|
حقا أنت لا تفهمني: قصة التعايش الصعب بين المرأة والرجل
عبدالفتاح ديبون
الحوار المتمدن-العدد: 1495 - 2006 / 3 / 20 - 08:32
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
إن الاختلافات البيولوجية بين المرأة والرجل، تبقى عاملا حاسما في تفسير التباينات السلوكية بينهما، والتي تصل في معظمها إلى التناقض التام. إذ تبدو جغرافية الاختلاف ذات تضاريس ناتئة، أكثر مما نتصور، بالقدر الذي دفع الباحث إيفون دالير إلى عنونة كتاب له ب"ألف اختلاف وواحد بين المرأة والرجل"، بينما حفز جو تاننبوم Jo Tanenbaum إلى الدعوة إلى اكتشاف اختلافاتنا في كتابه "لنكتشف اختلافاتنا" Découvrir nos différences . وعنونت ديبورا تانين Deborah Tannen كتابها "قصدا أنت لا تفهمني" Décidément tu ne me comprends pas، بينما وصل الأمر بجون غراي John Gray إلى أبعد من ذلك، حينما أصر على أن المرأة والرجل ينحدران من كوكبين مختلفين تماما، وسمى كتابه "الرجال من المريخ النساء من الزهرة" Les hommes viennent de Mars, Les femmes viennent de Vénus كل هذا الزخم التأليفي، وغيره كثير يؤكد عمق الفجوة السلوكية بين كائنين يصران على التعايش معا، والألفة، والانسجام، حتى وإن كان ما يفرقهما أكثر مما يجمعهما.
في كتاب لنكتشف اختلافاتنا، يميز تاننبوم بين أربعة مستويات في إدراك الواقع: جسدي، وإحساسي، وفكري، وروحي. وإذا كان الرجل لا يستطيع أن يتخلى عن جسده وفكره في إدراك الواقع، فإن المرأة تتنقل باقتدار بين المستويات الأربعة. يعبر الرجل عن أحاسيسه بتوظيف الحركات، لأن الإحساس برأيه هو هو، تجل لمشكل أو صراع ما، ولذلك ينبغي البحث عن مصدر هذا الإحساس لتدميره، وصولا إلى السكينة، فيما تعتبر المرأة الإحساس وسيلة لعلاقة ما، تبحث عنها عند الآخر، لتقاسم الإحساس ذاته، والإنصات. حينما تتحدث المرأة للرجل عن إحساس ما، يتصوره مشكلا يعترضها، فيجتهد بحثا عن حلول، فيما تعتقد المرأة أن الرجل يسعى إلى تقويمها. هذا الاختلاف يعود إلى طبيعة الرجل العقلانية والسببية في تصرفاته، حتى تلك الأكثر حميمية، أي ممارسة الجنس. الرغبة هي سبب الممارسة، اللمسات هي الوسائل، والقذف هو النتيجة، التي يتعجل الوصول إليها بشكل خطي. ويبدي مقاومة إذا أرادت المرأة أن تعدل من هذا المسار السلوكي، كالحديث عن الحب دون ممارسة، والاكتفاء بالملامسة والتماس، دون إيلاج ولا قذف.
في كتاب "قصدا أنت لا تعرفني" عملت عالمة اللسانيات تانين على تحليل أساليب التخاطب بين الرجال والنساء لمعرفة صعوبة التواصل بينهما، مبرهنة على أن الرجل والمرأة، وإن كانا يتحدثان اللغة نفسها، فإنهما لا يتحدثان في سياقات مماثلة، ولا في مواضيع ذاتها، ولا الأهداف. "إن التواصل بين ذكر وأنثى ـ برأيها ـ هو تواصل بين-ثقافي Interculturelle. إن ما بين المرأة والرجل من الاختلاف، لا يعادله إلا ما بين الماتشو الكيبيكي، والكوبوي الأمريكي، والساموراي الياباني". في كتاب "الرجال من المريخ النساء من الزهرة"، استطاع الباحث جون غراي، بعد سبع سنوات من البحث تعامل خلالها مع 25000 مشارك من الرجال والنساء، أن يرصد، باقتدار، الاختلافات السلوكية بين الجنسين، والتي تصل في كثير منها، إلى درجة التناقض. ولعل العنوان الذي اقترحه للكتاب، كان يلمح إلى أن الباحث بصدد الحديث عن كائنين من كوكبين مختلفين، ليس هناك ما يجمعهما إلا الانتماء البشري، وما سوى ذلك فهما متنافران.
وعموما فقد رصد اختلافات تكوينية أهمها أن المريخيين، ويقصد الرجال، يمجدون "القوة والكفاءة والفاعلية والإنجاز. إنهم دائما يعملون أشياء ليبرهنوا عن أنفسهم، ويطوروا مهارات القوة لديهم. ويحدد مفهوم الذات لديهم بواسطة قدرتهم على تحقيق نتائج.. يهتمون بالمدركات الحسية والأشياء، بدلا من الناس والمشاعر، أن تقدم للرجل نصيحة، دون التماس، يعني أن تفترض أنه لا يعرف ماذا يفعل". اما الزهريات، ويقصد النساء، فهن على النقيض تماما، " يقدرن الحب والاتصال والجمال والعلاقات. لأن فكرتهن عن أنفسهن تتحدد عن طريق مشاعرهن ونوعية علاقاتهن. إنهن يشعرن بالإشباع بالمشاركة والتواصل. لباسهن وفقا لمشاعرهن. يغيرن لباسهن تبعا لتغير مزاجهن.. البوح بمشاعرهن أهم من تحقيق الأهداف.
وبناء عليه فإن المواقف السلوكية تتباين تماما، فبينما يبحث الرجل عن ذاته بالصمت، تريد المرأة أن تجد ذاتها في الكلام والبوح. بينما يهتم الرجل بالكم، تفضل هي النوع، بينما يريد الرجل أن يهدي باقة ورد من اربع وعشرين وردة للبرهنة على حبه، تفضل المرأة وردة واحدة كل يوم خلال أربعة وعشرين يوما، وبألوان مختلفة. بينما يذهب الرجل إلى هدفه مباشرة فإن المرأة تسلك المسار الدائري قبل أن تصل إلى هدفها، حين يريد الرجل أن يشتري حذاء مثلا، فإنه يقصد أقرب محل ويشتري أول زوج يثير فضوله، أما المرأة فإنها تجدها فرصة مناسبة لزيارة كل المحلات حتى تلك التي لا تبيع الأحذية، قبل أن تطوف محلات بيع الأحذية كاملة، ليتسنى لها أن تشتري الأجمل في نظرها.
هذه الاختلافات التكوينية، تلقي بظلالها على التواصل بين الجنسين، فرغم ما يبدو ظاهرا من التخاطب بلغة واحدة مفهومة للطرفين، فإن الواقع يكشف أن لغة المرأة ليست هي لغة الرجل، إنهما لا يتواصلان وإن كانا يتحدثان لغة واحدة، والسبب في رأي الكاتب راجع إلى التأويل، إذ يبدو واضحا أن ما تريده المرأة من خطابها ليس ما يريده الرجل قطعا، ويقدم لذلك أمثلة كثيرة عن هذا التفاوت في التأويل. حينما تقول المرأة "نحن لا نخرج أبدا" فالرجل يفهم أن المرأة جاحدة للنعمة، أوكاذبة لأنهما خرجا مرات عدة، بينما مقصود المرأة: -أشعر برغبة في الخروج وعمل شيء سوية. -نحن دائما نقضي وقتا ممتعا وأحب أن أكون معك. ما رأيك؟ -هل تأخذني للعشاء خارج المنزل؟ -لقد مرت عدة أيام منذ أن خرجنا. وفي ما يلي وقفة سريعة مع أهم فصول الكتاب:
المصلح ولجنة التحسين المنزلية في الفصل الثاني كشف المؤلف عن خطأين "عادة ما يقع فيهما كل من المرأة والرجل، وترتب عنهما انعكاسات خطيرة تؤدي إلى الفراق:
الخطأ الأول ترتكبه المرأة: حين تعتقد أن تقديم نصائح وتوجيهات للرجل، ولو لم يطلَب ذلك منها، هو من صميم حياتهما اليومية، فيما يحرج الرجل ذلك، ويعتبره مسا لرجولته، لأن ما يحتاجه منها هو التقبل والحب وليس النصائح والإرشادات.
الخطأ الثاني يرتكبه الرجل: حينما يعتقد أن المرأة لما تتكلم عن مشاكلها تريد حلولاً، بينما هي تريد، أن تشعر بقربه منها. ويشاركها في مشاعرها، بالإنصات لها، لا تقديم حلول.
لتجاوز هذين الخطأين يقدم الباحث التدريبين التاليين: "أقترح عليكِ إذا كنت امرأةً، أن تتدربي خلال الأسبوع القادم على الامتناع عن إعطاء أية نصائح لم تُطلَب منكِ، وأن تتوقفي عن توجيه الانتقادات، وسوف تلاحظين أنه لن يكتفي فقط بتقدير ذلك؛ بل سيكون أكثر انتباهًا وحرصًا على رعايتك. "وأقترح عليكَ إذا كنت رجلاً أن تتدرب في الأسبوع القادم أن تنصت كلما تحدثت زوجتك؛ بنية أن تتفهم مشاعرها فقط، وأن تحكم إغلاق فمكَ كلما فكرت في تقديم الحلول، وسوف تندهش من مقدار تقديرها لرعايتكَ لها."
كهف الرجل.. حديث المرأة في هذا الفصل يقدم الباحث اختلاف المريخيين والزهريات في مواجهة الأزمات، فبينما يفضل الرجل العزلة، والصمت، تسعى المرأة إلى الحديث، "يذهب أهل المريخ إلى كهوفهم ليحلوا مشاكلهم بأنفسهم؛ وليشعروا بالتحسن، أما قاطنات الزُّهْرة؛ فيتجمعن معًا، ويتحدثن بانفتاح عن مشاكلهن؛ ليشعرن بالتحسن". وهنا يحدث الاصطدام، المرأة تدفع الرجل إلى الكلام، لأنها تفسر سكوته، علامة على كراهيته لها، أما هو فيفسر استفزازها له تدخلا في أمر لا يعنيها. ولتجاوز هذا الإشكال يقترح المؤلف على المرأة: أن تترك زوجها وحيدا في كهفه إذا بدا عليه الغضب، ولا تستفزه بكثرة الأسئلة. ويقترح على الرجل: أن ينصت إلى زوجته إذا حدثته وهي غاضبة، أن ينصت دون تقديم نصائح.
متى يفشل الحب؟! في هذا الفصل تطرق الباحث لأسباب فشل الحب عادةً بين الزوجين، وتفسير ذلك غياب الفهم الحقيقي لطبيعة الحب عند كل طرف. الرعاية والتفهم علامة الحب عند المرأة. والثقة مقياس الحب لدى الرجل. ويتجلى الخطأ حينما يسقط أحد الطرفين معياره الذاتي على الطرف الآخر، مما يؤدي إلى نتائج عكسية. تجتهد المرأة ما استطاعت، في منح شريكها الكثير من الرعاية – بتقديم النصائح وملاحقته بالأسئلة للاطمئنان عليه وغير ذلك – ظنا منها أنها تكشف له عن حبها له، بينما هو يفسر ذلك، مسا بقدراته، لأن مقياسه هو الثقة وليست الرعاية. وهكذا، عندما لا يتجاوب الرجل مع رعايتها، لا تفهم لماذا لا يقدر حبها له!. وبالمقابل، يمنحها الرجل نوعا من الحب غير الذي تحتاجه، فيفشل كل منهما في إشباع احتياجات أحدهما الآخر. لإرضاء شريكك عليك أن تتعلم كيف تمنحه الحب الذي يحتاجه هو، أو تحتاجه هي، لا الذي تحتاجه أنت، أو أنتِ.
خلاصة تركيبية:
إذا كانت المرأة والرجل بهذا الاختلاف، والتفاوت، وإذا كانت العلاقة بينهما –بناء على ذلك- محكوما عليها بالفشل، فلماذا قدر عليهما أن يتعايشا معا، ويحققا ما يبدو مستحيلا، في الظروف الطبيعة، بالنظر إلى الاختلافات الجوهرية بينهما؟ لماذا يفرض عليهما أن يعيشا تحت سقف واحد، ويتشاركا في كل شيء، بينما هما في الحقيقة من كوكبين مختلفين؟ أرقام الطلاق المرتفعة تكشف ان اللاتفاهم كان هو السبب، فلماذا يستمر الإصرار على ركوب مغامرة محسومة سلفا؟ إنه سحر الحب. هذا المحلول السحري الذي يستطيع أن يذيب الفوارق ويقرب المسافات ويلغي الحدود. فلننظر في أمره.
#عبدالفتاح_ديبون (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|