|
مازوشية العاشق وسادية المعشوق في الشعر العامي العراقي
وعد عباس
كاتب وباحث
(Waad Abbas)
الحوار المتمدن-العدد: 5907 - 2018 / 6 / 18 - 14:05
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
المشكلة جروح الأعزاز أعزاز من تنلجم بيهن صيح هنيالي هذا البيت الشعري العامي الذي اشتهر كثيرا ، وأخذ الشباب ينشرونه على حساباتهم في مواقع التواصل الاجتماعي ، ويرددونه مستشهدين به اثناء حديثهم مع معشوقيهم وكذا اصدقائهم ، هذا البيت وغيره كثير يعبر عن مازوشية متجذرة في الشخصية العراقية ، وقبل التوسع في الموضوع دعونا نعرفكم بمصطلح المازوشية . تعني المازوشية بمصطلحات الطب النفسي : اضطرابا جنسيا يستهدف الحصول على المتعة الجنسية عن طريق الشعور بألم بدني أو نفسي و كليهما ، وهذا يعني أن المازوشي لا يحصل على اللذة والرعشة الجنسية إلا بعد أن يقوم الطرف الآخر بايقاع الألم فيه ، وهو مصطلح يعاكس تماما مصطلح "السادية" الذي يعني أن الفرد لا يشعر باللذة إلا بالحاق الأذى والألم بالطرف الآخر . إلا أن هذا المصطلح لم يبق مقتصرا على المسألة الجنسية ، بل توسع فيما بعد وأصبحت له مصاديق عدة منها أن السادية تطلق على الحاكم الذي يستمتع حين يفرط في استخدام القوة تجاه شعبه ، بينما المازوشية تطلق على ميل الفرد لأن يكون مظلوما معرضا نفسه للإهانة والإذلال . نميل إلى الإعتقاد بأن السادية والمازوشية سلوكان مكتسبان يتم تعلمهما من البيئة الاجتماعية التي يعيش فيها الفرد ، باستثناء السلوك المضاد للمجتمع (السيكوباث) الذي هو نوع من اضطرابات الشخصية ، وتعود بداية نشوء هذين السلوكين إلى أساليب التنشئة الأسرية للأطفال ، إذ تشير الدراسات على مستوى الأسرة العربية وليس العراقية فحسب إلى شيوع أنماط التربية المتسلطة التي تسعى إلى بناء شخصيات مطاوعة تميل إلى الإذعان والتبعية وتعويد الطفل العربي على الخضوع إلى الكبار وطاعة السلطة عبر أجواء أسرية تشيع فيها السلطة الأبوية الصارمة وأساليب قهر الابناء والقمع النفسي والازدراء والاحتقار والسخرية والتهكم وخلق الاحساس بالدونية والشعور بالنقص . (صالح ، 2011 : 37) كما أن الأنموذجين الذين يمكن أن يقلدهما الطفل أو يتماهى معهما ، يمثلان ثنائية : الأم (مازوشية خاضعة) والأب (سادي متسلط) ، وبعد دخول الطفل المدرسة تبدأ أساليب جديدة لإخضاع الطفل وجعله فردا ماسوشيا ، فالسلطة مطلقة للمعلم وإدارة المدرسة ، وليس على الطفل إلا الطاعة والخنوع . لكن الدور الأكبر في اشاعة المازوشية بين أفراد المجتمع العراقي يرجع إلى السلطات التي حكمت العراق طيلة قرون حيث تمتعت بشخصيات سادية لا حد لها ، استعملت شتى أساليب القتل والتخريب والتعذيب من أجل اخضاع الشعب لها ، وإذلاله ، واجباره على السلوك المازوشي ، فكان الشعراء أكثر أفراد الشعب مازوشية وخضوعا ، فقد وقفوا على أبواب الملوك والرؤساء يمتدحونهم بأبياتهم من أجل الحصول على مكانة رفيعة ، او الحفاظ على حياتهم ، او من أجل الحصول على القوت . فالشعراء مواطنون تعرضوا لنفس ما تعرض له المجتمع العراقي بشكل عام ، وقصائدهم بالتأكيد تكشف عن طبيعتهم النفسية وطبيعة مجتمعهم ، والمتابع للشعر العامي العراقي يجد أنه يعلن صراحة عن وجود مازوشية عميقة ، المدهش أن هذه السمة تبرز بطريقة عجيبة في شعر الغزل ، إذ دائما ما يأخذ الشاعر شخصية المازوشي الخانع المتلذذ بالألم ، ويعطي لمعشوقه شخصية السادي الظالم الذي يتلذذ بإيلام عاشقه ، ولعل الأستاذ الدكتور قاسم حسين صالح اول من لفت الانتباه لهذا الاضطراب سيما في مقاله (التباهي بالحزن في الاغنية العراقية) كأحد صور المازوشية . منذور الك منذور كص باللحم كص بالك تخلي الطير من ياكل يغص وكذلك : وصل بيك الصلف والبطر حد الطيش تتدفه اعله ناري وتحرك احطامي وأيضا : يمر كيضك واجرعه وعود اتاني اشتاك يا حنظل حماد انكاض وانشته لــهــســــــه مـــــرورتـــــك تـــحـــــت الـلـــــســـان تبات عكدة وكل حلو بهواك ما ضكته صـــــواهـــــــــــــــيد وعطش وفياي مامش بيك لا بالــــــــــــــــــــــكيض في ولا دفو باشته وأيضا : وانت بكل كتر بأعضاي الك طعنات ما ضل عضو مني صحيح ما دامي لو تدبرت في الأبيات السابقة وجدت كيف أعطى الشاعر لحبيبه دور السادي الظالم المعذِب وألصقه به ! وأيضا : سر الزعل وياك يمك دفنته اتونس من ارضيك والعايل انته وأيضا : شايف من تجيك الطعنة من أحباب ؟ هيج اجروحك تحس بيه روحيه اتـــــــصـــــــــــور تـــبـــــتـــــــــــــدي تشتاك للجتال إذا جــــــــــف الــــــــتطعنك بيه حنيه في البيتين أعلاه يتلذذ الشاعر إيهاب المالكي بالجروح ، ويعدها جروحا رائعة ، ويحاول أن يساعد المتلقي على أن يتخيل ويتصور روعة وجمال تلك الجروح . ربما لن تجد قصيدة غزل خالية من الجروح والهموم والآلام والسكين والسيف والخوف وغير ذلك من المفردات ، ورغم ارجاع عدد من المتخصصين المازوشية إلى سادية (ظلم) الأنظمة السياسية ، فإن لسوء الحياة الاجتماعية الذي رافق التدهور الاقتصادي والسياسي دوره في تثبيت هذه المازوشية . ويبدو السلوك المازوشي أكثر وضوحا في مناسبات العزاء الحسيني ، إذ يبدع الشعراء بسرد مأساتهم ومأساة شعبهم في تلك القصائد ، ويزداد حزن الجمهور كلما كانت القصيدة قريبة من واقعهم ، فالظاهر من تلك القصائد هو سرد مصائب الحسين ع ، لكن المضمون يذكرهم بواقعهم شعوريا او لا شعوريا ، والدليل على ذلك : تفاعل الجمهور مع الأبيات التي ترثي الشهداء ، او تبين الواقع البائس ، فمثلا نرى الجمهور يتفاعل بدرجة غير معهودة مع عدة قصائد من هذا النوع ، كالقصيدة التي رددها الملا مصطفى السوداني رثاءً للشهداء : فاركَونه فاركَونه الجانوا بوسط العيون فاركونه .......... من سفرهم هم يجون لو نسونه لو نسونه وكذا القصيدة التي قرأها "حيدر العطار" ، والتي تنتقد السياسيين وتبين الواقع المر : يا سياسيين ما عدكم مشاعر ليش بلا شرف بعتوا الضماير ادري بعتوا الدين بس شرفكم وين بالله شتكولون للأجيال باجر وقس على هذا لتجد الكثير ، إذ راج سوق القصائد المسماة بـ (القصائد السياسية) التي أخذ المنشدون يقرأونها في مجالس العزاء الحسيني . أتخطر أن الشاعر جابر الكاظمي عاب على الشعراء العاميين كتابتهم لهذا اللون من الشعر ، محتجا بكلام مضمونه (أنحن نضرب صدورنا على الحسين ؟ أم على مصائبنا نحن في أيام مصيبة الحسين ؟) وهذه التفاتة جميلة في الواقع تذكرتها وأنا أكتب هذا المقال . كما نرى الشعراء كثيرا ما يعودون لشرح القضية الحسينية اثناء رثائهم البقية من الأئمة ، هذا لأن الآخرين استشهدوا بالسم بصورة فردية ، ، وبالتالي لا تمكن الشعراء من شرح مصيبتهم داخل القصيدة ، فتراهم يكتبون المقطع الأول عن الامام الباقر مثلا ثم يبحثون عن ثغرة يذهبون منها لسرد مصائب الحسين التي هي في الحقيقة مصائبهم ، فالقضية الحسينية ابادة جماعية ، قتل فيها الأطفال والشيوخ وسبيت ورملت النساء ، وهذا يشابه واقعهم الذي يعيشونه كل لحظة . فيما اتجه بعض الشعراء إلى التضمين ، فالقصيدة التي يكتبها عن مصيبة الحسين أو غيره من الأئمة يضمنها مقطعا يصف بها مصائب البلاد ويقارنها بمصائب الأولياء ، أو دعاء لرفع الهم ، فيتفاعل الجمهور مع هذا المقطع أكثر من تفاعله مع أي مقطع آخر في القصيدة .
#وعد_عباس (هاشتاغ)
Waad_Abbas#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تشوه صورة المرأة في الشعر العامي العراقي
-
نحو دراسة الفقر سيكولوجياً (الجزء 2)
-
نحو دراسة الفقر سيكولوجيا (الجزء 1)
-
-لوم الذات- ظاهرة نفسية تنتشر في الشعر العامي العراقي
-
ما لم تلتفت إليه منظمات المجتمع المدني في العراق
المزيد.....
-
الحوثيون يزعمون استهداف قاعدة جوية إسرائيلية بصاروخ باليستي
...
-
إسرائيل.. تصعيد بلبنان عقب قرار الجنايات
-
طهران تشغل المزيد من أجهزة الطرد المركزي
-
صاروخ -أوريشنيك-: من الإنذار إلى الردع
-
هولندا.. قضية قانونية ضد دعم إسرائيل
-
وزيرة الخارجية الألمانية وزوجها ينفصلان بعد زواج دام 17 عاما
...
-
حزب الله وإسرائيل.. تصعيد يؤجل الهدنة
-
مراسلتنا: اشتباكات عنيفة بين مقاتلي -حزب الله- والقوات الإسر
...
-
صافرات الانذار تدوي بشكل متواصل في نهاريا وعكا وحيفا ومناطق
...
-
يديعوت أحرونوت: انتحار 6 جنود إسرائيليين والجيش يرفض إعلان ا
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|