|
نهر ديالى ايام زمان
وليد خليفة هداوي الخولاني
كاتب ومؤلف
(Waleed Khalefa Hadawe)
الحوار المتمدن-العدد: 5903 - 2018 / 6 / 14 - 18:27
المحور:
المساعدة و المقترحات
تدور احداث هذه الحكاية منذ ولادتي في 1/7/1947 ، وفي ذلك العام اجري تعداد عام للسكان وكان عدد سكان العراق اربعة ملايين ونصف ، ولم تكن الولادات تسجل في دوائر الاحوال المدنية وكانت القابلة المأذونة (الجدة) هي التي تولد النساء في القرى والارياف دون تسجيل تاريخ ولادتهم في دوائر الاحوال المدنية، اذ لم تكن القابلات يعرفن القراءة والكتابة ، لذلك اعتبر منتصف عام1947وهو 1/7 هو تاريخ الولادة لكل المولودين ذلك العام او ربما قبله وانا واحد منهم، وعندما ابصرت النور لأول مرة في حيالتي، كان ذلك في قرية على ضفاف نهر ديالى اسمها قرية القبة في محافظة ديالى ، كانت قرية صغيرة يحتضنها نهر ديالى من ثلاثة جوانب ،(نهر ديالى طوله 445 كم وهو خامس روافد نهر دجله ينبع من جبال زاكروس ومن فرعين يلتقيان في بحيرة دربند حان، احد الفرعين ينبع من ايران التي قامت بتحويل مجرى المياه الى داخل اراضيها والاخر من العراق ويصب النهر في جنوب مدينة بغداد ويسير نهر ديالى متعرجا كتعرجات درب الافعى وتحيطه من الجانبين القرى والمدن والبساتين التي تضج بالحياة والانتاج الزراعي حتى يرى شريطا اخضر متموجا من المياه والبساتين المتكونة من الحمضيات بأشكالها والرمان والعنب والنخيل والاجاص والخوخ...الخ ،حتى كان بعض المغنيين ينشدون عن برتقال ديالى – يا برتقال ديالى مي ،مي وشكر- لحلاوة طعمه ،لقد كانت حقيقة بعض جنان الله على ارضه). بيوت القرية من الطين وبعض المتيسرين من الطابوق، لا توجد في القرية كهرباء ولا اسالة ماء في ذلك الوقت . كانت النساء يجلبن مياه الشرب والطبخ والغسل من نهرين ينقلان الماء من نهر خريسان (الشاخة) المتفرع من نهر ديالى، ويلتفان حول القرية احدهما يسمى (نهر هداوي قديما، والاخر يسمى نهر الزور)،وهذا هو الطوق المائي الثاني الذي يطوق القرية وكانت اسراب النساء(الملايات :النساء الذين يملئن الماء في (المشربة ) وهي وعاء يحملنه على الكتف مصنوع من النحاس مصمم لكي يحتوي على كمية محددة من الماء تتناسب وقدرة المراءة على حملها) والملايات يذهبن لجلب الماء بواسطة (المشربة) التي يحملنها على اكتافهن ويسرن بشكل مجموعات كأسراب الطيور المهاجرة التي تمر في سماء القرية عدة مرات حتى يتم ملء (الحب) وهو وعاء مخروطي مصنوع من الفخار كما تستخدم (التنكة) وهي وعاء مصنوع من الفخار أيضا لاحتواء الماء لغرض التبريد والشرب ، وكانت الطرقات التي تسير فيها الملايات ، تحفظ في السر حكايات عشق وغرام بين بعض شباب ورجالات القرية وبعضهن لكنه كان على قدر من اللياقة والاحتشام . كان حوض نهر ديالى مملوء بالمياه صيفا ولا زلت اتذكر ان نهر ديالى قد خطف ارواح العديد من ابناء القرية الذين يسبحون فيه لشدة جريانه وعمق مياهه ، اما في فصل الشتاء فربما لا تعييني الذاكرة على وصفه ،حيث كان يغزونا الفيضان في العام مرة او مرتين ،وكان عمري 9 سنوات عندما كنت ارى ان البساتين التي تمتد لمسافة (3-5) كم عن مجرى النهر والتي ترتفع بحدود تتجاوز 10 امتار احيانا عن مستوى الماء فيه، قد غطتها المياه ، حتى اشجار النخيل الشامخة تختفي تحت مياه تجري كسرعة الريح. كان غضب نهر ديالى شديدا وقاسيا ، فيتوسع النهر ليبلغ عرضه اكثر من 5 كيلومتر ، مياه صاخبة تحمل فوقها جذوع من الاشجار والنخيل وتجرف حافة النهر البساتين وتقذف بالأشجار في مجرى النهر الكبير الذي ربما اشبهه بحوض نهر الامازون حاليا من حيث السعة والشدة . وكنت ارى ابن اوى وهو متمسك بجذوع النخيل والاشجار طافيا فوق المياه وبعض الحيوانات الصغيرة الاخرى كالسناجب وابن عرس وغيرهم اذ ان شدة جريان المياه لا تمكنه من السباحة والالتجاء لاحد جانبي النهر، كما كنت ارى الافاعي والعرابيد وهي تسبح في النهر ، بيوت كثيرة في القرية تغرق تحت المياه لكن بيتنا كان فوق تلة مرتفعة في القرية فتحيطه المياه من كل جانب دون ان تتمكن من الدخول اليه وكنا نملا بعض الاماكن المنخفضة بالتراب للحيلولة دون ذلك . وكان الحال هذا يستمر لعدة ايام ربما تتجاوز العشرة ايام ، وبعدها يبدا (المارد ) النهر بالعودة الى عرينه، لكنه يبدا بالانخفاض التدريجي لمستوى المياه حيت يترك بيوت القرية وبعدها يترك اشجار النخيل ثم يعود لمجراه تاركا البساتين وقد غطاها الغرين (الدهله) التي ربما يبلغ ارتفاع بعضها ما يزيد على 30 سم وكنا نذهب مرتدين (الجزم) متمسكين بجذوع الاشجار لنرى اثار الفيضان في بساتيننا حيث نجد تهدم الجدران المبنية من الطين للفصل بين حدود بستان واخرى واشجار قد اقتلعت واخرى قد تكسرت اغصانها. وكانت الفيضانات تحدث في فصل الربيع عند ذوبان الثلوج او عند تساقط امطارا غزيرة في الشتاء ، كان المطر يهطل في قريتي شتاءا كأفواه القرب ، وكنا ونحن صغار نستعمل (الطشت) المعد لغسل الملابس ونستعمله كزورق نجلس فيه فيسير بنا في مياه المطر المتجمعة . اما الان فان نهر ديالى تحول الى بركة اسنة من المياه رغم وجود سدين عليه هما سد دربند خان وسد حمرين ، وان البساتين التي تنتشر على جوانبه معرضة للجفاف. كان الزمن زمن الخير ، ولم نكن نشاهد الدعارة في الفضائيات التي غزتنا باسم الانفتاح على الحضارة الغربية ، حتى كان الرجل الذي يريد الزواج يقوم عدد من المتزوجين بإرشاده كيف يأتي زوجته ، وكانت اشارة العفة وهي خرقة بيضاء تلطخ بدم غشاء البكارة ليلة الجماع لكي تريها العروس والعريس لذويهما دلالة على عفة العروس. ومن الامثال التي تقال في جانب المرأة (ان الحرمة بشارب الخير ) اي ان الزوجة بعهدة وغيرة الرجل ، ولكن الآن عدد المطلقات يبلغ شهريا عدة الاف، يتلاعب الفيس بك والانستجرام بالرجال والنساء . وكانت الخمرة لا تعرف في القرى والارياف ، غيرانا تغيرنا ،تغيرت اخلاقنا وتغيرت قيمنا حتى غزانا الارهاب وكنا نصبح على شوارع مدننا تنتشر في بعضها جثث المغدورين منا لا فرق بين هذه الطائفة او تلك حتى هذه القرية التي تربط سكنتها اواصر القربى والنسب والجيرة غزاها الارهاب ، ارسل لي صديق فديو لا حد الاشخاص بدور مقدم برامج يخاطب عدد من الشباب عن رغبتهم في جماع امراء اربعينية فأجابه بعضهم: ان طريقه غير ذلك فهو يبحث عن الحلوين (طريق قوم لوط) ، وهو يفخر بذلك وينشره على الانترنيت غير خائف ولا وجل فمن يعاقبه؟ غير عارفا ان أمن عقاب القانون فان الله شديد العقاب ، فبمثل هذه الثقافة والسلوك ماذا نتوقع؟، يقول الله في محكم كتابه المبين سورة نوح الآيات (10-12) " اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً" ولا ندري ما تحمل الايام القادمات من هموم المياه ، لكني اوجه دعوة للاستغفار والعودة لطريق الهدى والصلاح ومخافة الله لعل الله ينزل المطر المدرار ويجري الانهار(نهري دجلة والفرات وروافدهما ) ويذهب بالجفاف وينبت الجنات جنبا الى جنب مع الدعوة لمعالجة مشكلة المياه علميا مستفيدين من خبرات الدول المتقدمة والمطالبة بحقوق العراق في مياه الانهار الدولية .
#وليد_خليفة_هداوي_الخولاني (هاشتاغ)
Waleed_Khalefa_Hadawe#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ازمة المياه في العراق( ملاحظات من الداخل)
-
التجاوز على ارصفة الشوارع والامن الاجتماعي
-
العقيدة الشرطية
-
الانتخابات والمطر والتفاؤل
-
مواصفات المرشح لانتخابات مجلس النواب العراقي للعام2018
-
العوامل المؤثرة على التحقيق في الجرائم وتحقيق العدالة وضرورة
...
-
المطر والجفاف ورحمة الله(وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ
...
-
المطر والجفاف ورحمة الله (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ
...
-
السيرة الذاتية للكاتب
-
السيطرات الوهمية على الطرق الخارجية والاخطار الامنية
-
المستلزمات الامنية والاجتماعية لنجاح اعمار العراق
-
اداء الواجب والاعتداءات والتهديدات والفصول العشائرية ومستقبل
...
-
جيل قادة النصر
-
مبادئ اساسية في ستراتيجية العراق الوطنية لعراق ما بعد داعش
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
نداء الى الرفيق شادي الشماوي
/ الصوت الشيوعي
-
أسئلة وأجوبة متعلقة باليات العمل والنشر في الحوار المتمدن.
/ الحوار المتمدن
-
الإسلام والمحرفون الكلم
/ صلاح كمال
المزيد.....
|