هيام محمود
الحوار المتمدن-العدد: 5895 - 2018 / 6 / 6 - 21:04
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
الأول : http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=595833
( 1 )
أتساءل دائمًا مع المُتسائلين : كيف يُمكن تَغيير ثقافة هذه الشعوب المُستعبَدة في كهوف العروبة - إسلام ؟ في بعض الأحيان أُنافِقُ نفسي للحظات وأقول أقوالا تَبعثُ على الأمل في مستقبل أفضل للأجيال القادمة , لكنها لحظات لا تدوم فالحقيقة المُرَّة جَليّة ولن تَغيبَ إلا على السذج والمُغَيَّبين .
قالوا أن الشعوب "ثَارَتْ" وسَمُّوا باطلا حِراكاتها "ثورات" , عاش الكثيرون على أمل تحقيق أهداف هذه الـ "ثورات" المزعومة وأوّلهم أولئك الشباب السذج الذين اِنطلقَتْ منهم أوّل الشرارات . لكن لا شيء تحقّقَ بل في كثير من الأماكن حنَّتْ الشعوب إلى جَلّادها الأوّل الذي ثَارَتْ عليه , وإلى اليوم لا تزال تَجهلُ حقيقة الأمور ولماذا أحوالها كل يوم تَتَقَهْقَرُ .
عندما أضع نفسي مكان حكامنا وأسيادهم الغربيين أقول لهذه الشعوب : تُريدون الإسلام ؟ اِغرقُوا فيه حتّى نِسيانِ عالَمكم وكلّ العوالم من حولكم ! .. "عربان" وتُريدون العيش الكريم ؟ إليكم العروبة حتّى تَخرجَ عقاربها وثعابينها من أنوفكم !
أَزيدُ خطوة إلى الأمام وأتساءل آخِذةً مكان هؤلاء الحُكّام : هل لو كان بيدي اليوم أن أُغيِّرَ بعصا سحريّة وَضْعَ هذه الشعوب هل كنتُ سأفعلُ ؟ .. أغلبُ الأوقات أُجيبُ بالإجابة العادِلة : "أكيد لا !" , الحرية والكرامة والرفاه لهم أهلهم وهذه الشعوب لا تستحقّ حتّى الهواء الذي تَتَنَفَّسُ : "عرب" و "مسلِمون" وبالاثنين يَفتخِرون بل أكثر من ذلك فالاثنان يُشكِّلان الهوية والذات ولا أحد يتساءل عنهما منذ ولادته حتّى الممات , هذه الشعوب تُراجِع كل شيء إلا عروبتها وإسلامها ومع ذلك إلى اليوم تُواصل نفس السلوك وتُفكِّر نفس التفكير وتظنّ أنها تَستحقّ أحسنَ ممّا هي فيه وعليه , قد تَشتمُ رئيسًا أو تَلعنُ حاكمًا أو وزيرًا لكن ذلك كله يَحدث تحت خيمة العروبة - إسلام فلا أحد يَخرجُ من الكهف ثم يحكم ولذلك لا أحد يستحقّ الأحلام التي يتمنّاها .. وعلى كُلٍّ هي أوهام لن تَتحقّقَ لأنه يستحيل أن تأتي كرامة من العروبة - إسلام يستحيل !
( 2 )
يُحَدِّثنا المسلم عن "الراحة النفسية" التي يَشعر بها عند أدائه لمناسك الحج , عندما يعود إلى بلده يُستقبَل بحفاوة ويُحمَل على الأعناق وكأنه عاد للوطن بمفاتيح تقدّمه , "الحاج فلان" "الحاجة فلانة" لقب يُعادِل جائزة نوبل عنده وعند من اِحتفلوا بعودته "سالِما" "غانِما" وربما أكثر ! غَسلَ كل ذنوبه وعادَ كما وَلَدَتْهُ أمّه بعد أن طاف بالحجر وقبَّل الحجر ورَمى الحجر .. يقول المسلم أنه لا يَنحني إلا لله , المسلم عزيز النفس , كريم , أَبيّ .. المسلم فخور طاهر ذكيّ .. المسلم محظوظ فالله قد اِصطفاه فوُلِدَ في أسرة مسلمة ومجتمع مسلم عكس كل مليارات البشر الهالِكة في الجحيم الأبدي لأنها لم تَشُبَّ في مُجتمعِ خيرِ أمّةٍ ولم تَتْبَعْ دينَ خيرِ أمّةٍ . يُصلي المسلم فيَركع ويَسجد لله , المسلم لا يَركع لأحد غير الله , المسلم فريد وحيد في عِزّة نفسه فالله قد تَكلَّم وقال آخر ما عنده مع المسلم , بالمسلم خَتم الله رسائله للبشر , أعظم رسالةٍ كَلَّف بها أعظم أمّةٍ لتحملها إلى الضالين وأتباع الأوثان والشياطين .. المسلم فخور بعروبته وله ذلك ! فهل من مَجدٍ أعظم من أن يَختار إله الكون "أجدادَه" ليُبلِّغوا عنه ؟ فلولا "العرب" ما سمع البشر برسالة الله لهم , سبحان "العرب" لكأنهم أعظم من الله نفسه وسبحان الله لكأنه تَجسّد في كل "عربي" وجعل منه إلها صغيرا على أرضه ليخلفه فيها : يحقّ للمسلم أن يَفخر بعروبته فالله و "العرب" واحد إلى الأبد , "العرب" "اِختصاصهم" الله فهم لا يُنتِجون إلا الله وعروبتهم وما أَنْعَم به عليهم من نفط وغاز , تَكاملٌ تامٌّ بين الله و "عَرَبِه" وبين "العرب" وأَلَّاهِهِمْ كالبيضة والدجاجة ومَنْ حَدَثَ الأوّل : الدجاجة أم البيضة ؟ الله أم "العرب" ؟ .. الجواب صعب ويلزمه أعمار وعلوم وفلسفات وهيئات وندوات ودول ودويلات ومشيخات ومحميّات , لكن المؤكَّد أنهما لا ينفصلان فلا "عرب" دون الله ولا الله دون "عرب" فسبحانهما وسبحان كل من يقول أنهما يمكن الفصل بينهما بل ويتجاوز إلى الطعن في عرضها بالزعم أنهما ليسَا توأمان ! وَيْلَ هؤلاء المُغرِضين من الله ومن "عَرَبِه" , الله سيَنتقم منهم في الآخرة أما "العرب" فسيفعلون ذلك في الحياة الدنيا وقد فَعَلوا وأَفْلَحوا فأيّ مكان وُجِدَ لهم فيه ذِكْر إلا وعَمَّهُ .. الرّفاه ! والصلاح ! تحتَ رعاية أَعْيُنِ الله ! فسبحان الله وسبحان "العرب" !!
( 3 )
المسيحي "أَرقى" من المسلم أكيد ! المسيحي "مسالِم" و "مُحبّ" , "مُتَحضِّر" و "مُتمدّن" .. المسيحي "علماني بالضرورة" فمسيحه أسّس للعلمانية : ألم يقل أعطوا ما لقيصر لقيصر ومَا لله لله .. المسيحي "مِلح" الشرق و "ضميره الحيّ" .. المسيحي هو "الأصل" و "صاحب الأرض" .. المسيحي "صاحِب أمجاد" "حضارة" العروبة - إسلام .. المسيحي دينه "روحي" عكس دين الجسد عند المسلم .. المسيحي من دينه ومن مبادئ مسيحه تَوصَّل البشر إلى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان .. المسيحي دُوَلُهُ متقدِّمة وهي تقود العالَم منذ الرومان وإلى الآن ..
المسيحي لا يُريد الحكم لكنه يَعتقد أن لا صلاح للبشرية دُونَ مسيحه ومسيحيته ..
"أرقى" من المسلم لكنه يتّفق معه على معاداة الأوطان وتاريخها الحقيقي فيُمجِّد أراجيف البدو العبران التي فُنِّدتْ منذ زمان ..
المسيحي "مُتصالِح" مع العصر وروحه وعلومه لكنه كالمسلم يُعادي العلوم المُثْبَتَة مُتَشبِّثًا في ذلك بالأساطير كأسطورة آدم وحواء وخُرافات الشياطين وإخراجها من "الملبوسين" ..
المسيحي "يحترم" المرأة لكنه كالمسلم يراها غشاءً وأفخاذًا وبين أفخاذها يَحْيَا الشرفُ ويموتُ , لا يضربها كالمسلم لكنه رأسها وبعلها كَـ .. المسلم ! يُقدِّسها أكيد لكنه لا يَقبل بأن تُعلِّمه فالمسيح لم يَسمحْ لها بذلك وهو الأعلم بحدود إمكانياتها "له المجد" !
المسيحي يَحترم حقوق الإنسان لكنه كالمسلم يَمْقُتُ المِثليين ويرى أنّ المسيحَ سيشويهم في بُحيرتِه إلى الأبد فقط لأنهم مثليون وهو "خالِقهم" الذي جَبَلَهُم على "شذوذهم" كما يُسمّيه المسيحي مثله مثل المسلم .. ومن العبث الكلام معه عن معاناة بَشرٍ آخرين لا ذَنْبَ لهم إلا أنهم "خلقهم" المسيح كما هم , أقصد من هم / هنّ : « Transgender » / « Androgynous » / « Intersex / hermaphrodite » .. إدراك المسيحي كالمسلم لا يزال يتخبّط مع المثلية ولا يستطيع عقله البائس التافه أن يَحترم وجودها فكيف له أن يَفهم معنى الألفاظ الثلاثة وحجم معاناة أصحابها ؟!
المسيحي كالمُسلم لا يتحرّج من عدم تجريم دينه للعبودية , وفي كثير من الأحيان يقول أن دينه حرَّم ذلك وهو العالِم بكذب اِدّعائه , وبالرغم من ذلك لا يَزال يُردِّدُ دون خَجَلٍ أن حقوقَ الإنسان خرَجَتْ من دينه ومن تعاليم مسيحه .. ويَغضبُ عندما أَقولُ عنه أنه مُجرّد كذّابٍ وقِحٍ قليل حياء كما أُعرِّفُ إيمانه وإيمان غيره : الوقاحة وقلة الحياء خُلق المسيحي مثله مثل المسلم لأنّه لا يكتفي بالكذب بل يتعدّى إلى الإصرار عليه وفَرْضه بكل السبل المُتاحة .
المسيحي كالمسلم يرى دينَه الكمال "المُطلق" ويبرِّئه من كل ما اِقترفه طوال تاريخه , ولا يَتحرّجُ من القول وبكل بساطة أنّ كل الذي حَصَلَ لا علاقة له بالمسيح وبنصوصه "القديمة" و "الجديدة" ويستغربُ عندما يدّعي المُسلم نَفس اِدّعائه ..
المسيحي كالمسلم يرى أن الغرب منحلّ أخلاقيا بما أنه لا يلتزم بأخلاق المسيح ويَسعى لإعادة هذا الغرب إلى الطريق القويم أي العودة إلى تعاليم "الكتاب" و "مسيحه" و "قِدّيسيه" , ولا يرى هذا المسيحي أن الغربَ صار الغرب الذي نَعرفُ اليوم ( حصرا ) لأنه أَلقى وراء ظهره تعاليم وأخلاق المسيح ..
المسيحي كالمسلم حياته كلها مَبنيّة على الدين وأسمى أَمانيه الشهادة في سبيل دينه , هدفه الأوّل نَشر دينه الذي يراه الحقّ الوحيد الذي على البشر الالتزام به ..
المسيحي يختلف عن المسلم في بلداننا في نقطة جوهرية منها يمكن فهم "حَدُّوتَتِهِ" على حقيقتها : المسيحي ( لا ) يحكم و ( لن ) يحكم ! لذلك لا يستطيع التكشير عن أنيابه ونفثَ سمومه وذلك ما يُفسِّر ركوبهُ إلى الأبد قاطرة المحبة والعلمانية فهو يدعو إلى دينه لكنه لا يفرضه على أحد , وهو لا يحتاج لفرضه فالمسلم الذي يحكم يَفرض له الأصول التي ستساهم في بقاء دينه كَـ : ( بعض "أمثلة" فقط )
. فرض وجود الإله الواحد الخالق الذي يُرسِل رُسلا لهداية البشر كحقيقة "بديهية" لا تُناقش .
. أنبياء بني إسرائيل وكل قصصهم وتاريخهم المُزيَّف كحقيقة "مطلقة" لا تُناقش .
. قصة آدم وحواء "الحرفية" وهي أصل العقيدة المسيحية .
. الثقافة الذكورية والهيمنة الكلية للرجل على المرأة ومنها مثلا غياب "نساء الدين" بل القيادة في الدين شأن الرجال وبما أنّ المجتمع مَبنيّ على الدين فقيادته ستكون للرجال لا للنساء , والأهم من هذا كله أن المسلم سيفرضُ للمسيحي أن الدين هو المحور والمركز والأصل الذي يَجبُ أن تُبنَى عليه المجتمعات ودولها ولذلك يَقبلُ المسيحي الشريعة الإسلامية في الدستور لأنها تَفرضُ له مسيحيته ويُعَادِي علمنة أنظمة الحكم .
. ربط الأخلاق بالدين وحصرها فيه وهو ما سيُؤصِّل لمُعاداة أعداء المسيحي الذين يشتركُ فيهم مع المسلم كالملحدين وبقية المُتدينين خارج الأيديولوجيا العبرية أو حتى طوائفها كالشيعة في مصر مثلا .
على الأرض نفس الثقافة المُدمِّرة يَحملها المسيحي مع أخيه المسلم , أما على المواقع كالحوار مثلا فالمسيحي يتجاوز الملحدين في "تسامحه" و "علمانيته" و "عقلانيته" بل ويُعلِّمهم المنطق والتعقّل مُرتديًا لِحاف المسيحيين الغربيين الذين تجاوز أغلبهم المسيحية كدين ونصوص وصاروا أقرب للربوبية منهم للمسيحية .. هذا للبعض من المسيحيين .. بعضهم الآخر يكشف أصوليته دون أقنعة وكأنه يقول لنا بأن النوع الأول يكذب ويُنافِق وهذه حقيقته .
لا غرابة مع هذا المسيحي ومهما كان "الصنف" الذي ينتمي إليه , لكنّ الغريبَ هو ما يُرَى من أعدادٍ لا بأس بها من الملحدين واللادينيين الذين يَصبّون "كلّ" غضبهم على الإسلام والمسلمين ويُعامِلون المسيحيين وكأنهم خير من إخوانهم .. المسلمين !
لهؤلاء الحمقى والمنافقين أقول أن الغالبية الساحقة من المسيحين الموجودين في بلداننا ليسوا شركاء أوطان بل كمشة رعاع إرهابيين لا فرق بينهم وبين المسلمين , هؤلاء وعوض أن يُصبحوا "أوادم" نراهم يتنافسون مع المسلمين في ثقافة البداوة والسير في القطيع , عوض أن يكونوا شركاء في تحرير المسلمين من قيودهم صاروا حملا إضافيا وواجهةً لم يكن لهَا لتُفتحَ , هؤلاء حجر عقبة أمام مسيرة تحرّر الأوطان ولا يمكن بأي حالٍ وضع اليد في أيديهم العفنة الخائنة للعقل ولكرامة الإنسان والأوطان , هؤلاء لا مكان لهم في مسيرة التنوير الحقيقية بل يجب وضعهم في نفس كهوف المسلمين .. مع اِحترامي ( حصرا ) لأقلية منهم ربما تُعَدُّ على الأصابع !
#هيام_محمود (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟