|
الكيد السياسي في إعدام الحلاج والسهروردي ومحمود محمد طه
تاج السر عثمان
الحوار المتمدن-العدد: 5889 - 2018 / 5 / 31 - 11:21
المحور:
حقوق الانسان
أشرنا في دراسة سابقة عن الفكر الجمهوري إلي أن تكفير الأستاذ محمود محمد طه أو الحكم عليه بالردة عام 1968كان كيدا سياسيا ، وبنفس هذا الحكم أعدم الأستاذ طه في يناير 1985م علي يد الطاغية نميري ،وهو كما ذكرنا كيد سياسي حدث للحلاج والسهرودي المقتول ، فالكيد جاء من معارضتهما الحكام ، وليس لآرائهما المعروفة في التصوف الإسلامي. وهناك قول معاوية بن سفيان الشهير " إنني لا أحول بين الناس وألسنتهم مالم يحولوا بيننا وبين ملكنا". أي أن الحكام والأحزاب والطبقات الحاكمة تهمها مصالحها الطبقية والدنيوية ، وعدم اهتزاز حكمها، اكثر مايهمها صحة أو خطأ أقوال الفلاسفة والمفكرين. ونكمل في هذا المقال بتجربتي الحلاج والسهروردي المقتول الذين راحا ضحية للكيد السياسي ، فماهي أهم معالم تلك التجربتين؟؟. أولا : الحلاج ( ت 309ه/ 922م): الحلاج هو الحسين بن منصور الملقب بالحلاج ، ويقال أن لقب الحلاج جاء من عمله أو عمل والده في حرفة أو صناعة حلج القطن. والحلاج هو صاحب نظرية الحلول بمعني حلول الله في مخلوقاته، والتي عبر عنها بقوله : " أما الحق فما في الجبة غير الله". وكان الحلاج يجمع بين التصوف وعلم الكلام ، واعتنق نظرية "الفناء" التي أنشأها أبو يزيد البسطامي ، ومؤداها أن المسلم بعكوفه علي العبادة وانقطاعه الي الله ، وإعراضه عن زخرف الدنيا وزينتها ، والزهد فيما يقبل عليه الناس من لذة ومال وجاه لينتهي بهذه الرياضة الروحية إلي تصفية النفس وتحررها من شهوات البدن وأهوائه ، بالمجاهدة والتهجد والصيام والعبادة حتي يكون "الفناء" ، أي فناء الإنسان عن نفسه ، وفقدانه الشعور بذاته مع شعوره بالله يفقد المؤمن إرادته ووعيه، ويتحقق بأن الإرادة الحقيقية هي إرادة الله ، فلا يري الا الله ، ولا يشعر الا بفاعلية الله . فاذا افني الإنسان عن ذاته وفقد شعوره بغيره وتلاشت رؤيته بكل ماعدا ذلك في فترة محو يعقبها صحو ، ربما صدرت عنه شطحات ، وهو في غير وعيه أ و بغير إرادته، فيقول كلاما اذا أخذناه علي ظاهره كان متنافيا مع الشريعة ( د.توفيق الطويل:" التصوف الإسلامي"، في تراثنا العربي الإسلامي ، الكويت 1985م ). ومعلوم أن الحلاج اعتنق أيضا دعوة القرامطة الذين كانوا من ألد أعداء دولة الخلافة الإسلامية ، وتصدي للتبشير بها في خراسان وفارس والهند وغيرها . ومعروف أيضا أن الحلاج سيق بتهمة الزندقة أمام قضاة بغداد وأ’عدم في قضيته الشهيرة " مأساة الحلاج سنة 309ه". ويري كل من د.توفيق الطويل في مؤلفه السابق ذكره والمستشرق رينولد نيكلسون الذي درس التصوف الإسلامي لأكثر من خمسين عاما ، ومن أهم مؤلفاته " في التصوف الإسلامي " القاهرة 1947م، ترجمة ابو العلا عفيفي، أن الحلاج راح ضحية أحقاد سياسية ، كما يري أيضا د. حسين مروة في مؤلفه" النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية" ، أن اضطهاد المتصوفة دوافعة ايديولوجية سياسية ، صبغت بصبغة دينية " مواقف الحكام ومواقف الفقهاء ، ومواقف الصوفية المنحازين للجماهير الشعبية". وأشار نيكلسون بأن من أسباب محاكمة الحلاج إتهامه بالدعوة سرا إلي مذهب القرامطة الذين كانوا معارضين لدولة الخلافة. ويضيف نيكلسون ، بقوله: أن موقف المسلمين من أمثال بن عربي في إعتناقه "وحدة الوجود" ، وابن يزيد البسطامي الذي قال: "سبحاني" معبرا عن مذهبه في "الإتحاد" ،أو الحلاج الذي قال: "أنا الحق" ، معبرا عن مذهبه في " الحلول" ، أو ابن الفارض الذي يقول: " أنا هي"، (أي المحبوبة ، أي الذات الإلهية ، فهما في حالة إتحاد)، كان مشبعا بروح التسامح. يقول نيكلسون : أن موقف المسلمين من هؤلاء الصوفية كان في أبعاده مشبعا بروح التسامح ، لأنهم كانوا يعتقدون أن أولياء الله علي اتصال بهم ، وهذا يستدعي الإحترام بالغا ما بلغ تعارض أقوالهم مع ظاهر الشرع. يواصل نيكلسون ويقول : بأن قولة الحلاج " أنا الحق" ، لم تكن الا تهمة من أربع قُدم من أجلها إلي المحاكمة ، ولو اقتصر الإتهام علي هذا علي هذا الإدعاء ، لكان من المحتمل أن ينجو من مصيره المحزن ، رغم أن كلماته التي آثرت عنه في هذا الصدد كان في ظاهرها تتعارض مع معتقدات أهل السنة من المسلمين. ثانيا : السهروري ( 549ه- 587ه/ 1153م – 1191م): هو السهروردي شهاب الدين المقتول مؤسس المدرسة الإشراقية في التصوف والرأي عندها أن : الله نور الأنوار ، ومصدر جميع الموجودات ، بمعني أن العالم قد صدر عن إشراق الله وفيضه ، ومتي تجردت النفس عن علائق البدن وشهواته ، تيسر لها الاتحاد بالله والاتصال بنور الأنوار ، وعندئذ ينكشف له الغيب في يقظة أو منام ( د. الطويل: المصدر السابق). ويري د. حسين مروة : أن السهروردي عندما يقول " بأن الواصلين الي مقام الفحول والأنبياء والحكماء " حين يصلون إلي هذا المقام " تفني لديهم كلمات : هو وانت وأنا في بحر الفناء ، وهناك تسقط الأوامر والنواهي ، أي تسقط عنهم التكاليف الشرعية ، وهذا تعبير عن رفض النظام الإجتماعي الذي تمثله فكرة النبوة والوحي والشريعة ( مروة: المصدر السابق). وتم إعدام أو قتل السهروردي ، وهو في السادسة ( أو الثامنة ) والثلاثين من عمره ( 587ه/ 1191). ويرجع مصرعه إلي أسباب سياسية وصراعه مع الفقهاء وتمسكه برأيه واعتزازه بعقله ، إلي جانب أن صلاح الدين الأيوبي قد لقي عنتا شديدا في سحق الدولة الفاطمية التي كانت معقد آمال القرامطة ، فكان شديد التخوف من المتصوفة أو دعاة الدعوات الباطنية ، وكان السهروردي – كما كان الحلاج- من هؤلاء. والمتتبع لأحداث مقتل السهروردي، يلاحظ وجوه الشبه بين الدوافع التي أدت إلي قتله والبواعث التي أفضت إلي مصرع الحلاج، وهي بوجه عام اتصالهما بالدعوة الباطنية التي كان يمثلها "القرامطة" من ناحية ( اي أسباب سياسية) ، وحقد الفقهاء وحسدهم من ناحية أخري . يقول د. الطويل :" ولو لا تدخل السياسية في الحالتين ماتسني للفقهاء أن ينالوا منهما ( السهروردي والحلاج)، ولا أن يمسوهما بسوء ، فان موقف المسلمين حتي من هؤلاء الصوفية كان في العادة مشبعا بروح التسامح. هكذا نصل الي أن إعدام محمود محمد طه في يناير 1985م، كما الحلاج والسهروري كان كيدا سياسيا من الحكام والفقهاء الذين اصدروا الفتاوي الدينية بالردة والزندقة، فموقف المسلمين في السودان عموما كان متسامحا مع المتصوفة، ولكن الكيد السياسي جاء من معارضة الأستاذ طه لقوانين سبتمبر 1983م التي أصدرها الطاغية النميري لقمع الحركة الجماهيرية التي كانت متصاعدة ضده، تلك القوانين التي استغلت الدين ، وأذلت شعب السودان، وعندما عارض الأستاذ طه قوانين سبتمبر، كان مصيره الإعدام مثلما كان مصير الحلاج والسهروردي
#تاج_السر_عثمان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
طبيعة ووظائف الدولة في سلطنة دارفور
-
انجلز والثورة المهدية : قراءة وتحليل.
-
بمناسبة مرور 200 عام علي ميلاد كارل ماركس
-
أوضاع الطبقة العاملة السودانية خلال فترة الحرب العالمية الثا
...
-
طبيعة ووظائف الدولة في مملكة الفونج
-
خطل دعاوى الحوار والمشاركة في انتخابات 2020
-
لنواصل الحملة من أجل اطلاق سراح كل المعتقلين..
-
أحداث يناير 2018 وتفاقم أزمة النظام
-
الذكري ال 33 لاستشهاد الأستاذ محمود محمد طه
-
طبيعة ووظائف الدولة في فترة الحكم التركي - 1821- 1885م
-
سواكن مدينة أثرية تاريخية.
-
لنعزز الاستقلال بانتزاع الديمقراطية والسيادة الوطنية
-
كيف تناول الأستاذ محمود محمد طه الماركسية؟
-
السودان : 61 عاما من التخلف والتدهور
-
مفهوم المركز والهامش : رؤية نقدية - 2
-
منهج التحليل الثقافي رؤية نقدية -2
-
ثورة أكتوبر الاشتراكية : التجربة والدروس
-
الذكري ال 64 لتأسيس الجبهة الديمقراطية للطلاب السودانيين
-
طبيعة الدولة في الحكم الثنائي : 1898- 1956
-
الذكري ال 53 لثورة أكتوبر 1964
المزيد.....
-
غرق خيام النازحين على شاطئ دير البلح وخان يونس (فيديو)
-
الأمطار تُغرق خيام آلاف النازحين في قطاع غزة
-
11800 حالة اعتقال في الضفة والقدس منذ 7 أكتوبر الماضي
-
كاميرا العالم توثّق معاناة النازحين بالبقاع مع قدوم فصل الشت
...
-
خبير قانوني إسرائيلي: مذكرات اعتقال نتنياهو وغالانت ستوسع ال
...
-
صحيفة عبرية اعتبرته -فصلاً عنصرياً-.. ماذا يعني إلغاء الاعتق
...
-
أهل غزة في قلب المجاعة بسبب نقص حاد في الدقيق
-
كالكاليست: أوامر اعتقال نتنياهو وغالانت خطر على اقتصاد إسرائ
...
-
مقتل واعتقال عناصر بداعش في عمليات مطاردة بكردستان العراق
-
ميلانو.. متظاهرون مؤيدون لفلسطين يطالبون بتنفيذ مذكرة المحكم
...
المزيد.....
-
مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي
/ عبد الحسين شعبان
-
حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة
/ زهير الخويلدي
-
المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا
...
/ يسار محمد سلمان حسن
-
الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نطاق الشامل لحقوق الانسان
/ أشرف المجدول
-
تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية
/ نزيهة التركى
-
الكمائن الرمادية
/ مركز اريج لحقوق الانسان
-
على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
المزيد.....
|