|
المثقف سارق
شهاب اغا الصفار
الحوار المتمدن-العدد: 5908 - 2018 / 6 / 19 - 09:19
المحور:
سيرة ذاتية
استيقضت من قيلولة الظهيرة في الساعة الرابعة عصراً توجهت للصنبور ارتشف منه بيدي قليلاً من الماء لأغسل وجهي وأتخلص من بقايا النوم توجهت بعدها لغرفة النوم غيرت ملابسي بسرعة واخرجت حقيبتي من الخزانة لأضع فيها بعض احتياجاتي كجهاز الحاسوب الشخصي الصغير الذي لايكاد يفارقني ودفتر الملاحظات الذي امسيت لا أستغني عنه في الفترة الاخيرة والقلم الذي لازت محتفظاً به من ممتلكات اخي الشهيد مع بعض الحاجيات الاخرى حملت الحقيبة على كتفي بعد ان انتهيت من تغيير ملابسي متوجهاً نحو نهاية الرواق الذي يربط المطبخ بالباب الخارجي وتسيرالى جانبي دراجتي الهوائية التي اعينها على السير وتعينني على التنقل والتجوال في ايام الاجازة الدورية التي يتمتع بها امثالي . امتطيت جوادي متجهاً كالعادة الى احد المقاهي الثقافية التي تبعد عن زقاق بيتي بعض الكيلومترات ماراً ببعض البيوت مختلفة التشكيل والالوان والتي ابدع قاطنيها بترتيبها والاعتناء بما يقابلها من الاشجار والازهار ويقابلها على الجهة الثانية من الشارع ملعب صغير لكرة القدم بات مهجوراً في الاونة الاخيرة بعد احتلاله من قبل بعض النفايات البلاستيكية والصناديق الكارتونية التي يرميها اصحاب المحلات التجارية القريبة دون مراعاة قوانين حسن الجوار التي توصي بها اخلاق مجتمعاتنا الشرقية . وصلت اخيراً مبتغاي تركت دراجتي خارجاً بعد ان قمت بأقفال الاطار الخلفي بأحد الاعمدة المجاورة للمقهى الثقافي وحملت بيدي حقيبتي الخاصة التي كنت قد وضعتها سابقاً داخل السلة الامامية للدراجة. وضعت قدمي اليمنى على بداية السلم الحجري المغطى بالكرانيت لأبدأ بتسلق بضع درجات تنتهي بباب خشبي يجتازه من ينوي الدخول او الخروج من المقهى اختاريت كالعادة طاولة وكرسي تختلف عن سابقاتها لأتلافى ملل زياراتي المتكررة لنفس المكان منذ سنوات خلت . اقترب مني النادل شاحب الوجه اعسر اليد حاملاً بها قلمً يدون به طلبات الزبائن على ورقة يحملها في يده الاخرى : النادل : ماذا تطلب استاذ ؟ انا : قدح شاي وزجاجة ماء فاتر غادر النادل قسم الطاولات متوجهاً للمطبخ ماراً بمجموعة طاولات مكتضة بالشباب اليافع الذي بات هذه الايام ضائعاً وغارقاً ببحر المجهول واصبحوا ذات اشكال غريبة تشبه الى حد قريب المصابين بمرض الانزهايمر ! التقفت حقيبتي واخرجت منها حاسوبي الشخصي لأضعه امامي واتصفح كالعادة بعض الاخبار الاقليمية والمحلية وفجأة سمعت رنين هاتفي قادماً من الحقيبة واذا به اتصال من احد الاصدقاء كنت قد قطعت معه موعداً ان التقي به في الساعة الرابعة والنصف وانا الان متأخر عن الموعد عشرين دقيقة تقريباً . لم اتمالك غضبي بسبب حالة النسيان المتكررة التي تصيبني لتزاحم الافكار ربما او لكمية المآسي التي واجهتها في السنوات الاربعة الماضية بعد سقوط مدينتي بيد اخطر الجماعات الارهابية التي حرثت ارواح اطفالها وشبابها وشيوخها . وضعت هاتفي داخل جيبي بعد ان رفعت من مستوى صوت رنينه لتزداد شدة انتباهي في حال اتصل بي الصديق مرة اخرى , اقفلت حاسوبي الشخصي وحملته بيدي لأعيده لمكانه المخصص داخل الحقيبة وضربت قدماي الاثنتين بالارض لأشجعهما على النهوض. حملت حقيبتي على كتفي الايمن متجهاً نحو الباب الخشبي الذي يفضي الى الخارج ومن ثم اكملت نزول السلم الخاص بالمقهى مسرعاً كيلا يصيبني الخجل في حال تأخري عن الموعد اكثر فأكثر , وضعت حقيبتي على الارض واستدرت بجسمي الى الخلف بعد اخراج المفتاح الخاص بقفل الدراجة وحررت اطارها اعدت المفتاح الى جيبي واستدرت لأحمل الحقيبة واضعها على الدراجة ولكن اين الحقيبة يا الهي ؟ البقعة المرتفعة عن الارض التي كنت قد وضعت عليها حقيبتي فارغة فأصابني الاحباط بسرعة واختل توازني لأصبح بين خيارين من الصعب ان اوفق بينهما الاول هو البحث عن الحقيبة وبه سأكون قد خلفت بوعدي مع الصديق وهذا ما لاترضاه نفسي ولا تعزه كرامتي والثاني هو التوجه مسرعاً نحو البيت لأنجاز اللقاء فحكمت عقلي فأختار لي الثاني . تحاملت كمية الاسى والالم وامتطيت دراجتي مسرعاً الى البيت ماراً ببعض الشوارع الفرعية مختصراً طريق الشارع العام لتوفير الوقت تلافياً التأخير فوصلت بيتي بعد حوالي سبع دقائق واستقبلت ضيفي برحابة صدر ووجه مبتسم لتلافي اظهار ملابسات الحادث امامه . بعد ساعة انتهى اللقاء وودعته عند باب البيت لأعود مسرعاً الى حيث فقدت حقيبتي فرميت الدراجة على الرصيف وصعدت مسرعاً للمقهى لطرح المشكلة على صاحبها حبذا لو اتى بها احدهم اليه او كان يمتلك كامرات مراقبة لأتعرف بها على سارق الحقيبة ولكن عبثاً احاول بعد انكاره لأي افادة تخص الحادثة واعتذاره لعدم امتلاكه لكامرات المراقبة الخارجية . عدتُ الى المنزل تعتريني رعشة الخيبة لأن ارشيف كتاباتي ومقالاتي وبعض القصص التي قمت بجمعها في السنوات السابقة وارشيف الاف الكتب الالكترونية قد ضاع بضياع الحاسوب الشخصي وما زاد امتعاضي وحقدي على الفاعل هو اني تذكرت وضعي لجهاز تسجيل الصوت الذي يحوي عشرات القصص التي جمعتها ميدانياً من الناجين من معركة تحرير الموصل رغبة مني بأضافتها الى مثيلاتها من القصص المأساوية لأهالي مدينتي دخل كتابي القادم . دخلت داري تاركاً عند الباب الخارجي دراجتي متجهاً الى غرفتي غيرت ملابسي واستلقيت على الفراش واضعاً رأسي على الوسادة تعتريني الافكار السوداء تارة وتتركني تارة اخرى وتتصارع بداخي مشاعر الحقد والصفح على من سرق حقيبتي فتعبت واستغرقت في نوم عميق . فززت من نومي فجأة على صوت هاتفي الذي يعلو صوت اهتزازه على رنينه بعد ارتطامه بخشب المنضدة التقفت نظارتي الطبية التي امسيت لا استغني عنها في الفترة الاخيرة لأشاهد رقماً مجهولاً عى شاشة الهاتف مررت مسرعاً اصبع الابهام الايمن على الشاشة لأجيب : انا : نعم المجهول : مرحبا استاذ انا : اهلاً وسهلاً اخي المجهول : كيف الحال انا : مستورة والحمد لله المجهول : استاذ انا اعتذر منك واطلب منك مسامحتي على اكبر خطأ ارتكبته في حياتي . انا : منو حضرتك ؟ المجهول : انا من سرقت حقيبتك . انا : وكيف خبرت رقم هاتفي ياترى ؟ المجهول : من دفتر ملاحظاتك الذي كان داخل الجيب الصغير الجانبي . انا : مازحاً مع السارق – وهل ترغب بفدية مقابل اعادة الحقيبة ؟ المجهول : كلا يا استاذ سأترك حقيبتك لدى المقهى الثقافي . انا : ولماذا فكرت بأعادة الحقيبة كان بأمكانك بيع الحاسوب الشخصي لقاء مال وفير ؟ المجهول : بصراحة استاذ ضعفت نفسي بعد قراءة اول قصة داخل الحاسوب وتهالكت قدماي بعد سماعي لصوت وقصة المرأة التي مات ابنائها بين ايديها داخل ازقة الموصل القديمة فهممت اعادة حاجياتك اليك حتى ترى هذه القصص بصيص النور وتعتبر مرجعا للاجيال. انا : وهل تجيد القراءة ؟ المجهول : انا خريج كلية الآداب ! سامحني . في الحقيقة التمست حزناً وفيراً في كلامه وحرقة لربما انهكته الايام والاحزان وصعوبة الحياة فدفعته الى ما اقدم عليه لأستحصال لقمة العيش التي اصبحت صعبة المنال في ايامنا هذه. وفعلاً ذهبت في اليوم الثاني للمقهى لأجد حقيبتي كامة لانقص فيها وجهاز التسجيل في مكانه الصحيح ولكن لفت انتباهي ظرف صغير داخل الحقيبة ففتحته بعد وصولي الى البيت وكان الصدمة بداخله . نص الرسالة مرحباً استاذ انا اعتذر لجنابك الكريم عن سرقتي لحقيبتك وحاسوبك الشخصي ولكن ما اقدمت على فعلتي هذا الا بعد ان اٌصيب اولادي بالجوع المفرط واراهم يهزلون يوم بعد يوم بعد تقصيري في استحصال لقمة العيش لهم وانت على دراية بتقصير حكومتنا في تدبير امورنا ووضعنا داخل وظائف تليق بتحصيلنا الدراسي . ارجو مسامحتي :
#شهاب_اغا_الصفار (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المثقف سارق
المزيد.....
-
ترامب يهدد بفرض رسوم جمركية.. كيف يؤثر ذلك على المستهلك؟
-
تيم حسن بمسلسل -تحت سابع أرض- في رمضان
-
السيسي يهنئ أحمد الشرع على توليه رئاسة سوريا.. ماذا قال؟
-
-الثوب والغترة أو الشماغ-.. إلزام طلاب المدارس الثانوية السع
...
-
تظاهرات شعبية قبالة معبر رفح المصري
-
اختراق خطير تكشفه -واتساب-: برنامج قرصنة إسرائيلي استهدف هوا
...
-
البرلمان الألماني يرفض قانون الهجرة وسط جدلٍ سياسيٍ حاد
-
الرئيس المصري: نهنئ أحمد الشرع لتوليه رئاسة سوريا خلال الم
...
-
إسرائيل.. تخلي حماس عن السلاح أو الحرب
-
زكريا الزبيدي يتحدث لـRT عن ظروف اعتقاله
المزيد.....
-
سيرة القيد والقلم
/ نبهان خريشة
-
سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن
/ خطاب عمران الضامن
-
على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم
/ سعيد العليمى
-
الجاسوسية بنكهة مغربية
/ جدو جبريل
-
رواية سيدي قنصل بابل
/ نبيل نوري لگزار موحان
-
الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة
/ أيمن زهري
-
يوميات الحرب والحب والخوف
/ حسين علي الحمداني
-
ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية
/ جورج كتن
-
بصراحة.. لا غير..
/ وديع العبيدي
-
تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|