لقد لمنا براقش حين جـرّت على أهلينهــا عفـــوا وبالا
وعذران الجريرة كان طبعا فما العذران لو جرّ العبالى
الإعلاميون على دين ملوكهم!
قبل يومين ومن واشنطن أرسل السيد طلال الحاج تقريرا إلى فضائية أبوظبي، تنبأ فيه أن القرار الأمريكي البريطاني سيحضى بأصوات الأغلبية المطلقة. على إعتبار، والتحليل لطلال، أن روسيا لا تريد لعلاقاتها مع أمريكا أن تتأثر، وفرنسا لم يسبق وأن إستخدمت فيتو والصين لا تمانع بضرب العراق، أما المكسيك فتجارتها مع أمريكا وكذلك بقية الدول الأعضاء، إذن، يتمنى طلال مستنتجا، فالقرار سيحضى بالأغلبية المطلقة.
وعلى النمط نفسه نشر السيد عبدالوهاب بدرخان في عدد (الحياة) ليوم 10 03 03 وعلى موقع (كتابات)، مقالا بعنوان (( أسبوع المواجهة ثم الحرب)) ربما يجوز أخذه كعينة للإعلام الذي يحيط بنا دون أن ننتبه إلى كنهه.
هذا، ولقد غزت أمريكا أفغانستان، فهلل لغزوها بعضهم وكال المدح وإعتبروها إنتصرت نهائيا، وأن ما توقعه الجهلة(!) والحالمون من الوطنيين في العالم، ليس غير تمنيات ورومانسيات ثورية إنتهى زمنها منذ الستينات. وحتى اللحظة لازال هؤلاء الإعلاميون يطنبون بمنجزات هذا الإحتلال رغم أن أمريكا نفسها تحاول الآن جاهدة إسدال الستار عليه، حيث لم يعد لها منه سوى مافيات لترويج المخدرات، كما لا تواجد لها إلا ببعض المدن، وهو على أية حال تواجد بينه وبين الموت شعرة في كل يوم. كما قال إعلاميون من خارج الجوق بعض الحقيقة فأعلنوا أن أفغانستان تتصدر ومنذ سنة قائمة الدول المنتجة للمخدرات، وبإشراف وإدارة ضباط أمريكيين، أو معاونين لهم. طبعا هكذا حقيقة ليست، بأعراف جراء براقش، سوى دعايات من صنع خيال العالم الثالث!
وفي حالة العراق، فلم يبق أحد يجهل أن أمريكا بصدد غزوه ولن يثنيها عن ذلك شيء، حتى لو آل غزوه إلى ما آل إليه غزو أفغانستان. خصوصا وأن وراء هذا الغزو خطة كبرى لإعادة رسم العالم والمنطقة ليكون أول الخاسرين بعد العراق فيها، السعودية والكويت المفعمتان الآن بتقديم العون لربهما الأمركي القادم. وخسارتهم لابد وتضحك لها براقش كثيرا.
الغريب أن هذه النوايا مكشوفة وعلنية ولا تواري أمريكا عنها. ومع ذلك يحاول بعض السادة إستنطاق المستحيل ليس ليجمل الصورة الأمريكية القبيحة القادمة، وإنما يتذاكي بتحليلات يوحي من خلالها بمعرفته ببواطن الأمور. من هذه التحليلات مقال السيد عبدالوهاب بدر خان في صحيفة الحياة أعلاه والذي جاء فيه: (( أسبوع حاسم، ليس للعراق فحسب، وإنما لعلاقة أميركا مع أوروبا والعالم. فذهاب الولايات المتحدة إلى الحرب من دون شرعية دولية سيفرض نفسه كخطوة مؤسسة لنظام دولي جديد سيطول البحث عنه. واستناداً إلى المواقف الحالية لا يبدو أن مجلس الأمن سيبارك هذه ثالحرب، فإذا أمنت واشنطن أكثرية الأصوات للقرار الجديد ستواجه "الفيتو" الذي بات معلناً. هذا "الفيتو" لن يعطل الحرب، والأكيد أنه سيفتح الصفحة الأولى في أزمة دولية لا تزال مجهولة الأبعاد لكنها مرشحة لأن تتشعب وتستفحل ))
وهنا فالسيد بدرخان على علم بأن الغزو سيتسبب بمشكلة مستفحلة محهولة الأبعاد. إلا أن هذه التوقعات، التي حدسها، لم تفاجئ الرب الأمريكي، لأنه كان ينتظرها بل وبنى مخططه عليها. أي إنه يعلم الغيب مقدما. وعن هذا يواصل السيد بدرخان قائلا: (( لا شيء يثبت أن هذه التطورات لم تكن متوقعة في الحسابات الأميركية، خصوصاً أن قرار الحرب من دون حلفاء كان الخيار الأول لإدارة جورج بوش. أما وقد ذهبت إلى المجتمع الدولي لتطلب موافقته وتأييده، ووجدت أنهما متعذران، فقد أصرّت على خيارها، مما يعني أنها تعرف كيف تستفيد من الأزمة اللاحقة. وإذ أصبح معروفاً أن هدف الحرب تدشين الهيمنة الأميركية، فإن واشنطن ترى في الأزمة ما يخدم أهدافها، بل لعلها توقعت مصاعب أكبر، إلا أن اللجوء إلى مجلس الأمن ساعدها على تقنين المعارضة وحصرها في منطق عمل الأمم المتحدة، من دون أن يزعجها ذلك في تحضير "مسرح العمليات" والاستعداد لساعة الصفر )) أي إن الرب الأمريكى حسب كل شيء مقدما بل وعلم أن أزمة ما ستنشأ في مجلس الأمن وإستعد للإستفادة منها.
أن أمريكا، ولمعلومية السيد بدرخان، حقا كانت قد أعدت خططها، ولكن على أساس أن كل شيء مضمون سلفا. ولم تفكر بأن هناك من سيقف بوجهها أو يعترض على قرار لها، مثلما لم تفكر أن باول الذي صورته كجوهرة الدبلوماسية الهادئة، سيصبح أضحوكة دبلوماسية حين عرض فلمه الكرتوني عن أسلحة العراق. لقد تصرفت أمريكا قبل شباط 2003 وكأن كل العالم من نمط السيد بدرخان، يرى بكل ما تأتيه قرارا ربانيا، ربما ليس الآن، وإنما بعد سنين سنكتشف الحكمة المكنونة فيه. أما أن هذا الرب سبق وأخفق في الصومال ولبنان وفيتنام وكوبا، فهو إخفاق سيكشف لنا طلال الحاج أو بدرخان. أن بها حكمة دفينة مقصودة.
ويواصل السيد بدرخان تحليله، أو بالأحرى نصحه إلى دول العالم، قائلا: (( ما أن تبدأ العمليات الحربية حتى تفرض على العالم واقعاً جديداً، وستجد دول "الفيتو" ودول المعارضة نفسها بلا أي دور ولا أي نفوذ أو تأثير، ستصبح خارج اللعبة. وستكون أوروبا قد قسمت بشكل موجع وبشع. والأسوأ أن الأمم المتحدة ستعاني تهميشاً هو الأصعب منذ تأسيسها، لأنها ستفقد القدرة على ممارسة أي مراقبة أو أي مرجعية، وستضطر للاكتفاء بالمهمات التي يتركها لها الأميركيون إذا احتاجوا إليها. وطبعاً، ستحرص الولايات المتحدة على طرد دول "الفيتو" من المنطقة طالما أنها اختارت معاندتها وسعت إلى عرقلة مشروعها. وعلى رغم أن الأميركيين يستهزئون بالرأي العام ويتجاهلونه، إلا أنهم سيراهنون على تبدل مزاجه ليتكيّف بالأمر الواقع ويعكف على مشاكله الداخلية ويعود إلى مزاولة حياته اليومية بعيداً عن السياسة، خصوصاً السياسة الخارجية التي لم تعد هناك سوى دولة واحدة قادرة على ممارستها ))
أي ليس أمام العالم سوى الموافقة على دمار العراق وإعدام أهله بالجملة وإلا سينتظره ذلك الذي حزره بدرخان فقط. وكأن دول العالم إمعات لا تفهم ما يفهمه بدرخان، وكأنها تأتي غلطة العمر حين لا تستمع إليه، ولا ترى الجزرة الأمريكية الشهية التي يراها هو.
الغريب أن المحلل السياسي المتنبئ بالمستقبل المظلم هذا، يرى أن الجزرة التي يجب على العالم رؤيتها هي أن لا يصبح خارج اللعبة. واللعبة هي أن يوافق على القرارات الأمركية. بينما هو يعترف أن أمريكا ستنفذ ما تريده وافقت الدول أم لم توافق. أي إن الدول خارج اللعبة أصلا. وما تلوح به أمريكا من جزرة لا يراه العالم المتحضر، بل يراه هو فقط.
ويواصل السيد بدرخان نبوآته، أو ما تحتم عليه أن يعرضه كنبوآت، فيقول: (( طالما ان التفوق الناري سيقول كلمته، وان الانتصار العسكري مضمون للولايات المتحدة، فإن النتيجة الحقيقية التي تريدها لهذه الحرب لا تتعلق بالعراق تحديداً، بل تتعداه. وطالما أن أي دولة في عالم اليوم لا تملك الإمكانات المالية والعسكرية والاقتصادية المتوافرة للولايات المتحدة، فإن عدم تمكنها من تطويع الأمم المتحدة ومجلس الأمن سيدفعها مستقبلاً للسعي إلى تغيير آليات عمل الشرعية الدولية، أي إلى إعادة انتاج الأمم المتحدة بمعادلات نفوذ جديدة سبق أن أشار إليها عدد من الكتّاب الأميريكيين، عندما راحوا يطالبون بتغيير نظام "الفيتو" ونزعه من هذه الدولة أو تلك. فالمعادلة في نظرهم لا بد أن تستند إلى إمكانات القوة واستخداماتها ))
وهنا فالمشكلة معلومة وهي أن العالم سيواجه بإعادة رسم. وأزاء هذا فالمطلوب، حسب تحليلات هذا النبي العبقري، هو أن لا يقاوم العالم هذا التوجه بل يسايره ويوقع له بالعشرة، لماذا، لكي لا يكون خارج اللعبة، التي هو خارجها أصلا. بدليل إضافي يقوله بدرخان وهو: (( إذا كانت معركة محور "الفيتو" والمعارضة خاسرة سلفاً، كونها لا تستطيع منع حصول الحرب، فهل درست هذه الدول مضاعفات خسارتها وهل تحسبت للأزمة التي ستنشب لحظة خروج الولايات المتحدة من مجلس الأمن بلا قرار يبارك حربها؟ في أي حال، كان لا بد من وقوع هذه المواجهة عاجلاً أو آجلاً. ولعل حصولها الآن، بـ"ذريعة" العراق، يحول دون تحولها إلى مواجهة مسلحة بين دول كبرى )) فماذا ستخسر هذه الدول إذا كانت قد خسرت تأثير الفيتو - حقها الأقوى على الساحة الدولية؟ وهل وصلت الحال بإعلامي يترأس صحيفة رزينة من وزن ( الحياة ) إلى هذا الإيمان الأعمى بمشروعية السلوك الأمريكي بحيث يقول (( بلا قرار يبارك حربها )) فكم يختلف هذا القول عن ما تدعيه التوراة من مباركات الرب للإبادات التي قام بها بنو إسرائيل ضد الشعوب المجاورة؟!
إن دين السيد بدرخان، على دين ملكه.
وملكه أعلن موقفه وهو أن سلم مطار عرعر وقواعد مجاورة له لتكون منطلقا لغزو العراق. أي إنه حسم موقفه وإنحاز إلى بوش ولن نتوقع منه غير السير ضمن النمط الإعلامي الذي يقوده مكتب (صياغة) الحقائق في البنتاجون.
طبعا سينكر بدرخان موضوعة مكتب الحقائق، حتى وقد إعترف رامسفيلد به. سينكره، حفاظا على ماء وجه تحليلاته!
على أية حال نحن لسنا أول أمة فيها من يستقبل عدوه بالرياحين، ولا أول أمة يتغنى بعض من أقلامها بشيم عدوه وسابي أهله وعرضه،، ولن نكون آخر الأمم في هذا. لكنا لن نكون أول أمة سينكفئ فيها بائعوها إلى مهامل التاريخ.
الغريب أن هذا الغزو ليس له غير أحد إحتمالين. أما أن ينجح، وتنتهي الكويت والسعوية ،، الدولتان اللتان مهدتا له ووطئتا الأرض لقواته. والإحتمال الثاني أن يفشل. وقد سبق وفشل غزو كوبا وفيتنام ولبنان والصومال وأفغانستان. فإذا حدث وفشل الغزو حقا، هل يتجرأ السيد بدرخان ويصف لنا ما سيحدث لجراء براقش؟!