|
وقفة طويلة و لكن لا بد منها
دروست عزت
الحوار المتمدن-العدد: 5906 - 2018 / 6 / 17 - 18:32
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
أحدهم كتب يقول: قرأتها فأدمعت عيناي واستحيت من ربي ألا أرسلها لمن أحب لما فيها من عبرة وثواب : ويقول: ( إقرأها فهي قصيرة ولكنها مؤثرة جداً ) إنه حديث قدسي تقشعر له الأبدان وتتجلى فيه عظمة الخالق ... فأردنا أن نقول له: لماذا أدمعت عيناك ؟؟ ،وعلى ماذا ؟؟، وما الغريب الذي أبكاك على ما هو موجود في هذا الحديث العادي ؟
( قال سبحانه وتعالى ... " يا ابن آدم جعلتك في بطن أمك ، وغشيت وجهك بغشاء لئلا تنفر من الرحم وجعلت وجهك إلى ظهر أمك لئلا تؤذيك رائحة الطعام ، وجعلت لك متكأ عن يمينك و متكأ عن يسارك فأما الذي عن يمينك فالكبد ..... وأما الذي عن يسارك فالطحال .. وعلمتك القيام والقعود في بطن أمك .. فهل يقدر على ذلك غيري ؟؟فلما أن تمّت مدتك وكملت خلقتك، أوحيت إلى الملك بالأرحام أن يخرجك فأخرجك على ريشة من جناحه ، ليس لك سن تقطع ، ولايد تبطش ، ولا قدم تسعى ، فبعثت لك عرقين رقيقين في صدر أمك يجريان لبناً خالصاً حاراً في الشتاء وبارداً في الصيف وألقيت محبتك في قلب أبويك ، فلا يشبعان حتى تشبع ... ولايرقدان حتى ترقد ، فلما قوي ظهرك واشتد عضدك بارزتني بالمعاصي في خلواتك ، ولم تستحي مني ، ومع هذا : إن( دعوتني أجبتك ) وإن ( سألتني أعطيتك ) وإن ( تبت إليّ قبلتك )(سبحانك يارب ما اكرمك. واعظمك).
ونقول لهذا الأخ الذي ما تزال عيناه تدمعان:
أين دموعك من الأبرياء في سجون الظالمين ؟؟ أين إحساسك تجاه الفقراء الجائعين والمحتارين والجرحة والضائعين في البراري، و المستعبدون الذين يطالبون بحقوقهم بصوت مدوٍ حتى الصراخ فلا تُستجاب دعواهم، والجياع والمظلومين سألوه منذ ما قبل نزول خرافة الأديان والأحاديث القدسية التي سميت بالقدسية للفت الأنظار اليهم أكثر، ومع ذلك فإن كل هذه الأدعية لم نغير ولم تقدم ذرة من الرحمة ولا حتى شفقة على النفوس، وهذا دليل على أن الإنسان يخلق لذاته أوهام ويعيش على تصورات، فإما هو من يحتفظ بها لنفسه أو تكون هي أصلا مزروعة فيه منذ صغره، ولن يكون بالإمكان يوما إثبات أن القضايا والحاجات يمكن حلها بالدعاء و الرجاء والتضرع إلى الإله الا اذا اقنع الشخص نفسه بذلك.
أما عن التوبة فهناك من يتوبون ولكنهم يزدادون فساداً أكثر من الاول لأن التوبة لا تنفع الذين يتوبون طمعاً في الحوريات، ولم نرى الله حاسبهم يوماً على ذلك هذا إن تابوا حقاً.
أوليس تكرار الأحاديث القديمة هو بحد ذاته كفر وجريمة بحق الأناس الفقراء البسطاء من قبل الذين يستغلون ويتاجرون بها، وتكون هي بحد ذاتها ذنبٌ لا يُغتفر للإنسان لأن من يشجع الناس على الجهل والإتكال والتصورات الخاطئة التي أختلقها البعض ليصطادوا بها العقول الميتة والساذجة.
نقول لهذا المحترم: إن الله يحب الحقيقة، لذا عليكم قولها حتى وإن تضررتم منها، هذا إذا كنتم حقاً صادقين مع الله.
ويستجيب الله للإنسان إن إستجاب الإنسان لأخيه الإنسان وإلا فالله لا يستجيب للإنسان بدون الإنسان.
يقبل التوبة ويطهر القلوب ان كان صاحبها صادق مع نفسه وأحب هو التغير، فالله لا يغير في الإنسان إن لم يغير الإنسان ما في نفسه، وإن غير الإنسان فلا حاجة إلى الله بالأصل.
نقول لصديقنا ذو العينين الدامعتين على هذا الحديث العادي البسيط: خيركم هو من يكون خيراً لأهله وأصدقائه وناسه وشعبه ويزرع الخير أينما كان.
فلا الأحاديث تشفي الغليل، ولا تأتي بالخليل، ولا تُصلح البخيل، ولا تنزه الرزيل، ولا تؤثر في النبيل.
فالصالح هو من يكون تربيته صالحة لأن لا خير في دين بدون تربية، والعاقل هو من تعلم الخير والمحبة ليسقي بها الآخرين، لا من يصلي ركعتين قياماً وقعوداً ويعتبر نفسه أنه قد قام بواجباته نحو مجتمعه وشعبه.
لا خير في صلاة ٍ بدون أن يقوم صاحبها بواجباته القومية والوطنية والإنسانية الاجتماعية لأن الصلاة لا تنفع الله بشيء مادام الله هو القهار والكبير والأول والأخير.
المؤمن الحقيقي هو من يصوم عن الكذب والكره والبغض و الهمزة و اللمزة و يفطر عن الطعام، لا من يصوم عن الطعام ويفطر عن كل المعاصي والخطايا.
عزيزنا الرقيق المشاعر: نور الله أيامكم و زاد في صحتكم و أنعم عليكم نعمة التفكير في أحوال الوطن وناسه يا شيخنا الوقور و جعلكم قوة للدفاع عن حقوق شعبكم المضطهد المغبون من الله نفسه ومن أصحابه المؤمنين المزيفين الذين يقولون ما لا يفعلون و كل همهم هو أن يحصلوا على الحوريات في جنانهم المصنوعة من خيال من ضحك على ذقونهم البيضاء كأذيال الثعالب الثلجية.
صديقي المحترم: كم ستكون الدموع إيماناً صادقاً و تنم عن رجولة من يذرفها حينما يبحث صاحبها عن ما يفيد المحرومين والبسطاء، ويقطع سبل الرزق الحرام على أولاد الحرام أصحاب الأحاديث المفبركة والمنسوبة الى البعض، فكثيرون هم من كتبوا جملهم ونصوصهم ونسبوها الى الغائبين حتى يقرأها الناس لأنها مدونة بأسمائهم والغاية معروفة عند العقلاء.
ومثل هذا الذي سميته حديثاً قدسياً لا تقشعر له الأبدان، ولا يحرك المشاعر الأحاسي نحو ما قيل، فهو حديث كأي كلام آخر عادي عن شيء موجود منذ العصر النيوليتي المتأخر حينما عرف و أدرك الإنسان ما حوله، ولأنها علاوة على ذلك معلومات عادية عرفتها المدنيات القديمة منذ أمد بعيد، من مثل كهنة فراعنة مصر و كبار فلاسفة أثينا في بلاد الإغريق.
إنه حديث صُنع من كلمات مركبة لتصوير حالة عادية لدى الخلق، وكما أنه مأخوذ من الواقع وليس إبداعاً، وكل ما قيل هو موجود قبل الأحاديث بمئات السنين.
فعلى أصحاب الأحاديث أن يصلحوا أنفسهم قبل أن يكتبوا الأحاديث، و من ثم عليهم مطالبة الغير بالإصلاح.
يا صديقنا الغالي نقول: أحبوا الله في بعضكم البعض، و احترموا الغير حتى وإن خالفكم، واخدموا أهل الحاجة حتى وإن تعبتم. أهتموا بأخيكم الانسان إن أخطئ بدون قصد وبقصد، واستروا إن قدمتم لهم حاجتهم. أوفوا العهد إن عاهدتم لأن في الوفاء نخوة الإيمان، وكونوا كرماء عند الواجب، ولا تبخلوا فيه لأنه كفر ٌ، وإن بخلتم فابخلوا في الحسد وحب التظاهر والوجاهات والفتن والكراهية والتبذير، لأنه إثم عظيم بحق المجتمع، وصَاحِبوا ورافقوا أصحاب الأخلاق ممن يحملون ضمائر حية، الذين يحافظون على الصداقة العذبة، وكونوا هادئين عند الغضب، وصبورين عند الحاجة، واحملوا إيمانكم في أخلاقكم، فلكم جنتكم في حياتكم وموتكم، و التي ستجدونها في راحة النفس.
يا عزيزنا: كفانا سنيناً ونحن ننسخ أنفسنا عن النسخ القديمة المهترية التي لم تعد تفيد الأحياء والأموات، ولم تعد تؤثر حتى على من أمنوا بها و كتبوها. وشكراً لكم، كما أرجو أن تدمع عينيك على المآسي البشرية وليس على مثل هكذا أحاديث.
ا
#دروست_عزت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رد على أخ عربي لا يخجل من التاريخ
-
عفواً إستاذ فاضل السباعي المحترم لقد أخطأت بحق نفسك
-
الوضوح خير خدمة تقدمها للعقل مهما كانت المرارة
-
مكبلوا الحياة والأرواح والفكر زوراً وبهتاناً
-
أخطأت يا برناردشو إن كنت تسخر أو كنت صادقاً ...
-
زيارة أردوغان وبضاعته الفاسدة على الطاولة الروسية
-
الوصول إلى الهدف هو أن تعرف كيف تلعب مع خصومك وتفهم شعبك
-
حالة الحطب المشتعل بالنار ليست كحالة من يتدفىء بناره
-
تجار الدين يستقتلون من أجل مصالحهم وليسوا من أجل الله
-
الهم المشترك وويلات شعوبنا
-
السيد ديمستورا بين سنديان تصريحه ومطرقة غاياته
-
رسالة إلى السعودي المسلم الكافر عبد المجيد سدير
-
إلى برنامج / دو آلي / بأشراف السيد المحترم دل بخوين وكل محاو
...
-
أردوغان اليوم يغوص أكثر في رمال احلامه المتحركة
-
الأمريكان وحلفائها يحفرون قبر تركيا بمعول أردوغاني
-
أردوغان يتخبط
-
رسالة إلى أول غبي من عصر أبو بكر وحتى يومنا هذا
-
ميشل كيلو يتفلسف لزيادة دولاراته ...
-
الفدرالية وفرصة التسابق بين المعارضة والنظام للأعتراف بها
-
التناقضات والتلفيقات لدى عزمي بشارة المفكر
المزيد.....
-
الركن الأساسي في الإسلام .. كم يوم باقي على شهر رمضان 2025 “
...
-
نزل الآن التردد الجديد 2024 لقناة طيور الجنة بيبي على الأقما
...
-
الأزهر يصدر فتوى بشأن المراهنات على المباريات الرياضية
-
الزاوية اللؤلؤية.. قبلة المبعدين عن المسجد الأقصى
-
هكذا أعادت المقاومة الإسلامية الوحش الصهيوني الى حظيرته
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة-إيفن مناحم-بصلية
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تعلن استهداف مستوطنة كتسرين بصلية
...
-
المواجهات الطائفية تتجدد في شمال غربي باكستان بعد انهيار اله
...
-
الإمارات تشكر دولة ساعدتها على توقيف -قتلة الحاخام اليهودي-
...
-
أحمد التوفيق: وزير الأوقاف المغربي يثير الجدل بتصريح حول الإ
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|