رسميه محمد
الحوار المتمدن-العدد: 1497 - 2006 / 3 / 22 - 11:11
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
المقدمه
( الوطن هو نقيض الطائفية , فعندما يسود النظام الطائفي يغيب الوطن وعندما يفرض هذا الوطن نفسه تتوارى الطائفية) . هذا ماقاله الباحث واستاذ التاريخ المصري يونان لبيب قبل عقد تقريبا , وهو مصيب تماما في ماذهب اليه. وبهذا المعنى يصح الاعتقاد بأن الوطن لايحتمل ولايطيق منافسة الطائفة له على السيادة اذ في هذا ضياعه المحقق(1). والواقع أن مايجري اليوم في العراق من ظروف سياسية معقدة وسط تصاعد الدعوات والبيانات السلفية والتفتيتية والهادفة الى طمس هوية العراق الوطنية لصالح برامج طائفية أو انعزالية بأسم حقوق الاقليات أو الطوائف . والتأكيد على أن مشكلة العراق اليوم هي مشكلة طائفية وليس سياسية اجتماعية ناجمة عن الاستراتيجيات التي اعتمدها النظام الدكتاتوري وعن قوانين التوسع الرأسمالي على صعيد عالمي , يساعد على اخفاء العوامل الاخرى الاكثر فعالية في التطور الحقيقي لبلادنا ويعرقل الحل الديمقراطي العلماني المناسب لخصوصيات مجتمعنا . لقد أمسى الخطر الطائفي والعنصري المحدق بالعراق وشعبه تحديا وجوديا خطيرا يصب في خدمة المشروع الامريكي الرامي للهيمنة , فتفتيت مجتمعات العالم الثالث وتحويلها من مجتمعات مواطنة الى مجتمعات مذاهب وملل وطوائف - تلك هي السمة السافرة الرجعية للنظام الامريكي الجديد في عالم القطب الواحد, وهي تعد شروط ضرورية لادامة سطوة تلك البرجوازية وترسخ مكانتها . ومن هنا تتأتى ضرورة النضال الفكري والسياسي بغية تأكيد الثوابت الوطنية والديمقراطية الاصيلة في مواجهة الطائفية في العراق , وفي هذا الاتجاه لابد من صياغة استراتيجية مناهضة ووقائية من شأنها تفكيك واحتواء هذه الظاهرة الطائفية وتبيان مخاطرها والادوار التي تريد ممارستها في العراق .....
جوهر الطائفية
لعل من المفيد في البدء توضيح الفارق بين الطائفة والطائفية . اذ الأولى مقولة اجتماعية تاريخية بمعنى ما, أما الثانية فهي نهج سياسي يشير الى اعتماد الطائفة والعمل على فرض هيمنتها السياسية والتعصب ضد الطوائف الأخرى .ويمكن تشبيه الفرق بين الطائفة والطائفية بالفرق بين الدين والايديولوجية الدينية , فالدين من حيث هو نص معطى موضوعي – له وجوده (المكتوب)الخاص به , على خلاف الأيديولوجية الدينية التي هي تأويل للنص الديني بما يوافق أغراض السلطة وأهدافها ويؤمن لها وجودا شرعيا هي بحاجة اليه(2).ويسعى الكاتب الدكتور كوستي بندلي لابراز حجم التناقض القائم بين التدين والتطيف . فالتطيف , في فكره , هي الوجه الاجتماعي للكنيسة الفاقد للصفة المسيحية , وما الطائفية سوى انتماء الناس الى هذا الشكل دون أي اعتبار للاساس. هذا ماينشأ الخرافات وما يؤدي الى تشويه للهوية المسيحية وافراغ الشعائر الدينية من معناها , والاهم الى تسخير الله لخدمة المصالح والانانيات . وان كانت أولى مظاهر الانحراف , التي يشير اليها الكاتب , هي افراغ المؤسسات الطائفية من بعدها الخادم الذي وجدت من أجله, فأن أجرأ الشواهد على تسخير الله للمصالح هو استغلال المتنفذين للشعور الطائفي لتثبيت نفوذ لايمت الى الله بصلة . فهذا النفوذ لايبغي الخدمة والتفاني بل تعظيم الذات على حساب الغير. وماينطبق على الفرد يطال أيضا الجماعة بحيث يستحيل بالطائفة مجموعة مصالح تستخدم الله . وماينبغي الاشارة اليه هو ان ارتكاز بندلي على الفكر الايماني المسيحي , لم يحصر خطابه بالمسيحين , بل هو ماأضفى على توجهه للمسلمين, الذي أشارت اليه مقدمة الدكتور أسعد قطان, صدقية تستشعر معها أن هذه الخطوة تخرج عن الأشكال ( الفلكلورية التعايشية الملزمة) التي اعتادها القارئ مع كثير من المتعاطين بشؤون الثقافة والفكر , فهي ترجمة لاقتناع بندلي الايمانية باللاطائفية التي دفعته الى أن يستجلي امكان مقاربة مشتركة للمعضلة الطائفية(3). ويمكن اعتبار ماكتبه المفكر الشهيد مهدي عامل حول موضوع الطائفية من أعمق الاسهامات النظرية – حيث كشف عن جهد ابداعي في نقده الجذري للأيديولوجية الطائفية في مختلف تجلياتها. وفي معرض هذا النقد تولى تفكيك مجموعة كبيرة من التقولات التي تسعى الى تبرير أو تأييد النظام الطائفي مهما توسلت من مذاهب حديثة في علم الاجتماع السياسي أو الفلسفة- والفكرة الجوهرية التي يمكن أن نأخذها من مهدي عامل هي التلازم الكامل للشكل الطائفي السياسي للدولة مع السيطرة الطبقية البرجوازية. وانسجاما مع هذه الفكرة فأن سقوط الطائفية وتجاوزها يتلازم مع اسقاط النظام الطبقي البرجوازي . كتب مهدي عامل يقول(--- أن الطوائف ليست في وجودها المؤسسي نفسه- قائمة بذاتها- الا لانها قائمة في الدولة, لهذا كان تاريخ الطائفية تاريخ هذا النظام بالذات. لكن هذا التاريخ نفسه- تاريخ هذا النظام – لايمكن فصله عن تاريخ مضاد هو بالتحديد تاريخ الصراع الطبقي. ان تاريخ تكون الطائفية كما نفهمه في افقه المبين أعلاه يعود اذا--- الى بدايات تكون علاقات الانتاج الرأسمالية(4). فلا وجود للطائفية في ذاتها كظاهرة مستقلة عن الظواهر الاجتماعية الاخرى, ولاوجود لتاريخ خاص بها,ذلك أن تاريخها هو تاريخ الدولة الكولونيالية , التي لاتكون على ماهي عليه ,أي دولة برجوازية تابعة, الا في اعادة انتاجها للمجتمع كمجتمع طائفي , تنقض فيه الطوائف الطبقات الاجتماعية , وتأخذ مكانها. اتكاء على مفهوم الدولة الكولونيالية يصل مهدي الى استنتاجات عديدة منها , أن هناك فرق بين وجود الطوائف ككيانات اجتماعية وككيانات سياسية ذلك أن شكلها الاخير قائم بالدولة لا خارجها. وهذا يعني أن الدولة ليست حكما بين الطوائف عمله اقامة توازن بينها وانما هي الموقع الذي ينتج ويعيد انتاج الطوائف ويفرض هيمنة طائفة على أخرى . والحرب المضمرة أو الصريحة مرافقة أبدا للمارسة الطائفية. ان الطائفية بهذا المعنى عدو الديمقراطية – فبقدر ماتعتبر الديمقراطية الحقيقية شرطا للسلم المجتمعي فأنها ايضا نقض ل( الامتيازات السلطوية) التي تجد في الطائفية مرجعا لها. ذلك أن الدولة الطائفية , وهي تضع نفسها فوق الطوائف تقول بطائفة قائدة وبطوائف تابعة في صيغة سياسية مضللة قوامها (المحاصصة اللامتكافئة). وعلى هذا , فأن الدعوة الى مجتمع متجانس , حتى في تعدد طوائفه, لايستقيم من دون تغيير الدولة التي تطرد حقوق المواطنة ب(الحقوق الطائفية) وتلغي الوضع الطبقي الحقيقي بوضع طائفي مضلل(5). يمكن أن نستنتج ان الاسهام النظري الكبير لمهدي عامل في المسألة الطائفية, اسهام مزدوج ايديولوجي وسياسي ويمكن الاشارة الى عدد من المقولات التي وردت فيه , نرى انها تكتسب فاعلية مستجدة في ظروف العراق الراهنة وهي---
أولا- على صعيد نقده للايديولوجية الطائفية
1- تشديده الدائم على أنه لا امكانية للمصالحة بين الديمقراطية والطائفية, ليس من طوائف ديمقراطية. 2- رفض عامل لفكرة التوازن الطائفي . كل توازن هو هيمني , والبديل من هيمنة طائفية هو هيمنة طائفية أخرى.
3- تأكيده على أن الطائفية هي الشكل المميز الذي به تمارس البرجوازية هيمنتها . 4- في معرض نقده للفكر الطائفي يشدد مهدي عامل على أن هذا الفكر يغيب الاقتصادي تغييبا يشكل ذروة الايديولوجي فيه. . ثم يخلص قائلا- بحضور الاقتصادي , يتهافت الفكر الطائفي. ثانيا- على الصعيد السياسي , وتتجلى معالجته السياسية في مقولات ثلاث رئيسية -- 1- لا توجد الطوائف الا في الدولة. 2- الطوائف هي علاقات سياسية تقسم الشعب وتؤمن استتباع كل كادحي طائفة لبرجوازيتهم . 3- الطائفية هي الشكل المخصوص لممارسة البرجوازية هيمنتها الطبقية وهي أساس مأزق تلك الهيمنة, في ان(6). لايترك مهدي مجالا للشك في ان اشكالية بناء الدولة عنده هي اشكالية تجاوز الدولة الطائفية , ورغم الانتقادات التي وجهت الى اطروحته عن الطائفية ,فأن مهدي قد قدم جديدا حقيقيا في التصور النظري لمسألة الطائفية . فهذه المسألة ,كما قضايا أخرى في مجتمعات التبعية والتخلف , لاتستقيم , ولايمكن لها أن تستقيم دون البدء من سؤال الدولة , التي هي القوة الوحيدة المنظمة في هذه المجتمعات(7).
الجذور التاريخية للطائفية وعوامل نشوئها وانتعاشها
لقد اختلفت أراء الباحثين في تحديد الجذور التاريخية للطائفية في العراق, لكن الوقائع تشير أن الصراع الطائفي قد حكم تاريخ الاسلام منذ العصر الاسلامي – كما حكمه الصراع الطبقي والاجتماعي . وتفاقمت الحالة الطائفية في فترة الانحطاط الحضاري ابان سقوط الدولة العباسية . وحسب الباحث الفقيد هادي العلوي , أطلق اسم طائفة على بعض الفرق الاسلامية في عصر متأخر ليكرس تحول الفرقة في جماعة دينية خالصة بعد أن تكون قد انسحبت من ساحة العمل السياسي أو الثقافي الذي يقع في أصل تسمية فرقة وشملت التسمية الجديدة أهل السنة والشيعة بفروعها الاسماعيلي والاثنى عشري والزيدي والدرزي, كما انسحبت هذه التسمية على الفئات المسيحية المختلفة في الوقت الحاضر(8). وقد شخص الباحثون العديد من العوامل التاريخية التي ساهمت في خلق بذور الخلاف بين المسلمين وظهور الطوائف والفرق ولعل في مقدمة هذه العوامل التفسيرات المختلفة للقرأن والتي نتجت في الاساس من حكمة التناقض والتعارض في النص القرأني. ورد في الحديث النبوي (القرأن ذو وجوه فأحملوه على أحسن وجوهه( شهري , ميزان الحكمة, 8ص152) وقال الامام علي بن أبي طالب لعبد الله بن عباس وهو يعزم لمناظرة الخوارج(لاتخاصمهم بالقرأن فأن القرأن حمال ذو وجوه, تقول ويقولون (نهج البلاغة وصية رقم 315ص624). ويشرح ابن أبي الحديد هذه الوصية بالقول ( ذلك أن القرأن كثير الاشتباه فيه مواضع يظن في الظاهر انها متناقضةمتنافية(شرح نهج البلاغة دار مكتبة الحياة5 ص250). كان الحديث أووصية الامام علي من العمق والفلسفة في تشخيص هذه الظاهرة , هذا ماخص النص القراني فما بالك من التفسير والتأويل. وعلى هذه الخلفية من حكمة التناقض والتعارض في النص وماتبعه من اختلاف المفسرين كثرت المذاهب الفقهية وزادت الفرق الاسلامية وهي اليوم ان عدت بدقة كانت المئات(9) . ولكن ماهو سياسي أو عصبوي , تغلبا على ماهو ديني وفكري وانساني فقد شائت النخب السياسية التي استولت على حكم الدولة المترامية الاطراف , أن تحكم تحت غطاء شرعي يحافظ على دعائم السلطة القائمة استناداً إلى الشرعية الدينية , لذلك أصبح لزاما عليها قهر وابادة مذاهب فقهية على حساب مذاهب أخرى(10) . وحسب الباحث الفقيد هادي العلوي فأنه مع زوال المعتزلة والاشاعرة وانحسار المد الباطني الاسماعيلي وانكفاء الخوارج , بدا المسلمون منقسمين الى طائفتين أساسيتين هما السنة والشيعة . وقد تكرس هذا الانقسام في غضون القرن السابع الهجري , الذي شهد زوال المعتزلة وانحسار الباطنية وانكفاء الخوارج حيث خلت الساحة للطائفتين السلفيتين المتناحرتين السنة والشيعة(11). وعلى الصعيد الداخلي للعراق انطلق المذهب الشيعي من مدينة الكوفة التي كانت عاصمة الخلافة الراشدة في عهد الأمام علي بن أبي طالب, ثم تحولت الى مركز للتوتر السياسي بعد ثورة الحسين بن على, واتجه التشيع الى مناطق جنوب العراق بفضل الدعاية الدينية التي مارسها خطباء المنابر الحسينية , فيما اعتنق ابناء غرب العراق ومنطقة الصحراء الغربية المذهب السني( 12).
عودة الى التاريخ الحديث نجد أن ممارسات التمييز الطائفي قد دخلت قلب المؤسسة الحكومية الادارية منذ تأسيس الدولة العراقية ولحد الأن. وان كان ذلك مختلفا من حيث التطبيق , لا الجوهر , عن نظام الحكم في لبنان الذي أصبحت فيه الطائفية جزء من النظام الدستوري , الطائفية المؤسساتية في العراق كانت أساسا وليدة لمشروع كوكس – النقيب الذي أرسى قواعد نظام الحكم في العراق . وقد تكون الحقبة التي تلت ثورة 14 تموز 1958 مباشرة هي الحقبة الوحيدة التي شهدت محاولات جادة لالغاء النظام الطائفي المؤسساتي – الحكومي . وعزي فشل هذه التجربة الجريئة للعوامل التالية--
1- تحاشي اليسار العراقي مجابهة المؤسسات الطائفية كي لايتهم بأثارة النعرات الطائفية, في الوقت الذي كان يفترض تكريس الجهود لتثقيف الجماهير وتعبئتها ضد الممارسات الطائفية. 2- ضعف وتلاشي مؤسسات المجتمع المدني بعد انقلاب 1963 الفاشي القادرة على خلق وتثبيت مؤشرات تطبيقية تضمن التدقيق المستمر لممارسات منظمات المؤسسة الحكومية .
3- حملة اليمين القومي – العربي الاعلامية المناهضة لثورة 14 تموز الفتية , وتكاتفها مع الاقطاع وعناصر المؤسسات – الطائفية في العراق لاجهاض الثورة والحد من المكتسبات التقدمية التي كانت ستقلب الخارطة السياسية في الدول المجاورة رأسا على عقب .
4- دور الولايات المتحدة الذي ساهم في افشال المسيرة التقدمية في العراق(13)
لقد انتعشت الظاهرة الطائفية في العراق خاصة خلال العقدين الاخيرين, في هذا الوقت وبالتحديد بعد حرب الخليج بدأ المجلس الاسلامي الاعلى يغير شعاراته وتوجهاته بما يتماشى مع طروحات النظام العالمي الجديد والعولمة فبدلا من شعاره حكومه اسلامية بدأ بطرح شعار مطلومية الشيعه وتشير العديد من الابحاث ان لهذا الشعار امتداداته السياسية والتاريخية المشبوهة, و ويقف في مقدمة العوامل التي ساهمت في تفاقم الحالة الطائفية خلال الفترة المذكورة , النهج الاستبدادي الشمولي للنظام الدكتاتوري البائد وغياب الحياة الدستورية والديمقراطية في البلاد , وممارسة السياسات العنصرية والشوفينية والتمييز القومي والديني والطائفي والفكري في مواجهة مجتمع متعدد القوميات والاديان والمذاهب والافكار والاراء السياسية ورفض الاعتراف بالحقوق القومية أو التخلي عن ممارسة التمييز بمختلف أشكاله وصور ممارسته. اضافة الى الدور المتميز والسلبي للدين والتراث الديني من خلال استخدامه المتخلف والانتهازي من قبل الغالبية العظمى من رجال الدين في المجتمع العراقي , وانعكاس كل ذلك سلبا على الوعي الاجتماعي , حيث أدى الى ارتداد شديد في المجتمع نحو التقاليد والعادات والقيم العصبية والعشائرية وتراجع عن قيم المجتمع المدني التي كانت في بدايات تكونها في العراق , كما أدى الى ارتداد كبير ومنحرف نحو التمسك بالمذهبية المتشددة والمتطرفة بمفهومها ومضمونها الطائفي المقيت .
يساعد على تغذية هذه الظاهرة مايشهده الوضع الدولي منذ غياب الاتحاد السوفيتي ومنظومة الدول الاشتراكية السابقة . حيث يعيش العالم مفارقة تاريخية فريدة في ظل العولمة واقتصاد السوق . فمن جهة هناك مسعى لاحياء الحدود العرقية والقومية والطائفية القديمة من الداخل فيما يسمى ب(دول الاطراف) بهدف تقسيمها . ومن الجهة الأخرى هذا المسعى للتقارب والتكامل والاندماج ل(دول المركز) ومؤسساتها الاقتصادية والسياسية والحقوقية , والسعي لاختراق الحدود القومية لمختلف الدول من الخارج من جانب السوق الكونية المنفلتة. وبين هذا وذاك تتعرض سيادة البلدان للخطر , وتضعف القيم العليا الجمعية للامم والشعوب , ويشحب دور مؤسساتها المدنية والديمقراطية ويضعف ماهو مشترك وعام لحساب ماهو محلي قبلي خاص(14) . فالعولمة عملية متناقضة , فبمقدارماتحقق , أو تدعي تحقيق التوحد الاقتصادي والاعلامي لعالمنا المعاصر , فهي تحمل عوامل التذرر الاثني والمذهبي والديني الى ( ما دون وطنية)(15) .
ماينبغي التوقف عنده – فيما كان يتعين استغلال المناخ الذي تولد عن اسقاط الدكتاتورية لتلافي وازالة مخلفاتها ولاضعاف التوجهات الطائفية وتفتيت عواملها . نجد أن التشكيلات الحكومية التي أعقبت سقوط النظام , ابتداءا من مجلس الحكم وحتى تشكيل الحكومة الثانية – حكومة السيادة والجمعية الوطنية المؤقتة, قد جاءت على أساس المحاصصة الطائفية والقومية لا على أساس المشاركة الوطنية الشاملة. ويترتب على ذلك مخاطر جديةعديدة منها: ـ
1- تكريس حالة الاغتراب السياسي والاجتماعي وإعاقة عمل قوى التغيير الجذري في البلاد وبذلك تمنع قيام البديل الديمقراطي الحقيقي .
2- إختزال حقوق الانسان الاجتماعية / السياسية / الثقافية الى حقوق للتجمعات الاثنية/ الطائفية.
3- تحول التناقضات الطبقية الى صراعات طائفية, مما يؤدي الى اضعاف التحالف السياسي بين الطبقات والفئات التي تناضل من أجل التنمية الوطنية والتقدم الاجتماعي على الصعيد الوطني, كما يساعد على تنامي ميول العنف والحروب الاهلية كما حدث في بلدان عديدة .
أن المخاطر المشار اليها , يمكن بلورتها( بموضوعة يتلخص مضمونها بتفتيت الوعي الوطني عبر تحويله الى ولاءات طائفية / أ ثنية, ومايفرزه ذلك من صراعات اجتماعية تهدد وحدة المكونات الطبقية في التشكيلة العراقية(16). وتفسح المجال للتدخل الاقليمي والدولي في شؤون العراق الداخلية وتصب في خدمة المشروع الامريكي واستراتيجيته في بناء دولة ضعيفة تابعة مبنية على توازنات هشة. لذلك يصبح التصدي لهذه الظاهرة وتوعية الجماهير بمخاطرها مهمة وطنية من الدرجة الاولى.
البديل الديمقراطي في مواجهة الطائفية السياسية
لابد من الاشارة أولا أن اشكالية تجاوز الطائفية , لاتستقيم دون البدء من سؤال الدولة (كما أسلفت سابقا) ومن الخطأ التعامل مع الوعي الطائفي , كما الوعي الديني بشكل عام كجوهر ثابت ومنغلق على ذاته , طالما أن الوعي الاجتماعي أثر لشروط الحياة الاجتماعية , وان هذه الشروط لاتنفصل عن ممارسات الدولة المختلفة في أجهزتها المختلفة17) , بتعبير أخر ان ثقافة النظام السائد تصبح هي الثقافة السائدة في المجتمع . وعلى قاعدة البحث عن بديل حقيقي للواقع الراهن لبلادنا , ولعل من أولى مهمات حركة التغيير الديمقراطي هذه في الوقت الراهن بل لعلها المهمة التاريخية بأمتياز هي النضال من أجل أن تتوقف عملية بناء دولة الطوائف والمذاهب لصالح بناء الدولة العلمانية الديمقراطية الحديثة- ولايمكن أن تنبني دولة من هذا النوع –من خلال هذا الخليط المتفجر الذي تشكله الرأسمالية المتوحشة والطوائفية المنفلتة من عقالها, مضاعفة بالتضخم في العامل الديني فيها – وهي مناسبة للتشديد هنا أولا- على أن الطبيعة الريعية المقاولاتية للبرجوازية العراقية لها صلة وثيقة باعادة انتاج الطوائفية. من هنا فان تجاوز الطائفية ليست عملية اجابة مباشرة على النظام الطائفي بالديمقراطية العلمانية وحسب. ( دولة القانون والمؤسسات , الغاء الطائفية السياسية من جهة وتحقيق القانون المدني الاختياري للاحوال الشخصية). أن التعامل غير المباشر مع الطائفية يطرح حاملها ومحمولها الاقتصادي- الاجتماعي , الحامل يطرح تحدي نمط الاقتصاد الاجتماعي الايل الى بناء دولة وذاك المؤدي حتما الى اعاقتها حتى لانقول تدميرها . هنا يبدء البحث . أما المحمول فيطرح مهمات المعالجة غير المباشرة للطائفية بالتصدي لمعالجة المشكلات وتلبية المصالح والتطلعات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية , التي تحملها وتعيش عليها وتعبر عنها بطريقتها التحويرية . ان القسط الاوفر من التظلم والاحتجاج والاحتقان في الميدان الطائفي , المعبر عنه بلغة الطوائف وخطابها , وماهي الا أشكال من التظلم والاحتقان والاحتجاج الاجتماعية(18)
ثانيا- ان الدولة الديمقراطية في بلدنا لايمكن أن تقف الا بالفصل الواضح بينها وبين الدين – من دون أن يعني ذلك بالطبع المس بالمعتقدات الدينية أو المس بحق الحركات الدينية في أن تمارس نشاطها في ظل الديمقراطية وعلى أساس القانون . فالقاعدة الأساسية للفصل بين الدين والدولة هي ذات شقين كما يشير كريم مروه--- الشق الأول يتعلق بتحرير الدولة من الاستخدام السلبي لوظائفها ولمؤسساتها من قبل الذين يدعون النطق باسم الدين وباسم أحكامه. الشق الثاني يتعلق بتحرير الدين من الذين يدعون احتكار النطق بأسمه – الذين يفرغونه من قيمه الاساسية – ليتمكنوا من استخدامه – عبر سيطرتهم على الدولة باسمه – في تحقيق اغراضهم الدنيوية التي تتناقض مع قيم الدين والتي تعمم أنماط الاستغلال والاستعباد والقهر الاجتماعي كواقع ثابت لايمكن تغييره(19) ان بناء الدولة الديمقراطية العلمانية لايعني انكار مفهوم التعددية الاثنية والدينية والطائفية والقبائلية وكل أنواع التفكير والانتماء الاخرى . ان بناء الدولة الديمقراطية العلمانية لايعني انكار مفهوم التعددية الاثنية والدينية والطائفيةوالقبائلية وكل أنواع التفكير والانتماء الأخرى . وانما يعني الارتقاء بمفهوم التعددية الى المستوى والمضمون الاجتماعي والسياسي المدني للتعددية حيث تقوم التعددية على قاعدة مرنة ومفتوحة- قاعدة سياسية ووطنية واجتماعية متفق عليها من كل الاطراف- تقوم على أساس المساواة للأفراد والحريات السياسية والمدنية للجميع. واعتبار المجال الديني للشخص مجالا داخليا شخصيا . وبهذا ترتقي السياسة من مستوى العصبية الطائفية الى مفهوم السياسة المدنية ويرتقي البلد الى مفهوم الوطن, فيحقق هذا الحزب أو ذاك أو هذا الشخص أو ذاك تأيدا شعبيا على اساس برنامجه الوطني ومصداقيته الشخصية وتاريخه الوطني والسياسي وكفاءته وليس على أساس نمط الطقوس الدينية التي يؤديها هو أو أباءه أو أجداه(20) ان الارتفاع الى مثل هذا الوضع الوطني الاجتماعي وتحقق وعي بهذا الاتساع قد يحرر الدولة والمجتمع من مفهوم العصبية بكل أشكالها , ويقيم المجتمع المدني – حيث يبحث الانسان عن أو يختار أشكال التضامن الانساني التي تتفق مع ميوله أو مصالحه ضمن وحدة المجتمع والدولة. تلخيصا يمكن القول لاحل للمشكلة الطائفية التي تحرف الصراع الاجتماعي عن مساره الصحيح وتمنع بلورة البديل الديمقراطي – بدون الدولة الديمقراطية العلمانية بمعناها السياسي الذي يعني , ان تصبح مركزا توحيديا لجميع المذاهب والاديان والافكار الوطنية , وأن تكون دولة شاملة لجميع تنويعات المجتمع الفكرية والدينية واللغوية والسياسية. الهوامش
1- هادي العلوي-علاء اللامي( الجذور التاريخية للطائفية) موقع على الانترنيت 2- النهج عدد 22 ص25
3- رينه انطوان جريدة النهار-8 أيار 4- النهج العدد24 ص 78 5- مصدرسابق-ص26 6- نحو تجديد المشروع الاشتراكي – دارالفارابي ص450 7- مصدر سابق ص26 8- هادي العلوي وعلاء اللامي مصدر سابق 9- رشيد خيون- موقع ايلاف على الانترنيت 10- عباس عبود-موقع على الانترنيت 11- مصدر سابق-موقع على الانترنيت 12-عباس عبود-موقع على الانترنيت
13- الثقافة الجديدة عدد 300-301 ص12 14- اوراق فكريه-العدد الثالث-نقلا عن بنجامين بابر-المجلس الاعلى للثقافة 15- مصدرسابق-ص447
16- مصدرسابق ص1 17- مصدر سابق ص 26 18 –مصدر سابق ص452
19 - كريم مروه-حوار الايديولوجيات ص23 20- مجلة الطريق اللبنانية العدد الخامس 17
#رسميه_محمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟