|
النكتة..وسيلة المكبوتين لقهر القهر!(1-4)- تحليل سيكوسوسيولوجي
قاسم حسين صالح
(Qassim Hussein Salih)
الحوار المتمدن-العدد: 5900 - 2018 / 6 / 11 - 19:15
المحور:
المجتمع المدني
تقديم يمهّد القسم الأول من هذه الدراسة الى التعريف بتعدد مفاهيم النكتة واستعراض نشوئها تاريخيا عبر الحضارات واختلاف صيغها ودلالاتها بين الشعوب وتبيان وظائف النكتة وأهدافها،ويستعرض القسم الثاني تفسير الفلاسفة وعلماء النفس للنكتة واصنافها واهداف كل صنف منها،ويركز القسم الثالث على النكت السياسية في العالم العربي ودور الناس والسلطة في الترويج لها،فيما يتناول القسم الرابع النكت الجنسية واستطلاع رأي العراقيين بدلالاتها..في تحليل سيكوسوسيولوجي للباحث. * لا يوجد تعريف محدد للنكتة،بل لعلك تستغرب من كثرة معانيها.فالاصل في فعل (نكت) ان تضرب في الارض بقضيب فيؤثر فيها، بحسب قاموس المحيط . او(نقطة سوداء في الشيء الأبيض او العكس،او كلام لطيف يؤثر في النفس انشراحا،اومسألة دقيقة يتوصل إليها بدقة نظر وإمعان فكر ،او حِكَايَةً مُسْتَمْلَحَةً تُضْحِكُ وَتَنْبَسِطُ لَهَا النَّفْسُ , اوالفكرةُ اللطيفة المؤثِّرَة في النفس، او المسأَلةُ العلميَّةُ الدَّقيقةُ يُتَوصَّلُ إِليها بدقَّة وإِنعامِ فِكْر) بحسب معاجم عربية.ولا يعنينا هنا دلالاتها الاصطلاحية وان كانت تعطيك مفهوم التضاد او المفارقة في السياق،بقدر ما نوفيها حقها السيكوسوسيولوجي في الثقافة العربية والعراقية. شيء من التاريخ تاريخيا، تعدّ النكتة قديمة جدا واقدمها واحدة سومرية تعود الى عام 1900 ق.م.تم اكتشافها مدونة في موقع أثري ونعتذر عن ذكرها لأباحيتها.وكانت النكتة شائعة في الحضارات الفرعونية والاغريقية،والأوربية لاحقا بعد ترجمة كتاب الف ليلة وليلة وحكايات عربية شعبية اخرى. ويعدّ كتاب بوجيو براسكيلوني( Facetiae - الفكاهة) الصادر عام 1451م ،ويحتوي على 273 نكتة تدور معظمها حول شخصيات الغبي والبخيل والمتبجح ،جمعها عبر تجواله في بلدان اوربا..يعدّ اشهر الكتب القديمة عن النكتة، وقد طبع مع اول ظهور لحرفة الطباعة وانتشر بشكل واسع وفيها يظهر تأثر النكتة الأوربية بالفكاهة العربية،فيما يعدّ زمن شكسبير العصر الذهبي للنكتة (المهذّبة) التي ضمن عددا منها في مسرحياته. وفي الحضارة العربية،يعدّ كتاب (أخبار الحمقى والمغفلين )لأبي الفرج الجوزي،وكتاب (البخلاء) للجاحظ ونوادر جحا ،هي الأكثر شهرة في النوادر والطرف،ما يؤكد ان النكتة كانت قديمة في حضارتنا العربية والاسلامية، وانها كانت تركز اكثر على الظواهر الاجتماعية والسياسية.وظهرت شخصيات عربية تخصصت بالنكته مثل أشعب والبهلول وأبو العتاهية،غير ان شخصية جحا تعدّ اشهر شخصية فكاهية في التاريخ العربي،ويقال ان اسمه الحقيقي هو أبو الغصن دجين الفزاري،وأنه عاصر الدولة الاموية ومات في خلافة المهدي بعمر تسعين عاما. وحكمة هذا الرجل انه يتظاهر بالجنون ليقول الحقيقة!،او أنه أراد ان يقول لنا ان الجنون هو السبيل الوحيد لقول الحقيقة في عالم يبدو للآخرين معقولا فيما هو مليء بالمفارقات غير المعقولة..مع انها ما كانت بخبل مفارقات عالم العراقيين الذي يعيشونه الآن! اختلاف النكت باختلاف الشعوب. تختلف الشعوب في نوعية النكات التي تضحكهم..فالبريطانيون والإيرلنديون والأستراليون والنيوزيلنديون يفضلون النكات التي تشمل اللعب على الألفاظ،ويفضِّل الأمريكيون والكنديون النكات التي يبدو أبطالها أغبياء،ويتداول الاوربيون النكات ذات المضمون الذهني،فيما يفضل العرب والعراقيون بشكل خاص تداول النكات الجنسية والسياسية،ما يعني ان لكل شعب وجدانه الثقافي ومستوى حضارته وطريقة التعبير عما يضحكه ويبكيه. وتختلف طبيعة النكتة باختلاف المستوى الثقافي في المجتمع الواحد ايضا ،فالمثقفون تعجبهم النكت العقلية التي تستدعي الاعجاب وتثير التبسم ،والجمهور العام تعجبه النكت الصريحة التي تثير الضحك ،فيما البائسون واليائسون..تعجبهم مرارة النكتة.وأرى أن المصريين هم اطرف شعب عربي في تبادل النكت الساخرة التي تستهدف اثارة المتعة والاضحاك،وان العراقيين هم اكثر الشعوب العربية في تبادل النكات التي تسخر من الآخر بنقد لاذع،لسبب سيكولوجي- سوسيولجي هو كثرة الحروب وقساوة الحياة وسوء ادارة انظمة الحكم لشؤون الناس. ويرى المهتمون بالأدب الشعبي (الفولكلوريون) ان معظم النكات تعود الى مئات السنين وانها تلبس في كل زمن ثوبا جديدا يوافق المزاج الثقافي والنفسي لكل شعب،فيما اختص علماء نفس واجتماع وباحثون بدراسة النكتة علميا..بل ان جامعات فتحت فروعا علمية خاصة بدراسة النكتة،مثل جامعة ولفرهامبتون التي خصصت قسما مهمته دراسة تاريخ النكتة وعلاقتها بالطبيعة البشرية،فيما اهتمت جامعات عربية ،الجزائر بشكل خاص،باجراء دراسات عن النكتة برسائل ماجستير وأطاريح دكتوراه. وتشير الدراسات الى ان النكت البذيئة (القذرة) تقل في شعوب البلدان المتطورة وتكثر في الشعوب المتخلفة لاسيما بين الشرائح الاجتماعية الشعبية.والتحليل السيكولوجي للنكتة البذيئة انها عنف لفظي لعدوان مكبوت ضد آخر بهدف النيل من مكانته الاعتبارية او التحقير.ولهذا فانها تعدّ مادة علمية لعلماء النفس والاجتماع يستطيعون الكشف من خلالها عن الافكار والميول العدوانية لدى الطوائف والمكونات الاجتماعية داخل المجتمع الذي يعيش في وطن واحد.فضلا عن ان اختلاف النكت بين الشعوب يوفر مادة علمية للمقارنة فيما بينها من حيث طبيعة حياتها وانظمتها السياسية وقيمها الاخلاقية..ولك ان تقول :(قل لي نكات مجتمع ما اقول لك من هو وكيف يعيش). وظائف النكتة الوظيفة الأولى للنكتة هي (النقد الساخر) لظاهرة اجتماعية او سياسية او اخلاقية او شخصية اعتبارية سواء كان رجل دين او سياسة او وجه اجتماعي.والهدف منها هو التقاط مفارقة (نظام سياسي يدّعي انه اسلامي وقادته فاسدون،رجل يدّعي انه تقي ولديه بيت دعارة..)،وتشخيص مواطن القبح والخلل في القيم والأخلاق والعلاقات الاجتماعية والأسرية..تصاغ باسلوب فكه او لاذع ،يجتذب المتلقي بطريقة محببة تجعله يفكر في الرسالة التي تحملها النكتة ليتأمل نفسه والواقع الذي يعيشه.وسيكولوجيا يمكن اختصار وظيفة النكتة،عربيا وعراقيا، بأنها هتاف الصامتين و وسيلة المقهورين لقهر القهر! ووظيفة سيكولوجية خفية للنكتة في العالم العربي هي اننا نتداولها لنغطي عجزنا عن حلّ أزماتنا..وأنها تغور عبر تناقلها الى ما هو اعمق سيكولوجيا بتحويل قباحة الواقع الى مألوفّ،وابرز مثال على صدق ما نقول هو (الفساد في العراق) الذي تحول من حالة كانت تعدّ خزيا الى ظاهرة اجتماعية وسياسية شائعة ومألوفة!. ومن بين اهم اهداف النكتة هو كشف ما خفي وفضح المستور، واكثر من يمارس النكتة هم بسطاء الناس والعاجزون لكونها ثقافة شعبية سهلة التداول يرّوحون بها عن هموم الحياة ويضحكون على انفسهم،ما يوفر مادة غنية لعالم النفس والاجتماع لمعرفة ما يعانية المجتمع او مكون اجتماعي فيه، وتحليلها وفقا لآلية الكبت ما اذا كانت تستهدف :التنفيس ،التشهير ، الفضح ،العقاب..،أو: التسلية ،الفكاهة ،التنفيس ،خفض التوتر ،الاسترخاء البدني والنفسي ،توثيق العلاقات بين الاصدقاء..واضحاك الناس،الا اذا كانوا من صنف نيوتن الذي قيل انه ضحك مرة واحدة في حياته،او ستالين الذي ما كان يضحك الا نادرا، اورئيسة وزراء بريطانيا السابقة..المرأة الحديدية مارغريت تاتشر. وللتنكيت اوقاته ومناسباته،ففي مجتمعنا الاسلامي لا يصح التنكيت في المساجد ومناسبات العزاء او تشييع جنازة مع انها متداولة في ثقافات اخرى بتبرير سيكولوجي يهدف الى مداراة اهل الفقيد نفسيا.ولكن الظرفاء بيننا يستغلون هكذا مناسبات لقول نكتة كما فعل صديق ظريف حضر مجلس عزاء وفاة زوجة اخي..فحين جلس بيننا همس الى اخي قائلا:(شيخنا..بس كون امخليلك اسبير!).وموقف آخر انني حضرت مجلس عزاء وفاة زوجة صديقي،فوجدته يبكي عليها فمددت يديّ الى السىماء وقلت:( الهي،انك ترى هذا الرجل كم هو مفجوع ولا يطيق فراق زوجته..فاشفق عليه والحقه بها سريعا، وزوجّه اياها في الجنة، وابعد عنه الحور العين والولدان المخلدون!). يتبع
#قاسم_حسين_صالح (هاشتاغ)
Qassim_Hussein_Salih#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سيكولوجيا المقالب التلفزيونية - رامز تحت الصفر انموذجا
-
الصوم بمنظور علم النفس الغربي..أصدق تحليلا
-
تجمع عقول يدين الاعتداء على مقر الحزب الشيوعي العراقي
-
من حكومات الصراع الشيعي السنّي لحكومات الصراع الشيعي الشيعي
...
-
العزوف عن المشاركة في الانتخابات البرلمانية- تحليل سيكوبولتك
-
استطلاعات الرأي بالمرشحين للأنتخابات البرلمانية-الحلقة الأخي
...
-
استطلاعات الرأي بالمرشحين للأنتخابات البرلمانية- 3.السيدان ر
...
-
استطلاعات الرأي بالمرشحين للأنتخابات البرلمانية- 2.السيدان أ
...
-
المؤتمر الدولي للطب النفسي في القاهرة
-
استطلاعات الرأي بالمرشحين للنتخابات البرلماني - 1 حيدر العبا
...
-
كذبة نيسان بنسختها العراقية
-
تحولات الشخصية العراقية في الانتخابات البرلمانية
-
الألتزام الديني في زمن حكم أحزاب الأسلام السياسي (دراسة استط
...
-
مرشحو السوبيس..تعليقات ساخرة
-
نوزوز..سيبقى عيدا للمحبة والتآخي
-
في شارع الرشيد..-ستوته!-
-
كلمة العراقيين في الخارج لمؤتمر تجمع عقول- جاسم المطير
-
الانتخابات..من صراع الهويات الى صراع الثروات
-
المؤتمر الاول لتجمع عقول - بغداد 3 ىذار 2018
-
التسابق الأنتخابي في زمن الجذام الأخلاقي
المزيد.....
-
في يومهم العالمي.. أشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة ألهموا الع
...
-
سويسرا تفكر في فرض قيود على وضع -أس- الذي يتمتع به اللاجئون
...
-
كاميرا العالم ترصد خلوّ مخازن وكالة الأونروا من الإمدادات!
-
اعتقال عضو مشتبه به في حزب الله في ألمانيا
-
السودان.. قوات الدعم السريع تقصف مخيما يأوي نازحين وتتفشى في
...
-
ألمانيا: اعتقال لبناني للاشتباه في انتمائه إلى حزب الله
-
السوداني لأردوغان: العراق لن يقف متفرجا على التداعيات الخطير
...
-
غوتيريش: سوء التغذية تفشى والمجاعة وشيكة وفي الاثناء إنهار ا
...
-
شبكة حقوقية: 196 حالة احتجاز تعسفي بسوريا في شهر
-
هيئة الأسرى: أوضاع مزرية للأسرى الفلسطينيين في معتقل ريمون و
...
المزيد.....
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
-
فراعنة فى الدنمارك
/ محيى الدين غريب
المزيد.....
|