أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبدالجواد سيد - سبينوزا- ضمير العصر الحديث















المزيد.....

سبينوزا- ضمير العصر الحديث


عبدالجواد سيد
كاتب مصرى

(Abdelgawad Sayed)


الحوار المتمدن-العدد: 5894 - 2018 / 6 / 5 - 04:33
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


سبينوزا - ضمير العصر الحديث
ولد باروخ سبينوزا عام 1632 ومات عام 1677 ، خمس وأربعين عاما فقط قضاها فى فقر وضيق ، عاش خلالها على إحسان بعض الأصدقاء الأغنياء، وعلى مهنة صقل الساعات التى أصابته بإلتهاب رئوى أودى بحياته مبكراً ، وذلك بعد أن تبرأت منه جماعته اليهودية ، لكنه وفى خضم تلك الحياة المأساوية حصل تحصيلا علميا موسوعياً ، فقد درس التراث اليهودى المسيحيى دراسة مستفيضة ، وأضاف إليه معرفة موسوعية أخرى بالتراث اليونانى الرومانى ، وفى النهاية ترك لنا عمله الكبير الخالد (رسالة فى اللاهوت والسياسة) الذى نشره بدون توقيع سنة 1677، وبعد وفاته نشر تلاميذه عمله الكبيرالآخر كتاب الأخلاق.
عاش سبينوزا فى القرن السابع عشر والحروب الدينية الأوربية مازلت على أشدها، وبالكاد كانت أوربا قد توصلت إلى صلح وستفاليا سنة 1648، لكن محاكم التفتيش كانت مازلت تعلق المشانق، وكان التنوير الأوربى مازال يهادن الرأى العام الهمجى، حتى أن ديكارت نفسه أستاذ سبينوزا، ومؤسس مبدأ الشك العلمى تجنب تطبيق منهجه فى مسائل الدين والسياسة، لكن سبينوزا غامر مغامرته الكبرى وكتب رسالته فى اللاهوت والسياسة، ممهدا الطريق لمن جاءوا بعده للتوسع فيما طرحه من فكر سابق لعصره ، ولم يكن كتابه موجهاً للأجيال الأوربية التى جاءت بعده فقط ، إذ يبدو أنه كان موجهاً لنا أيضا نحن أهل الشرق الأوسط ، والتى تتشابه ظروفنا الحالية مع ظروف القرن السابع عشر الأوربى، فماذا قال لنا سبينوزا فى تلك الرسالة؟
ركز سبينوزا معظم فصول كتابه العشرين على نقد الكتاب المقدس والذى إعتبره كتاب لتاريخ العبرانيين وليس نصاً مقدساً ، فليس هناك مايسمى بالنص المقدس ، فما كتبه بشر هو نص قابل للنقد العقلى والنقد التاريخى ، المنهجان اللذان إتبعهما فى نقد الكتاب المقدس ، المنهج العقلى الديكارتى ، ومنهج النقد الثاريخى الذى يعتبر مؤسساً له قبل تطور علم الأنثروبولوجى فى القرن التاسع عشر. يقول سبينوزا أننا لانستطيع أن نيأس وأن علينا أن نستمر فى المحاولة وأن أقوى القناعات هى المؤسسة على عقائد كاذبة يقول ذلك بينما يؤكد إيمانه بكلمة الله التى حرفها البشر، أما كلمة الله فهى العدل والإحسان وأما معجزاته فهى قوانين الطبيعة الخالدة ، وأما الشرائع والطقوس والمعجزات فليست سوى من صنع البشر، صنعها الإنسان من أجل الدولة والسياسة ، والله ليس أميراً أو حاكم يعمل فى السياسة ، الزعماء والقادة والأنبياء هم الذين صنعوا هذا التاريخ وكتبوه بأنفسهم أو كتبه أتباعهم ، تبعاً لطبائعهم الشخصية ولظروف الزمن الذين عاشوا فيه ، فمن الواضح أن الفريسيين هم الذين إختاروا معظم نصوص الكتاب المقدس وليس الصدوقيين ، كما أن بعض أسفاره منقولة من مصادر أخرى مثل سفر أيوب ، وعزرا هو الذى بدأ كتابته ثم أكمل فى عصر المكابيين والباقى من تاريخ يوسيفيوس ، ولكن كيف يمكن لكاتب النص المقدس ، مهما كان ، أن يرى العالم كله فلسطين ، كيف يمكن لمكان ان يكون مقدساً فى زمن يعقوب وملعوناً فى زمن منسى، كيف لألواح كتبها الله بنفسه أن تكسر فى لحظة غضب ، كيف لمعبد الله (معبد سليمان) أن يهدم ، كيف يمكن ليوشع النبى الناطق عن الوحى أن يتصورأن الشمس قد توقفت عن الحركة بينما هى واقفة بطبيعتها والأرض هى التى تدور حولها ، كيف يمكن لآدم أن يختفى من الله خلف شجرة والله يرى ويعلم كل شئ ، ولماذا يصعد موسى إلى الجبل للقاء ربه، أليس الله فى كل مكان ، ولماذا إختص الله العبرانيين برعايته أليس الله عادلأ بين الشعوب التى تدعىى هى أيضاً نفس مايدعيه العبرانيون من رعاية الله لهم. وكيف يمكن لمن يكتب عن الوحى أن يقول أن معبد سليمان قد بنى بعد خروج إسرائيل من مصر بأربعمائة وثمانين عاماً ، بينما الفترة وبحساب نفس الكتاب المقدس هى خمسمائة وثمانين عاماً؟
وهكذا يمضى سبينوزا محطماً كثير من ثوابت الكتاب المقدس ، مكررا إيمانه بكلمة الله فى العدل والإحسان ، التى حرفها الإنسان ، ومعجزاته فى قوانين الطبيعة الخالدة ، التى قلل من شأنها الأنبياء بمعجزاتهم التى تشبه معجزات السحرة، مؤسساً للإيمان الربوبى قبل أن يصبح العقيدة الشائعة لمفكرى عصر الأنوار. وينتهى سبينوزا فى الفصول الأخيرة بالخلاصة التى أرادها من الكتاب وهى فصل الإيمان عن الفلسفة وفصل الدين عن الدولة ، فالإيمان شعور ووجدان وحاجة من حق كل إنسان، والتفكير والتدبر والحقيقة أيضا حاجة من حق كل إنسان ولايجب أن نخلط بين هذا وذاك ، كما لايجب أن نخلط الدين بالدولة ، فقد يتخلى الإنسان عن حقوقه الطبيعية للدولة أو للجماعة السياسية التى ينتمى إليها من أجل خير أكبر، لكنه لايمكن أن يتخلى عن أفكاره ومعتقداته الخاصة ، وأن الحياة الكريمة لايمكن أن تتحقق إلا لفرد حريعيش فى دولة حرة.
هكذا مهد سبينوزا بهذا الكتاب الثورة الطريق لعصر الأنوار الأوربى ونجومه الكبار الذين فاقوه مجد وشهرة ، لوك ودولته المدنية وإمتدادها الكبير فى عقد روسو، والتسامح الذى بلغ ذراه مع فولتير الشهير، بينما ظل هو يقبع خلف المشهد التاريخى كالجندى المجهول الذى يكسب الحروب بينما يحصد غيره الجوائز والنياشين ، إنها مناسبة أعتذر فيها عن لقب أبو الأنبياء الذى منحته للوك فى أحد مقالاتى القديمة ، فسبينوزا هو أبو الأنبياء الحقيقى ، أنبياء العصور الحديثة ، وقد كتب كتابه الخالد للأجيال الأوربية التى أتت بعده ، ولنا أيضاً نحن أهل الشرق الأوسط!!!


أهم المراجع
1-مدخل إلى التنوير الأوربى – هاشم صالح
2-رسالة فى اللاهوت والسياسة – سبينوزا- ترجمة حسن حنفى
3-رسالة فى الحكومة المدنية - جون لوك- ترجمة محمود شوقى الكيال
4-فى العقد الإجتماعى - جان جاك روسو - ترجمة عبدالعزيز لبيب
5-رسالة فى التسامح - فولتير - ترجمة هنريت عبودى



#عبدالجواد_سيد (هاشتاغ)       Abdelgawad_Sayed#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تعريب التعليم - مزرعة الإرهاب
- الإنتخابات السيساوية وخيانة الثورة المصرية
- مثقفى الشهرة وتعطيل التطور
- لماذا يجب أن نكره الثورة الإيرانية؟
- محمد بن سلمان ورائف بدوى
- مصر بين البدوى والفلآح
- أربع ديكتاتوريات وكردى
- مصر الحديثة والبحث عن الحرية
- أبناءالإنسان
- أبناء التوراة
- تفجير مسجد الروضة بالعريش
- تأملات فى مؤتمر الشباب بشرم الشيخ
- مركزية المشروع الإسلامى بين إيران والسعودية الجديدة
- عاشوراء-أسطورة الدين والسياسة
- الشرق الأوسط والحرب العالمية الرابعة
- المصالحة الفلسطينية، وكتائب القسام الإيرانية
- عشرة رجال وإمرأة
- نعم للدولة الكردية
- مصر بين الشرق والغرب
- أيمن كمال-ضحية جديدة لمحاكم التفتيش المصرية


المزيد.....




- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبدالجواد سيد - سبينوزا- ضمير العصر الحديث