المحور: القضية الكردية
    


مقدمة وتمهيد بخصوص مفهوم التغيير الديموغرافي
إن الدّيموغرافيا (بالإنكليزيّةDemography): والمعروفة بعلم السكّان؛ هي "عبارة عن دراسة لمجموعة من خصائص السكّان، وهي الخصائص الكميّة، ومنها الكثافة السكانيّة، والتّوزيع، والنموّ، والحجم، وهيكليّة السكّان، بالإضافة إلى الخصائص النوعيّة، ومنها العوامل الاجتماعيّة، مثل: التّنمية، والتّعليم، والتّغذية، والثّروة. وتُعرَّف الدّيموغرافيا بأنّها الإحصاءات التي تشمل الدّخل، والمواليد، والوفيات، وغيرها ممّا يُساهم في توضيح التغيُّرات البشريّة، ومن التّعريفات الأخرى لها هي علم إحصائيّ اجتماعيّ وحيويّ، يعتمد على دراسة مجموعة من الإحصاءات حول الأفراد". ذاك هو وبإختصار شديد ما يمكن أن يقال عن التركيبة السكانية والدراسات المتعلقة بها بحيث يتناول حيوات مجموعة بشرية في بقعة جغرافية محددة أثنياً أعراقياً أو وفق المعرفة الجيوبوليتيكية لعلم الأجناس والجغرافيات المحددة بها ولها وذلك ضمن خرائط تعرف بالوطن والهوية الوطنية. لمجموعة بشرية ذات خصائص مشتركة

وبحسب بعض المصادر فإن البدايات الأولى لعلم الدّيموغرافيا تعود إلى (جون غرونت) حيث "وضع أوّل إحصائيّة ديموغرافيّة عام 1662م لأعداد الوفيات، عن طريق دراسة سجلّات القتلى الأسبوعيّة التي تعود إلى نهاية القرن السّادس عشر للميلاد، بعدها قدّرغرونت النِّسب الرقميّة، ووزّعها بين الإناث والذّكور، وأضاف إليها معدّلات الولادة والوفيات لمدينة لندن والمناطق الريفيّة". وهكذا فإن دراسات (جون غرونت) ومساهماته كانت "الأكثر أهميّةً وشُهرةً في التّحليل الديموغرافيّ، ممّا أدى إلى تأثُّر العديد من الباحثين بها، مثل: يوهان سييلش، وغوتلش أوردنونج؛ وذلك بتحليلهما أعداد ما يقارب 1056 شخصاً في بعض المحافظات والمدن في بروسيا، ونتج عن ذلك صدور أوّل جدول إحصائيّ لسكان بروسيا في عام 1765م .. واستمرّت الدّراسات الديموغرافيّة بالتطوّر في القرن التّاسع عشر للميلاد، واهتمّت بشكلٍ أكبر بمُتابعة معدّلات الولادة والوفاة في الدُّول الصناعيّة، وازداد الاهتمام بمُتابعة نتائج الإحصاءات الديموغرافيّة أثناء الفترة الزمنيّة بين الحربين العالميّتين، فأُسِّس الاتّحاد الدوليّ للدّراسات العلميّة للسكّان في عام 1928م".

وهكذا فإن قضية التغيير الديموغرافي تتعلق ب"دراسة الخصائص السكانية لرقعة جغرافية معينة من حيث توزيع الأفراد على مجموعة معدلات نسبية، مثل: الولادة، والوفاة، والفئة العمرية، والمرحلة الدراسية، والقوم، والجنس، والدين". وتتأثر تلك النسب ب"معدل وفيات الأطفال، متوسط العمر المتوقع، معدل وفيات، مؤشر الولادة: عدد الأطفال المولودين في السنة، اللجوء: عملية مغادرة البلاد بغرض الحماية بسبب الحرب، أو الاضطهاد السياسي أو القومي أو الديني أو بفعل الكوارث الطبيعية، النزوح: عملية مغادرة المسكن الأصلي لمكان آخر ضمن حدود البلاد بغرض الحماية لنفس أسباب اللجوء، الاستيطان: عملية إسكان واسعة في أرض دون رضى أصحابها، بغرض تغيير التركيبة الديموغرافية للرقعة الجغرافية المستهدفة، التهجير الجماعي: ترحيل مجموعة من الأفراد من موقع جغرافي إلى آخر. ويكون جريمةً في حال حصل قهراً دون رضى المهجّرين، أو في غياب السند القانوني، أو لم تتوفر شروط السلامة والحماية المطلوبة أثناء التنقل. ويشمل مفهوم الترحيل ما كان بإشراف قوة عسكرية أو شبه عسكرية من خلال تسيير عملية التنقل، أو من خلال فرض واقع أمني أو اقتصادي أو صحي لا يترك للمدنيين خياراً سوى الهجرة من محل إقامتهم، الإبادة الجماعية: هي الجرائم المرتكبة بسبق نيّة وترصد بغرض التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أو قومية أو دينية إمّا من خلال قتل أفرادها، أو إلحاق ضرر جسدي أو نفسي جسيم بحقهم، أو إخضاعهم عمداً لظروف عيش قاهرة، أو فرض تدابير تحول دون تكاثرهم، أو من خلال نقل أطفال الجماعة عنوةً إلى جماعة أخرى، جريمة حرب: هي كل جريمة جنائية بحق الأفراد المحميين بموجب القانون الدولي، والناتجة عن سياسة أو أوامر من القيادة والتي وفرت الحرب ظروف ارتكابها، الأمن الاقتصادي: مدى قدرة الحفاظ على معدل دخل وطني بما يدعم سبل المعيشة في الحاضر والمستقبل المنظور، المجموعة الإثنية/الملّية: مجموعة سكانية تتميّز بنسق ثقافي أو انتماء قومي ويضمّ عادة اللغة والدين".

سوريا وعفرين والتركيبة الديموغرافية قبل كارثة الحرب
وبما أن موضوعنا يتعلق بالتركيب السكاني في سوريا وتحديداً بعفرين فعلينا أن نقف ولو بعجالة على واقع سوريا الديموغرافي وعفرين وذلك قبل الحرب الكارثية المدمرة لكل البنى الاقتصادية والمجتمعية ومنها طبيعة التركيب الديموغرافي لمختلف مناطق سوريا حيث وقبل الأزمة كانت الخارطة الديموغرافية السورية تتكون من أغلبية عربية سكانية تتوزع في الداخل وشمال شرق سوريا بنسب تبلغ أكثر من نصف سكان سوريا بقليل ويأتي بعد العرب السنة كل من الكرد والعلويين العرب حيث يتوزعون في الشمال والساحل السوري تباعاً وكذلك تتخلل في بعض المناطق آشوريين؛ كلدان وسريان "مسيحيين" في الجزيرة والساحل وبعض ضواحي دمشق العاصمة وكذلك نسبة من التركمان فيما بين جرابلس وأعزاز وأخيراً العرب الدروز في الجنوب السوري مع نسب قليلة من الشراكسة والأرمن متوزعين في جغرافيات متفرقة .. وهكذا فإن التوزيع الديموغرافي السوري عرف بالفسيفساء السكاني نسبةً لتعدد الأعراق والطوائف والمذاهب الدينية حيث المسلمون؛ سنة وشيعة وعلويين ودروز وإسماعيلية وكذلك هناك المسيحية بطوائفها المتعددة والآيزيديين الكرد وعلى المستوى الإثني العرقي فهناك العرب والكرد والآشوريين والتركمان والأرمن والشراكسة، يعني تعدد أعراقي يشكل النسيج المجتمعي السوري.

وكانت عفرين ضمن هذه الخارطة الديموغرافية لها طابعها الخاص حيث تسيد العرق واللون الكردي والذي كان يشكل نسبة تتجاوز ال 95% من نسبة سكان المنطقة وبذلك فإنها كانت تتجاوز كلا المنطقتين الكرديتين الأخريتين؛ الجزيرة وكوباني حيث عفرين ورغم عمليات التعريب من نظام البعث السوري وفق قوانين "الاصلاح الزراعي" حافظت على تركيبتها السكانية الشبه خالصة حيث الطابع والهوية الكردية مع بعض القرى أو بالأحرى المستوطنات العربية على ضفاف نهر عفرين وذلك بموجب قوانين البعث والدولة الأمنية البوليسية التي قامت بجلب بعض العوائل العربية ووزعت عليهم أراضي زراعية خصبة سلبت من بعض رموز الاقطاع في المنطقة، لكن وعوضاً من أن تعود ملكية تلك الأراضي لأبناء المنطقة من الفلاحين الكرد، قامت الدولة السورية ووفق العقلية الشوفينية العنصرية _كما قلنا قبل قليل_ بجلب مستوطنين عرب من مناطق أخرى وعلى الأخص من ريفي حلب والرقة وتم توزيع تلك الأراضي الخصبة عليهم وذلك بهدف التغيير السكاني للمنطقة وزرع عناصر موالية لها بحيث تستخدمهم كعناصر تجسس على سكان المنطقة وبالأخص ضد نشطاء الحركة الوطنية الكردية حيث كان الجزء الكردستاني الملحق بسوريا قد شهدت ولادة أول تنظيم سياسي لها عام 1957 تحت مسمى؛ الحزب الديمقراطي الكردستاني والذي كان لكرد عفرين الدور البارز بتأسيسه وتشكيله حيث ومن أصل سبعة أعضاء مؤسسين كان أربعة منهم من أبناء عفرين.

طبعاً التركيبة السكانية لمختلف مناطق سوريا قبل الحرب المدمرة الأخيرة لم تتغير كثيراً إلا في إطار الإنزياحات الطبيعية الخاضعة لمسألة البحث عن المعيشة حيث الهجرة من الريف للمدينة وذلك ما عدا المناطق الكردية؛ كونها تعرضت لسياسات التعريب بفعل "قانوني الاحصاء والاصلاح الزراعي" حيث بهما تم زرع مستوطنات عربية بهدف القيام بفصل عنصري أو ما يمكن تسميته بجدار الفصل العنصري البشري بحيث شكلت تلك المستوطنات نوع من السياج البشري داخل الجغرافية الكردية كما قلنا، أما باقي مناطق سوريا فلم تشهد مثل ذاك التغيير الديموغرافي إلا في إطار هجرة أبناء الريف للمدينة والبعض الآخر لخارج البلاد بهدف الدراسة أو البحث عن سبل جديدة لتحسين أوضاعهم المعيشية، لكن ومع بداية الأزمة السورية وعلى الأخص بعد تحول المظاهرات السلمية إلى حرب مدمرة للبنى التحتية الاقتصادية وللواقع والتركيب الديموغرافي وإنقسام المجتمع السوري طائفياً حيث النظام (العلوي) والمعارضة (السنية) _طبعاً وفق تسمية محركي المجاميع العسكرية الميليشاوية_ فإن هذه الميليشيات بدأت تشن عملياتها العسكرية بمنطق وعقلية طائفية بعد أن كان مطالب الشعب السوري هو الخلاص من نظام أمني استبدادي مافيوي .. وهكذا بدأت حكاية أو بالأحرى مأساة الشعب السوري مع الحرب الطائفية والتي كانت من أسوأ نتائجها التدميرية هو التغيير السكاني لمختلف مناطق سوريا وقد كانت عفرين آخر تلك المناطق التي شهدت هذه التغييرات، بل ربما أسوأها كارثيةً ودماراً على مستوى التغيير الديموغرافي.. وللوقوف على القضية دعونا نتعرف على عفرين ولو بشيئ من الاقتضاب.

إن مدينة عفرين هي إحدى مدن محافظة حلب وهي مركز منطقة عفرين (كورداغ سابقاً)، تشكل أقصى الزاوية الشمالية الغربية من الحدود السورية التركية، وهي منطقة جبلية معدل الارتفاع بين 700 - 1269 م، وأعلى قمة فيها في الجبل الكبير كريه مازن (Girê Mazin) الذي يعد جزءاً من سلسة جبال طوروس في سوريا ومساحتها حوالي 3850 كم2 أي ما يعادل 2% من مساحة سوريا تقريباً. وإن منطقة عفرين متنوعة في جغرافيتها بين السهول والجبال ويمر بها نهر عفرين الذي يمتد في سوريا مما يقارب 85 كم ويعتبر هذا النهر وروافده من أهم المصادر المائية لهذه المنطقة الزراعية. وإدارياً تتبع منطقة عفرين لمحافظة حلب ومركزها مدينة عفرين التي تبعد عن حلب 63 كم وعدد السكان حوالي 60 ألف نسمة _طبعاً تضاعف العدد بعد "الثورة السورية" بأكثر من ثلاث مرات_ وتتألف بالإضافة إلى مدينة عفرين من سبع نواح هم: (مركز المنطقة، شران، شيخ الحديد، جنديرس، راجو، بلبل ومعبطلي) و366 قرية ويبلغ مجموع عدد سكان منطقة عفرين (523,258) نسمة حتى تاريخ (31/12/2010) وهم من الكورد _لكن حالياً تجاوز المليون نسمة_ مع بعض الجاليات العربية التي سكنت المنطقة أو جلبت بموجب سياسة عنصرية من نظام البعث وبحجة الاصلاح الزراعي كما ذكرنا. وأخيراً فإن عفرين هي جنة الزيتون حيث يفوق عدد أشجارها الخمسة عشر مليون شجرة.. ذاك موجز _جد_ مختصر للمنطقة من حيث الطبيعة والسكان والجغرافية ولكن تبقى عفرين بجانبها الفكري والثقافي والحضاري أكثر أهميةً ودلالةً على إنها كانت المنطقة الأكثر تطوراً اجتماعياً وحضارياً وثقافياً من باقي مناطق كوردستان ليس فقط في الجزء السوري وإنما في عموم كوردستان وإن المنطقة كانت قد شهدت في السنوات الأخيرة وتحت ظل الإدارة الذاتية المزيد من التطور في مختلف المناحي العمرانية والثقافية حيث شهدت المنطقة حراكاً عمرانياً كبيراً مع تطور بالجوانب الثقافية التعليمية باللغة الأم وبذلك كانت المنطقة تؤكد يوماً بعد آخر على هويتها الكردية وذاك ما جعلت تركيا مع بعض المجاميع الميليشاوية ذات التوجه السلفي الإخواني من التحرك لضرب المشروع السياسي في المنطقة بحجة "محاربة الإرهاب" رغم أن الجميع يعلم بأن تركيا وتلك القوى استهدفت المكاسب الكردية وقد صرحت الكثير من القيادات التركية والمعارضة السورية بتلك الحقيقة وقد وصل الأمر بالبعض منهم لأن يقول؛ "إذا فكر الأكراد بتقسيم سوريا فإننا سوف نقسم ظهرهم" وللأسف هذا ما حصل بتاريخ 18/3/2018 مع دخول القوات الغازية لتحتل المنطقة وتكون بداية الفاجعة العفرينية.

عفرين والتغيير الديموغرافي مع قوى الاحتلال
إن عمليات التغيير في سوريا بدأها النظام بمساعدة حلفائها الإيرانيين وتوابعها من حزب الله اللبناني والمجاميع الشيعية العراقية والأفغانية وغيرها وذلك بعد تحويل مسار الثورة السورية لحرب طائفية مدمرة على يد كل القوى الإقليمية والدولية الفاعلة في المقتلة السورية حيث "كانت أولى التطبيقات العملية المعلنة للتفريغ الطائفي في سوريا بدأت بالظهور بشكل فج وعنيف في مناطق جبلة وبانياس، كمنطقة أولى يتوجب إفراغها من سكانها، وبدت هذه مهمة مستعجلة يتوجب إنجازها بأسرع وقت ممكن للوقوف على خيار الدويلة الطائفية بشكل صلب. في سبيل ذلك استخدم النظام حزمة من الأساليب كان أخطرها على الإطلاق المجازر التي ارتكبت بحق سكان تلك المناطق، البيضا وبانياس، بالإضافة إلى التنكيل بأحياء اللاذقية السنية. وفي ظل انشغال العالم حينها، عمد النظام إلى اعتقال ألاف من شباب تلك المناطق وتغييبهم في السجون، الأمر الذي سيشكل إنذاراً صريحاً للغالبية السنية في تلك المناطق بأن استمرار بقاءهم سيكلفهم حياة أبناءهم"، يقولها أحد الكتاب في معرض الوقوف على قضية التغيير الديموغرافي في سوريا ويضيف كذلك وبقول: بأن "حركة التطهير الطائفي تلك ستمتد إلى ما خلف الجبل والساحل لتشكل قوساً تتموضع قاعدته عند حدود غرب نهر العاصي، وكأن الدويلة قد رسمت حيزها بين البحر والنهر"، بل سوف تمتد إلى العاصمة دمشق نفسها وكذلك كل من الريف الدمشقي وصولاً لريف درعا جنوب سوريا لتشكل وفق عقلية حلفاء النظام ما تسمى ب"سوريا المفيدة" ممتدة من محافظة إدلب إلى دمشق وصولاً لمحافظات الجنوب من درعا والسويداء تاركةً الشمال السوري وبالأخص محافظة أدلب وريف حلب "مكب المجاميع التكفيرية" حيث "ارتفع عدد الأسر المهجرة قسرا من مختلف المناطق السورية إلى محافظة إدلب إلى نحو 45488 عائلة" بحسب سكاي نيوز وطبعاً عفرين ضمن تلك المنطقة الجغرافية المشمولة بجعل تلك المناطق مكب لتلك القوى الإسلاموية المتطرفة وتحت الحماية التركية وذلك عبر تفاهم إقليمي؛ إيراني تركي روسي.

وهكذا فإن قضية التغيير هي جزء من ميكانيزمية الحرب الدائرة في سوريا حيث وعلى مستوى منطقة عفرين وبعد مقاومة بطولية من أبناء المنطقة تحت راية وحدات حماية الشعب والإدارة الذاتية في وجه العدوان التركي الإسلاموي فقد سقطت المدينة على مذبح المصالح الإقليمية الدولية والقراءات السياسية الكردية الخاطئة تحت قوى الاحتلال بتاريخ 18/3/2018 لتكون بداية الكارثة والمقتلة العفرينية حيث دخلت تلك المجاميع التكفيرية بعد هروب السكان المدنيين لتقوم ميليشيا الاحتلال بأكبر عملية نهب وسلب وتعفيش في تاريخ المنطقة ربما وليس فقط في عمر الأزمة السورية وبطريقة حاقدة وممنهجة حيث ما لا يمكن سرقته، تم تدميره وتخريبه ليتم إفراغ المنطقة من كل ما يمكن أن يعتبر وسيلة عيش واستمرار بالحياة وإن هذه المجاميع التكفيرية لم تكتفي بذلك فقط، بل لجأت لأساليب فاقت أساليب شبيحة النظام السوري من ترويع وتهجير ومنع السكان من العودة لبيوتهم وقراهم، مما أجبر أغلبية أبناء المنطقة وعلى الأخص ممن يعتبر محسوباً على الإدارة الذاتية بأن لا يفكر بالعودة إلى عفرين خوفاً من التصفيات الجسدية، بل وللأسف فإن الملاحقة باتت مصير كل من ارتبط بتلك الإدارة ولو عن طريق التوظيف بها حيث يتم محاسبته والاقتصاص منه بعقلية فاقت عقلية النظام العراقي الطائفي تحت مفهوم "إجتثاث البعث" ولذلك فقد بقي أغلب العفرينيين في المخيمات ولا يفكرون بالعودة لقراهم ومن يخاطر بحياته من الذين لم يرتبط بالإدارة، بل حتى أولئك الذين كانوا يعارضونها في الخفاء والسر، يجد الصعوبة والاستحالة من إمكانية الوصول للمنطقة نتيجة الحواجز العديدة التي تمنع أولئك السكان من العودة وقد شارك في ذاك المنع النظام السوري لدرجة ما وذلك عندما حجزت سكان عفرين في مناطق خاضعة لسيطرتها وكذلك فإن الإدارة وبشكل ما هي الأخرى وتحت بند عدم "تشريع الاحتلال"، ساهمت بعدم عودة هؤلاء المدنيين لـ"حياتهم الطبيعية" تحت الاحتلال.. طبعاً يرافق هذا المنع لعودة العفرينيين لقراهم وحقولهم مع حركة توطين كبيرة لمن يتم جلبه من المناطق الأخرى وبالأخص من الغوطة، ناهيكم عن استيلاء تلك الميليشيات وعوائلهم على بيوت سكان عفرين الذين يمنعون من العودة إليها.

ربما يقول البعض بأن قضية التغيير الديموغرافي لن يكتب له النجاح حيث الشعوب وفي مراحل تاريخية شهدت انتقالات بين مناطق مختلفة نتيجة الحروب الداخلية وأيضاً الخارجية، لكن وبعد أن هدأت تلك المناطق ووقفت المدافع عن دك الحصون عادت تلك الشعوب لمواطنها وجغرافياتها وهكذا ستكون حال السوريين والعفرينيين ضمناً حيث يقول في ذلك أحد الكتاب السوريين ما يلي: "لا يتوقف الحديث حاليّا عن موضوع التغيير الديموغرافي في سوريا، و ذلك بسبب ما تمّ في الكثير من المناطق السوريّة من تهجير لسكّانها عبر الإحتلال العسكري المباشر على نموذج بلدة القصير، أو بأماكن أخرى من سوريا عبر القصف و التدمير الشامل، و منع كل وسائل الحياة عن هذه المناطق لدفع من تبقّى حيّا من سكانها لمغادرتها كما نرى في كل المناطق المحرّرة. لكنّ الحقيقة أنّ التغيير الديموغرافي بحاجة لعشرات السنين حتّى يحدث و يستقرّ , كما أنّه بحاجة لعنصر بشري كافي يستوطن المناطق الّتي يتمّ إخلاءها , بالإضافة إلى تأمين حماية هذه المناطق بشكل دائم حتّى يتمّ إعمارها و إستثمارها . لا يملك النظام السوري و حلفائه لا الوقت ولا الإمكانيّات و لا العنصر البشري لتحقيق ذلك..". وهكذا فإن الكاتب يقدم الإجابات رغم نفيه على قدرة النظام _وغيره_ من القيام بهذه التغييرات الديموغرافية حيث يقول: "أنّ التغيير الديموغرافي بحاجة لعشرات السنين حتّى يحدث و يستقرّ , كما أنّه بحاجة لعنصر بشري كافي يستوطن المناطق الّتي يتمّ إخلاءها , بالإضافة إلى تأمين حماية هذه المناطق بشكل دائم حتّى يتمّ إعمارها و إستثمارها" وذاك ما تقوم بها تركيا وتلك المجاميع المسلحة الإسلاموية المرتبطة بها في عفرين حيث تقوم بجلب عناصر بشرية من خارج المنطقة _من الغوطة وغيرها_ وإسكانهم مكان وفي قرى وبيوت العفرينيين وتأمن لهم الحماية والرعاية، بل وتطرد السكان الأصليين من الكرد من بيوتهم وقراهم ومع عامل الزمن والذي يبدو إنه سيمتد بفعل الواقع السوري الغير معلوم مآلاته بعد، سوف يتحول هذا الواقع الكارثي إلى "حالة طبيعية" بفعل الديمومة الزمنية.

وهكذا قد يصبح الأمر واقعاً ديموغرافياً جديداً بحيث يصبح الكرد أقلية سكانية في مناطقهم التاريخية وخاصةً تحت مفهوم ومنطق الحرب والاستعلاء الثوري بأن "لا ملكية لمعارض أو مهجّر" وقد طبقها النظام السوري في مناطق كثيرة وتطبقها عملياً قوى الاحتلال التركي والميليشيات الإسلاموية مع كل من ينتمي للإدارة الذاتية في مناطق عفرين حيث تسعى تركيا وتلك المجاميع التكفيرية لنشر نفوذها في المنطقة وذلك من خلال التضييق على السكان الأصليين من الكرد بعمليات الخطف والابتزاز لأصحاب الأموال لإجبارهم على بيع ممتلكاتهم، بل ربما تسلم المناطق بعد السيطرة عليها لشركات تركية تعيد إعمارها وتقديمها لعوائل مقاتليها رغم أن على أرض الواقع فقد استولت تلك الميليشيات على الكثير من بيوت المدنيين العفرينيين وبحيث جعلت البعض منها مقرات عسكرية والبعض الآخر دور سكن لأهاليهم المستوطنين وبالمناسبة؛ هو ذات الفعل الذي قام به النظام السوري في مناطقه بتسليمها لشركات إيرانية بحيث عملت وساهمت تلك الشركات في قضية التغيير الديموغرافي لدمشق والكثير من المناطق الأخرى.

وللوقوف بشكل دقيق على القضية فإننا وبعجالة سنضع بين أيديكم الإحصائيات التالية بخصوص التهجير والنزوح بين المدن السورية حيث "وبحسب أعداد السكان النازحين من المحافظات السورية المختلفة وفق آخر دراسة استقصائية للشبكة السورية لحقوق الإنسان، تصدرت قائمة النزوح منطقة ريف دمشق، حيث تجاوز عدد النازحين عتبة 2.2 مليون نسمة، معظمهم من أحياء العاصمة الجنوبية التي كان لها النسبة الأعلى في النزوح بسبب الدمار الواسع والمنهجي الذي طال تلك الأحياء. ومن مدينة داريا والغوطة الشرقية في كل من دوما وحرستا وجوبر والقابون وبرزة على نحو خاص، والتي تعتبر مناطق شبه خالية نتيجة محاصرتها من قبل قوات النظام واستهدافها بشكل مباشر لوقت طويل. وتعتبر محافظة الرقة من أكثر المحافظات احتضانًا للنازحين، حيث يتواجد فيها ما لا يقل عن 1.4 مليون نازح، معظمهم من حلب وإدلب، تليها مدينة دمشق باحتضان ما لا يقل عن 1.2 مليون نازح، معظمهم نزحوا من الأحياء الجنوبية ومن مدن الغوطة الشرقية وداريا ودوما وجوبر والقابون وبرزة، ومن منطقة القلمون. تليها محافظة حماة التي تحتضن ما لا يقل عن 650 ألف نازح، أغلبهم من محافظة حمص ومن مدينتي الرستن وتلبيسة وأحياء حمص المدمرة بشكل شبه كامل، تليها محافظة السويداء التي تحتضن ما لا يقل عن 300 ألف نازح أغلبهم من محافظة درعا، وبعضهم من غوطة دمشق الغربية". وبالتالي فإن واقع التغيير الديموغرافي ووفق الاحصائيات السابقة وما يجري على الأرض واقعياً، يمكننا القول بأن سوريا وللأسف باتت مقسمة طائفياً وهناك من يريد _تركيا والقوى العربية السنية_ من تغيير ديموغرافية عفرين الكردية لتصبح بطابع عربي تركماني سني وللأسف.

خاتمة ومحاولة البحث عن المخارج والحلول الواقعية
يؤسفنا القول؛ بأن كل القوى المحلية والإقليمية والدولية قد ساهمت أو على الأقل توافقت على تقسيم سوريا طائفياً وكان تقديم عفرين كبش فداء على مذبح تلك المصالح حيث عندما قلت في بوست سابق؛ ما الثمن الذي قبضها الإدارة الذاتية مقابل عفرين هو بكل تأكيد لم تكن تبرأة لذمة الإدارة أو حزب الاتحاد الديمقراطي، بل هم أيضاً يتحملون جزء كبير من المسؤولية إن كانت نتيجة سياسات خاطئة أو أخطاء سياسية، لكن طرحنا ذاك جاء لنقول للبعض بأن؛ "حارتنا ضيقة وبنعرف بعض" حيث إن كانت الإدارة ونتيجة قراءة سياسية خاطئة ساهمت في كارثة عفرين، فللأسف هناك الآخرين الذين لم تكن لهم إلا غاية واحدة؛ ألا وهي افشال تلك الإدارة ولو على حساب القضية والتعاون مع الأعداء وكانوا من الأوائل الذين ساهموا في التغيير الديموغرافي للمنطقة وذلك عندما شجعوا مؤازريهم للخروج من المناطق الخاضعة للإدارة الذاتية بإتجاه إقليم كردستان.. أما أهم العوامل التي أدت أو كانت السبب الرئيسي في كارثة عفرين هي الصفقات الدولية والإقليمية القذرة والتي هي دائماً على حساب الشعوب وقضاياهم.

وهكذا وللأسف فإن الجميع ساهم بطريقة ما في مأساة شعبنا وأهلنا، لكن ما يشفع للإدارة الذاتية ربما هي قضية موقفها أو رغبتها السياسية في عدم ذهاب الأمور إلى ما هي عليه اليوم، لكن رغبتها أو مطلبها السياسي ذاك وقراءاتها وقدراتها السياسية لم تكن متكافئة ودقيقة وناجعة، مما جعلتها تصبح هي الأخرى شريكة في المقتلة العفرينية حيث لم تقدر على قراءة تفاصيل اللعبة السياسية بحيث اضطرت بالأخير القبول بالصفقة ولو على مضض وذلك للمحافظة على ما تبقى تحت سيطرتها، طبعاً إن لم نشهد صفقات سياسية أخرى على حساب شعبنا ولذلك يبقى موقف الإدارة، أفضل من موقف أولئك الذين ساهموا في إفشال الإدارة الذاتية .. وبالتالي فإن المطلوب مرحلياً العمل على لملمة الجراح ومحاولة قطع الطريق على ذهاب الأمور إلى مآلات أكثر كارثية وذلك إما من خلال ملاحم بطولية تجبر القوى الغازية وهؤلاء المستوطنين على مغادرة المنطقة لتعود عفرين لأهلها وثقافتها وهويتها الحضارية ذات الملامح الكردية، أو التوافق والاتفاق مع القوى الإقليمية والدولية بحل الملف سياسياً وعودة شعبنا ومنطقتنا إلى ما قبل الاحتلال التركي الإخواني لها.. وإلا فإن عفرين ستكون كركوك، بل ربما قدس الفلسطينيين بحيث يتغنى بها الشعراء والفنانيين وهي تسلب من جغرافيتها الكردستانية.



#بير_رستم (هاشتاغ)       Pir_Rustem#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الوطن أم الحرية؟
- سؤال وجواب -لما أصبح العديد من أبناء العمال الكردستاني من أل ...
- تركيا.. والطعن في المجلس الوطني الكردي.
- حزب الوحدة وقضايا التشهير.. ما هي الغاية؟
- رسالة مختصرة لمن يسألني؛ لما أدافع عن ال -ب ي د-؟
- مجلسنا الموقر -بعد خراب البصرة- لعرفتم الحقيقة؟!
- تركيا.. تنتظرها مصير كل الديكتاتوريات
- الاحتلال التركي هل تكون مقدمة لولادة دولة كردستان؟
- حوار حول ملفات كردية مختلفة
- عفرين والبازارات السياسية القذرة؛ معلومات مهمة تكشف كارثة عف ...
- حواري لشبكة (NRT)
- نحن الكرد سوف ننسخ تجربة الاستبداد!!
- مشاركة بحوار حول مشكلات القضية الكردية.
- كفى تخويناً لمن يواجه سياسة الاحتلال بأجسادهم العارية.
- تركيا .. لم ولن تنتصر بعفرين!
- تجربة إنسانية تكشف عن النذالة والبسالة
- نحن الكرد ضحايا المصالح الغربية والحماقات الكردية معاً
- مقارنة مبكرة وسريعة بين الإدارة الذاتية والإدارة الأردوغانية
- كلنا مسؤولين عن الواقع الكارثي حالياً في عفرين
- وماذا بعد الاحتلال التركي لعفرين؟!


المزيد.....




- جوتيريش يعلن احترام استقلالية المحكمة الجنائية الدولية
- العفو الدولية: نتنياهو بات ملاحقا بشكل رسمي
- مقرر أممي: قرار الجنائية الدولية اعتقال نتنياهو وغالانت تاري ...
- جنوب السودان: سماع دوي إطلاق نار في جوبا وسط أنباء عن محاولة ...
- الأمم المتحدة تحذر من توقف إمدادات الغذاء في غزة
- السعودية تنفذ حكم الإعدام بحق 3 أشخاص بعد إدانتهم بجرائم -إر ...
- ماذا سيحدث الآن بعد إصدار مذكرات اعتقال بحق نتنياهو وغالانت ...
- ماذا قال الأعداء والأصدقاء و-الحياديون- في مذكرات اعتقال نتن ...
- بايدن يدين بشدة مذكرات اعتقال نتنياهو وجالانت
- رئيس وزراء ايرلندا: اوامر الجنائية الدولية باعتقال مسؤولين ا ...


المزيد.....

- سعید بارودو. حیاتي الحزبیة / ابو داستان
- العنصرية في النظرية والممارسة أو حملات مذابح الأنفال في كردس ... / كاظم حبيب
- *الحياة الحزبية السرية في كوردستان – سوريا * *1898- 2008 * / حواس محمود
- افيستا _ الكتاب المقدس للزرداشتيين_ / د. خليل عبدالرحمن
- عفرين نجمة في سماء كردستان - الجزء الأول / بير رستم
- كردستان مستعمرة أم مستعبدة دولية؟ / بير رستم
- الكرد وخارطة الصراعات الإقليمية / بير رستم
- الأحزاب الكردية والصراعات القبلية / بير رستم
- المسألة الكردية ومشروع الأمة الديمقراطية / بير رستم
- الكرد في المعادلات السياسية / بير رستم


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - بير رستم - التغيير الديمغرافي في سوريا _عفرين نموذجاً_