|
فهم الماويّة فهما علميّا و الدفاع عنها بصلابة و تطويرها ، بهدف بلوغ مرحلة جديدة من الشيوعية : أفكار جداليّة حول مقال برنار دى مالو - ما هي الماويّة ؟ -
شادي الشماوي
الحوار المتمدن-العدد: 5889 - 2018 / 5 / 31 - 05:07
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
فهم الماويّة فهما علميّا و الدفاع عنها بصلابة و تطويرها ، بهدف بلوغ مرحلة جديدة من الشيوعية : أفكار جداليّة حول مقال برنار دى مالو " ما هي الماويّة ؟ "
الفصل الخامس من الكتاب 29- دفاعا عن الشيوعية الثوريّة و تطويرها
ضد مايكل هاردت ، أنطونيو نغرى، ألان باديو، سلافوج تزتزاك و برنار دى مالو
الماويّة : نظريّة و ممارسة عدد 29 / جانفى 2018 شادي الشماوي
دفاعا عن الشيوعية الثوريّة و تطويرها
ضد مايكل هاردت ، أنطونيو نغرى، ألان باديو، سلافوج تزتزاك و برنار دى مالو
------------------------------- ( ملاحظة : الكتاب متوفّر للتنزيل بنسخة بى دي أف من مكتبة الحوار المتمدّن)
----------------------------------------------------------------------------------------------------------------- المقدمّة : في العالم الراهن و في أيّامنا هذه ، أكثر من أيّ زمن مضى ، ينبغي على الماركسيّين الحقيقيين و الماركسيّات الحقيقيّات أن لا يكونوا إشتراكيين و إشتراكيّات و إنّما شيوعيين و شيوعيّات فهدف الماركسيّة و غايتها الأسمى ليست إلاّ الشيوعيّة على النطاق العالمي . هدف الشيوعيين و الشيوعيات الحقيقيين و ليس المزيّفين ، متبنّي الشيوعية كعلم الساعين جهدهم لإستخدام هذا العلم لبلوغ الهدف الأسمى : تحقيق المجتمع الشيوعي العالمي الخالى من الطبقات و تحرير الإنسانيّة قاطبة من جميع أصناف الإستغلال و الإضطهاد القومي و الطبقي و الجندري على كوكب الأرض برمّته ؛ و ليس الإشتراكية مفهومة كغاية أسمى بالنسبة لأنواع من الإشتراكيين الديمقراطيين و محرّفى الشيوعيّة فيما هي لا تعدو أن تكون في الواقع رأسماليّة بمساحيق مزوّقة ببعض الإجراءات الإجتماعيّة . الإشتراكيّة من وجهة النظر الماركسيّة مغايرة لذلك الفهم الإشتراكي الديمقراطي أو التحريفي ؛ إنّما ، وهي وليدة الثورة الإشتراكيّة ، هي مكوّنة من أضلع ثلاث متكاملة كالمثلّث أو الهرم و قاعدتها أنّها أوّلا و قبل كلّ شيء مرحلة إنتقاليّة بين الرأسماليّة و الشيوعيّة كما حدّدها ماركس و شدّد على إبراز ذلك التحديد لينين في " الدولة و الثورة " . و الإشتراكية ثانيا نمط إنتاج له ميزاته و يسعى إلى خدمة مصالح البروليتاريا و أوسع الجماهير الشعبيّة و تجاوز بقايا الرأسماليّة و إرساء أسس المجتمع الشيوعي في البنية الفوقيّة و البنية التحتيّة للمرور إلى تكريس من " كلّ حسب عمله " المميّز للمرحلة الإشتراكية إلى " كلّ حسب حاجياته " كشعار معبّر عن فحوى المجتمع الشيوعي و يسعى طبعا إلى مدّ يد المساعدة للثورة البروليتاريّة العالمية. و الإشتراكية فضلا عن ذلك دولة دكتاتوريّة البروليتاريا أي دولة تحت قيادة البروليتاريا و حزبها الشيوعي الثوري بالتحالف مع الطبقات و الفئات الشعبيّة وهي تمارس الديمقراطية البروليتاريّة أي الديمقراطية فى صفوف الشعب و الدكتاتوريّة ضد أعداء الشعب و الثورة الشيوعية . ماركسيّا ، الإشتراكيّة إذن مجتمع طبقي إنتقالي بين الرأسماليّة و الشيوعيّة و الشيوعيون و الشيوعيّات الحقيقيّين ليس هدفهم الأسمى الإشتراكية كمجتمع طبقي و إنّما هو تجاوز حتّى هذه الإشتراكية وليدة الثورة الإشتراكية الضرورية و المرغوب فيها ، نحو الشيوعية على الصعيد العالمي . على طول المرحلة الإشراكية الإنتقاليّة ، تظلّ هناك طبقات و يظلّ هناك صراع طبقي يتّخذ شكل صراع بين الطريق الرأسمالي من جهة ( و له قاعدته الماديّة و الفكريّة في المجتمع الإشتراكي ليس هنا مجال الخوض فيها ، و من يرنو لدراسة المسألة فعليه / عليها بكتاب بوب أفاكيان" المساهمات الخالدة لماو تسى تونغ " ، لا سيما الفصل المتعلّق بنظريّة و ممارسة مواصلة الثورة في ظلّ دكتاتوريّة البروليتاريا ، وهو متوفّر بالعربيّة بمكتبة موقع الحوار المتمدّن ، ترجمة شادي الشماوي ) و الطريق الإشتراكي الساعى إلى تخطّى بقايا الرأسماليّة و ما يفرزه المجتمع الإنتقالي في قاعدته الماديّة و الفكرية و محاصرة " الحق البرجوازي " في التوزيع إلى أبعد حدّ ممكن في كلّ مرّة ، و إلى بناء نمط إنتاج بملكيّة و علاقات إنتاج و علاقات توزيع تعالج تدريجيّا لكن بلا هوادة أهمّ التناقضات المولّدة للطبقات و المجتمع الطبقي و نقصد تلك بين العمّال و الفلاّحين و بين الأرياف و المدن و بين العمل الفكري و العمل اليدوي و بين النساء و الرجال . و بالتالى ، تحتمل الإشتراكية بما هي مرحلة إنتقاليّة مديدة كما تبيّن ذلك التجربة التاريخيّة للثورة البروليتاريّة العالميّة و المجتمعات الإشتراكية لا سيما في الإتّحاد السوفياتي بين 1917 و 1956 و في الصين بين 1949 و 1976 و كما لخّص ذلك ماو تسى تونغ ، إمكانيّتين : التقدّم نحو الشيوعيّة و نقيضها إعادة تركيز الرأسماليّة . لهذا و لما تقدّم أعلاه ولأنّ الإشتراكية دولة طبقيّة و مرحلة إنتقاليّة في حين أنّ الشيوعيّة الهدف الأسمى مجتمع تكون فيه الطبقات و الدول قد إضمحلّت و يطبّق فيه " كلّ حسب حاجياته " تماما و على نطاق عالمي ، ينبغي على الشيوعيين و الشيوعيات الحقيقيين أن لا يكونوا إشتراكيين و إشتراكيات و إنّما ينبغي عليهم أن يكونوا شيوعيين و شيوعيات . منذ تأسيس علم الشيوعيّة ، في " بيان الحزب الشيوعي " ، نقد مؤسّسو هذا العلم نقدا لاذعا ضروبا مختلفة من " الإشتراكيّة الرجعيّة " ؛ من " الإشتراكيّة الإقطاعيّة " إلى " الإشتراكيّة المحافظة أو البرجوازيّة " مرورا ب " الإشتراكيّة البرجوازيّة الصغيرة ". و أعلنا بلا مراء و لا لفّ و دوران : " إنّ الثورة الشيوعيّة تقطع من الأساس كلّ رابطة مع علاقات الملكيّة التقليديّة ، فلا عجب إذن إن هي قطعت بحزم أيضا ، أثناء تطوّرها ، كلّ رابطة مع الأفكار و الآراء التقليديّة ." و لاحقا ، طوّر ماركس ما أضحى الماويّون منذ عقود عدّة يطلقون عليه " الكلّ الأربعة " كتجسيد واضح و جلي لما تعنيه الثورة الشيوعية : " هذه الإشتراكية إعلان للثورة المستمرّة ، الدكتاتورية الطبقية للبروليتاريا كنقطة ضروريّة للقضاء على كلّ الإختلافات الطبقيّة ، و للقضاء على كلّ علاقات الإنتاج التى تقوم عليها و للقضاء على كلّ العلاقات الإجتماعيّة التى تتناسب مع علاقات الإنتاج هذه ، و للقضاء على كلّ الأفكار الناجمة عن علاقات الإنتاج هذه ". ( كارل ماركس : " صراع الطبقات فى فرنسا من 1848 إلى 1850" ، ذكر فى الأعمال المختارة لماركس و إنجلز ، المجلّد 2 ، الصفحة 282 ). و من اليسير على من لا ينظر من ثقب إبرة ، من اليسير على العين الفاحصة الناقدة و التي تتحلّى بالصرامة العلمية في البحث لتشعل شمعا للحقيقة و تفضح ما تظلّله شجرة الكذب أن ترصد أنّه على الصعيد العربي ، عقب خسارة الصين الماويّة كقلعة للثورة البروليتارية العالمية منذ أواسط سبعينات القرن الماضي و خضوعا لضغط الهجوم الإمبريالي - الرجعي على الشيوعية خاصة منذ أواخر ثمانينات القرن العشرين و تذبذب البرجوازية الصغيرة و تراجع تألّق و توهّج النضالات الثوريّة بقيادة شيوعية و تنامى القوى الفاشيّة ذات المرجعيّة الأصوليّة الدينيّة ، بات الكثير من الشيوعيين سابقا أو الشيوعيين قولا فحسب يحدّدون هويّتهم و غايتهم الأسمى على أنّها الإشتراكية و يحدّدون مرجعيتّهم على أنّها الإشتراكية العلمية أو البلشفيّة . و نظرا لكون مجال هذه المقدّمة لا يسمح بالتوغّل في نقاش تفاصيل و مراجع كلاسيكيّة و غير كلاسيكيّة ، نحيل القرّاء على جدالات شيّقة لناظم الماوي بهذا الصدد على صفحات الحوار المتمدّن و بمكتبته ، لا سيما منها تلك التي وردت في كتابه " نقد ماركسية سلامة كيلة إنطلاقا من شيوعية اليوم، الخلاصة الجديدة للشيوعية " و تحديدا في النقطة السادسة من الفصل الأوّل و عنوانها " خطّان متعارضان في فهم الإشتراكيّة " . و في نفس السياق ، ينبغي على الشيوعيّين الحقيقيّين و الشيوعيّات الحقيقيّات ألاّ يكونوا ديمقراطيين برجوازيين فيصيروا من خدم الرجعيّة ، إصلاحيين يساعفون في تأبيد الوضع السائد فالديمقراطية البرجوازية في أفضل تجلّياتها في البلدان الإمبريالية أفضت تاريخيّا إلى الفظائع التي إرتكبتها القوى الإمبريالية في بلدانها و عالميّا و لا نظنّ أنّنا في حاجة إلى أمثلة و قرائن لإثبات ذلك فهي متوفّرة للعيان يوميّا ، لا بل كلّ ساعة من كلّ يوم عبر العالم قاطبة . هكذا كانت و لا تزال الديمقراطية البرجوازية في البلدان الإمبريالية فما بالك بها في المستعمرات و المستعمرات الجديدة و أشباه المستعمرات حيث تتّخذ شكل ما يسمّيه البعض ديمقراطية الإستعمار الجديد . و يكفى الإلتفات يمنة و يسرة للتأكّد من تبعاتها على الجماهير الشعبيّة ، هذا طبعا إن لم نكن كالأعمى بعيون أمريكيّة أو عيون برجوازيّة كمبرادوريّة أو حتّى عيون برجوازيّة صغيرة. و عليه من أوكد واجباتنا الشيوعيّة أن نضع حدّا للهراء الخيالي عن " الديمقراطيّة الخالصة " و الشكلانيّة البرجوازيّة. و لا ينبغي على الشيوعيّين و الشيوعيات الحقيقيين أن يكونوا ديمقراطيين و لا حتّى ديمقراطيين بروليتاريين فالديمقراطية طبقيّة دائما وهي شكل للدولة الطبقيّة التي يرمى المشروع الشيوعي إلى تجاوزها ببلوغ المجتمع الشيوعي الخالى من الطبقات حيث تضمحلّ الدولة كجهاز قمع طبقة أو طبقات لطبقة أو طبقات أخرى و قد أجلى لينين المسألة في مؤلّفه الذى تعرّض لتحريفات و تشويهات جمّة ، " الدولة و الثورة " . و مسألة الدولة مركزيّة في الصراع بين الماركسية الحقيقيّة و الماركسيّة الزائفة ( و غيرها من التيّارات الرجعيّة ) أو التحريفيّة . الديمقراطيّة شأنها شأن الإشتراكية شكل إنتقالي للحكم الطبقي حتّى و إن كانت شعبية أو بروليتاريّة و هي بالتأكيد ليست الغاية الأسمى للشيوعيين و الشيوعيّات و لا يجب أن تحلّ محلّ غايتهم الأسمى ، المجتمع الشيوعي على الصعيد العالمي . و لزاما على الشيوعيين و الشيوعيات الحقيقيين أن يتركوا الضفّة الإصلاحيّة و ثلّة المثقّفين المنبهرين و المفتونين ب " الديمقراطيّة الخالصة " و الذين ما إنفكّوا يكيلون المدائح المرسلة لها مضلّلين الجماهير الشعبيّة ، و يعبروا إلى الضفّة الأخرى ، ضفّة الشيوعيّة الثوريّة كي يورق و يزهر الشجر و يرسخ علم الشيوعية كسلاح يقود تمكين الشعوب و على رأسها البروليتاريا و حزبها الشيوعي الثوري من صنع التاريخ و كسر الحجر، حجر الإستغلال و الإضطهاد الجاثم على صدر الغالبيّة الغالبة للإنسانيّة و خانق أنفاسها . لا ينبغي أن يغيب الهدف الأسمى الشيوعي عن أنظار الشيوعيات و الشيوعيين و لا لحظة واحدة ، ينبغي أن يكون حاضرا في برنامجهم الأقصى و إستراتيجيّتهم و سياساتهم و أشكال نضالهم و تنظيمهم كما يجب أن تخدم التكتيكات المتوخّات في نهاية المطاف هذا الهدف الأسمى ؛ لا يجب أن يبتلع التكتيك الإستراتيجيا نهائيّا . هدفنا الأسمى الشيوعي هو البوصلة التي إن أضعناها أضعنا الطريق المؤدّية إلى تحرير الإنسانيّة و تدحرجنا عن وعي أو لا وعي إلى الإنخراط في مشاريع إصلاحيّة من هذا الطراز أو ذاك. و في مقال سابق لنا نشر كمقدّمة لكتابنا الثاني أو للعدد الثاني من " الماويّة : نظريّة و ممارسة " المعنون ب" عالم آخر، أفضل ضروري و ممكن ، عالم شيوعي ... فلنناضل من أجله !!! "( مكتبة الحوار المتمدّن ) ، شرحنا بإقتضاب إعتمادا على أمثلة ملموسة ثمّ لخّصنا كيف أنّ : " المشاريع القومية و السلفية لم تحدث و لا تحدث قطيعة جذرية مع النظام الإمبريالي العالمي بل هي بدائله ( الأصوليون السلفيون ) أو هي قوى تتحّول تحت الضغط الإمبريالي و تصاعد النضال الشعبي من قوى وطنية إلى قوى برجوازية كمبرادورية تصبح جزءا لا يتجزأ من دولة الإستعمار الجديد فى أشباه المستعمرات . و مرّة أخرى تسطع حقيقة شدّد عليها ماو تسى تونغ منذ 1939 هي أن " الثورة البرجوازية القديمة قد دخلت حقيبة التاريخ . " فقد قال في " حول الديمقراطيّة الجديدة " : " هنالك نوعين من الثورة العالمية : النوع الأوّل ينتسب إلى الثورة العالمية من النمط البرجوازي أو الرأسمالي . و لقد إنقضى عهده منذ زمن طويل ، إذ إنتهى حين إندلعت الحرب الإمبريالية العالمية الأولى عام 1914 ، و على وجه الدقّة منذ ثورة أكتوبر الروسية 1917 و حينذاك بدأ النوع الثاني ، ألا وهو الثورة العالمية الإشتراكية البروليتارية " . و بناء على ما تقدّم ، في طيّاته يحمل هذا الكتاب الجديد بمناسبة الذكرى 160( 1848- 2018 ) لصدور " بيان الحزب الشيوعي " عنوانا معبّرا هو " دفاعا عن الشيوعيّة ..." و ليس دفاعا عن الإشتراكيّة سواء كرأسماليّة مقنّعة أم كمرحلة إنتقاليّة بين الرأسماليّة و الشيوعيّة ( أو كإشتراكيّة علميّة في تناقض مع الإشتراكية الطوباويّة ) . و فضلا عن ذلك ، إنطلاقا من العنوان ، لا يتعلّق الأمر بالشيوعيّة كقناع يتقنّع به محرّفو علم الشيوعيّة ، التحريفيّون بشتّى مشاربهم ، في الوقت الذى يفرغونها من مضامينها و أساليبها الثوريّة ليحشوها حشوا بالفعل بأرهاط من الإصلاحيّة و الديمقراطية البرجوازية الإمبريالية أو الإستعماريّة و الشوفينيّة القوميّة. الماركسيّة أو الشيوعيّة كعلم ثوريّة كما يتبيّن ذلك منذ " بيان الحزب الشيوعي " ذاته فهي مرّة أخرى " تقطع من الأساس كلّ رابطة مع علاقات الملكيّة التقليديّة ، فلا عجب إذن إن هي قطعت بحزم أيضا ، أثناء تطوّرها ، كلّ رابطة مع الأفكار و الآراء التقليديّة ." و من هنا يفهم لماذا لم نكتف في العنوان بالدفاع فحسب عن الشيوعيّة التي تعرّضت لإفتراءات و تشويهات جمّة على يد الإمبرياليين و الرجعيين و التحريفيين عبر العالم قاطبة ، بل أضفنا إليها نعت الثوريّة . قبل سنوات و عند إلقاء نظرة على بعض صفحات شبكة التواصل الاجتماعي ، إستوقفتنا جملة خطّها على صورة حسابه الفيسبوكي ناشط على الفايسبوك آنذاك لا ننسى فضله في المساهمة في التعريف بمقالاتنا و كتبنا ، ألا وهي جملة " الماركسيّة ثوريّة أو لا تكون " ما يفيد قنصه لحقيقة عميقة غاية العمق ففعلا هي كذلك ؛ الشيوعيّة ثوريّة أو لا تكون ، ثوريّة أو تتحوّل إلى مسخ من الإيديولوجيا المشوّهة التي تنضاف إلى ترسانة الرجعيّة العالميّة في تأبيد النظام الرأسمالي الإمبريالي العالمي و تأبيد إضطهاد و إستغلال الطبقات الشعبيّة المشكّلة لغالبيّة الإنسانيّة و سحقها . و لأنّ التحريفيّة نقيض للشيوعية الثوريّة وهي كإنحراف يميني بمعنى ما ملازمة للشيوعيّة كعلم ، يترتّب على الشيوعيين و الشيوعيات الحقيقيين مقاتلتها بلا هوادة و إلاّ سقطوا في أحابيلها و أمسوا عن وعي أو عن غير وعي من أعداء الشيوعيّة الثوريّة و خدما للإمبريالية و الرجعيّة بشكل من الأشكال . و يساوى عدم تولّى النهوض بواجب الدفاع عن الشيوعيّة الثوريّة و نقد التحريفيّة الإلتحاق آجلا أم عاجلا و أردنا ذلك أم أبينا ، بأعداء القيام بالثورة الشيوعيّة و تحرير الإنسانيّة و الهدف الأسمى الشيوعية على الصعيد العالمي . و لم يقف العنوان عند الدفاع عن الشيوعيّة الثوريّة فحسب بل تعدّاه إلى الدفاع عن تطويرها . و هنا نسلّط الضوء على نقيض آخر ملازم أيضا للشيوعيّة كعلم ألا وهو الدغمائيّة أو الجمود العقائدي بما هي إنحراف يساري قد يتحوّل و قد تحوّل في أحيان كثيرة إلى تحريفية أو دغمائيّة تحريفيّة . فهي تنظر إلى الشيوعيّة على أنّها قالب جامد بينما علم الشيوعية ككلّ علم يتطوّر بنقد ذاته و بتطوّر ممارسته و تطبيقه و بالتفاعل مع المستجدّات في شتّى الحقول و بالإكتشافات في مختلف مجالات الإنسانيّة الأخرى . و لطالما صارع الماركسيّون – اللينينيّون – الماويّون في العقود الأخيرة الدغمائيّين من مدعى الشيوعيّة الذين جعلوا من ستالين أيقونة لا تقبل النقد و من تجربة البلاشفة نموذجا لا يطاله إعمال الفكر النقدي و بجرّة قلم ألغوا التجربة الإشتراكية في الصين الماويّة إلخ و كان على رأس هؤلاء الخوجيون بمختلف ألوانهم . و يحنّط الدغمائيّون التحريفيّون الخوجيّون تجربة البروليتاريا العالميّة في الإتّحاد السوفياتي فلا يجرون التقييم الضروري بالتحليل و التلخيص العلميين لإبراز المكاسب و الدفاع عنها دفاعا مبدئيّا و صلبا و مصمّما و كشف الأخطاء و نقدها و فهم منابعها و إنعكاساتها و طرح تجاوزها لإنجاز ما هو أفضل مستقبلا . و بهكذا سلوك يقف هؤلاء الدغمائيّين ضد لينين و ستالين ذاتهما و المنهج الجدلي و تطبيق التقييم العلمي كما يقفون صراحة ضد ما نادى به ماركس عندما صرّح بأنّ الثورات الإشتراكيّة " تنتقد ذاتها على الدوام ، و تقاطع نفسها بصورة متواصلة أثناء سيرها ، و تعود ثانية إلى ما بدا أنّها أنجزته لتبدأ فيه من جديد ، و تسخر من نواقص محاولاتها الأولى و نقاط ضعفها و تفاهاتها بإستقصاء لا رحمة فيه ، و يبدو أنّها تطرح عدوّها أرضا لا لشيء إلاّ ليتمكّن من أن يستمدّ قوّة جديدة من الأرض و ينهض ثانية أمامها وهو أشدّ عتوّا ، و تنكص المرّة تلو المرّة أمام ما تتصف به أهدافها من ضخامة غير واضحة المعالم ، و ذلك إلى أن ينشأ وضع جديد يجعل أي رجوع إلى الوراء مستحيلا و تصرخ الحياة نفسها قائلة بصرامة : هنا الوردة ، فلترقص هنا ! " ( كارل ماركس ، " الثامن عشر من برومير لويس بونابرت " ) و غالبا ما يرفع الدغمائيّون ( و التحريفيّون ) الأخطاء المقترفة لنقص في فهم و تطبيق المنهج المادي الجدلي أو في التجربة أو لظروف تاريخيّة ، إلى مبادئ مناهضة لأهمّ المكاسب التاريخيّة و القطيعة مع الأخطاء و الإضافات والتطويرات الحاسمة للشيوعيّة الثوريّة التي ليس بوسعها كعلم و ككلّ علم إلاّ أن تتطوّر و إلاّ سيتهدّدها الموت و ستعاجلها المنيّة . و في الواقع الموضوعي للصراع الطبقي ، شاهدنا تحوّل الكثير من هؤلا الدغمائيّين إيديولوجيّا من الإنحراف اليساري إلى الإنحراف اليميني أي إلى التحريفيّة و سياسيّا إلى الإصلاحيّة متبنّين بدلا من الشيوعيّة الثوريّة و عمليّا مكرّسين أشخاصا و منظّمات و أحزاب الديمقراطيّة البرجوازيّة و منافحين بشكل أو آخر عن الإمبرياليّة و الرجعيّة و تأبيد الوضع السائد الساحق للطبقات الشعبيّة و مثل هؤلاء مبثوثون في الأقطار العربيّة و عبر العالم بأسره و يمثّلون الخطّ السائد صلب الحركة الشيوعيّة العالميّة . و لسوء الحظّ ، نخر مرض الدغمائيّة المناهضة لتطوير علم الثورة البروليتارية العالميّة ، الماركسية – اللينينية – الماويّة ، صفوف حتّى الماويين عالميّا إذ إنبرى منذ سنوات الآن قسم منهم ليوقف تطوّر هذا العلم عند التجربة الماويّة في الصين و يناهض إضافات الشيوعيين الثوريين عبر العالم منذ أواسط السبعينات ، عقب وفاة ماو و حدوث الإنقلاب التحريفي و إستيلاء البرجوازيّة الجديدة على مقاليد الحكم هناك بصعود التحريفيّة إلى السلطة و مضيّها في إعادة تركيز الرأسماليّة هناك . و الأدهى أنّهم لم ينجزوا التقييم العلمي المطلوب ، من منظور شيوعي ثوري ، لتلك التجربة و طفقوا يعلون راية حتّى ما تبيّن بحكم تطوّر الأحداث و الواقع أو بالتحليل العلمي و المبدئي أنّها أخطاء و رفعوها هم أيضا إلى مصاف المبادئ فألحقوا ضررا ما بعده ضرر بالشيوعية الثوريّة ذاتها . و قد أفرز إنقسام الماويّة على إثنين بروز أشخاص و منظّمات و أحزاب تكتّلت حول الخلاصة الجديدة للشيوعيّة التي صارت معروفة كذلك بالشيوعيّة الجديدة و بوب أفاكيان رئيس الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكيّة مهندسها . و بإعتبار نشرنا سابقا لعديد الوثائق المتّصلة بهذه الشيوعية الجديدة و بالصراعات حولها ، نكتفى هنا بالدعوة بإلحاح للإنكباب على دراسة هذه الخلاصة الجديدة للشيوعيّة و الصراع حولها دراسة جدّية فنحن ندرك و نلمس فعلا حقيقة موضوعيّة هي أنّ الشيوعية في مفترق طرق و أنّ الرهان ليس أقلّ من مستقبل الشيوعيّة الثوريّة عالميّا . و ما نخطّه هنا ليس البتّة مجرد كلام على كلام و قول يحاذى القول و إنّما هو قبل كلّ شيء سواه صدى لحقائق كشف النقاب عنها و أمسك بها كما يمسك بالجمر معلّمو البروليتاريا العالمية منذ عقود و من واجب الشيوعيين و الشيوعيّات إدراكها و إستيعابها و النضال إنطلاقا منها و على أساسها في سبيل تغيير العالم تغييرا شيوعيّا ثوريّا . و حسبنا هنا أن نذكّر بأنّ ماركس بعدُ في " الثامن عشر من برومير لويس بونابرت " قد أعلن أنّه على الثورات القادمة - القرن التاسع عشر قال ، و نحن الآن في القرن الواحد و العشرين ! - أن ترفع النظر و لا تخفضه ، أن ترفعه و تستلهم ليس من الماضي الذى يجب أن تقضي على كلّ " إحترام خرافي " له و إنّما من " المستقبل فحسب ". و في عصرنا هذا ، عصر الإمبرياليّة و الثورة الإشتراكية ، مفاد ذلك ليس تخلّى الشيوعيين و الشيوعيّات عن تراث الحركة الشيوعية العالمية الذى يمثّل المستقبل الذى مني بالهزيمة المؤقّتة في صراعه المرير و حربه المديدة مع الماضى كما ألمح إلى ذلك ماركس في إستشهاد من الإستشهادات أعلاه ، و هذا التراث البروليتاري الثوري ينبغي أن يدرس و أن تستخلص منه الدروس و العبر لإنجاز ما أفضل في قادم الثورات الشيوعية ؛ مفاده هو كما قال ماو تسى تونغ في ما مرّ بنا أنّ الثورات البرجوازيّة القديمة فات أوانها ( الديمقراطية الإشتراكية و الديمقراطيّة البرجوازيّة فات أوانهما فما بالك بالقوميّة و الأصوليّة ! ) و أنّ المستقبل تجسّده الثورة الديمقراطية الجديدة بقيادة البروليتاريا و حزبها الشيوعي الثوري في المستعمرات و المستعمرات الجدية و أشباه المستعمرات كتيّار من تيّاري الثورة البروليتاريّة العالمية و التيّار الآخر هو الثورات الإشتراكية في البلدان الرأسماليّة – الإمبرياليّة . جاء على لسان ماركس منذ 1852 ، في مؤلَّفه الآنف الذكر ( الصفحة 155 من ، ماركس و إنجلس " مختارات في أربعة أجزاء "، الجزء الأوّل ، الطبعة العربيّة دار التقدّم ، موسكو ) : " إنّ ثورة القرن التاسع عشر الإجتماعيّة لا يسعها أن تستمدّ أشعارها من الماضي بل من المستقبل فحسب . إنّها لا تستطيع أن تبدأ بتنفيذ مهمّتها قبل أن تقضي على كلّ إحترام خرافي للماضي . لقد كانت الثورات السابقة في حاجة إلى إستعادة ذكريات ما مضى من حوادث تاريخ العالم لكي تخدع نفسها بشأن محتواها هي بالذات ، أمّا ثورة القرن التاسع عشر فيترتّب عليها لكي تستوضح لنفسها محتواها الخاص أن تدع الموتى يدفنون موتاهم ". و كرّس إنجلز و لينين و ستالين هذا التوجّه الماركسي الشيوعي الثوري الذى أعطى أكله تقدّما لا بل منعرجا عاصفا في تاريخ الإنسانيّة بمكاسبه العظيمة وهي جانبه الرئيسي و بنقائصه و هناته و أخطائه وهي جانبه الثانوي . و صدح ماوتسى تونغ مواصلا السير على خطاهم المبدئيّة بحقيقة ساطعة حمل وزرها على أكتافه و سعى طاقته و رفاقه و رفيقاته من جميع أصقاع العالم ، و ما فتأ يدعو و ما فتئوا يدعون ، إلى تكريسها عمليّا ألا وهي " الماركسية لا بدّ أن تتقدّم ، و لا بدّ أن تتطوّر مع تطوّر التطبيق العملى و لا يمكنها أن تكفّ عن التقدّم . فإذا توقّفت عن التقدّم و ظلّت كما هي فى مكانها جامدة لا تتطوّر فقدت حياتها " . ( ماو تسي تونغ ، " خطاب فى المؤتمر الوطنى للحزب الشيوعي الصيني حول أعمال الدعاية " 12 مارس/ أذار 1957 " مقتطفات من أقوال الرئيس ماو تسى تونغ " ، ص21-22 ) و ينطوى العنوان الفرعي لكتابنا هذا على تحديد دقيق لمن يتمّ الجدال ضدّهم و هم مفكّرون جلّهم أكاديميّون يزعم بعضهم صراحة مناهضة الرأسماليّة و حتّى أحيانا تبنّى الشيوعية و منهم من ناضل في ماضي الأيّام في صفوف الماويين ( مثلا ، ألان باديو الفرنسيّ ) فيما هم يعرضون على القرّاء منظومات أفكار ضارة في جوهرها معادية للشيوعيّة الثوريّة كما يكشف ذلك النقاش العميق و الحيوي لأمّهات أطروحاتهم . و في مناسبات متفرّقة ، قد تولّى مسؤوليّة خوض هذا الحانب من المعركة الإيديولوجيّة الضروريّة و فضح لبّ هذه الأطروحات المشوّهة للشيوعيّة الثوريّة ، الأطروحات " الشيوعيّة دون ثورة " و الموضوعات الخافضة للنظر و التي لا تمثّل أصلا بديلا للرأسماليّة و لا تستهدف " إلغاء نظام العمل المأجور " و المشوّهة لجوهر الماويّة و المتنكّرة لتطوير علم الشيوعيّة إلخ ، تولّى هذه المسؤوليّة الجسيمة أساسا ( بمعيّة نايى دنيا في الكتاب المفرد لنقد أفكار ألان باديو ) منظّران شيوعيّان معروفان في الأوساط الماوية العالميّة من أنصار الخلاصة الجديدة للشيوعية أو الشيوعيّة الجديدة و هما كلّ من ك. ج. أ. و ريموند لوتا . و الأوّل ، ك. ج. أ، حسب موقع مجلّة " تمايزات " ، مجلّة الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتّحدة الأمريكيّة و رابطها على الأنترنت تعثرون عليه في ثنايا هذا الكتاب ، كاتب يساهم بمقالات عميقة و طويلة نسبيّا بمفرده أو بالتعاون مع غيره في أعداد المجلّة ( ساهم في العدد الأوّل و الثاني و الرابع بمقالات قيّمة ) و قد ترجمنا له و نشرنا مقال خطّه بمعيّة إشاك باران هو " آجيث – صورة لبقايا الماضي " ضمن كتابنا " من ردود أنصر الخلاصة الجديدة للشيوعية على مقال " ضد الأفاكيانيّة " لآجيث ". أمّا ريموند لوتا فقد أنف لنا ترجمة أعمال له و نشرها و جاء فى التعريف المقتضب به في مقدّمة كتاب " عن بوب أفاكيان و أهمّية الخلاصة الجديدة للشيوعية تحدّث قادة من الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتّحدة الأمريكيّة " : " أمّا ريموند لوتا فلا شكّ فى أنّ المطّلعين على ما أصدرنا من كتب قد عرفوه لا سيما و قد إنطوى الكتاب 23 على حواره الصحفي المعنون " لا تعرفون ما تعتقدون أنّكم " تعرفون " ... الثورة الشيوعية و الطريق الحقيقي للتحرير : تاريخها و مستقبلنا ". و ريموند لوتا عالم إقتصاد ألّف المقالات فى هذا المجال منذ سبعينات القرن العشرين و مثال ذلك مقال " حول الرؤية المنشفيّة للأزمة : الرأسمالية تعمل فى النهاية " المتوفّر على الرابط التالي : http://bannedthought.net/USA/RCP/TheCommunist/TheCommunist-RCP-04-Summer-Fall1978.pdf و ساهم بمقالات فى مجلّة الحركة الأممية الثوريّة " عالم نربحه " منها مثلا : - " عن ديناميكيّة الإمبريالية و عرقلة التطوّر الإجتماعي " http://bannedthought.net/International/RIM/AWTW/1985-2/index.htm - " التمرّد فى الصين : أزمة التحريفية ...أو لماذا كان ماو تسى تونغ على صواب " http://bannedthought.net/International/RIM/AWTW/1989-14/AWTW-14-ChinaCrisis- وهو صاحب كتاب " إنهيار أمريكا " ألّفه بمعيّة فرانك شانون و كتاب " و خامسهم ماو " و له مقالات لا تحصى و لا تعدّ عن الإشتراكية والتخطيط و العولمة إلخ و من أهمّ نصوص محاضراته التى نشرنا نصّ محاضرة " الإشتراكية أفضل من الرأسمالية و الشيوعية ستكون أفضل حتى ! " ( " الماوية : نظريّة و ممارسة " عدد 2 - عالم آخر، أفضل ضروري و ممكن ، عالم شيوعي ... فلنناضل من أجله !!! ) . و لأكثر من عقد من الزمن الآن ، صار مشرفا أيضا على مشروع " وضع الأمور فى نصابها " أي الدفاع عن الشيوعية فى وجه الهجمات الرجعيّة والإمبريالية و توضيح الحقائق و المكاسب التاريخية – وهي الرئيسيّة – فى تراث البروليتاريا العالمي و تجاربها الإشتراكية السابقة و نقد بعض الأخطاء متّبعا فى ذلك كما يقول هو نفسه قيادة بوب أفاكيان و مطبّقا ما توصّلت إليه الخلاصة الجديدة للشيوعية . و موقع إنترنت " هذه هي الشيوعية " يشهد بذلك : www.thisiscommunism.org " . و متّبعين في عرض النصوص المستقاة من مجلّة " عالم نربحه " مجلّة الحركة الأممية الثوريّة كمنظّمة عالميّة وحّدت إلى 2006 أهمّ الأحزاب و المنظّمات الماويّة في العالم ، أو من مجلّة الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكيّة " تمايزات " أو من جريدة هذا الحزب عينه " العامل الثوري " التي صارت منذ 2005 تحمل إسم " الثورة " ، ترتيبا تاريخيّا . و مهّدنا لجدالات هذا المصنّف الجديد الدسمة بفصل أوّل يعاد فيه التذكير بقصّة " بيان الحزب الشيوعي" و نقاطه المحوريّة التي لا تزال تشكّل منارات لمن يتطلّع لإدراك أوجه من جوهر المشروع الشيوعي الثوريّ . و قد شملت النقاشات التي تستدعى لا محالة القراءة و التفحّص بتؤدة و تمعّن و التأملّ مليّا و التحلّى بالفكر النقديّ قضايا إيديولوجيّة منها و سياسيّة عدّة في غاية الأهمّية تتعلّق بالتغيّرات التي طرأت على الواقع الموضوعي و بالتجربة التاريخيّة للحركة الشيوعيّة العالميّة و بماهيّة الماويّة و إنقسامها إلى إثنين و نحو ذلك مثلما يمكن للقرّاء تبيّن هذا حتّى من نظرة أولى على محتويات هذا المصنّف . و محتويات هذا الكتاب 29 ، أو العدد 29 من " الماويّة : نظريّة و ممارسة " إضافة إلى هذه المقدّمة : 1- الفصل الأوّل : لا يزال " بيان الحزب الشيوعي " صحيحا و خطيرا و أمل الذين لا أمل لهم -1- قصّة " بيان الحزب الشيوعي " - منظّمة شيوعيّة جديدة ، بيان شيوعي جديد سلاح لخوض النضال - بيان من أجل حركة عالميّة جديدة - -2- " بيان الحزب الشيوعي " اليوم لا يزال صحيحا و لا يزال خطيرا و لا يزال أمل الذين لا أمل لهم - وثيقة تغيّر التاريخ - ماركس بشأن صعود البرجوازية و مهمّتها - الرأسماليّة اليوم - عالم مغاير ممكن - النظرة الشيوعية - معالم ثلاث لقضيّتنا - الثورة الثقافيّة تكتسح أرضا جديدة - إمتلاك أفق تاريخي 2- الفصل الثاني : حول " الإمبراطوريّة " : الشيوعية الثوريّة أم " الشيوعية " دون ثورة ؟ I- الإمبريالية أم " الإمبراطوريّة " ؟ II ـ ما هي الرأسماليّة ؟ - ما الذى يدفع الإمبريالية إلى الأمام ؟ - قوى الإنتاج و علاقات الإنتاج - ما الذى يدفع ماذا ؟ - إعادة إحياء نظريّة روزا لكسمبورغ - سيادة وحيدة ؟ III- التحرّر الوطني و الدولة - الإمبرياليّة و أنماط الإنتاج ما قبل الرأسماليّة - التحرّر الوطني ـ لا يزال مهمّة من مهام البروليتاريا - تواصل أهمّية الفلاّحين و المسألة الزراعيّة – قانون القيمة و " العمل غير المادي " IV - تحليل طبقي مضطرب - أجر مضمون إجتماعيّا V – الديمقراطية و الفوضويّة و الشيوعيّة - الديمقراطية و الحكم الطبقي - إضمحلال الدولة ... في ظلّ الرأسماليّة ! 3- الفصل الثالث : ألان باديو و دكتاتورية البروليتاريا أو لماذا يساوى نبذ " إطار الدولة - الحزب " نبذا للثورة - لماذا تصلح الدولة الإشتراكية وكيف ستضمحلّ و لماذا ينتهى ألان باديو إلى جانب الدولة البرجوازية I 1- ملاحظة سريعة عن الفلسفة 2- ألان باديو لاطبقية الدولة و الشكلانية - الحزب فى المجتمع الإشتراكي : " غير ملائم " أم وسيلة للتحرير ؟II 1- مرّة أخرى عن روسو و التمثيليّة 2- " الخضوع البيروقراطي اللاطبقي " أم مرّة أخرى ، هل الخطّ هو الحاسم ؟ 3- القيادة الشيوعية المؤسساتيّة و تناقض القادة – المقادين و رأي الخلاصة الجديدة بهذا الصدد 4- الفصل الرابع : القدح في الشيوعية و التزلّف للإمبريالية - تزييف سلافوج تزتزاك للحقائق و جلبه العار لنفسه - تحدّيات حقيقيّة و بدائل حقيقيّة و مسؤوليّات حقيقيّة I II- يرفض الخوض في الخلاصة الجديدة للشيوعية لبوب أفاكيان بينما يهاجمها هجوما غير مسؤول III – مناهضة مسعورة للشيوعيّة تلبس قناع التفكير الجديد IV – موقف تزتزاك المعادي لمناهضة الإمبرياليّة - خاتمة : تصفية حساب و دعوة إلى نقاش جريئ و صريح V - ملحق : سلافوج تزتزاك أحمق متعجرف يتسبّب في ضرر كبير 5- الفصل الخامس: فهم الماويّة فهما علميّا و الدفاع عنها بصلابة و تطويرها ، بهدف بلوغ مرحلة جديدة من الشيوعية : أفكار جداليّة حول مقال برنار دى مالو " ما هي الماويّة ؟ " مفهوم دى مالو للماويّة : نهاية مرحلة و بداية مرحلة جديدة : الديمقراطيّة الراديكاليّة أم الشيوعيّة العلميّة : المساهمات الخالدة لماو تسى تونغ : الصراع من أجل الدفاع عن ماو تسى تونغ و إرساء أرضيّة مزيد التقدّم : ماو ( و ماركس ) ك " ديمقراطيّين راديكاليّين " : الخلط بين الشيوعيّة و الديمقراطيّة : تجاهل دروس الثورة الثقافيّة البروليتاريّة الكبرى : الثورة الوطنيّة الديمقراطيّة : ما معنى القيادة البروليتاريّة ؟ ماركسيّة العالم الثالث ؟ الخطّ الجماهيري : " الممارسة معيار الحقيقة " : ملاحظات نهائيّة : -+++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++- الفصل الخامس:
فهم الماويّة فهما علميّا و الدفاع عنها بصلابة و تطويرها ، بهدف بلوغ مرحلة جديدة من الشيوعية : أفكار جداليّة حول مقال برنار دى مالو " ما هي الماويّة ؟ " ك. ج. أ. مجلّة " تمايزات " عدد 2 / 2014 www.demarcations-journal.org ------------------------------ بمقاله " ما هي الماويّة ؟ " في الأسبوعيّة الإقتصاديّة و السياسيّة ، وضع برنار دى مالو قضايا هامة على طاولة النقاش . و كان هدف ذلك المقال تشخيص المساهمات المميّزة و النوعيّة لماو تسى تونغ ، " الميزات الخاصة " لماو تسى تونغ بكلمات دى مالو ، وعلى هذا النحو تعيين حدودها كنظريّة منسجمة ، واضعا إيّاها ضمن التيّار الأكبر للشيوعيّة . و يجتهد دى مالو للإنطلاق من وجهة نظر ما يحرّر الذين يقبعون في قاع المجتمع . مقال تلك المجلّة الأسبوعيّة جزء من مجموعة مقالات عنوانها " ما هي الماويّة و بحوث أخرى " ، نشرت مع مقدّمة لدى مالو (1) و تستهلّ المقدّمة بالتالى : " هذا الكتاب تحرّكه رغبة إعادة إحياء فكرة عن الإشتراكيّة تضع في المصاف الأوّل التحرير و تلبية حاجيات الإنسانيّة الأساسيّة للذين يتعرّضون لأكبر إستغلال و أكبر إضطهاد و أكبر هيمنة على هذه الأرض " . لنشر هذا البحث في واحدة من أهمّ مجلاّت المثقّفين التقدّميين في الهند دلالته في هذه اللحظة حيث تنكبّ الدولة الهنديّة على حملة منسّفة من الإرهاب ضد الحركة الثوريّة و الماويّة ، مخصّصة قوّاتا عسكريّة و شبه عسكريّة لتحطيم الحركة متابعة و مغتالة خارج القانون قادة و مطلقة قمعا وحشيّا ضد كلّ من ترى أنّه يساند الماويين ، و مسلّحة مجرمين رجعيين لإرهاب المناطق التي تساند الحركة بما في ذلك بالإغتصاب و القتل بلا تفرقة ، و باثّة مغالطات إعلاميّة و إفتراءات عبر القنوات الرسميّة و عبر وسائل الإعلام الرئيسيّة . و تهلّل القوى الإمبرياليّة لهذه الحملة الإرهابيّة بما فيها إلغاء الإحتجاجات الضروريّة ضد دوس حقوق الإنسان . و يجرى كذلك النقاش حول الماويّة في إطار عالم من الفظائع و من اللامساواة الملحوظة و المتصاعدة و من إمكانيّات وليدة برزت في الإنتفاضات الحديثة في شمال أفريقيا و الشرق الأوسط أو ظاهرة إحتلال الشوارع في الولايات المتحدة و حركات مشابهة في مختلف البلدان الأخرى . و من المهمّ أنّ في هذا الظرف التاريخي العالمي ، يشرع البعض من جديد في البحث في الماويّة و الشيوعيّة الثوريّة و كيف يُقيم تاريخ الثورات الشيوعيّة للقرن العشرين ؟ هل يمكن إعتبار الماركسيّة علما صحيحا ؟ هل تمثّل الشيوعية الطريق الذى بواسطته تستطيع الإنسانيّة بلوغ التحرّر ؟ هذا هو الإطار الذى جلبت فيه الماويّة الإنتباه – ليس فحسب كتمرين أكاديمي بل كروح أطروحة ماركس حول فورباخ : " لم يفعل الفلاسفة سوى تفسير العالم بطرق مختلف في حين أنّ المسألة هي مسألة تغييره " ، التي ألمح إليها دى مالو نفسه . (2) و هذا النقاش المتجدّد للماويّة بلا شكّ إيجابي جدّا . لكن بالتحديد نظرا إلى أهمّية ما هو موضع رهان بالنسبة لمستقبل الحركة الثوريّة و الحركة الشيوعيّة العالمية ، من الحيويّ تفحّص تام لمحتويات هذه المحاججات . فدون رسم خطوط تمايز – بين الشيوعيّة كعلم حيّ ، نقديّ و ثوريّ في خدمة تحرير الإنسانيّة من جهة ، و البرامج التي لا يمكن أن تؤدّي إلى التحرير ، من الجهة الأخرى – لن يكون ممكنا الحصول على الفهم و الوضوح المطلوبين لتغيير العالم تغييرا راديكاليّا . ما يمكن أن يبدو الآن مسائلا نظريّة مجرّدة تحتوى على مسائل حيويّة ستطرح في الصراع السياسي العمليّ القادم .
مفهوم دى مالو للماويّة : الإستنتاج المحوري لدى مالو و خطؤه المحوري الذى سيكون لنا المزيد من الحديث أدناه ، هي أنّ ماو كان " ديمقراطيّا راديكاليّا " و إستنتاجه هو منسجم كذلك مع " الميزات الخاصة " التي يشخّصها دى مالو على أنّها الماويّة . و هذه بعبارات دى مالو هي : - " يمثّل الفلاّحون الفقراء في مجتمع رأسمالي / شبه إقطاعي متخلّف و ليس البروليتاريّون المدينيّون القاعدة الجماهيريّة للحركة ، - تعنى نظريّة الثورة على مراحل و كذلك الثورة المستمرّة صلة وثيقة بين المراحل المتتابعة ، - مرحلة الثورة الديمقراطيّة الجديدة التي تجعل الرأسماليّة أكثر تناسبا مع الديمقراطيّة ، مساعدة هكذا على الإنتقال إلى الإشتراكيّة ، - طريق و إستراتيجيا حرب الشعب الطويلة الأمد التي تتركّز في صفوف الفلاّحين و تنشئ قواعد إرتكاز ريفيّة ، و تكرّس " الأرض لمن يفلحها " و سياسات إجتماعيّة أخرى في هذه المناطق ( المحكومة ديمقراطيّا بدول صغيرة مكتفية ذاتيّا ) مشيّدة هكذا قاعدة سياسة جماهيريّة في الريف لمحاصرة المدن و في النهاية إفتكاكها ؛ - مفهوم " قواعد الإرتكاز " و شكل إرسائها ؛ - " إفتكاك " ( بكسب دعم الجماهير ) المدن مع إبداء شكل من القوميّة مناهض حقيقة للإمبرياليّة ، معيدا هكذا توجيه أوج القوميّة الجماهيرية الموجودة ( مثلما حصل أثناء حرب المقاومة ضد اليابان في 1937- 1945 في الصين ) نحو إتمام ثورة الديمقراطية الجديدة ، - المركزيّة الديمقراطيّة إضافة إلى " الخطّ الجماهيري " ، ضامنين أن لا ترتهن " الديمقراطيّة " ب " المركزيّة " و ضامنين أن يساهم الشعب في تحديد السياسات و في تطبيقها ، - الفكرة المركزيّة لكون التناقضات – صراع الأضداد الموحّد و الوظيفي – في كلّ مرحلة تدفع سيرورة التطوّر بإتّجاه الإشتراكيّة ، ما سيتحقّق في سلسلة من المراحل حيث تكون المرحلة الراهنة ، في الوقت المناسب ، تحمل بذورا هجينة للمرحلة التالية ، و على هذا النحو تحلّ التناقضات البارزة للأولى و تمثّل بداية الثانية ، - الترابط المفتوح داخل و بين قوى الإنتاج و علاقات الإنتاج و البنية الفوقيّة ، و - فكرة أنّ من يمسكون بالسلطة في السياسة و الإدارة و البيروقراطيّة يتخندقون كنخبة حاكمة و خلال فترة زمنيّة ، يحتلّون موقع الطبقة الإستغلاليّة الجديدة و أنّه بإستمرار يجب تعبئة الجماهير للنضال ضد هذه النزعة " (3). تعانى قائمة دى مالو من عدم قدرته الجوهريّة على فهم ماو و موقعه و تقييمه كشيوعي ثوري . يعرض دى مالو ما يفهمه على أنّه مساهمات ماو ضمن حزمة من خلالها يقلّص ماو إلى ديمقراطي يعتمد على الفلاّحين ، ضرب من الشعبويّة الذى يتحرّك حسب مصالح الجماهير وهو مستعدّ على الدوام لسماعها ( هذا هو تأويل دى مالو ل " الخطّ الجماهيري " كما يقدّمه في مقاله ، وهو أمر سنعود إليه لاحقا ) . هناك تماثل بين السيرورة الضروريّة التي قادها ماو ( ثورة الديمقراطيّة الجديدة ) و خصوصيّات بناء قواعد مساندة ريفيّة و الإعتماد على الفلاّحين إلخ من جهة و من الجهة الأخرى ، الإيديولوجيا التي مثّلها ماو و التي بحث عن طبعها كخطّ و توجّه يقودان كامل السيرورة الثوريّة . حتّى عندما يمكن أن يبدو أنّ دى مالو يقترب من المساهمة الأكثر جوهريّة لماو ، مثلا . إنشغاله ب " النخبة الحاكمة " و ضرورة تعبئة الشعب ضدّها ، فإنّ الإندفاع " الديمقراطي الراديكالي " يُبعد دى مالو عن فهم صحيح و علمي للطبقات و للصراع الطبقي كما يوجدان في ظلّ الإشتراكيّة . و مثلا ، يستشهد دى مالو ب " النخبة الحاكمة " المتخندقة بدلا ممّا سمّاه ماو " أتباع الطريق الرأسمالي " و " البرجوازيّة في صفوف الحزب " . و بالفعل ، هذا النوع من التوصيف خارج الطبقات ل " نخبة حاكمة " يمكن أن يلتقي بسهولة مع النقد الشائع المعادي للشيوعيّة للحزب طليعي و حتّى مع رؤية ماو تسى تونغ ذاته على أنّه مفترض جزء من مثل هذه " النخبة الحاكمة " . و السؤال الحقيقي هو السؤال التالى : أي خطّ و من هم الممثّلون السياسيّون الذين يهيمنون ، أيّة سياسات و تغييرات ستحدث و بالتالى ، في الجوهر ، أيّة طبقة ستمسك بالسلطة ؟ يمكننا رؤية تعارض واضح بين الطريقة التي يشكّل بها دى مالو ماو كديمقراطي راديكالي ( فارضا في الحقيقة فهمه الخاص للعالم على ماو ) و دراسة علميّة للتناقضات الماديّة ، السياسيّة و الإيديولوجيّة للمجتمع الإشتراكي . إستمرار اللامساواة والإنقسامات المميّزة للمجتمع الطبقي ، بما في ذلك المجتمع الإشتراكي الذى وُجد إلى حدّ الآن كمجتمع إنتقالي، يتطلّب بعدُ أن تكون لبعض الناس ) " تأثير لامتساوي " نسبة إلى عموم الجماهير . في ظلّ الإشتراكيّة يظلّ قائما التناقض بين " القادة و المقادين " الذى يتضمّن إمكانيّة أن يتغيّر إلى تناقض بين المستغِلّين و المستغَلّين . هذه بعض المسائل التي تفحّصها بوب أفاكيان ، رئيس الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكيّة ، بصفة متكرّرة و من زوايا مختلفة طوال أربعة عقود . (4) و ترسم الخلاصة الجديدة للشيوعيّة طريق إمكانيّة تجاوز هذه التناقضات بموجات متتابعة و في إطار سيرورة معقّدة سيشهدها التقدّم بالثورة البروليتاريّة . إنّ المفاهيم الخاطئة و السطحيّة لدى مالو عن " الديمقراطيّة الراديكاليّة " لا يمكن حقّا أن تتطرّق للتناقضات الحقيقيّة التي تجعل من الضروري وجود دولة ، و طليعة و قادة طوال فترة تاريخيّة كاملة ، و كيف ، عبر الثورة التامة ، يمكن تخطّى هذه التناقضات . و ينبغي أن يتمحور تحليل حقيقي للماويّة حول نظريّة ماو ل " مواصلة الثورة في ظلّ دكتاتوريّة البروليتاريا " و الممارسة التي قادتها هذه النظريّة ( لا سيما الثورة الثقافيّة البروليتاريّة الكبرى ) . و يمثّل مثل هذا التحليل جزءا حيويّا من صياغة الخلاصة الجديدة . و تشمل الخلاصة الجديدة لأفاكيان و تعيد صهر أطروحات ماو حول " مواصلة الثورة في ظلّ دكتاتوريّة البروليتاريا " و تقدّم توجّها أساسيّا لكيف يمكن لطليعة شيوعيّة أن " تنجز ما هو أفضل " في قيادة الجماهير في تغيير المجتمع بإتّجاه المستقبل الشيوعي . إنّ إعادة تشكيل الحزمة الماويّة التي يقوم بها دى مالو على أنّها " ديمقراطيّة راديكاليّة " ستحرم البروليتاريا من الدروس الحيويّة التي يمكن أن يكون ماو قد إستخلصها . إنّها لا تدفع إلى الأمام ، إنّها تراجع كبير نحو الماضي . و يختم دى مالو بحثه بدعوة : " نظرا للخيط الديمقراطي الراديكالي الذى يمضى من ماركس إلى ماو ، أفضل ما تستطيع الماويّة فعله هو الإلتزام بوعد الديمقراطيّة الراديكاليّة ؛ فبعد كلّ شيء ، إن كان من الأكيد أنّه لن توجد حرّية بأي معنى هام دون مساواة ، لأنّ الأغنياء بلا شكّ سيكونون أكثر " حرّية " ( لديهم أكثر خيارات ) من الفقراء ، فلا يمكن أن توجد مساواة دون حرّية ، لأنّه عندها سيكون لدي البعض سلطة سياسيّة أكبر من الآخرين . إلى حدّ الآن ، كافة الثورات التي ألهمتها الماركسيّة لم تتمتّع بمساندة و مشاركة إلاّ أقلّية لها دلالتها . هل يمكن للإلتزام بديمقراطيّة راديكاليّة أن يفرز تيّارا للحصول على مساندة الأغلبيّة ؟ هل يتمّ عندئذ إختيار الوسائل إختيارا بعناية على نحو لا يجعلها تخنق التطلّع الإشتراكيّ ؟ " (5) يؤوّل دى مالو الماويّة على أنّها تسعى إلى " إثراء السيرورة الديمقراطيّة في الحزب اللينيني و المنظّمات الجماهيريّة و المجتمع " . وهو يؤكّد بصفة متكرّرة بأنّ للماويّة " جذور في ماركس الذى كان بالأخصّ ديمقراطيّا راديكاليّا " . و يحذّر من أنّه " ما ليس ديمقراطيّا لا يمكن أن يكون إشتراكيّا " . و تلتقى هذه الدعوات إلى الديمقراطيّة ، إلى الديمقراطيّة الراديكاليّة ، في الحال مع " مساواة في السلطة السياسيّة " و نجد صداها العميق في الموضة السائدة . فحيثما نظر المرء بما في ذلك في صفوف الحركات الإجتماعيّة الراديكاليّة ، الحرّية و التحرّر يُنظر إليهما ضمن إطار و آفاق و لغة المساواة و الديمقراطيّة – منظور إليهما بدرجة كبيرة كتركيز و توسيع شاملين للمساواة الراديكاليّة . في عالم من اللامساواة الساحقة ، يمكن فهم هذا ؛ لكن بغرض فهم لماذا يقع نثر " الديمقراطيّة " و يعاد تعليبها على أنّها شيوعيّة و فهم خطر هذا التوجّه ، من الضروري المضيّ إلى ما وراء الظواهر و موقع فهم دى مالو للماويّة و مشروعه السياسي مثلما هو مكثّف في الدعوة أعلاه ، في اللحظة التاريخيّة الراهنة و الظرف الراهن للشيوعيّة . نهاية مرحلة و بداية مرحلة جديدة : لم يوجد أي بلد إشتراكي في العالم منذ هزيمة الإشتراكيّة في الصين سنة 1976 إثر وفاة ماو تسى تونغ و إعادة تركيز الرأسماليّة بقيادة دنك سياو بينغ . لقد سجّلت هذه الهزيمة نهاية الموجة الأولى من الثورات الشيوعيّة و المجتمعات الإشتراكيّة – التي بدأت مع كمونة باريس سنة 1871 التي لم تعمّر طويلا ؛ تلتها الثورة البلشفيّة لسنة 1917 بقيادة لينين و إنشاء الإتحاد السوفياتي كمجتمع إشتراكي ( من 1917 إلى أواسط خمسينات القرن الماضى ، إلى حين أعاد خروتشوف تركيز الرأسماليّة ) ؛ و إنتصار الثورة الصينيّة سنة 1949 و بناء المجتمع الإشتراكي بقيادة ماو تسى تونغ إلى وفاته سنة 1976 . و هذه التجربة التاريخيّة للمحاولات الأولى للثورة البروليتاريّة لتحرير الإنسانيّة ، على جانب التقدّم و التطوّر النوعيّين في النظريّة الشيوعيّة منذ ماركس و إنجلز مرورا بلينين و ماو ، لم تحسّن بصفة كبيرة ظروف حياة مئات ملايين الناس فحسب بل أرست و خطّت طرقا جديدة و راديكاليّة نحو عالم مغاير و أفضل راديكاليّا . (6) كانت الثورة الثقافيّة البروليتاريّة الكبرى في الصين قمّة هذه التجربة الثوريّة للمرحلة الأولى من الثورات الشيوعيّة و المجتمعات الإشتراكيّة . و قامت هذه الثورة على التحليل النظري لماو بأنّ التناقضات التي تميّز بإستمرار المرحلة الإنتقاليّة الإشتراكيّة و التي تطرح بإستمرار مسألة التقدّم على الطريق الإشتراكي أو العودة إلى الطريق الرأسمالي . و بطبيعتها المضطربة ، كانت مهمّة الثورة الثقافيّة هي الإطاحة بأتباع الطريق الرأسمالي في الصين لكن غايتها كما أبرز ماو(7)، كانت أكبر حتّى : تغيير فهم الناس للعالم ، والتوسّع إلى كافة مظاهر المجتمع و ملامسة روح الناس ذاتها، كجزء مركزي من التقدّم بالتثوير العظيم لكافة جوانب المجتمع . و أثناء هذه الثورة الكبرى ، ظهرت الماركسية – اللينينيّة – الماويّة و تمّ الإعتراف بها من قبل الحزب الشيوعي الصيني على أنّها " مرحلة جديدة و أرقى " من الشيوعيّة الثوريّة ( رغم أنّه الشيوعيين في الصين و في العالم قاطبة زمنها كانوا يستخدمون مصطلح فكر ماو تسى تونغ ) . و عقب عقد من النضال البطولي و التغييرات الجذريّة ، إنتهت الثورة الثقافيّة مع وفاة ماو سنة 1976 و ما تلاه من إنقلاب مضاد للثورة وضع أتباع الطريق الرأسمالي في السلطة و فتح الأبواب أمام إعادة تركيز الرأسماليّة بسرعة على يد الحكّام الجدد بقياد دنك سياو بينغ . و منذ إعادة تركيز الرأسماليّة في الصين سنة 1976 ، و حتّى بصفة أحدّ عقب إنهيار التحريفيّة و الإمبرياليّة الإشتراكيّة السوفياتيّة و كتلتها مع نهاية ثمانينات القرن الماضي ، شاهدنا كذلك عقودا ثلاثة من الثورة المضادة العنيدة ) و الإفتراءات و التشويهات كان في أثنائها " كلّ شيء صالح " ضد هذه التجارب الإشتراكيّة كجزء من هجوم إيديولوجي أوسع من طرف حرّاس النظام الإمبريالي العالمي . و توجّه هذا الهجوم الإيديولوجي ضد أعظم تطوير أنجزه ماو لمجموع الشيوعيّة الثوريّة إلى مرحلة ماركسيّة – لينينيّة – ماويّة و نجم عن كلّ هذا خفض الأنظار في صفوف القوى الثوريّة و التقدّميّين الراديكاليين الذين إعتقدوا أنّ عالما مغايرا راديكاليّا غير ممكن و ربّما حتّى ليس مرغوبا فيه . و صار القبول بالأسس الماديّة و الإيديولوجيّة للعالم كما هو كأمر واقع بطرق غير مباشرة و ( على الأقلّ أحيانا ) بصورة غير واعية بما في ذلك في صفوف الذين يفزعهم حقّا هذا الظلم في العالم . بمعنى ما ، سواء أدركنا ذلك أم لم ندركه ، نعانى جميعا من خسارة الصين ، من هزيمة هذه التجربة و غياب مثال حيّ لدولة و مجتمع إشتراكيين حقيقيين يناضلان في سبيل التقدّم بإتّجاه الشيوعيّة . و قد أثارت نهاية هذه المرحلة أسئلة كبرى : كيف نقيّم هذه المرحلة و نلخّص هذه التجربة الثريّة للثورة البروليتاريّة و مكاسبها و حدودها ؟ و موضوعيّا ، سيواجه هذه الأسئلة كلّ فرد و كلّ قوّة تحلّل كيفيّة إنجاز التغيير الجذريّ للمجتمع . هل أنّ المجتمع الإشتراكي هدف قابل للتحقيق و مرغوب فيه ؟ و إن كان الأمر كذلك ، كيف نتقدّم و ندخل مرحلة جديدة من الثورة الشيوعيّة ؟ يتعيّن النظر في مقال دى مالو من هذا الأفق . يقدّم " الشيوعية : بداية مرحلة جديدة – بيان للحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكيّة " المعيار التالى لتقييم و تلخيص التجربة التاريخيّة لثورات القرن العشرين : " المرحلة الأولى من الثورة الشيوعيّة مضت بعيدا ، وحقّقت أشياء ملهمة لا تصدّق ، القتال من أجل تجاوز العراقيل الواقعية حقّا التى واجهتها و فى التقدّم صوب عالم حيث سيتمّ فى النهاية القضاء على العلاقات الإستغلالية والإضطهادية وسيتمتّع الناس ببعد جديد من الحرّية وسيأخذون على عاتقهم وسينجزون تنظيم ومواصلة تغيير المجتمع فى كافة أنحاء العالم ، بمبادرة واعية وطوعية غير مسبوقة فى تاريخ البشرية . لكن ليس بالأمر الغريب أن وجدت أيضا نواقص هامة وأخطاء حقيقيّة وأحيانا أخطاء جدّية للغاية ، فى كلّ من الخطوات العمليّة التى إتّخذها قادة تلك الثورات والمجتمعات الجديدة التى ولدت وفى مفاهيمهم ومناهجهم . وهذه النواقص والأخطاء ليست سبب هزائم المحاولات الأولى للثورة الشيوعية لكنّها ساهمت و إن كان بصورة ثانوية فى تلك الهزائم وأبعد من ذلك كلّ هذه التجربة للمرحلة الأولى بكلّ من إنجازاتها الملهمة حقّا وأخطائها ونواقصها الحقيقية جدّا وأحيانا الجدّية جدّا، حتّى وإن كانت عموما ثانويّة ، ينبغى التعلّم منها بعمق من كلّ الجوانب لأجل إنجاز الثورة الشيوعية فى الوضع الجديد الذى ينبغى أن نواجهه والقيام بما هو أفضل هذه المرّة. " (8) و قد أنجز بوب أفاكيان هذا الأمر بالذات و طوّر أعمالا كبرى تبحث بدقّة و بطريقة علميّة في هذه الأسئلة ، و قد قام بالعمل العسير لتشخيص نقاط القوّة و نقاط الضعف في المنهج و المقاربة المستخدمين قبلا من قبل الحركة الشيوعيّة عائدا المرّة تلو المرّة إلى تدقيق النظر في هذه التجارب و تفحّصها بأشكال متباينة ، للقيام بما هو أفضل في المرّة القادمة ، و كانت نتيجة كلّ هذا رؤية جديدة و راديكاليّة للمرحلة الإنتقاليّة الإشتراكيّة بمثل هذا الفهم الجديد لدكتاتوريّة البروليتاريا بالإنتقال من الإشتراكيّة إلى الشيوعيّة ، جزءا محوريّا لخلاصة جديدة للشيوعيّة ، إطار نظريّ للمرحلة الجديدة للثورات الشيوعيّة . و في تعارض مع الخلاصة الجديدة لأفاكيان وُجدت إجابتان تمثّلان " وجها مرآة " الواحد يشبه الآخر ، لبعض الذين كانوا جزءا من الحركة الشيوعية العالميّة . الإجابة الأولى هي فهم للشيوعيّة يتشبّث إلى درجة كبيرة بصفة غير نقديّة ، بصفة تقريبا دينيّة و دغمائيّة ، للتجربة الإشتراكيّة و النظريّة الشيوعيّة السابقتين ، أو على الأقلّ لأجزاء منها ، نابذين المقاربة العلميّة لتلخيص الماضي و التقدّم أكثر بالنظريّة الشيوعيّة . و الإجابة الثانية تنبذ بشكل واضح الماركسيّة أو تجعلها غير قابلة للمعرفة ، و تعود إلى القرن 18 لتتبنّى المثل العليا الديمقراطيّة و المساواتيّة و الأنماط الإجتماعيّة لحقبة صعود البرجوازيّة ، و الفلاسفة و المنظّرون السياسيّون كجون جاك روسو و توماس جيفرسون . و تارة تستبعد حتّى كلمة الشيوعيّة و طورا ، تضيف نعت " الشيوعيّة " لمشروع سياسي يمدّ جذوره بصلابة داخل حدود مبادئ الديمقراطيّة - البرجوازيّة . و مثل هذه القوى تنبذ التحاليل العلميّة حقّا لتناقضات المرحلة الإنتقاليّة الإشتراكيّة و تطبّق معاييرا ديمقراطيّة برجوازيّة و تنأى بنفسها عن التقدّم غير المسبوق في تحرير الإنسانيّة المتمثّلة في الثورتان البلشفيّة و الصينيّة . عامة ، يبتلع المفهوم الثاني إبتلاعا تاما الحكم البرجوازي بأنّ المجتمعات الإشتراكيّة في الإتحاد السوفياتي و الصين في القرن العشرين كانت في الأساس بيروقراطيّة و تسلّطيّة و مبتورة بصفة قاتلة – و تنبذ ما يسمّيه بعض متبنّيها إطار " الحزب – الدولة " ، يعنى ضرورة إفتكاك السلطة و إرساء دكتاتوريّة البروليتاريا كمرحلة إنتقاليّة إلى الشيوعيّة ، و ضرورة قيادة حزب طليعي طوال كامل هذه السيرورة . و في صفوف هؤلاء الأكاديميين و الملاحظين المثقّفين للحركة الشيوعيّة مثل دى مالو ، من الشائع أكثر أن تسيطر الأطروحة الخاطئة الثانية ، يعنى النبذ " الديمقراطي البرجوازي " للماركسيّة و إعادة تأويلها . لكن مثلما يشرح ذلك بيان الحزب الشيوعي الثوري ، تمثّل كلّ واحدة من هتين الإجابتين نوعا من وجه المرآة الشبيه بالوجه الآخر و من العادي رؤية خطأ يتحوّل إلى آخر ، و عامة تتحوّل الدغمائيّة إلى تحريفيّة فجّة و إشتراكية ديمقراطيّة . في خضمّ هذا المقال سنتفحّص أكثر كيف أنّ بعض الأخطاء السياسيّة و المنهجيّة القديمة جدّا صلب الحركة الماويّة قد خلقت أساسا لنوع من " الماويّة " يعتبر دى مالو أنّه إكتشفه و يمكن أن يوجد في تناغم مع " ماويّة " أكثر دغمائيّة لكن خاطئة هي الأخرى ، وقد وُجدت أيضا على المستوى العالمي . ومجال يمكن فيه لدغمائيّة البعض أن تتزوّج الإشتراكيّة الديمقراطيّة لآخرين يمكن ملاحظتها في نزعة تقليص" الماويّة " إلى مجرّد وصفة لخوض حرب الشعب في بلد من بلدان ما يسمّى بالعالم الثالث و عدم المسك أو التقييم العلمي للمساهمات الكبرى لماو تسى تونغ ، و فهمه الأعمق للإشتراكيّة كمجتمع إنتقالي نحو الشيوعيّة و تحليله الرائد لخطر إعادة تركيز الرأسماليّة و قاعدة وجودها في المجتمع الإشتراكي و نضاله لمنع حصول ذلك . و كما يشير بيان الحزب الشيوعي الثوري ، حتّى في صفوف الذين يدافعون عن الثورة الثقافيّة الصينيّة ، أولئك الذين ينزعون نحو " وجهي المرآة " عامة " لا يملكون أي تحليل عميق أو جدّي للماذا كانت الثورة الثقافيّة ضروريّة و لماذا و بأي مبادئ و أهداف أطلقها و قادها " . هناك عدّة تنويعات من مزج الأخطاء يمكن أن تصدر عن " وجهي المرآة " . و في حال دى مالو، " الماويّة " يُعاد تشكيلها كحزمة ديمقراطيّة راديكاليّة إضافة إلى نظريّة حرب الشعب ، وهي أطروحة تتعارض بوضوح مع الشيوعيّة الحقيقيّة مثلما تقدّمت بها نوعيّا و رفعتها الماويّة إلى مستويات جديدة ( أو لنكون أدقّ ، الماركسية – اللينينيّة – الماويّة ) و مذّاك أعيدت صياغتها وتمّ التقدّم بها بـأكثر علميّة مع الخلاصة الجديدة لبوب أفاكيان . هتان هما الحزمتان المتنازعتان ، لبّ جدالنا مع دى مالو .
الديمقراطيّة الراديكاليّة أم الشيوعيّة العلميّة : على عكس مقاربة دى مالو و آخرين كُثر مثله الذين ينظرون إلى الخلف نحو المثل العليا البرجوازيّة للقرن 18 معيدين بما في ذلك صياغة الشيوعيّة كديمقراطيّة راديكاليّة الذين يبحثون عن تغيير ثوري حقيقي يجب أن يشدّدوا على مقاربة علميّة تماما للمرحلة الأولى من الثورات الشيوعيّة ، ليس إنطلاقا من معايير و مفاهيم الشرعيّة الديمقراطيّة البرجوازيّة و إنّما من وجهة نظر التناقضات الحقيقيّة المواجهة في تغيير المجتمع و التقدّم نحو الشيوعيّة . إنّ المكاسب و النقائص في الممارسة و الفهم يجب رؤيتهما من هذا الأفق . و الآن من الضروري و الممكن النظر في كلّ مدى المرحلة الأولى من الثورة الشيوعيّة و النظريّة التي قادتها و على وجه الضبط في ما يتصل ببلوغ هدف الشيوعيّة . و قد حدّد ماركس المشروع الشيوعي على النحو التالى : " هذه الإشتراكية إعلان للثورة المستمرّة ، الدكتاتورية الطبقية للبروليتاريا كنقطة ضروريّة للقضاء على كلّ الإختلافات الطبقيّة ، و للقضاء على كلّ علاقات الإنتاج التى تقوم عليها و للقضاء على كلّ العلاقات الإجتماعيّة التى تتناسب مع علاقات الإنتاج هذه ، و للقضاء على كلّ الأفكار الناجمة عن علاقات الإنتاج هذه ".( كارل ماركس : " صراع الطبقات فى فرنسا من 1848 إلى 1850" ، ذكر فى الأعمال المختارة لماركس و إنجلز ، المجلّد 2 ، الصفحة 282 ). (9) و خلال الثورة الثقافيّة في الصين تبنّى الثوريّون الذين كان ماو يقودهم مصطلح " الكلّ الأربعة " لوصف المهام و المدى التاريخيّين للثورة البروليتاريّة . و على هذا الأساس من التقييم العلميّ للمرحلة الأولى نسبة لبلوغ الكلّ الأربعة ، و كذلك مدمجين التجارب الجديدة و التقدّم الحاصل في التفكير في مجالات أخرى من النشاط الإنسانيّ كالعلم و الثقافة ، إرتقت الخلاصة الجديدة لأفاكيان بعلم الشيوعيّة إلى أبعد من الماويّة ، ممثّلة في آن معا إستمرارا و قطيعة مع ما أسميناه الماركسية - اللينينيّة - الماويّة . و قد وضع بيان الحزب الشيوعي الثوري الأمر كما يلى : " تجسّد الخلاصة الجديدة لبوب أفاكيان مواصلة لقطيعة ماو مع ستالين لكن أيضا فى بعض جوانبه قطيعة أبعد بما تأثّر به ماو ذاته ، حتى وإن ثانويا ، من ما صار نمط التفكير فى الحركة الشيوعية فى ظلّ قيادة ستالين. " و مثلما أعرب عن ذلك أفاكيان ، الشيوعيّة فلسفة متكاملة و نظريّة سياسيّة وهي علم حيّ و نقديّ في تطوّر مستمرّ . ليست المجموع الكمّي لأفكار الأفراد الذين لعبوا دورا قياديّا في تطوّرها ( و ليس من الأكيد أنّ الأفكار و السياسات و التكتيكات الخاصة المتبنّات من قبلهم لم تتضمّن أخطاءا ) . " الإيديولوجيا الشيوعيّة خلاصة لتطوّر و بالأخصّ لكلّ خطوات التطوّر النوعيّة التي طوّرتها النظريّة الشيوعيّة منذ إكتشافها على يد ماركس إلى الوقت الحاضر ". ( 10) المساهمات الخالدة لماو تسى تونغ : كان ماو يرمز إلى الثورة ، ثورة شاملة تنتقل بالمجتمع إلى أبعد من كابوس الإستغلال الطبقي . و بغاية المضيّ قدما بهذه الثورة ، إحتاج ماو إلى القطيعة مع العناصر الهامة في الممارسة العمليّة و في المنهج و في تفكير الشيوعيّين ، خاصة تلك المكثّفة إلى درجة هامة في قيادة ستالين للاتّحاد السوفياتي عقب وفاة لينين . و لم يكن على ماو أن يقاتل تحريفيّة الإتّحاد السوفياتي التي إستولت على السلطة إثر وفاة ستالين فحسب ، بل كان عليه أن يقطع مع قوانين المجتمع الإشتراكي التي مكّنت من حدوث هذا الإنقلاب ، و تطوير وسائل و طرق منع حدوث ذلك . كما واجه سلسلة نضالات داخل الصين نفسها مع عديد القادة الآخرين للحزب الشيوعي الذين كانوا يقترحون سياسات و مقاربة شبيهتين بالسياسات و المقاربة اللتين صاغهما خروتشوف في الإتّحاد السوفياتي ، خطوطا كانت مثلما أوضح ذلك ماو ستدفع المجتمع إلى العودة إلى الرأسماليّة . و وفق بيان الحزب الشيوعي الثوري : " إنّ التناقضات فى القاعدة الإقتصادية وفى البنية الفوقية وفى العلاقة بين البنية التحتيّة و البنية الفوقيّة للبلدان الإشتراكيّة ذاتها ، بالإضافة إلى التأثير والضغط و الهجمات العامة من قبل الدول الإمبرياليّة و الرجعيّة الباقية فى وقت معيّن ، تفرز إختلافات طبقيّة وصراع طبقيّ داخل البلد الإشتراكي ، وعن هذه التناقضات تنجرّ إمكانيّة مستمرّة لأن يقاد المجتمع على إمّا الطريق الإشتراكي و إمّا الطريق الرأسمالي ، وبشكل أكثر تحديدا ستفرز مرارا وتكرارا طبقة برجوازية طموحة ، ضمن المجتمع الإشتراكي نفسه ، ستجد أكثر تعبيراتها تركيزا بين الذين فى الحزب الشيوعي لا سيما فى أعلى مراتبه ، الذين يتبنون خطوطا وسياسات تحريفية والذين بإسم الشيوعية عمليا يستسلمون للإمبريايلية ويعيدون تركيز الرأسمالية. " (11) توصّل ماو إلى فهم علمي على مستوى أرقى للعلاقة بين التصدّى لمحاولات الإطاحة بسلطة البروليتاريا و مزيد تغيير المجتمع نحو المستقبل الشيوعي وترافق هذا الفهم النظريّ مع قيادة ماو ك " مواصلة الثورة في ظلّ دكتاتوريّة البروليتاريا " (12) ، كما عبّر عن ذلك الحزب الشيوعي الصيني . و كان إطلاقه الجريئ للثورة الثقافيّة البروليتاريّة الكبرى يستهدف الحيلولة دون إعادة تركيز الرأسماليّة و قطع خطوات إلى الأمام في التغيير الإشتراكي . و بما أنّ هذه المساهة هي مساهمته المركزيّة في ممارسة الثورة الشيوعيّة ، فإنّها إشتملت بالضرورة على كافة مظاهر علم الشيوعيّة الثوريّة . و بوجه خاص ، مع دفاع ماو بطريقة صحيحة عن ستالين على أنّه بروليتاري ثوري ، كان عليه كذلك أن يواجه و ينقد بحدّة جزءا هاما من منهج ستالين وكذلك سياسات ملموسة خلال مرحلة البناء الإشتراكي للاتّحاد السوفياتي . وناقدا ما أطلق عليه " ميتافيزيقا " ستالين ، شدّد ماو مجدّدا على الدور الديناميكي الواعي للشعب في السيرورة الثوريّة ، و إرتقى بفهم الماديّة الجدليّة إلى مستوى جديد تماما . و بالقيام بهذا مضى ماو تسى تونغ ضد جزء كبير من الأفكار المتجذّرة في تفكير الشيوعيّين في الصين و في العالم بأسره . حتّى و ماو على قيد الحياة ، وُجدت رؤى متضاربة بخصوص إن كان يمثّل أم لا قطيعة مع التفكير الشيوعي السابق و إن كان ذلك كذلك ، فيما تتجسّد هذه القطيعة . و الآن ، حينما نعيد تفحّص الماويّة ، يكتسى هذا أهمّية أكبر . و قد وجد بعض الذين لم يروا أو لم يقبلوا بقطيعة ماو ، مرتئين بدلا من ذلك فقط أنّه واصل طريق لينين و ستالين . و قبل آخرون بشكل عام عن مضض أنّ ماو مستفيدا من التجربة التاريخيّة ، أجرى " تعديلات في المسار " ، تعديلات طفيفة . لم يدركوا ( أو عارضوا ) أنّ ماو إضطرّ كذلك إلى أن يسير ضد الأفكار و المناهج الهامة الخاطئة في صفوف الحركة الشيوعيّة السابقة و التي تمظهرت بالأخصّ في قيادة ستالين . و الوجه الآخر للعملة كان يمثّله أولئك الذين كانوا يريدون صياغة " ماويّتهم " و إعادة تعليب دكتاتوريّة البروليتاريا و خاصة الدور القيادي لحزب شيوعي طليعي . كانت لدي هؤلاء الناس قراءة ديمقراطيّة برجوازيّة للثورة الثقافيّة لماو فقد كانوا يرتؤونها كهجوم على " نموذج " و " جهاز " " الحزب – الدولة " عوضا عن صراع حياة أو موت لإبقاء الصين ثوريّة و دكتاتوريّة البروليتاريا الحقيقيّة جدّا بقيادة حزب شيوعي حقيقي ، تمضى على الطريق الإشتراكي . و وُجد أناس و وُجدت قوى ، و خاصة و ليس حصرا في البلدان الإمبرياليّة ، إعترفوا بقطيعة ماو مع ستالين لكنّهم أوّلوا ذلك تأويلا إشتراكيّا ديمقراطيّا ، معتبرين عن خطأ أنّ ماو يبتعد عن دكتاتوريّة البروليتاريا و عن قيادة حزب شيوعي طليعي . و كانت هذه القوى تنزع نحو القبول بما تعارفت عليه البرجوازيّة من أنّ المشكل في الإتّحاد السوفياتي في ظلّ قيادة ستالين كان القيادة " المتسلّطة " و " اليد الحديديّة " ( مفترى عليها عادة كدكتاتوريّة فرديّة ) بينما بالرغم من أنّ ستالين قد عالج معالجة خاطئة ، أي نعم ، التناقضات في صفوف الشعب و قمع المعارضة و النقد ، فإنّ هذه الأخطاء مردّها بأكثر جوهريّة إلى عدم الفهم فهما صحيحا لديناميكيّة التناقضات في المجتمع الإشضتراكي . (13) و وُجد الكثيرون الذين شاطروا واحدة أو أخرى من هذه التأويلات الغالطة لكنّهم كانوا يرون رئيسيّا في ماو نوعا من الشعبويّة من العالم الثالث و أنّ مساهمته تقتصر على إجاباته عن كيفيّة القيام بالثورة في البلدان المضطهَدَة من قبل الإمبرياليّة و تعرف ظروف تخلّف بفعل الإقطاعيّة ، و خاصة نظريّته عن حرب الشعب الطويلة الأمد . (I) عندما جدّ الإنقلاب في الصين سنة 1976 ، رفاق ماو تسى تونغ الأبرز المعروفين ب " مجموعة / عصابة الأربعة " و ضمنهم أرملته تشانغ تشنغ (14) و القائد و المنظّر اللامع تشانغ تشن- تشياو (15) ، قام الحكّام الجدد التحريفيون بإيقافهم و شنّوا حملة تشويه لهم . و حسب أولئك الذين إستولوا على الصين ، كانت الثورة الثقافيّة البروليتاريّة الكبرى جنونا إجراميّا . و تعرّضت الأطروحات الأساسيّة التي طوّرها ماو و خاصة أطروحته حول مواصلة الثورة في ظلّ دكتاتوريّة البروليتاريا إلى هجوم منظّم . و لم تكن غالبيّة الحركة الماويّة العالميّة حينها قادرة أو لم ترد أن تعالج معالجة علميّة ما كان يجرى في الصين . و حتّى في صفوف أولئك الذين لم يقبلوا المصالحة المفضوحة للقادة الجدد للصين مع الكتلة الإمبرياليّة التي تقودها الولايات المتحدة ، قليلون هم من قاتلوا الهجوم النظريّ الذى شنّه المستولون التحريفيّون و عادة ما عارضوا أو كانوا غير قادرين على التعرّف على محوريّة أو أهمّية أطروحة ماو حول مواصلة الثورة في ظلّ دكتاتوريّة البروليتاريا (II) . و بدلا من ذلك ، لجأ هؤلاء الناس إلى غربال حرب الشعب الطويلة الأمد أو إلى غيرها من المعايير الأخرى إحاديّة الجانب أو الخاطئة . وفي تعارض صارخ مع كلّ هذا ، جاء الردّ المنهجيّ و الشامل الذى أنجزه بوب أفاكيان بخصوص ما الذى تمثّله الماويّة. فألّف كتابه " المساهمات الخالدة لماو تسى تونغ " (16) بُعيد وفاة ماو والإنقلاب المضاد للثورة الموجّه ضد الأنصار الأقرب لماو و بالمعنى الأوسع ضد البروليتاريا و الجماهير الثوريّة . و يمنهج " المساهمات الخالدة لماو تسى تونغ " التطويرات الرئيسيّة لماو لعلم الثورة في حقول الاقتصاد السياسي و الفلسفة و الإستراتيجيا و التكتيك و الحرب الثوريّة و الحزب و غيرها من الحقول . (17) و يولى أفاكيان عناية خاصة للمساهمة المركزيّة و الأهمّ لماو تسى تونغ ، أطروحته عن مواصلة الثورة في ظلّ دكتاتوريّة البروليتاريا و الثورة الثقافيّة البروليتاريّة الكبرى المقادة على أساس هذا الفهم . و قد حلّل أفاكيان تحليلا عميقا أعمال ماو و كتابات القيادات الثوريّة في الصين التي ترجمها الحزب الصيني بقيادة ماو إلى عدّة لغات و وزّعها على نطاق واسع . و مع ذلك ، يجب أن نشير إلى أنّ قلّة من الناس هم الذين بحثوا حقّا عن البناء و بنوا على ما ورثه الثوريّون عبر العالم عن ماو و أقرب رفاقه . و سطحيّا جدّا أو خاطئا تماما في جزء كبير منه كان فهم الماويين للحقبة حيث كانت الحركة تواجه ما كان يعدّ إلى درجة كبيرة إمتحانها الأكبر ألا وهو خسارة الصين كحصن للثورة البروليتاريّة ، و إعادة تركيز الرأسماليّة فيها و الهجوم الإيديولوجي الشامل على الماويّة بقيادة ذات الحزب الشيوعي الصيني الذى بات بعدُ تحريفيّا . كلّ هذا يفسّر إلى درجة غير قليلة عمق تداعى ما كان يبدو حركة ماويّة عالميّة واسعة و يفسّر كذلك جزئيّا لماذا إلى السنوات الأحدث ، ظهرت بعض المفاهيم الخاطئة للماويّة و تحوّلت إلى عراقيل في طريق إعادة إحياء المشروع الشيوعي . و في جدالنا سنعود إلى هذه و غيرها من النقاشات السابقة في صفوف " الحركة الماويّة " بمعناها الأشمل . و ما يكشفه نقاش دى مالو هو أنّ جزءا هاما من فهم الماويّة ، الذى ينعكس في مقاله ، يتوافق بشكل هام مع تأويلات مختلفة للماويّة و يمكن أن نقول خاطئة ، من داخل الحركة الماويّة عينها . الصراع من أجل الدفاع عن ماو تسى تونغ و إرساء أرضيّة مزيد التقدّم : بوب أفاكيان هو الذى بادر و إنبرى لمواجهة خسارة البروليتاريا للسلطة في الصين سنة 1976 . و ليس صدفة أنّ في مسار مواجهة هذه الضرورة الكبرى للحركة الشيوعيّة ، قد لخّص أفاكيان مسالهمات ماو و في الوقت نفسه أرسى أسس التقدّم اللاحق فى النظريّة الشيوعيّة و مثلما طرح ذلك أفاكيان ، " تعمّقه " في ماو و " توقيره " له خلال تلك الحقبة أرسيا أسس النقد الذى سيتطوّر بداية مع " كسب العالم ..." و يمثّل جزءا هاما من خلاصته الجديدة . في الفترة التي كانت فيها الحركة الماويّة تترنّح جرّاء الإنقلاب في الصين و شرعت فيها في قطع خطوات نحو إعادة تجميع الشيوعيين الحقيقيين على نطاق العالم ، إندلعت خلافات جدّية حول ما إن كانت أطروحة لينين عن تقسيم العالم بين القوى الإمبريالية المتنازعة لا تزال صالحة و إن كانت هذه التناقضات ستؤدّى إلى حرب عالميّة ثالثة (18) ، أو إن كان يجب إعتبار الماويّة تطويرا " للكلّ الشامل " للماركسية – اللينينية – الماويّة ، رئيسيّا الماويّة " الذى يَفصل فصلا كبيرا الماويّة عن جسد علم الشيوعيّة الثوريّة (19) ، حول الإستيعاب – و الفهم الصحيح للقاعدة الماديّة للأمميّة البروليتاريّة و مبادئها (20) ، و حول العلاقة بين الدفاع عن الدولة الإشتراكيّة و التقدّم بالثورة العالميّة ، و حول تقييم " نظريّة العوالم الثلاثة " المقترحة من قبل الحزب الشيوعي الصيني و كذلك التجربة السابقة في الإتّحاد السوفياتي في نضاله ضد الحصار و العدوان الإمبرياليين ، إن كان صائبا ، و يجب مساندة نقد ماو لستالين في ما يتصل بالبناء الإشتراكي كما في ما يتّصل بالفلسفة و غيرها من المسائل الهامة الأخرى . و الكثير من هذه الجدالات كان ينطوى على بذور الفهم الأكثر تقدّما و الذى سيتجلّى تماما مع الخلاصة الجديدة لأفاكيان و كذلك " وجهي المرآة " المذكورين أعلاه ، المعارضين للخلاصة الجديدة . و رغم أنّ أعمال أفاكيان قد أرست إلى درجة كبيرة أسس تشكّل الحركة الأمميّة الثوريّة سنة 1984 التي جمّعت من جديد قسما كبيرا من الماويين عبر العالم ، كانت الوحدة في صفوف الحركة الأمميّة الثوريّة و الحركة الماويّة بصفة أعمّ تشتمل كذلك على بعض هذه الخلافات . (21) ولسوء الحظّ يبدو أنّ دى مالو ليس مطّلعا على هذه النقاشات ، ومجموعة مقالاته الصادرة تحت عنوان " ما هي الماويّة ؟ " تتّسم بخاصة بإفتقار لنصوص من داخل الحركة الماويّة ذاتها . و من المهمّ ملاحظة أنّ مساءلة دى مالو للماويّة لا تأتى من داخل الحركة الماويّة – إنّه لا يشاطرها نفس التاريخ السياسي و لا نفس النقاط المرجعيّة . و هذا ليس عيبا في المطلق . في الواقع يجب الترحيب برؤية من خارج هذه الحركة و يمكن أن تطرح آفاقا جديدة ، وهي مثمّنة أكثر حينما تصدر عن الذين يناضلون ضد المجتمع الظالم . إلاّ أنّ نصّ دى مالو عن الماويّة يعوزه التطرّق إلى النقاشات التي جدّت في صفوف الحركة الماويّة عينها . و الآن ، بعد عدّة عقود ، و الحركة الشيوعيّة في مفترق طرق ، يمكن أن يكون النقاش مثيرا ضمن إطار البحث عن تحديد أو العودة إلى ما يمثّل " الماويّة الواقعيّة " . و يعود هذا إلى كون علم الشيوعيّة قد تقدّم إلى أبعد من الماويّة معيدا تلخيص و صياغة ما هو عامة صائب وهو الرئيسي في الماويّة و في الوقت نفسه قاطعا مع العناصر الخاطئة الثانويّة (III) و مع الفهم الخاطئ أيضا الذى تطوّر و تعزّز . الماويّة ذاتها تخضع إلى سيرورة إنقسام إلى إثنين ، بين الخلاصة الجديدة من ناحية و وجهي المرآة ، بالنظر إلى ما وصفناه أعلاه . و من الأكيد أنّه ضمن تفكير ماو تسى تونغ ، و أكثر ضمن تفكير الكثير ممّن يقولون إنّهم يتّبعون الطريق الذى خطّه ماو ، هناك عناصر تقترب أو تظهر كماويّة يعتبر دى مالو أنّه إكتشفها . لكن " الماويّة " التي لا تشمل و بالفعل تنبذ القطيعة اللازمة الآن ، ستتحوّل إلى نقيضها ، إلى مسخ لا ثوريّ لا يستطيع أن يحافظ على الطابع الثوري السابق للماويّة ، و أقلّ من ذلك لن يمثّل الشيوعيّة الثوريّة كما تقدّمت الآن . لقد إنجذب قدر كبير من الشباب المعارض للنظام الإمبريالي العالمي إلى الإيديولوجيّات غير الثوريّة بما فيها المعادية للثورة كالإسلام أو إعتنقوا " الديمقراطية " ، التي يتزعّهما الإمبرياليّون . و مردّ هذا ليس إلى نقص مادي لبديل إشتراكي كما كان موجودا حين كانت الثورة مزدهرة في الصين في ظلّ قيادة ما ، فحسب ، بل أيضا ، و على الأقلّ جزئيّا ، إلى عدم قدرة الحركة الشيوعيّة على الصعيد العالمي على أن تثبت بصورة واضحة و صريحة رؤية و طريقا شيوعيّا ثوريّا تماما (22) يلبّى الحاجيات الراهنة إلى كلّ من تلخيص الماضي ومعالجة التغيّرات في العالم المعاصر. " ماويّة " الأمس، أو بالأحرى الظلّ الشاحب أو المشوّه للماويّة ، لا يمكن أن يمثّل الرؤية الثوريّة التي تحتاجها الشعوب . هذا من جهة و من الجهة الأخرى ، تسمح الخلاصة الجديدة للشيوعيّة بأن تتحدّث بإقناع عن الماضي كما عن التجربة الحاليّة و أن ترشد إلى حلّ فعّال و مرغوب فيه لمشاكل المجتمع . و الخلاصة الجديدة لأفاكيان تشمل و تعيد صياغة كلّ من فهم أقوى و أكثر تطوّرا لما تقدّم به ماو و لكن أيضا قطيعة كبرى مع العناصر الثانويّة في فهم ماو و التي تذهب ضد تطويراته . ماو ( و ماركس ) ك " ديمقراطيّين راديكاليّين " : لنعد إلى كيفيّة تحديد دى مالو لهدف ماركس . إنّه يكتب أنّه " يجب محاكمة الماركسيّة إنطلاقا من نتائج مشروعها للمضيّ بالإنسانيّة على طريق المساواة و التعاون و التآزر و التضامن " . و من العسير قراءة هذه الكلمات و عدم التفكير مباشرة في شعار " حرّية ، مساواة ، أخوّة " الذى رفعته الثورة البرجوازيّة الفرنسيّة لسنة 1789 أو حتّى " الحرّية و العدالة للجميع " لقسم الولاء لراية الولايات المتحدة . إنّ أحلام التعاون و المساواة قديمة قدم الطبقات عينها لكن في هذه الحقبة ، ينتهى هذا الصنف من الشعارات و النداءات دائما بإستخدامه من قبل القوى البرجوازيّة ، في أفضل الأحوال ، لتجميع الجماهير ، بما في ذلك في النضال الثوري الذى تواجه فيه الغالبيّة العظمى من السكّان ، " الأمّة بأسرها " لوضعه بهذه العبارات ، عدوّا مشتركا كالنظام الإقطاعي في فرنسا ما قبل ثورة 1789 . و في الواقع ، معظم الدول الرجعيّة في عالم اليوم تشكو من وباء هذه الديمقراطيّة . و في عدّة أماكن من مقاله ، يلحق دى مالو بالماوية عددا من التعميمات حول طبيعة التغيير الثوري و مهامه التي تعكس في الواقع فهمه الخاص للعالم و ليس فهم ماو أو أنصاره . تغيير العالم " من أجل تحسين " أو عبارات مشابهة توظّف بصفة متكرّرة لوصف كلّ من هدف دى مالو و مقياسه للقوى الثوريّة . مثلا ، يطرح دى مالو : " قامت الماويّة بشيء غير مسبوق في تاريخ الإنسانيّة : أجرت إعادة تقسيم صارمة لمداخيل الصين و ثرواتها ؛ و أعادت تنظيم شكل توليد الفائض في الاقتصاد في الصين و إستغلاله تنظيما جذريّا ؛ كلّ هذا من أجل تحسين ". أجل ، قام ماو بأشياء و يجدر بنا التذكير بها ، لا سيما اليوم و قدغدت الإفتراءات الخبيثة ( و السخيفة صراحة ) ضد ماو أمرا عاديّا في وسائل الإعلام الرئيسيّة في المجتمع و في الخطاب الليبرالي و الأكاديمي . لكن " كلّ هذا من أجل تحسين " ليست وجهة نظر صحيحة منها ننظر في المشروع الماركسي و لا هي المعيار الصحيح للحكم على النجاحات أو الإخفاقات في الماويّة . لم يطرح ماو على نفسه في المصاف الأوّل " تغيير العالم من أجل تحسينه " عبر إعادة توزيع الدخل و التخطيط الاجتماعي . كان مشروعه هو التغيير الجذري للمجتمع و الشعب كجزء من سيرورة عالميّة لبلوغ الشيوعيّة . و في أجزاء أخرى من مقاله ، يقترب تحديد دى مالو لمفهوم الماويّة ( و الماركسيّة ) من أن يعكس مهمّة و هدف بلوغ مجتمع خالى من الطبقات ، و لوضع ذلك بصورة أكثر علميّة ، " تجاوز الكلّ الأربعة " كما تطرّقنا إلى ذلك في هذا المقال . لكن بالخلط بين الشيوعيّة و توسيع الديمقراطية الراديكاليّة ، يقتلع دى مالو هدف بلوغ مجتمع خالى من الطبقات و في كلّ الحالات يفصل هذا الهدف عن المسار الحقيقي الذى يمكن أن يمضي فيه ويحتاج أن يمضي فيه المجتمع . إنّه " ماركسية " مفقّرة تحافظ على دى مالو أسيرا لفهم مبتور و مشوّه للواقع الاجتماعي . و عندما يتمّ التخلّص من هدف الشيوعيّة ، عن وعي أو عن غير وعي ، على أنّه غير صالح أو غير ممكن بلوغه ، يظلّ المرء ، في أفضل الأحوال يبحث عن طريقة أو أخرى لتغيير المجتمع " من أجل تحسين " دون تغيير الهيكلة الجوهريّة . و حريّ بنا أن نشير إلى أنّ ضمن مجموعة مقالاته " ما هي الماويّة ؟ " ، أدمج مقالا لبول سوزى يعالج أهمّية تحقيق إصلاحات في غياب إمكانيّة حقيقيّة للتغيير الثوري . وهذا يذكّرنا بنظريّة كان هواي نيوتن ، قائد حزب الفهود السود في الولايات المتحدة ، يدافع عنها في ستّينات القرن الماضي ألا وهي إستراتيجيا " البقاء على قيد الحياة إلى أن تأتى الثورة " .( بول سويزي ، " ما هي الماويّة ؟ " ضمن برنار دى مالو " ما هي الماويّة ؟ و بحوث أخرى " ). لدى مالو الحقّ في قول إنّ كلاّ من ماركس و ماو إنطلقا في حياتهما السياسيّة ك " ديمقراطيّين راديكاليّين " رغم أنّ الظروف و الجوّ السياسي لأواسط القرن 19 في أوروبا و بدايات القرن العشرين في الصين كانت بالملموس متباينة . و التحريفيّون الذين إستولوا على السلطة في الصين عقب وفاة ماو في 1976 كانوا يشدّدون على جذور ماركس و إنجلز في الحركة الديمقراطيّة في ألمانيا ، في محاولة منهم لدحض الثوريين في الصين و أطروحة ماو حول " الديمقراطيّين البرجوازيين الذين تحوّلوا إلى أتباع للطريق الرأسمالي " التي نحلّل لاحقا في هذا المقال . لقد شاهد كلّ من ماركس و ماو عالما مليئا باللامساواة و الظلم و بحثا عن طريق للقضاء عليهما . و بهذا المعنى لم يكونا مختلفين جدّا عن الكثيرين من معاصريهم أو عن الذين نشاهدهم يناضلون على عدّة جبهات في عالم اليوم . و مع ذلك ، الجوهري هو العكس : كان ماركس قادرا في الحقل النظري على إحداث قطيعة راديكاليّة مع إطار الديمقراطيّة البرجوازيّة الذى كانت أسيرة له الحركة التقدّميّة و الثوريّة عصرذاك . و هذه القطيعة الراديكاليّة في التفكير و الفهم العلمي للأهداف و الوسائل هي التي أرست أسس موجة قرن نضال ثوري كانت غايته عن وعي إحداث التغييرات في المجتمع إستطاع ماركس توقّعها في خطوطها العريضة . و لم يمسك دى مالو الأهمّية الحيويّة للخطوات المتقدّمة لماركس و قطيعته الجذريّة مع مفكّري التنوير و مع منظّرين طليعيّين للثورات الديمقراطيّة البرجوازيّة مثل روسو و لوك و كانط (IV). و تتركّز هذه القطيعة و يتركّز الطابع العلمي الخاص للشيوعيّة في المقتطف من ماركس الذى مرّ بنا ذكره حول تجاوز " الكلّ الأربعة " الذى يصف محتوى و هدف الثورة الشيوعية و الإنتقال الإشتراكي إلى الشيوعيّة و الإختلافات مع الإشتراكية الطوباويّة و في الأخير مع الإصلاحيّة . و تتطلّب الثورة الشيوعيّة التغيير الجذري للناس و لتفكيرهم و العلاقات و المؤسسات الإقتصاديّة و السياسيّة و الإجتماعيّة – ليس بإتّجاه الديمقراطيّة الراديكاليّة و لا لتخفيف الصراع بين جانبي الإستقطاب . و إنّما لتجاوز كافة أشكال الإستغلال و إلغاء الطبقات ، الهدف الشيوعي . و كجزء من تخطّى " الكلّ الأربعة " و النضال من أجل الشيوعيّة ، يمثّل النضال الشرس ضد كافة أشكال اللامساواة مظهرا حيويّا إلاّ أنّه ليس الأفق الذى يحدّده . و بالضبط ، في سيرورة إجتثاث و تغيير القاعدة الماديّة المولّدة لمثل هذه اللامساواة و هذه التناقضات الطبقيّة العدائيّة سيتمّ تجاوز إختلاف أفق المساواة .(23) كم هو أكثر ثوريّة فهم ماركس مقارنة برؤية " الديمقراطيّة الراديكاليّة " التي يلصقها به دى مالو ! و مرّة أخرى ، علينا أن نعود إلى تأكيد ماركس على أنّ " دكتاتوريّة البروليتاريا " مرحلة إنتقاليّة ضروريّة و تحريريّة نحو إلغاء كافة الطبقات و نحو مجتمع خالى من الطبقات (V) . و من وجهة النظر هذه نحتاج إلى رؤية الفهم النظري لماو تسى تونغ و ممارسته الثوريّة طوال حياته . و بالفعل مثلما أجلينا ، المساهمة المركزيّة لماو تخصّ تشخيص مختلف تناقضات هذه المرحلة الإنتقاليّة ( الإشتراكيّة و دكتاتوريّة البروليتاريا ) و الصراع و إيجاد الوسائل الثوريّة للتقدّم صوب الشيوعيّة . كلّ من الهدف ( المجتمع الشيوعي الخالى من الطبقات ) و الوسائل ( دكتاتوريّة البروليتاريا ) يتجاوزون حدود " الديمقراطيّة الراديكاليّة " التي يريد دى مالو أن يحصر فيها ماركس و كذلك ماو . مفهوم دكتاتوريّة البروليتاريا مناهض للأطروحة المركزيّة لدى مالو " الديمقراطيّة الراديكاليّة " التي يبنى عليها جوهريّا مقاله . و عندما يتمّ إخراج هذه الأهداف و هذه الوسائل من إطارها ، لن يبقى هناك خيار آخر عدا التمسّك بمعايير أخرى كالتى يتقدّم بها دى مالو حول تحسين توزيع الثروة إلخ . من الأكيد أنّ ماو شأنه شأن ماركس إنطلق في نشاطه السياسي كديمقراطيّ راديكالي . لكن من جديد النقطة الجوهريّة هي عكس من يشدّد عليه دى مالو . و تجاوز ماو " الديمقراطية الراديكاليّة " التي كانت سائدة في تفسير الشباب الثوري في الصين في العقود الأولى من القرن العشرين . و سمح له فهمه - وتمكّنه من علم الثورة الذى كان معروفا حينها كماركسية - لينينيّة - بوضع الثورة في موضع صحيح لتحرير الصين من الإمبرياليّة و شبه الإقطاعيّة كجزء من المكاسب العظيمة الأهمّية بالنسبة للثورة البروليتاريّة العالميّة . و غالبيّة القادة الآخرين للحزب الشيوعي الصيني لم شاطروه تماما هذه الرؤية و هذا الفهم و لهذا صلة كبرى بالإنقلاب على الطريق الذى خطّه ماو ، بُعيد وفاته . الخلط بين الشيوعيّة و الديمقراطيّة : لنقيّم مجدّدا خاتمة دى مالو : " نظرا للخيط الديمقراطي الراديكالي الذى يمضى من ماركس إلى ماو ، أفضل ما تستطيع الماويّة فعله هو الإلتزام بوعد الديمقراطيّة الراديكاليّة ". في الواقع ، محاججة دى مالو و وصفه لماو منسجم مع هذا الإستنتاج . تمضى أطروحة دى مالو عن " الديمقراطية الراديكاليّة " مباشرة ضد واحدة من المساهمات الجوهريّة لماو و أنصاره في ما يتّصل بالعلاقة بين الثورة الديمقراطيّة و التقدّم التالى للثورة الإشتراكيّة . و بوجه الخصوص ، شدّد الماويّون في الصين على واقع أنّ " الديمقراطيين البرجوازيين تحوّلوا إلى أتباع للطريق الرأسمالي " (24) و بهذا يقصدون أنّ العديد من أعلى قادة الحزب الشيوعي الذين ناضلوا بقوّة لتحرير الصين من الإمبرياليّة و شبه الإقطاعيّة طوال السنوات الطوال للمرحلة الأولى من الثورة الصينيّة لم يكونوا يشاطرون في الأساس هدف ماو و فهمه و خطّه لكون الثورة تحتاج إلى التطوّر إلى ثورة إشتراكيّة هدفها الأسمى هو الشيوعيّة على النطاق العالمي . و بعكس هؤلاء الناس ، كان البعض من الذين قادوا بجرئة الثورة في مرحلتها الأولى ، موافقين على بعض إجراءات الثورة الإشتراكيّة إلاّ أنّهم في كلّ مرّة كانوا يقاومون أكثر المضيّ أبعد فأبعد بإتّجاه التحويل الراديكالي للمجتمع و تجاوز " الكلّ الأربعة " – و إتّبعوا في نهاية المطاف الطريق الرأسمالي و عارضوا الثورة الإشتراكية . و بالرغم من كون هذه السيرورة من " تحوّل الديمقراطيّين البرجوازيّين إلى أتباع للطريق الرأسمالي " لا تشمل كامل ظاهرة إعادة تركيز الرأسماليّة في الصين ، الظاهرة التي تمتدّ جذورها في التناقضات الكامنة في المجتمع الإشتراكي ، فهي أجل تشرح إلى درجة معيّنة تاريخ و تشكّل القيادات العامة المناهضة للحزب . هذا من جهة و من الجهة الثانية ، يفهم دى مالو هذا على نحو مختلف بما فيه الكفاية . هو لا يغفل أو يعارض فحسب أطروحة ماو في هذا المجال بل كما سنرى لاحقا ، يحاول أيضا أن يعامل أتباع الطريق الرأسمالي في الصين من مثل شو آن لاي على أنّهم " رفاق مقرّبون " من ماو . و تتقاسم أطروحة الديمقراطية الراديكالية لدى مالو الكثير من الحدود الواقعيّة جدّا التي كانت لدى كافة الحركة الشيوعيّة في الفهم الصحيح للشيوعيّة كتجاوز لكافة المجتمع الطبقي ، و لكلّ اشكال هيمنة طبقة على أخرى (VI) . " الديمقراطيّة " ليست إستثناءا : كلّ طبقة مهيمنة لها شكل ديمقراطي يتناسب أكثر مع نظامها الاجتماعي . و الديمقراطيّة في ظلّ دكتاتوريّة البروليتاريا مغايرة نوعيّا مقارنة بالديمقراطيّة البرجوازيّة للمجتمعات الرأسماليّة . توفّر دكتاتوريّة البروليتاريا و تضمن الحقوق الأساسيّة للمضطهَدين سابقا و تعوّل على الجماهير العريضة في ممارسة السلطة . و أهمّ من ذلك حتّى ، هذا الطراز من الديمقراطية ، على ثرائه الأكبر و النوعي ، ليس هدفا في حدّ ذاته و إنّما هو يخدم مواصلة النضال و مواصلة التغيير للحصول على إلغاء " الكلّ الأربعة " لماركس ، بما يخلق الظروف الماديّة و الإيديولوجية ل " إضمحلال الدولة "( مستخدمين كلمات ماركس ) بمعيّة الديمقراطية البروليتاريّة أيضا . نكرّر ، كان هذا نقطة غاية في الأهمّية في الصراع و النقاش خلال الثورة الثقافيّة البروليتاريّة الكبرى التي أطلقها ماو في الصين . و على سبيل المثال ، أعار الثوريّون في الصين إنتباها كبيرا ل " نقد الحقّ البرجوازي " و لإيديولوجيا الحقّ البرجوازي . و " الحقّ البرجوازي " مفهوم نحته ماركس في " نقد برنامج غوتا " (25) و هذا يحيل خاصة على أنّه ، في ظلّ الإشتراكيّة ، سيكون توزيع الثروة حسب مبدأ " لكلّ حسب عمله " و بعدُ لن يكون ممكنا تطبيق المبدأ الشيوعي " لكلّ حسب حاجياته ". و يتضمّن هذا المبدأ ، " لكلّ حسب عمله " ، إجراءا مساواتيّا لكنّه يحجب اللامساواة الكامنة – الإختلافات في القدرات و في الحاجيات . و يشمل الحقّ البرجوازي مثل هذه العلاقات للمساواة الشكليّة البرجوازيّة التي تورّثها إلى الإشتراكية ؛ و تمظهراته و تعبيراته الإيديولوجيّة في الدولة و السياسة . و قد إعترف الثوريّون في الصين بأنّ الحقّ البرجوازي لم يكن من الممكن إلغاؤه كلّيا إلى أن يصبح من الممكن الخروج تماما من مجال الإنتاج السلعي و التبادل السلعي عبر المال – يعنى ، كإنتاج للتغيّرات الماديّة و الإيديولوجيّة لكافة المرحلة الإنتقاليّة الإشتراكيّة التي يمكن فهمها فقط كسيرورة إنتقاليّة عالميّة من عصر البرجوازيّة إلى العصر الشيوعي . لكن المسألة هي : يجب أن يُنظر إلى المجتمع الإشتراكي ليس كهدف في حدّ ذاته و إنّما تحديدا كمرحلة إنتقاليّة نحو المجتمع الشيوعي المستقبلي . لقد فهم ماو و الثوريّون في الصين أنّ الإنتاج السلعي و الحقّ البرجوازي سيظلاّن قائمين بدرجات متباينة خلال المرحلة الإنتقاليّة الإشتراكية ، لكنّهم ، و هذا الأهمّ ، أدركوا أنّ ندوب ولادة الإشتراكيّة من رحم المجتمع الرأسمالي ، بالرغم من أنّ الثورة تقلّصها و تحتصرها ، لا تزال توفّر الأرضيّة الماديّة و الإيديولوجيّة لولادة عناصر رأسماليّة جديدة ستسعى بطريق الحتم إلى إلحاق الهزيمة بالنظام الإشتراكي و إعادة تركيز الرأسماليّة . و بالفعل ، كان الثوريّون في الصين واعين بأنّ محورا غاية في الأهمّية في الصراع الطبقي سيكون بالذات محاصرة الحقّ البرجوازي أم السماح بتوسيع حدوده . و مثّلت هذه جبهة هامة من المعركة بين ماو و أنصاره من جهة و أتباع الطريق الرأسمالي الذين إستولوا على السلطة إثر وفاة ماو من الجهة الأخرى . و الديمقراطية ، بما في ذلك الديمقراطيّة الراديكاليّة كما يحبّ دى مالو التشديد عليها ، مرتبطة كلّيا بالتبادل السلعي ، " التبادل المتساوى للقيم المتساوية " الذى هو كامن في ذات أحشاء نظام الإنتاج الرأسمالي و كذلك الإيديولوجيا ( الديمقراطيّة البرجوازيّة ) التي تتناسب و نظام الإنتاج و التبادل هذا . لقد إقترح أوّل من إقترح مفهوم الديمقراطية الراديكاليّة و المساواة المطلقة المفكّرون البرجوازيّون الراديكاليّون في القرن 18 ، من جيفرسن إلى روبسبيار . الديمقراطية الراديكاليّة مثل أعلى برجوازي لا يمكن تحقيقه ضمن إقتصاد و مجتمع يهيمن عليهما إنتاج و تبادل السلع – وهي تتناسب أكثر مع موقع البرجوازيّة الصغيرة . (VII) و حتّى النضالات ضد اللامساواة ، مهما كانت عادلة و ضروريّة ، لن تقدر على الهروب في حدّ ذاتها من ما سمّاه ماركس " الأفق الضيّق للحقّ البرجوازي " ؛ ستظلّ غير قادرة على رؤية أبعد من الإنتاج و التبادل السلعي و الأساس المادي للمجتمع الطبقي . و هذا الضرب من التفكير معمّم جدّا في المجتمع البرجوازي و مقبول جدّا في خطاب عصرنا بحيث أنّ المعارضين المصمّمين للظلم في العالم المعاصر واقعين في حدوده و لا يعملون حقّا على القيام بالقطيعة اللازمة . و يجدر بنا أن نذكّر بملاحظة إنجلز بأنّه قبل إنقسام المجتمع إلى طبقات و ظهور الدولة " لم يكن يوجد بعدُ إختلاف بين الحقوق و الواجبات " (26) . إنّ تعويض ثنائيّة " حقوق و واجبات " بالإجتماع الحرّ و الطوعي للبشر إختلاف مميّز بين حتّى الديمقراطيّة التي ستوجد في مجتمع إشتراكي حقيقي و تحرريّ و المجتمع الشيوعي المستقبلي الذى سيكون قد تخطّى تخطّيا تاما لأفق الحقّ البرجوازي و جميع الإنقسامات الطبقيّة . و هذا لا يعنى أنّ الديمقراطيّين الراديكاليّين مثل دى مالو الذى يعدّ واحدا منهم ، يبحثون عن تحسين النظام الرأسمالي للتبادل أو أنّهم عن وعي يحترمون حدود الرأسماليّة و بقاءها (VIII) المشكل هو أنّ دى مالو يدافع عن أنّ مثل هذه القطيعة ليست ضروريّة و عوضا عنها يطرح أنّ الماويّة ينبغي أن تعيد تحديد نفسها لتتماشى بشكل مضمون مع هذا المعتبر مبدأ الديمقراطيّة الراديكاليّة . خارج نطاق هذا المقال أن نناقش بعمق العلاقة بين الديمقراطيّة و تجاوز كافة الإنقسامات الطبقيّة . هنا ، كذلك ، من الضروري دراسة الأعمال الهامة التي ألّفها بوب أفاكيان بصدد هذا الجانب ، بداية من بوجه خاص كتابه " الديمقراطية : أليس بوسعنا إنجاز أفضل من ذلك ؟ " المنشور سنة 1986 . ففي هذا العمل و في عدّة أعمال أخرى خلال عدّة عقود ماضية ، تفحّص أفاكيان كيف أنّه حتّى في صفوف الحركة الشيوعيّة ، بصفة متكرّرة جدّا ، وقع الخلط بين الأهداف الشيوعيّة و النضال من أجل " تحسين " الديمقراطيّة و قلّصت هذه الأهداف إلى تلك الديمقراطية . و شملت مؤلّفات أفاكيان و تنظيراته نقدا و فهما علميّا للديمقراطية البرجوازية كما تمارس الآن ، و جدالات قديمة و حديثة حول الفلسفة السياسيّة لروسو و لوك و جيفرسسون و منظّرون آخرون لديمقراطية القرن 18 و معاصرون ، و كذلك فهما أشمل و تنظيرا علميّا للديمقراطيّة البروليتارية في المجتمع الإشتراكي ، و تقييما نقديّا للمجتمعات الإشتراكيّة الماضية في هذا المضمار ، و إضمحلالها النهائي عند الإنتقال العالمي إلى الشيوعيّة . و كون هذه ليست مجرّد نزاعات أكاديميّة يمكن ملاحظته بوضوح في النيبال حيث أعادت القيادة الماويّة تحديد أهداف النضال بعيدا عن الإشتراكيّة و الشيوعيّة و عوّضتها بإرساء جمهوريّة ديمقراطيّة برجوازية . (27 ) تجاهل دروس الثورة الثقافيّة البروليتاريّة الكبرى : نظرا للجهد المبذول لتحويل ماو إلى ديمقراطي راديكالي ، لا يفاجئنا أنّه ، شأنه شأن جزء كبير من الحركة الماويّة على النطاق العالمي و تاريخيّا ، لم يعالج حقّا العمل النظري لماو حول " الديمقراطيّين البرجوازيين الذين يتحوّلون إلى أتباع للطريق الرأسمالي " و حول " الحقّ البرجوازي " و لا يفهم حقّا التجربة الثريّة للثورة الثقافيّة البروليتاريّة الكبرى على هذا الضوء . و هذا منسجم مع إعتقاد دى مالو المعبّر عنه في مقاله لسنة 1969 " يمثّل بداية نهاية العهد الماوي " ، قاطعا هكذا الجزء النهائي من الثورة الثقافيّة البروليتاريّة الكبرى التي لم تكن تجربة تاريخيّة جريئة فحسب بل كانت كذلك مرحلة إستطاع فيها الثوريّون في الصين صياغة تعبير نظريّ أكمل و أكثر علميّة لجميع تجربة الثورة الثقافيّة البروليتاريّة الكبرى . و مجدّدا ، ليس دى مالو وحده في إرتكاب خطإ في تقسيم الحقبات التاريخيّة للثورة الثقافيّة البروليتاريّة الكبرى . لقد رأينا في السنوات الحديثة أنّ " إعادة تأويل " ألان باديو للثورة الثقافيّة البروليتاريّة الكبرى يستند أيضا إلى بناء مشابه . (28) و " الوجه الآخر للمرآة " ، النسخة الدغمائيّة – الدينيّة للماويّة ، عرف هو الآخر صعوبات في فهم الثورة الثقافيّة إثر سقوط لين بياو في 1969 . ويعتبر دى مالو ، مثله في ذلك مثل عديد الآخرين الذين ينظرون إلى الأشياء من منظور ديمقراطي – راديكالي ، المرحلة الأولى من الثورة الثقافيّة البروليتاريّة الكبرى ، بتمرّداتها الجماهيريّة و النقد الجماهيري ، كجوهر الثورة الثقافيّة البروليتارية الكبرى . و بالفعل ، لم تكن هذه الفترة الأولى أكثر من مرحلة تمهيديّة لسيرورة ثوريّة معقّدة تطوّرت و تعمّقت مع توسّع النهوض من الشباب الثوري إلى العمّال و الفلاحين ضد أتباع الطريق الرأسمالي في الحزب و الدولة الذين كانوا يسيرون بالصين على نفس الطريق التحريفي السوفياتي . و جرت المراوحة بين فترات نهوض و فترات تعزيز للأشكال الجديدة للسلطة السياسيّة و لإرساء مناهج و ممارسات جديدة في جميع مجالات المجتمع . و ضمن التغييرات الراديكاليّة التي شوهدت بعد سنة 1969 ، هناك إنشاء مؤسّسات جديدة مثل اللجان الثوريّة التي خوّلت للجماهير ممارسة السلطة في ظلّ قيادة الحزب و التي جرى إدماجها ضمن هياكل الدولة الإشتراكية . و من خلال هذه السيرورة ، إزدهرت بصفة عظيمة الماركسيّة – اللينينيّة – الماويّة ، مع تعميق ماو و المقرّبين منه فهمهم الخاص لقوانين الثورة الإشتراكيّة في ظلّ دكتاتوريّة البروليتاريا و مواجهة مشاكل جديدة و معقّدة و كذلك إشتغلوا ليل نهار لإعداد شيوعيين جددا و العودة إلى كسب و إعادة صقل آخرين سقطوا في التحريفيّة . و بعيدا عن أن تكون في مسار تنازلى بعد 1969 كما يعتقد دى مالو ، تقدّمت الثورة الثقافيّة و واجهت صعوبات و رهانات جديدة ، و صقلت فهما نظريّا أعمق حتّى ، إلى وفاة ماو تسى تونغ سنة 1976 . و على سبيل المثال ، فقط بعد 1969 ، أضحى الفهم واضحا لكون " أتباع الطريق الرأسمالي يمثّلون علاقات الإنتاج الرأسماليّة " بينما في السابق كانوا يقدّمون على أنّهم أحيانا رئيسيّا أو ببساطة كإستسلاميين و خونة إلخ . لم تكن الثورة تستهدف ببساطة " التحريفيين " بل برجوازيّة جديدة ، أولئك في مواقع المسؤوليّات العليا في الحزب و الدولة السائرين في الطريق الرأسمالي . قد تبدو مسألة متى حدث المنعرج الحيوي في الصين جدالا عقيما ، إلاّ أنّ المحاججة بشأن التاريخ تعكس فهما مختلفا جدّا . و صيغة دى مالو ل " بداية نهاية العهد الماوي " ستفضى به هو و آخرين إلى عدم دراسة دروس الثورة الثقافيّة كما إرتآها ماو و أنصاره في تلك الحقبة . من منظور مفيد لعدّة عقود بعد ذلك و على ضوء الخلاصة الجديدة لأفاكيان ، من الضروري جدّا نهائيّا ، النظر إلى الثورة الثقافيّة نظرة أخرى ، نظرة أعمق و إستخلاص الإستنتاجات المناسبة . لكن هذا ليس ما يفعله دى مالو – فهو لم يستوعب فهم ماو و لم يتقدّم أبعد منه . و يتكشّف الفهم السطحي و الخاطئ لدى مالو للثورة الثقافيّة في وصفه لشو آن لاي و تشو دا ك" رفاق مقرّبين " لماو . ففي الواقع ، صار تشو آن لاي ممثّلا لقادة الحزب الذين عارضوا أكثر فأكثر تعميق الثورة . (29 ) و مثلما ألمحت إلى ذلك أعلاه ، يتجاهل دى مالو أولئك القادة الشيوعيين مثل تشانغ تشن- تشياو و تشانغ تشنغ ، الذين قادوا في الواقع الثورة الثقافيّة على قاعدة خطّ ماو تسى تونغ . و ليس صدفة أنّ تشانغ تشن – تشياو و تشانغ تشنغ تعرّضا لحملة تشويه كجزء من " مجموعة / عصابة الأربعة " و جرى إيقافهم عقب الثورة المضادة و توفّيا في السجن بينما يُرفع الحكّام الجدد الرأسماليون إرث شو آن لاي إلى السماء . و كما أشار ماو ، الكثير من أتباع الطريق الرأسمالي إبتدأوا كديمقراطيين برجوازيين و برجوازيين صغار و لم يقطعوا قط راديكاليّا مع ذلك ليتحوّلوا إيديولوجيّا إلى شيوعيين . و الكثير من أعضاء الحزب الشيوعي هؤلاء لم يرغبوا في أن تتقدّم الثورة إلى المرحلة الإشتراكيّة أو لم يرغبوا في رؤية مزيد تعميق هذه المرحلة من الثورة . و حسب ما أشار إليه تشانغ تشن – تشياو ، كانوا ينظرون إلى الثورة كقطار " هنا محطّتى و عليّ أن أغادر " . لم يريدوا أن تستمرّ الثورة في إجتثاث جذور النظام الرأسمالي القديم كالحقّ البرجوازي . و بدلا من ذلك ، تحوّلت هذه القوى تقريبا إلى الممثّلين الواعين لذات علاقات الإنتاج الرأسماليّة التي كانت الثورة لا تزال في حاجة إلى تخطّيها . هذه ديناميكيّة تحريفيّة مختلفة عن الإشتراكية في نظر ماو و دى مالو يلصقها به على أنّ كلّ مرحلة من الثورة تعدّ للمرحلة التالية – كما لو أنّ ذلك ممكن الحدوث بشكل تطوّري نقي بلا صراع حاد . و نظرة ماو مغايرة كذلك للنظريّة الشائعة عن " البيروقراطيّة " التي يردّدها أيضا دى مالو وهي نظريّة لا تنظر في الأساس الاقتصادي لأتباع الطريق الرأسمالي . و على الرغم من أنّ ماو بلا شكّ كان واعيا للتغيرات الهائلة التي أحدثتها الثورة بالنسبة للجماهير الشعبيّة ، فإنّه إتّجه نحو التشديد على النقطة المقابلة لها : النضال الطويل الأمد و العسير لجعل الصين تتقدّم على الطريق الإشتراكي نحو مستقبل شيوعي . و أكّد ماو على أنّه " لو وصل أناس مثل لين بياو إلى السلطة ، سيكون من اليسير عليهم إعادة تركيز النظام الرأسمالي " . كان ماو جدّيا و ثاقب النظر بشأن الصعوبات التي تواجهها الثورة و حذّر المرّة تلو المرّة من أنّ خطر إعادة تركيز الرأسماليّة خطر حقيقي . و لسوء الحظّ ، تاريخ الصين بعد وفاة ماو – الإنقلاب المضاد للثورة و السرعة الإنتحاريّة التي وقعت بها إعادة تركيز الرأسماليّة و معها كلّ فظائع الإستغلال – بيّنت مدى بعد نظر ماو . و لا نودّ أن ننقص من قيمة ما حقّقه ماو و لا من كيف أنّ هذا عاد بالفائدة على الجماهير الشعبيّة . بيد أنّه يجب أن نكون واضحين و صارمين في الدفاع عن أنّ ماو إستطاع إنجاز ذلك كجزء من المشروع الشيوعي الثوري و ليس تعويضا له برؤية مختلفة و معايير مختلفة هي في الواقع غير محبوبة جدّا ، من الديمقراطية الراديكاليّة و إعادة توزيع الثروة و " التغيير للتحسين " (IX). من أوهام " الديمقراطيّة الراديكاليّة " الإعتقاد في أنّه يمكن أن يوجد تقليص تدريجي للفروقات في الثروة ، و حسّ أكبر فأكبر من الجماعيّة و الأخويّة و تغيّرات متصاعدة " للتحسين " دون مواجهة المهمّة الحيويّة لإجتثاث الرأسماليّة ، و إنتاج السلع و المجتمع الطبقي عموما ، و القيام بذلك بالوسيلة الوحيدة التي تمكّن من فعل ذلك : دكتاتوريّة البروليتاريا . وبالفعل ، هدف الديمقراطية الراديكاليّة ذاتها – الجماعيّة و الأخويّة و الديمقراطيّة بلا طبقات ، دون التثوير التام لكافة العلاقات الإجتماعيّة – في حدّ ذاته وهم . و رغم أنّ التاريخ في العالم قاطبة يبيّن العكس ، و سيبيّنه المرّة تلو المرّة ، و التجربة ذاتها لن تفجّر فقّاعة الأوهام هذه . و يعزى هذا إلى أنّ تلك الأوهام لا تنبع من خطأ في المعلومات المرئيّة والسمعيّة بل في وجهة النظر الطبقيّة ل" المثقّف الديمقراطي " ( أو إن أراد دى مالو ذلك ، " الديمقراطية الراديكاليّة " ). الثورة الوطنيّة الديمقراطيّة : في هذا المقال ، ليس من الضروري و ليس بوسعنا أن نحلّل بعمق تعاليم ماو الهامة جدّا بشأن ما أطلق عليه ثورة الديمقراطيّة الجديدة . و مع ذلك ، هناك بضعة نقاط أساسيّة من اللازم فهمها و فهمها بطريقة مختلفة عن تلك التي يمثّلها دى مالو . لقد طرح ماو أنّ في الصين الثورة تحتاج إلى المرور بمرحلتين ، الأولى هي " الديمقراطيّة الجديدة " الموجّهة ضد الإمبريالية الأجنبيّة و الإقطاعيّة و ماسمّاه ب " الرأسماليّة البيروقراطية " وهي نوع من الرأماليّة المرتبطة وثيق الإرتباط بالإمبرياليّة و الإقطاعيّة . و قد دافع ماو عن أنّ البروليتاريا الممثّلة بحزبها الشيوعي الطليعي بمقدورها أن تقود الجماهيري العريضة ، خاصة الفلاّحين المضطهَدين في إنجاز الثورة . و يمكننا أن نرى الأهمّية المستمرّة للخطوات المتقدّمة لماو ، حتّى الآن ، حيث تظلّ مهمّة كنس الهيمنة الإمبريالية مهمّة مركزيّة بالنسبة للثورة في الجزء الأعظم من العالم و الكثير من خصوصيّات المجتمع لا تزال تتميّز بدوائر الإقطاعية و كافة أنظمة الإستغلال ما قبل الرأسماليّة . لكن حتّى لمّا يكون دى مالو على حقّ في الإشارة إلى أهمّية أطروحة ماو حول الديمقراطيّة الجديدة ، فهو يبيّن الفهم الخاطئ حقّا لهذا عندما يؤكّد أنّ واحدة من الخصوصيّات المميّزة للماويّة هي " فهم الثورة الديمقراطية الجديدة في معارضة للثورة الديمقراطية البرجوازيّة " . في الحقيقة ، كان ماو واضحا جدّا بصدد طابعها الاجتماعي حيث تظلّ الثورة الديمقراطيّة الجديدة ديمقراطيّة - برجوازيّة لأنّ هدفها هو بالضبط الهيمنة الأجنبيّة و الإقطاعيّة اللذان كانا يعيقان موضوعيّا تطوّر الصين إلى بلد معاصر رأسمالي مستقلّ . و أكّدد ماو كثيرا على أنّ ثورة الديمقراطية الجديدة كانت " جزءا من الثورة البروليتاريّة العالميّة " و لم تعد بعدُ من الثورات الديمقراطية – البرجوازيّة من الطراز القديم . و كان ماو يدافع عن أنّ قيادة الثورة الديمقراطيّة الجديدة من قبل البروليتاريا بواسطة حزبها الشيوعي الطليعي مرتبطة بالثورة البروليتاريّة في البلدان الرأسماليّة المتقدّمة ، و أنّها تتضمّن عناصرا إشتراكيّة هامة بما في ذلك إستهداف الإمبريالية الأجنبيّة و الرأسماليّة البيروقراطية / الكمبرادوريّة ، الشكل الرئيسي للرأسماليّة على نطاق واسع في الصين ، مرسية هكذا أسس الثورة الإشتراكيّة و من الممكن الإنطلاق فيها في تعارض مع تعزيز الديمقراطية البرجوازيّة و الرأسماليّة . ربّما هذا هو الفهم الذى يشير إليه دى مالو عند تمييزه بين الثورة الديمقراطية الجديدة و " الديمقراطية البرجوازية " . إلاّ أنّ فهم دى مالو لهذا متباين للغاية مع فهم ماو و أنصاره . قد يبدو لنا ثوريّا جدّا أن ينكر دى مالو الطابع " الديمقراطي – البرجوازي " للثورة الديمقراطية الجديدة . و بالفعل ، دمج الثورة الديمقراطية و الثورة الإشتراكيّة في واحد خطأ كلاسيكي لدى الإصلاحيين و خاصة منهم التروتسكيين في بلدان ما يسمّى بالعالم الثالث . و بتقديم الثورة الديمقراطية الجديدة و " الثورة الإشتراكية " معا في إطار" الديمقراطيّة الراديكاليّة " ينتهى دى مالو إلى تناسى الطابع البروليتاري الثوري للثورة الشيوعيّة و إختلافها نوعيّا عن الثورة الديمقراطيّة التي هي و لا يمكنها إلاّ أن تكون برجوازيّة في طابعها الاجتماعي . هذه هي تحديدا القاعدة الماديّة للكثيرين ممّن يريدون أن يكونوا " ديمقراطيين برجوازيين " في فهمهم في الإلتحاق بالحزب الشيوعي و حتّى في مقاومتهم ببطولة في المرحلة الأولى من الثورة الصينيّة . لكن عندما دخلت الثورة مرحلتها الإشتراكيّة و تعمّقت ، قفز العديد من هؤلاء القادة ليعارضوها . و يستدعى الأمر المزيد من العمل في ما يتعلّق بكيف ستتطوّر الثورة في القرن الواحد و العشرين في البلدان المضطهَدَة من قبل الإمبرياليّة و التى تعانى من ندوب إقطاعيّة و أشكال أخرى من الإستغلال ما قبل الرأسماليّة . و أطروحة أفاكيان بخصوص الطابع الأكثر " تداخلا " للعالم ، بما في ذلك فهم أنّ الإمبرياليّة صارت داخليّة في هيكلة الطبقات في البلدان المضطهَدَة (30) ، توفّر قاعدة للتشديد الشامل على محتوى الأممية البروليتاريّة للثورة في كلّ بلد . و لا تزال تحدث تغيّرات كبرى مع تدخّل الإمبرياليّة و تشكيلها للنظام الإقتصادي و الاجتماعي في بلدان العالم قاطبة – و هذا بالتأكيد سيقتضى تطويرا أكبر للإستراتيجيا و التكتيك . لكن أطروحة ماو حول الديمقراطيّة الجديدة ستظلّ مرجعا حيويّا و نقطة إنطلاق لصياغة الإستراتيجيا الثوريّة . و ليس ممكنا تصوّر مثلا ، ثورة في إيران لا تنطوى على مكوّن قويّ للهجوم على الظلاميّة الدينيّة و الإضطهاد القروسطي للمرأة الذى إتّخذ أشكالا جديدة مع الأشكال المعاصرة للإستغلال الرأسمالي . و رأينا كذلك ، المرّة تلو المرّة أنّ الثورات في البلدان المضطهَدَة التي " تتمسّك " بأفق " الديمقراطية الراديكاليّة " تمنى بالهزيمة أو إن إفتكّت السلطة السياسيّة و عزّزتها ، سرعان ما يقع " ترويضها " و تغييرها إلى معدّات أخرى في آلة النظام الإمبريالي العالمي لسحق الحياة . و إنّها لحقيقة ملموسة أنّ الشيوعيّة الثوريّة قطيعة أشمل مع كافة أنواع الإضطهاد . هذه نقطة شدّد عليها لينين في فترة الإعداد للثورة الروسيّة لمّا طرح أن يكون الشيوعي " خطيبا في الشعب " و ليس سكرتير نقابة . أطروحة الديمقراطيّة الجديدة لماو و قيادته للثورة الصينيّة يؤكّدان مبدأ أنّه على البروليتاريا أن تناضل ليس على أساس مصالحها الإقتصاديّة الضيّقة بل كمقاتلة طليعيّة للمضيّ بالمجتمع بأسره إلى مستوى جديد . (X) بيد أنّ هذا ليس حجّة للخلط بين الشيوعيّة و الديمقراطية الراديكاليّة مثلما يؤكّد على ذلك دى مالو . و من الضروري التأكيد على أنّنا لسنا بصدد مساءلة الحاجة إلى أن يضطلع الشيوعيون بمهمّة قيادة الثورة الديمقراطيّة حيث تكون هذه المرحلة لازمة لكن عندما يضطلع الشيوعيّون بهذا النضال و يقودونه لا يقومون بذلك ك " ديمقراطيين رأديكاليين " ، بل يربطون هذا النضال و يضعونه في إطار أشمل ، بلوغ مجتمع شيوعي . و الهدف الخاص للإستقلال الوطني و الديمقراطيّة مهمّ فقط بإعتباره يعبّد الطريق لهذا الهدف الأسمى . و في الواقع ، دى مالو يصيغ بلغة نظريّة ما قام به عمليّا الكثير من الماويين – " مزج الإثنين في واحد " ( في هذه الحال ، الثورة الديمقراطية – البرجوازية و الثورة البروليتاريّة ) ، و بالقيام بذلك يخلقون إضطرابا عوض فهم الإختلاف ، و الفرق بين الإثنين . و تفضى تجربة العقود الأخيرة إلى إستنتاج عكسي : على الشيوعيّين أن يقاوموا بكلّ ما أوتوا من جهد إعادة صياغة الشيوعيّة ك " ديمقراطية راديكاليّة ".لا يمكن أن يوجد تحرير حقيقي دون القطيعة الراديكاليّة مع جميع الأنظمة الإجتماعيّة السابقة و الإيديولوجيّات المناسبة لها – بما في ذلك " الديمقراطية الراديكاليّة ". إنّ ثورة الديمقراطيّة الجديدة ديمقراطيّة – برجوازيّة في طابعها المباشر ، لكن إعتبارا لكون البروليتاريا تقودها و إعتبارا للسياسات الخاصة – مثل ثورة زراعيّة عميقة و مصادرة ملكيّة الرأسماليّة البيروقراطية و الإمبريالية – يمكن لثورة الديمقراطية الجديدة و يجب عليها أن تؤدّي مباشرة إلى الثورة الإشتراكيّة وهي فعلا تؤشّر إلى بداية هذه الأخيرة . دون إستيعاب هذا إستيعابا صحيحا ، ستوجد أخطاء يمينيّة و " يساريّة " . و " يساريّة " بمعنى أنّ الشيوعيين يمكن ألاّ يتعرّفوا على المهام الديمقراطيّة الحقيقيّة التي تحتاج الثورة إلى تحقيقها ، و يمكن كذلك أن يعتبروا أنّ الديمقراطيين البرجوازيين المنفتحين و المعترف بهم على أنّهم دخلاء غير مرغوب فيهم في صفوف الحركة الثوريّة . لكن و إلى حدّ أبعد ، الخطر الأكبر هو الإنحراف اليميني المفضوح ، أنّه عند نقطة معيّنة من السيرورة الثوريّة ، سواء قبل إفتكاك السلطة على الصعيد الوطني ، أم بعدها ، يتمّ التخلّى عن هدف الإشتراكيّة و في آخر المطاف الشيوعيّة على غرار ما نشاهده اليوم في النيبال . ما معنى القيادة البروليتاريّة ؟ كيف يجب أن ندرك إدراكا صحيحا مفهوم " القيادة البروليتاريّة " الذى طرحه ماو ؟ لدى مالو الحقّ في نبذ المفهوم الميكانيكي لكون هذا يتطلّب بالضرورة أن يكون العمّال الصناعيّون على رأس الثورة كما لا يزال يحاول البعض المحاججة . إلاّ أنّ دى مالو لا يفقه أين يكمن الطابع البروليتاري للماركسية . ناظرين للمسألة من أفق تاريخي ، ظهور البروليتاريا على النطاق العالمي ، نتيجة لعلاقات الإنتاج الرأسماليّة ، هو الذى جلب إمكانيّة تجاوز نمط الإنتاج الرأسمالي و بلوغ الشيوعيّة . هذا ما نقصده علميّا لمّا نتحدّث عن المهمّة التاريخيّة للبروليتاريا . و مع ذلك ، دى مالو يفهم المسألة على النحو التالى ( مستشهدا ببنجمان شوارتز ) : " في الماويّة ، يحيل مصطلح " البروليتاريا " على جملة من الميزات الأخلاقيّة – نكران الذات ، التضحية اللامتناهية إزاء الحاجيات الجماعيّة ، الإكتفاء الذاتي من نوع إكتفاء الأنصاريين ، الطاقة التي لا تنفذ ... و الإنضباط الحديدي إلخ " – كمبدأ للسلوك الجماعي الحقيقي . و عندها تصل القيادة البروليتاريّة إلى أن تكون متكوّنة من مجموعة من المثقّفين و العمّال و الفلاّحين الذين يتميّزون بهذه الأخلاق المطلوبة " . لا مجال للشكّ في أنّه من الصحيح أنّ الناس من الطبقات الإجتماعيّة المختلفة يمكن أن يتبنّوا النظرة البروليتاريّة للعالم و قد قام بذلك الكثيرون . و كذلك من الصحيح أنّ مثل هذه النظرة للعالم لا توجد عفويّا أو آليّا في صفوف العمّال في حدّ ذاتهم ( في أي بلد ، مضطهِد أو مضطهَد ). بيد أنّ النظرة البروليتاريّة لا تختزل في " متطلّبات أخلاقيّة " ، حتّى و إن كان من الهام الإقرار بوجود مكوّن أخلاقي في النظرة البروليتاريّة للعالم . و كذلك من الممكن الإقرار بأنّ وصف شوارتز ( و دى مالو ) للخصوصيّات البروليتاريّة ( نكران الذات ، التضحية اللامتناهية إزاء الحاجيات الجماعية ، الإكتفاء الذاتي من نوع إكتفاء الأنصاريين ، الطاقة التي لا تنفذ... و الإنضباط الحديد) لا ينسحب على الثوريين البروليتاريين فحسب فعلى مرّ التاريخ و في العديد من البلدان وُجد قدر كبير من الثوريين البرجوازيين و البرجوازيين الصغار الذين أبدوا مثل هذه الخصال . و روباس بيار قاد الثورة الفرنسيّة ( البرجوازيّة ) و ضحّى بحياته من أجلها و " كان معروفا بأنّه عنيد " . و ألا يمكن قول إنّ العديد من كوادر مجموعات قوميّة كنمور التاميل في سيريلانكا ، كانوا يتقاسمون الكثير من الخصال التي عدّدها دى مالو ؟ إنّ النظرة البروليتارية للعالم ، فوق كلّ شيء ، مسألة علم فهم المجتمع و تغييره و تشخيص السيرورة الإجتماعيّة الوحيدة التي يمكن أن تفضي إلى بلوغ المجتمع الخالى من الطبقات ، الشيوعي ، و بالتحديد عبر الثورة الإشتراكيّة و دكتاتوريّة البروليتاريا . ليست المسألة مسألة أعضاء معيّنين من الطبقة البروليتاريّة بل يتعلّق الأمر بالبروليتاريا كطبقة محدّدة بعلاقاتها مع نمط الإنتاج و ليس كمجموع أفراد يجسّدون " متطلّبات أخلاقيّة " . لقد مثّل فهم ماركس أنّ الظروف الإجتماعيّة للبروليتاريا تعنى أنّ " البروليتاريا لا يمكن أن تحرّر نفسها إلاّ بتحرير الإنسانيّة بأسرها " (31) ، مثّل خطوة عظيمة . و مهمّة البروليتاريا ، " تحرير الإنسانيّة بأسرها " تتحدّى تماما نوع التأويلات المبتذلة و الإقتصادويّة و العمّاليّة النموذجيّة لدي التحريفيّة و حريّ بنا أن نشير إلى أنّ الثوريين في الصين حوّلوا مقولة ماركس هذه إلى واحدة من شعاراتهم الرئيسيّة خلال الثورة الثقافيّة البروليتاريّة الكبرى . و لهذا بوضوح عمق أخلاقي بيد أنّ هذه الأخلاق قائمة على فهم علميّ و ليست بأي شكل متطلّبات أخلاقيّة لديمقراطية دون طبقات و إنسانويّة . لقد كان ماو ذاته ممثّلا صريحا تماما للبروليتاريا ( ما لا ينكر المظاهر القانويّة المتناقضة لفكره ) و تتأتّى ميزة ماو البروليتاري من نظرته للعالم التي كانت في جانبها المهيمن نظرة ماديّة جدليّة و تاريخيّة ، و من كونه قاد النضال من أجل خطّ سياسي يتناسب عموما مع المصالح الطبقيّة للبروليتاريا بالمعنى التاريخي الأوسع ، لا سيما سياسات و تغييرات دفعت المجتمع إلى الأمام و بصورة ملموسة جدّا ستخلق عبر النضال المعقّد و الطويل الأمد ، الظروف الإقتصاديّة و السياسيّة و الإيديولوجيّة لدفع المجتمع بإتّجاه الإشتراكيّة و الشيوعيّة . ما يميّز الثوريين البروليتاريين عن أتباع الطريق الرأسمالي من مثل دنك سياو بينغ ، كان إلى أين تؤدّى في آخر المطاف توجّهات كلّ منهما و سياساته و سياساته الإقتصاديّة و بهذا المعنى ، ما هي العلاقات الطبقيّة التي يمثّلونها . وبالفعل ، كلّ نظرة ماو لثورة الديمقراطيّة الجديدة تتناسب مع توجّه القيادة البروليتاريّة. أجل ، الثورة الديمقراطية الجديدة كما صاغها ماو في نواحى عدّة مثلما يصفها دى مالو : تعتمد على الفلاّحين و محاصرة المدن إنطلاقا من الريف و خوض حرب الشعب الطويلة الأمد إلخ ، غير انّ البروليتاريا كانت تقود هذه الثورة و ما كان مكثّفا في قيادة ماو و الحزب الشيوعي هو خاصة أنّه كان يناضل من أجل خطّ سياسي يسمح للثورة بالمضيّ أبعد من الثورة الديمقراطيّة و المرور إلى المرحلة الإشتراكية . عندما يتعلّق الأمر بالثورة الإشتراكية ، ما من " حياد " . و بكلمات أخرى ، إمّا أن يوجد نضال مصمّم ، واعي و طويل الأمد لتغيير المجتمع بما في ذلك المواجهة الدوريّة للتحدّيات الشرسة و القيام بقفزات كبرى بإتّجاه الشيوعيّة ، و إمّا قيادة المجتمع سيحدّدها ممثّلو علاقات الإنتاج الرأسماليّة و ينظّمونها وفق الخطوط الرأسماليّة . ينبغي أن يوجد نضال واعي و ثوري في مجالات السياسة و الاقتصاد و الثقافة للمضيّ ضد العطالة الكامنة لقرون من الإسغلال الطبقي و ضد عفويّة نابعة من التبادل اليومي ، في كلّ ساعة ، للسلع – تبادل قيم متساوية ( مجدّدا مرتبطا بالحقّ البرجوازي الذى وقع نقده بحدّة كبيرة أثناء الثورة الثقافيّة ) أمر محوري بالنسبة للرأسماليّة كما لإيديولوجيا الرأسمالية حيث " التبادل المتساوي " للسلع يحجب الإنقسام و الإستغلال الطبقيين . و دى مالو لا يدرك ذلك على هذا النحو . و مجدّدا ، يجب أن تشير إلى أنّه لسوء الحظّ ، ليس الوحيد . و هذا من الأسباب التي جعلت بوب أفاكيان يلاحظ أنّ " في غالب الأحيان ، معظم الشيوعيّين ليسوا شيوعيّين " (32) فالإنتماء إلى حزب شيوعي غير كافي و ليس حتّى كافى النضال و التضحية من أجل مصالح الشعب . سيتحدّد نجاح الثورة أو إخفاقها في آخر المطاف بالخطّ الإيديولوجي و السياسي في مصاف القيادة . و هذا لا يعنى أنّه إن قَبِل القادة بالهدف الشيوعي في الكلام و حتّى بمعنى جوهريّ سيتحقّق هذا الهدف . في الواقع ، يقتضى ذلك إختيار إستراتيجيا و تكتيك طوال مراحل النضال المتنوّعة بما فيها المرحلة الديمقراطيّة البرجوازيّة للثورة التي تتطلّبها هذه المرحلة . لهذا مع نهاية حياته ، أكّد ماو بصفة هامّة جدّا على أنّ " صحّة أو عدم صحّة الخطّ الإيديولوجي و السياسي هي المحدّدة في كلّ شيء " ( 33) و لسوء الحظّ ، عدد كبير من أعضاء الحزب و قادة المستويات الوسطى إنتهوا إلى مساندة الإنقلاب التحريفي و لعلّ الكثير منهم فعلوا ذلك عن غير وعي ، على الأقلّ في البداية . و كان هذا كذلك صحيحا بالنسبة إلى الشيوعيين على المستوى العالمي بما في ذلك في الهند أين ساندت تشكيلات هامة منها بعض الذين خاضوا نضالا مسلّحا ثوريّا ضد حرّاس النظام القديم ، في البداية ، الإنقلاب في الصين الذى تجلّى بإيقاف ما تسمّى بمجموعة الأربعة . و في الحقيقة لمّا يجرى الحديث عن الخصال الأخلاقيّة ، يجب أن نكون حذرين جدّا في عدم فصلها عن الخطّ الإيديولوجي و السياسي العام . يجب أن نتذكّر كيف أنّ أتباع الطريق الرأسمالي في الصين بحثوا عن تشويه الثوريين على أنّهم " مائعون و منحلّون و كسالى ". هذا من ناحية و من ناحية ثانية ، كان الثوريّون في الصين يندّدون بطريقة صحيحة ب " أتباع الطريق الرأسمالي الناشطين جدّا " الذين كانوا يعملون ليل نهار لإعادة تركيز الرأسماليّة . و أهمّية هذه المسألة بديهيّة بما فيه الكفاية للجميع الآن و الثورة في النيبال يتمّ الإنقلاب عليها . لن ينكر أحد نضال كافة أعضاء و قادة ذلك الحزب و تضحياتهم في خضمّ حرب الشعب- الذى يشبه ما يحيل عليه دى مالو من" خصال أخلاقيّة " لكن ترتهن قدرة الثورة في النيبال بفتح طريق نحو المستقبل الإشتراكي والتقدّم الحيوي الضروري للثورة الإشتراكية أم ، كما يشير إلى ذلك المسار الحالي ، ستكون النتيجة النهائيّة تعزيز نظام الجمهوريّة البرجوازيّة و الحفاظ على الجماهير مغلولة الأيدى في سلاسل ، ترتهن في الجوهر بالخطّ الإيديولوجي و السياسي للقيادة . " نكران الذات " يمكن أن يكون ميزة لدى التحريفيين و أتباع الطريق الرأسمالي ، و كذلك الصرامة و الإنضباط كانا عادة مرتبطين بالطبقة الرأسماليّة عند صعودها في البداية . ( XI) و مثلما يطرح ذلك أفاكيان : " هناك قدر كبير من المفاهيم الخاطئة و الخلط بصدد مسألة القيادة الشيوعيّة ، خلط إلى درجة هامة مرتبط بالمفاهيم الخاطئة من مبادئ و أهداف الثورة الشيوعيّة في ذاتها – و بأشكال معيّنة تعارضها كما أشرت إلى ذلك ، القيادة – و خاصة القيادة الشيوعيّة – تتكشّف في الخطّ . و هذا لا يعنى مجرّد نظريّات مجرّدة ، رغم أنّ هذه التجريدات ، خاصة بالدرجة التي تعكس بها بطريقة صحيحة الواقع و حركته و تطوّره ، هامة جدّا لكن بالمعنى العام ، يتعلّق الأمر كما يجرى التعبير عنه بقدرة التطوير المستمرّ لنظريّات مجرّدة صحيحة في الأساس ؛ بصياغة و تطبيق وجهة نظر و منهج و إستراتيجيا و برنامج و سياسة يتطلّبهم التغيير الراديكالي للعالم عبر الثورة بإتّجاه الهدف النهائي للشيوعيّة و قيادة آخرين لإستيعاب – و المبادرة في تطبيق – كلّ هذا و التحرّك على هذا الأساس ؛ و من خلال هذه السيرورة من التمكين المستمرّ للأشخاص الذين تتمّ قيادتهم من مزيد تطوير كلّ مرّة أكثر قدرتهم على القيام بكلّ هذا . هنا يكمن جوهر القيادة الشيوعية " .(34) ماركسيّة العالم الثالث ؟ يتقاطع تحديد دى مالو للماويّة على أنّها " ديمقراطيّة راديكاليّة " مع تيّارات أخرى في تاريخ الحركة الماويّة في فهم الماويّة أساسا ك " ماركسيّة العالم الثالث " ، وهذا تيّار إرتبط بلين بياو ، قائد هام في الحزب الشيوعي الصيني . (XII) و يتضمّن هذا تقليص الماويّة إلى عدّة مميّزات خاصة عدّدها دى مالو ، لا سيما خوض حرب الشعب الطويلة الأمد و القيام بالثورة في " ريف العالم " أي آسيا و أفريقيا و أمريكا اللاتينيّة . و يولى دى مالو أهمّية كبرى لكون جماهير العمّال في أوروبا خاضت نضالات ثوريّة توقّعها ماركس (35) . و أكيد أنّ سيرورة الثورة البروليتاريّة العالميّة كما توقّعها ماركس و إنجلز تأثّرت بعمق بالتغييرات اللاحقة التي حدثت في العالم . ومثلما سيحلّل ذلك لينين ، ترافق تطوّر الرأسماليّة إلى إمبرياليّة بتغييرات هامة في هيكلة طبقات البلدان الرأسماليّة المتقدّمة و خاصة ، تقسيما للبروليتاريا نفسها في البلدان المتقدّمة بين أرستقراطيّة عمّاليّة تستفيد من الإمبرياليّة وهي مستعدّة للمساعدة في المغامرات الإمبرياليّة للطبقات الحاكمة و من الجهة الأخرى ، قسم من البروليتاريا منزوعة الملكيّة أكثر ظروف عملها وحياتها تتناسب أكثر مع تلك الموصوفة في" بيان الحزب الشيوعي " على أنّه " ليس لها ما تخسره " سوى أغلالها . و قد فهم لينين فهما في منتهى العمق هذا الواقع و إعتبر هذا الإنقسام في صفوف الطبقة العاملة نقطة إنطلاق لتطوير إستراتيجيا و تكتيك ثوريين في هذا الصنف من البلدان . لهذا دعا الشيوعيين إلى الإجتهاد لبناء قاعدة في صفوف البروليتاريا " الأعمق " . و نظرا للأطروحات اللينينيّة المعروفة جيّدا بهذا المضمار ، نستغرب أن يقول دى مالو أنّ هذه الظروف " قد أعاقت ولوج وعي ثوري في صفوف عمّال القارة " لكن لينين " تجنّب " هذا الواقع . نهائيّا ، يمثّل الموقف ذي الإمتيازات النسبيّة للعمّال في البلدان المتقدّمة عاملا هاما يعكس الهيكلة الطبقيّة في هذه البلدان و يزن بثقله في تفكير هذا القطاع من العمّال . إلاّ أنّ دى مالو هو كذلك يسقط في الحتميّة المبتذلة التى يحذّر منها مقاله . أوّلا ، هناك قاعدة ماديّة لكلّ من الشيوعيّة الثوريّة و التعاون الطبقي في صفوف بروليتاريا البلدان الإمبرياليّة و من الخطأ أن نرى فقط المظهر الأوّل ، تبرجز قطاعات هامة من الطبقة العاملة و لا نرى وجود " عمق " أو قطاعات أخرى من البروليتاريا مثل جماهير السود و المهاجرين و النساء المضطهدات و غيرها ، حتّى داخل البلدان الإمبريالية الأكثر تقدّما و التي تؤدّى بها ظروف الحياة إلى الحقد على النظام القائم . و فضلا عن ذلك ، يجب التأكيد على أنّ و لا في وضع واحد مجرّد وجود ظروف الإستغلال و التفقير يمكن أن تكون كافية للحصول " آليّا " على الوعي الطبقي الذى تمثّله الإيديولوجيا الشيوعيّة . و بالفعل ، تمثّل ضرورة أن يكسب الشيوعيّون العمّال إلى وعي طبقيّ عنصرا جوهريّا في تعاليم لينين و قد وقع تطويرها ببعض التفصيل في " ما العمل ؟ " حيث يدافع بطريقة مقنعة عن أنّ النضال العفوي و واقع الإستغلال لا يترجمان آليّا إلى وعي بروليتاري . و شدّد على أنّ هذا الوعي يحتاج إلى أن " يأتى " إلى العمّال " من خارج " تجربتهم المباشرة ؟ ولن نبالغ في الإشارة إلى أنّ لينين تقدّم بهذه الأطروحة في ظروف بؤس و حرمان كبيرين في روسيا القيصريّة. إعادة صياغة دى مالو للماويّة في إطار الديمقراطيّة الراديكاليّة و حرب الشعب معتمدة على الفلاحين في العالم الثالث تقطّع أوصال الدور الحيوي لمساهمات لينين ، اللينينيّة ، كجزء من الطابع المندمج و خلاصة الشيوعيّة – تقييم و فهم علميين لضرورة الثورة الشيوعيّة و دكتاتوريّة البروليتاريا و الإنتقال إلى الشيوعيّة كجزء من سيرورة عالميّة ، و الدور القيادي المؤسّساتي للحزب الطليعي طوال كامل هذه السيرورة . (XIII) و حتّى في البلدان أين تعرف الجماهير منتهى الإستغلال و الإضطهاد و تتمرّد عادة في نضالات متنوّعة ، يظلّ صحيحا أنّ هذه الظروف لا تفضى عفويّا إلى الوعي الشيوعي . خلال موجة النضالات الثوريّة لستينات و بدايات سبعينات القرن الماضي ، نزع الوعي العفوي لثوريي آسيا و أفريقيا و أمريكا اللاتينيّة نحو ضرب من القوميّة الثوريّة . و عادة ما يتّخذ صنفا من اللون " الماوي " – في جزء منه للإعتراف بالمساندة الحقيقيّة التي كانت الصين تقدّمها لهذه النضالات . و كان المشكل أنّ الكثير من الماويين ذاتهم كانوا مضطربين في التمييز بين القوميّة الثوريّة و الشيوعيّة الثوريّة . و الآن ينبغي أن تكفي ملاحظة القوّة التي حملتها للأسف بعض الإيديولوجيّات الرجعيّة مثل الأصوليّة الدينيّة أو أرهاط متنوّعة من الإنتهازيّة ضمن قطاعات عامة من حتّى الجماهير التي هي عموما مسحوقة في العديد من البلدان المضطهَدَة، لرؤية أنّ الإيديولوجيا الشيوعيّة الثوريّة لا تتطوّر عفويّا . و هذا الواقع ينبغي أن يحثّ على جهود خوض نضال إيديولوجي مصمّم ، و عدم التهرّب من هذه المعركة الضروريّة . بالنسبة لماو تسى تونغ و الصين الثوريّة ، كان من المهمّ أن يدعموا بصراحة نضالات التحرّر الوطني التي كانت تتوسّع عبر العالم قاطبة في ستّينات القرن الماضى و بلغت أوجها مع حرب التحرير في الفتنام . و كان على ماو أن يناضل ضد الإتّحاد السوفياتي و تحريفيّون آخرون كانوا يقوّضون هذه النضالات و/ أو حاولوا التلاعب بها لتخدم الإتّحاد السوفياتي الذى حلّله ماو تحليلا صحيحا على أنّه صار قوّة عظمى " إمبريالية إشتراكيّة " . و في الوقت نفسه ، وُجدت مشاكل في كيفيّة إرتباط ماو و الحزب الشيوعي الصيني بالنضالات في البلدان المضطهَدة . مثلا ، لم يجتهدوا أقصى الإجتهاد لمساندة تطوّر منظّمات شيوعيّة مستقلّة ، مكتفين عادة بمساندة أنواع مختلفة من جبهات أو منظّمات التحرير كانت تسيطر عليها قوى برجوازيّة أو برجوازيّة صغيرة كمنظّمة تحرير فلسطين أو الإتّحاد الوطني الأفريقي لزمبابواي لروبار موغابى . و خاصة في السنوات الأخيرة ، لمّا واجه ماو تهديدا متصاعدا بالحرب من قبل الإتحاد السوفياتي ، بذل جهودا لبناء ضرب من " الجبهة المتّحدة " التي تشارك فيها حتّى الدول الرجعيّة المعارضة للاتحاد السوفياتي . و لم تكن أخطاء ماو بهذا الصدد (36) لا الأولى و لا الأسوء في تاريخ الحركة الشيوعيّة العالميّة . فمثلا ، ربط ستالين الثورة العالمية بمصالح دولة الإتّحاد السوفياتي لا سيما خلال الحرب العالمية الثانية و في الفترتين السابقة و اللاحقة مباشرة لها ، كان مثالا خطيرا جدّا . لكن أخطاء ماو في هذا المجال ، رغم نبذه للأطروحات التحريفيّة الأساسيّة ك " طريق التطوّر اللارأسمالي " ، قد تسبّبت في مشاكل حقيقيّة . و تداخلت الأخطاء في هذا المجال مع أخطاء أخرى في المنهج و المقاربة. وقطعا وُجدت صلب الحزب الشيوعي الصيني في عهد ماو نزعة نحو تحديد " الماويّة " كإيديولوجيا نضال التحرّر الوطني ، نزعة تبنّاها و وسّعها بصورة كبيرة جدّا الكثير من الثوريين حينها و لم يتجاوزوا قط حدود النضال ضد الإمبريالية و الإقطاعيّة . و بكلمات أخرى ، هؤلاء هم أولئك الذين لم ينظروا أبدا أبعد من " الأفق الضيّق للحقّ البرجوازي " . و سيكون من الإجحاف الكبير أن نسوّي بين ماو و النظرة المحدودة لبعض أنصاره . لكن مع ذلك ، هنا أيضا ، يكمن أحد تناقضات الماويّة : الأفق التحريري المناسب لمهمّة البروليتاريا في المضيّ بالمجتمع الإنساني إلى أبعد من حدود الطبقات و الأمم ، تعايش مع نزعة ثانويّة لكن حقيقيّة عند ماو بأن يمزج أحيانا الإثنين في واحد في ما لايتّصل بالشيوعيّة و تحرير الأمم . و تنعكس هذه النزعة في تعليق لماو عادة ما يستشهد به و مفاده أنّ " في حروب التحرّر الوطني ، الوطنيّة تطبيق للأمميّة " (37) و يستخدم دى مالو عدم الوضوح و الأخطاء الثانويّة لدى ماو ليعيد صياغة جملة تعاليم ماو على أنّها عمل إنسان غير شيوعي ، " ديمقراطي راديكالي " . الخطّ الجماهيري : و لنمعن النظر الآن في كيف يشرح دى مالو مفهوم الخطّ الجماهيري : " ... خاصيّة مميّزة للماويّة . منهج تشريك الجماهير مثلا في كيفيّة [ إنجاز أصناف متنوعّة من النضالات ] القيام بكلّ ما سبق ثمّ تطبيق ما تقرّر بمشاركتها . و هكذا يفهم قادة الحزب فهما صحيحا آراء الشعب و يصوغون السياسات المطلوبة بطريقة تجعل الجماهير تدعمها و تكرّسها بنشاط " . أجل ، طوّر ماو نظريّة الخطّ الجماهيري غير أنّ هذا حقل آخر فيه الكثير من الماويين و كذلك الأكاديميين و أصدقاء الحركة الشيوعيّة قد أساؤوا فهم المظهر الأساسي . فلا يجب أن يتحوّل الخطّ الجماهيري إلى حجّة لمجرّد " الإستماع إلى الجماهير " و السماح لها بالنقد و أشياء من هذا القبيل ، أو فقط منهجة تفكيرها ، على أنّ كلّ هذه الأشياء حيويّة في فهم ماو و ممارسته . يجب أن تشتمل القيادة الشيوعيّة للجماهير على فهم عميق للجماهير و تفكيرها ( يعنى ، تفكيرها المتناقض ) . و على أساس فهم علميّ شامل لمهام الثورة و الإستراتيجيا و التكتيك الضروريين والوعي الثوريّ بصفة أعمّ ، يستطيع الشيوعيّون أن يطوّروا شعارات و سياسات و غيرها تركّز المصالح الجوهريّة للجماهير و حولها يمكن للقطاعات النامية من الجماهير أن تكسب إلى إستيعابها و النضال من أجلها . لا داعى لإستخدام خطّ الجماهير للمحاججة بأنّ شعارات و سياسات الشيوعيين مجرّد إنعكاس أو تكثيف تجريبيين لمشاعر الجماهير و عفويّتها ؛ و إن كان الأمر كذلك سيشجّع الشيوعيّون كافة ألوان الأفكار الرجعيّة . ( من الأكيد أنّ إلى هذا يؤدّى عادة التشويه التحريفي للخطّ الجماهيري ). مثلا ، سيكون ضارا جدّا " الإتحاد " مع ( و أقلّ من ذلك تكثيف ) المشاعر الرائجة أو الدينيّة للجماهير ، مهما كانت منتشرة في أيّة لحظة من اللحظات . و قد رأينا هذا الضرب من الأخطاء حتّى ضمن الذين يبحثون عن تطبيق الماويّة ، أو يقولون إنّهم يفعلون ذلك . يلغى دلى مالو الدور الديناميكي للسياسة و الإيديولوجيا ، الصراع الدائر في هذه المجالات ، و الدور الضروري للشيوعيين في خوض هذا النضال . هنا مجدّدا يجب أن نلاحظ أنّ تأكيد ماو على ضرورة خوض هذا النضال الإيديولوجي و السياسي ميزة مركزيّة للماويّة رغم أنّ القليل نلفيه بهذا المضمار في مقال دى مالو . ( و هذا لا يعنى أنّه لا وجود لشيء في فهم ماو للخطّ الجماهيري أو للعلاقة بين الوعي و الموقع الطبقي الذى يمكن أن ينجم عنه التأويل الشعبوي لدى مالو كما سنشرح لاحقا ) . لا يستطيع نوع الفهم التذيّلي للخطّ الجماهيري الذى يروّج له دى مالو ( و يشاطره إيّاه العديد من الماويين ، الآن و تاريخيّا ) ، لا يستطيع إلاّ أن يقلّص الدور الديناميكي للنظريّة الثوريّة في إرشاد السيرورة بأكملها . و بالفعل ، بعيدا عن أن تكون إنعكاسا سلبيّا لمشاعر الجماهير و أفكارها ، يجب على النظريّة الشيوعيّة العلميّة أن " تتقدّم على " الممارسة مثلما أشار إلى ذلك أفاكيان . و في إرتباط بمشكل " الخطّ الجماهيري " كتبرير للتذيّل للجماهير هناك تاريخ نزعات خاطئة وسط الحركة الشيوعيّة العالميّة نحو ما أسماه أفاكيان " تجسيد البروليتاريا " ( و التجسيد هو إتّخاذ تجريد و في هذه الحال البروليتاريا كطبقة و مصالحها الجوهريّة على المدى البعيد ، و خلطها مع تمظهراتها الملموسة الخاصة ، في هذه الحال مجموع بروليتاريين معيّنين و كيف يستطيعون رؤية مصالحهم في لحظة معيّنة ). و قد عبّرت هذه النزعة عن ذاتها بدرجات متفاوتة خلال الثورة الثقافيّة البروليتاريّة الكبرى – بما في ذلك جهود أتباع الطريق الرأسمالي لتضليل العمّال بدعوات ديماغوجيّة لمصالحهم الضيّقة ( مثلا ، محاولة جعل العمّال يركّزون نضالهم على الحصول على أجور أعلى ) بينما كان الرهان حينها مستقبل البلاد برمّتها – إذ دعا ماو و القيادة الثوريّة في الحزب العمّال إلى " الإنتباه إلى شؤون الدولة ". و من جديد ، لم يحدث هذا دون تناقضات . فالثوريّون أنفسهم عمّقوا فهمهم و شدّدوا أكثر على النضال من أجل أن تستخدم الجماهير حينها ما كان متعارفا عليه كماركسيّة – لينينيّة – فكر ماو تسى تونغ بغاية التمييز بين الخطوط الصحيحة و الخطوط الخاطئة . يقال إنّ تشانغ تشن- تشياو طرح أنّ " النظريّة هي المظهر الأكثر ديناميكيّة في الإيديولوجيا " نسبة للمشاعر الطبقيّة . (38) في عهد ماو تسى تونغ ، تمكّن الناس كذلك من رؤية الإختلافات المتصلة بكيفيّة فهم العلاقة بين عفويّة الجماهير و النظريّة الشيوعيّة الثوريّة . و على سبيل المثال ، في المراحل الأولى من الثورة الثقافيّة ( نفس الفترة التى يعدّها دى مالو أوج تلك الثورة ) عادة ما يتمّ الإستشهاد بلين بياو وهو يقول " التيّار الأغلبي في حركة الجماهير يتّبع دائما تطوّر المجتمع وهو دائما عقلاني " .(39) يمكن مقارنة هذه الحجّة التي كفّ الحزب الشيوعي الصيني عن إستخدامها بشعار شدّد عليه ماو في المؤتمر العاشر للحزب سنة 1973 : " السير ضد التيّار مبدأ ماركسي – لينيني " (40) و أوضح تقرير ذلك المؤتمر كذلك أنّ الشيوعيّة الثوريّة وحدها تمكّن الإنسان من القدرة على التمييز بين التيّار الصحيح و التيّار الخاطئ . و هنا نستطيع مجدّدا أن نلاحظ أنّ بعض العناصر الخاطئة و الجزئيّة في ما طرحه ماو و الشيوعيّون الصينيّون قبلا ( في هذه الحال ، إيحاء بأنّ فهم الجماهير يجب أن يعدّ دائما صحيحا ) يقع إستغلالها و رفعها أعلى من الفهم الأكثر علميّة وهو الرئيسي الذى كان ماو و أنصاره يطوّرون . سواء يجرى ذلك عن وعي تام أم لا ، يؤكّد دى مالو على التمسّك و الإعتماد على عناصر فكر ماو و ممارسته اللذان دعا ماو نفسه إلى مساءلتها أو إستبعادها . و عوض إتّباع تراجع دى مالو ، علينا النظر إلى الفهم المتقدّم الذى نحته أفاكيان بشأن العلاقة بين الشيوعيين و الجماهير . لقد شدّد أفاكيان على دور إثارة المسائل الحيويّة أمام الجماهير و تشريكها في الخوض فيها ، مطيحين ، إلى أقصى درجة ممكنة ، بالحواجز التي تعيق مشاركتها في هذا الحقل . و أكّد " لا يتعلّق الأمر ببساطة بخلق وضع تشعر فيه في كلّ مرّة أكثر الجماهير بأنّها منخرطة في السيرورة الثوريّة ، بل في الواقع بإيجاد حلول لهذه المشاكل و السماح للحزب كما للجماهير بالتعلّم على هذا النحو ". (41)
" الممارسة معيار الحقيقة " : مجال آخر يركّز فيه دى مالو فهما خاطئا يشاركه فيه الكثيرون داخل الحركة الماويّة هو تحليله لما يوصف بأنّه جوهر الماويّة ، " البحث عن الحقيقة في الممارسة " . و بالرغم من أنّنى لست على علم بأيّ تصريح لماو يتناسب تماما و ما ذكره دى مالو ، فإنّ ماو قد كتب أنّ " الممارسة هي معيار الحقيقة " . (42) و يحدّد دى مالو الماركسية ك " مرشد للحياة و الممارسة الإجتماعيّة و على المدى الطويل لا يمكن الحكم على صلوحيّتها إلاّ عبر نتائجها " ، و ذلك إعتمادا على إستشهاد لبول سويزي الذى يعيد دى مالو نشره ضمن مجموعة مقالاته . و تتجلّى بديهيّة أكثر خطورة هذا الخطأ حينما نقرأ كامل مقطع سويزي الذى يبقيه دى مالو كما هو " ربّما الأهمّ هو أنّ الماركسيّة نظريّة في التاريخ و مصير الإنسانيّة الذى هو بسيط في خطوطه العامة و إنعكاساته الواسعة التي لاتحصى و لا تعدّ . إنّها نظريّة عقلانيّة و ليست تصوّفا ، لكن ككلّ نظريّة من هذا القبيل لا يمكن التثبّت منها بشكل دقيق أو علمي . إنّها مرشد للحياة و الممارسة الإجتماعيّة و على المدى الطويل لا يمكن الحكم على صلوحيّتها إلاّ عبر نتائجها ". ( التسطير مضاف ) (43) و في ما يتصل هنا بالتشديد على تحديد الكلمات التي محاها دى مالو ، يبرز النبذ الأساسي لسويزى لكلّ قاعدة علميّة " للتثبّت " من الماركسية . (XIV) الماركسيّة قبل كلّ شيء علم و ليست مجرّد " مرشد " (44) . و ككلّ علم ، يمكن و يحتاج التثبّت منه بإستمرار ، و إثراءه و كلّما كان ذلك ضروريّا تصحيحه . إلاّ أنّ هذا يختلف عن قول إنّه يجب أن يتمّ التثبّت عبر " نتائجه ". و على سبيل المثال ، تعاليم ماو تسى تونغ حول طابع المجتمع الإشتراكي و أطروحته حول تحوّل الديمقراطيين البرجوازيين إلى أتباع للطريق الرأسمالي و أطروحته حول خطر إعادة تركيز الرأسماليّة ، و توقّعاته حول ما ستعنيه إعادة تركيز الرأسماليّة للشعب الصيني و للعالم – كلّ هذا لسوء الحظّ " أثبته " إنقلاب دنك سياو بينغ و بهذا المعنى وقع إثباته في الممارسة العمليّة . و بلا ظلّ للشكّ ، من العسير التفكير في عديد الأطروحات العلميّة الأخرى ، على الأقلّ في مجال العلوم الإجتماعيّة ، التي وقع إثباتها تماما كما وقع لأطروحات ماو . (XV) وعلى ضوء هذا ، يجدر بنا أن نفكّر في لماذا قلّة قليلة من القوى الماويّة في العالم إستطاعت أن تفهم بالمعنى الأساسي ، ما كان يحدث في الصين عقب الإنقلاب إيّاه . لقد إتّبع الكثيرون عن عمى الصين و لم ينتبهوا إلاّ بعد بضعة سنوات إلى واقع أنّ التحريفيين الصينيين ليسوا في حاجة إلى قوى ماويّة على الصعيد العالمي . و أسباب هذا الإنهيار متعدّدة غير أنّ لبعض قضايا الفهم و المقاربة صلة بنقاشنا هنا . و بوجه خاص ، كان الكثير من الناس يطبّقون فهما مبتذلا ل " معيار الممارسة " شبيه بكيف أنّ دى مالو ، مستعيرا كلمات سويزي ، صاغه في مقاله . وفق مثل هذه البراغماتيّة ، إن مُنيت الثورة بالهزيمة ، وهي نتيجة بلا شكّ مريرة ، فمن اليسير إستخلاص أنّ هذا يعود بالضرورة إلى " خطّ " ماو و تعاليمه . لم يكن الأمر إن كان ما دافع عنه ماو صحيحا أم لا . و هكذا عوض العلم و تحديده للحقيقة بإعتبارها أكبر إقتراب من العالم الموضوعي ، و يجب التثبّت منها عبر الممارسة و التجريب ، لدينا معيار موضوعي للحقيقة تتحدّد صلوحيّته بمنفعته المفترضة . لسوء الحظّ ، محاججة دى مالو من أجل إستخدام المنفعة لتحديد الحقيقة ردّ فعل فطريّ لدى الكثير من الماويين . و يتمّ التعبير عن ذلك بعدّة أشكال منها البراغماتيّة الأكثر إبتذالا ل " إذا نجح فهو صحيح " و ما ينجرّ عنه من " إذا لم ينجح فيجب أن يكون خاطئا " . " فشل " الثورة الثقافيّة البروليتاريّة الكبرى ( التي يجب أن يستوعب بصفة أصحّ هزيمة ) إستغلّها الكثيرون و منهم غالبيّة " الماويين " لتبرير مساندة القادة الجدد في الصين و للتخلّص تماما من الماويّة . و كذلك من الضروري الإشارة إلى أنّ " معيار الممارسة " كما يفهمه عامة العديد من الناس في الحركة الماويّة ( و كما يروّج له دى مالو في مقاله ) يعتمد على تحديد ضيّق و فقير " للممارسة " – كتجربة مباشرة و النظريّة فقط كتعميم تجربة تلك الممارسة . الممارسة الإجتماعيّة لا تتمثّل فقط في التجربة الخاصة للنضال المباشر - هنا أهمّية التجربة ، " الممارسة " للصراع على المستوى العالمي و تاريخيّا . و هنا أيضا يجدر بنا أن نذكّر بأنّ ممارسة الثورة الثقافيّة البروليتاريّة الكبرى و الثورات السوفياتيّة و الصينيّة عموما لا تزال بمسافات بعيدة الأهمّ و إنطلاقا منها يجب أن نتفحّص الفهم الموجود و أن نطوّر نظريّة جديدة . (XVI) و فضلا عن ذلك ، لا تتطوّر النظريّة الثوريّة كتجربة للبروليتاريا نفسها و حسب ، حتّى وإن فُهمت بمعنى أوسع . فهناك مصادر أخرى للمعرفة كالعلوم الطبيعيّة التي تساهم إكتشافاتها و يساهم تقدّمها و يجب أن يساهموا في فهم العالم فهما علميّا تماما أو شيوعيّا ثوريّا . و لنضرب مثالا على ذلك . فهم مبدأ عدم التحديد في الفيزياء أو الخطوات الحديثة في الرياضيّات يمكن أن يساعدوا على تصحيح الماديّة الميكانيكيّة الخطّية ، مساهمة هكذا في فهم أصحّ و أكثر جدليّة و علميّة لقوانين الطبيعة و المجتمع ، و خاصة للعلاقة بين الضرورة و الصدفة . أليست الماركسيّة نفسها نتاجا لقدر كبير من المعرفة الإنسانيّة المتراكمة في عدّة مجالات من النشاط الإنساني ؟ ( 45) فمن جهة يبدو هذا بديهيّا حتّى بالنظر إلى المقال الشهير جدّا للينين " مصادر الماركسيّة الثلاثة وأقسامها المكوّنة الثلاثة" (46). و لسوء الحظّ مع ذلك ، غالبا ما مرّت صلب الحركة الماويّة دون تحدّى الأبستيمولوجيا البراغماتيّة والتجريبيّة ـ المتوارية عادة خلف تأويل خاطئ لتصريح ماو بأنّ " الممارسة هي معيار الحقيقة ". ملاحظات نهائيّة : من سياسة و خطاب دى مالو ينبع إستنتاج مفتاح عن الماركسية / الماويّة كديمقراطيّة راديكاليّة هو نقيصة جوهريّة للثورة الإشتراكيّة : " كلّ الثورات التي ألهمها ماركس لم تتمتّع إلاّ بمساندة أو مشاركة أقلّية لها دلالتها " و عليه من الضروري إجراء " مساومة مع الديمقراطية الراديكاليّة لإنشاء تيّار للحصول على مساندة الأغلبيّة " . و رغم أنّنا لا نستطيع التوغّل في نقاش مستفيض لهذا الموضوع ، أودّ أن أسوق بعض الأفكار المقتضبة . تعود الثورة الإشتراكية موضوعيّا بالفائدة على الغالبيّة العظمى من السكّان لكن هذا مختلف بما فيه الكفاية عن العمل كما لو أنّ الثورة يجب أن تنتظر الموافقة الصريحة للغالبيّة قبل التقدّم . الواقع هو أنّ الثورة عامة تبدأ بمساندة قلّة فقط ، رغم وجود القاعدة الماديّة للإنطلاق عموما في نضال أقلّية واعية لجلب و تعبئة في كلّ مرّة فئات أوسع من الشعب. و هذا صحيح أيضا حتّى في البلدان حيث الإضطهاد أشدّ و إستقرار و " شرعيّة " الطبقات المهيمنة ضعيفة جدّا . فمثلا ، أيمكن أن يفكّر أحد حقّا في أنّ في النيبال سنة 1996 كانت الغالبيّة في البلاد قاطبة موافقة على إنطلاق حرب الشعب ؟ أو في البيرو سنة 1980 ؟ أو في الصين سنة 1927 ؟ و لن يكون هذا تأكيدا سخيفا و حسب حين نتحدّث عن بلد بأسره ، فهو ينطبق كذلك إلى درجة كبيرة على المناطق القريبة أين إنطلق النضال المسلّح ، مثل آياكوتشو في البيرو و رولبا في النيبال و بهذا أودّ أن أقول إنّه بلا شكّ هناك قطاع عريض من المجتمع بما في ذلك في مثل هذه المناطق الريفيّة المضطهَدَة جدّا ، يخشى إندلاع النضال الثوري لأنّه يعرف جيّدا فظائع سياسات الطبقات الرجعيّة و مجرميها المسلّحين حين يتجرّأ أحد على رفع رأسه . و قد أشار الحزب الشيوعي البيروفي إلى أنّه كان علي مناضليه أن يعيشوا في كهوف في الستّة أشهر أو السنة الأولى من حرب الشعب في البيرو قبل أن تكسب الجماهير الثقة الكافية في القدرة على مقاومة الثوريين لإيوائهم . و يمكن أن يتطوّر وضع مشابه أيضا عقب إفتكاك السلطة في كامل البلاد . و بكلمات أخرى ، في أوضاع حيويّة ، لأسباب عديدة يمكن لأغلبيّة أن تقتنع أو تتخطّى خشيتها من مساندة خطّ و قيادة تؤدّى إلى إعادة تركيز النظام الإستغلالي القديم . في الصين ، خلال السنوات الأخيرة للثورة الثقافيّة البروليتاريّة الكبرى ، ضغط النظام الإمبريالي العالمي و الوعي السياسي المتفاوت لدي الجماهير و عدم قدرة الكثيرين على فهم الطابع الحقيقي و ثقل الخطّ التحريفي ، قد عزّزوا قدرة أتباع الطريق الرأسمالي على كسب مساندة قطاعات هامة من السكّان . و علاوة على ذلك ، ساهمت الأخطاء التي إقترفها الثّوريّون و إن بطريقة ثانويّة ، في ميزان قوى و إستقطاب غير مناسبين في 1976 . إن وقعت المصادقة على إنقلاب هواو كوفينغ عن طريق إنتخابات ، أسيكون أكثر شرعيّة ؟ أكان على الثوريين أن يقبلوا بالثورة المضادة على أنّها " إرادة الشعب " ؟ من الصعوبات الكبرى للثورة الإشتراكية هي أنّها في مصلحة الغالبيّة العظمى من الشعب و يجب أن تعتمد أساسا عليها إلاّ أنّ الجماهير متكوّنة من قطاعات متقدّمة و متوسّطة التقدّم و متأخّرة . و حتّى في ظلّ الإشتراكيّة ، ليست الجماهير العريضة واعية تمام الوعي بمصالحها على المدى البعيد و بكيفيّة بلوغها – و يفرز هذا ضرورة مستمرّة لقيادة شيوعيّة طليعيّة . يجب إستنهاض الجماهير كلّ مرّة أكثر لتعير الإنتباه إلى شؤون الدولة و للمشاركة في إتّخاذ قرارات المجتمع . لكن هذا لا يعنى أنّه بإمكان الجماهير أن تحكم للتوّ و مباشرة دون منح جزء من سلطة دكتاتوريّة البروليتاريا لممثّليها . فطوال فترة تاريخيّة مديدة ، ستوجد ضرورة الدولة و فضلا عن ذلك ، في العالم حيث لا تزال الإمبريالية تبحث عن الهيمنة ، يشمل هذا أيضا ضرورة وجود جيش قار . في غالبيّة البلدان الإشتراكيّة المستقبليّة ، لا سيما في البلدان المضطهَدَة الأخرى ، ستوجد إختلافات عميقة بين المدينة و الريف و في كلّ البلدان ستبقى فجوة كبيرة بين العمل الفكري و العمل اليدوي ، و التناقض بين الرجل و المرأة سيكون ميزة محدّدة في المجتمع . و كلّ هذه الإختلافات جزء من الأساس المستمرّ لتراجع الثورة ، و قد أعار ماو الكثير من الإنتباه لكيفيّة التعاطى مع هذه المشاكل . و لئن عولجت بطريقة صحيحة ، يمكن لهذه التناقضات أن تكون جزءا محرّكا لتقدّم المجتمع . لن ينفع أبدا مجرّد تمنّى إضمحلال هذه المشاكل و التناقضات . و لهذا صلة بنقد أفاكيان لإرساء الإيديولوجيا الرسميّة في بلد إشتراكي كما حصل في كلّ من الإتّحاد السوفياتي و الصين أين أعلن دستور 1975 أنّ " الماركسيّة – اللينينيّة – فكر ماو تسى تونغ هي الأساس النظريّ الذى يقود تفكير أمّتنا " . و فعلا ، في الثورات الماضية و لا شكّ في الثورات الإشتراكية القادمة ، قطاعات واسعة من المجتمع منها قطاع كبير من الأحزاب الممكنة للأنظمة الإشتراكيّة – مثلا ، عديد الذين يمتلكون معتقدات دينيّة – لا يمكن قول إنّهم يشاطرون الإيديولوجيا الشيوعيّة ، و تأكيد عكس ذلك خاطئ و ضار على حدّ سواء . و إضافة إلى ذلك ، التشديد على أنّ المجتمع في مجمله يوالى الإيديولوجيا الشيوعيّة في حين أنّ الكثيرين أو الغالبيّة لم يقع بعدُ كسبها إلى هذه الإيديولوجيا ، يقلّص إمكانيّة إطلاق و بذل الطاقة و التفكير الممكنين ، بأشكال متعدّدة الأوجه و ليس خطّيا ، للمساهمة في التقدّم نحو الشيوعيّة. و مثلما أشار أفاكيان ، سيكون على الحزب الطليعي أن يقود سيرورة جدليّة سيتطلّبها المرّة تلو المرّة " المضيّ إلى حدّ تقطّع الأوصال " و في نفس الوقت مواصلة النضال مع الجميع حول ضرورة الإستمرار في التغيير الثوري . لهذا الأفق ذاته ، أكّد أفاكيان كذلك على ضرورة تشجيع المعارضة في ظلّ الإشتراكيّة و الدمج الصحيح للمبدأ الذى صاغه جون ستوارت ميل " من المهمّ سماع حجج المدافعين المتحمّسين لفكرة و ليس فقط سماع معارضتهم " . (47) لكن دى مالو ينظر إلى التناقض بين القيادة الشيوعيّة و الجماهير العريضة من منظوره ل " الديمقراطيّة الراديكاليّة " ، و يسيئ فهم كلّ من المشكل و الحلّ . و في وصفه لتطوّر الإشتراكية في الإتحاد السوفياتي ، يستشهد دى مالو و يعتمد على الكثير من المنظر السياسيّ الإشتراكيّ الديمقراطي البريطاني رالف مليباند : " نظرة لينين للدولة الإشتراكية لم تصمد أمام إفتكاك البلاشفة للسلطة " و مع ذلك " لم يتخلّى قط رسميّا على الآفاق التي ألهمتها " الدولة و الثورة " . و عندئذ يمكن أن نستخلص أنّ لينين كان يريد " إنشاء مجتمع تكون فيه الدولة مرتبطة إرتباطا لا تنفصم عراه بحكم الشعب وحكمه الذاتي " ؟ ... في هذا الصدد ، المقارنة بين النظريّة و الممارسة لا يمكن أن تكون أبرز من ذلك ... بعد كلّ شيء ما الذى جرى لمجلس السوفياتات – سوفياتات كانت لها سلطة أجهزة حكم ذاتيّة للعمّال و الفلاّحين – ظهرت تقريبا عفويّا بفعل حركة فيفري 1917 ؟ في صائفة 1918 ، لم يعد للسوفياتات غير وجود شكلي ... و في الواقع إعتبرت دكتاتوريّة البروليتاريا غير ممكنة إلاّ عبر قيادة حزب وحيد ؛ و كذلك إستبعدت الإشتراكية المتعدّدة الأحزاب " . ينبغي أن نشير إلى أنّ تحليل مليباند ل " الدولة و الثورة " و الذى يكرّره دى مالو تشويه فجّ . فمليباند / دى مالو يحجب أنّ النقطة الرئيسيّة لكتاب لينين الشهير هو المحاججة من أجل دكتاتوريّة البروليتاريا ! و سيلاحظ القارء المعتاد على جدالات الحركة الماويّة المعاصرة فورا التشابه بين جميع حجج مليباند / دى مالو و الماوي السابق الهندي ك. فينو (48) في بدايات تسعينات القرن الماضي و بصفة أحدث بابوران باتاراي في النيبال و تأويله التحريفي ل " الديمقراطيّة البروليتاريّة " و النفي الإحادي الجانب لتجربة الثورة البروليتاريّة للقرن العشرين . (49) و هنا أودّ أن أضع سطرا فقط تحت بضعة نقاط . ولئن كانت أشكال و هياكل السلطة السياسيّة و مبادرة الجماهير مهمّة ، فلا وجود لأيّ شكل سحريّ ( سوفياتات أو غيرها ) قادرة لوحدها أن تضمن السيطرة الفعليّة للجماهير . و لا ظلّ للشكّ أنّ " التصويت العام " المميّز للديمقراطيّة البرجوازيّة قد بيّن المرّة تلو المرّة ، و في البلد تلو البلد ، أنّه وسيلة جيّدة جدّا لتعزيز و تبرير سيطرة أقلّية صغيرة على العمّال ( السوفياتات ) أو المؤسّسات المشابهة و ستعالج مشكل المشاركة الواقعيّة و الفعليّة للجماهير في مؤسّسات الحكم و لن تضمن ، وهو الأهمّ ، أن توجّه المجتمع نحو التقدّم في تناغم مع مصالح طبقة البروليتاريا في أن تتخطّى في النهاية المجتمع الطبقي . و لا يجب أن ننسى أنّ " الديمقراطيين الراديكاليين " عندما يبلغون السلطة ، يمكن أن يصبحوا أسوأ الطغاة ( و مثل ذلك لمّا بلغ جمال عبد الناصر السلطة في مصر ، وظّف الجيش لسحق ما كان حركة جماهيريّة مزدهرة و أوقف و سجن آلاف الشيوعيين و آخرين جرى تعذيبهم و وضعهم في مخيّمات إعتقال ). قد يبدو ما يلصقه دى مالو بماو من ضرورة النضال ضد " نخبة حاكمة " مماثلا لتعاطى ماو مع الصراع الطبقي في ظلّ الإشتراكيّة . و مع ذلك ، في الواقع ، يفصل التناقض بين القادة و المقادين عن الطابع المتناقض للقاعدة الإقتصاديّة الإشتراكيّة التي توفّر أرضيّة ظهور برجوازيّة جديدة . و بكلمات أخرى ، ستوجد حاجة إلى مخطّطين و إداريين و قادة خلال كامل الفترة الإشتراكيّة : و المسألة الحيويّة هي أي خطّ تطبّقه هذه القوى ، في ما يتّصل بالدور الذى ينهض به محوريّا بشكل خاص قادة الحزب . يجب على الخطّ البروليتاري الثوري أن يقود المجتمع على طريق الإشتراكيّة و هذا يشمل تقليص الإنقسامات الباقية بين القادة و المقادين ، و تقليص فعل قانون القيمة و الحقّ البرجوازي و جعل في كلّ مرّة قطاعات أوسع من الجماهير تلتحق بسيرورات إتّخاذ القرارات إلخ . إذا إنتصر الخطّ الرأسمالي ، كما كان الحال أوّلا مع الإتّحاد السوفياتي و صعود خروتشوف إلى السلطة و تاليا في الصين عقب الإنقلاب إثر وفاة ماو، كافة ندوب الولادة من رحم المجتمع القديم ، كتقسيم العمل و قانون القيمة إلخ توسّعت بصورة هائلة و تمّت العودة إلى فظائع النظام الرأسمالي . التوجّه نحو النضال ضد " نخبة حاكمة " متجانسة ، و في نفس الوقت ، تجنّب إنجاز تحليل علميّ للتناقضات الطبقيّة و مهام المجتمع الإشتراكي ، كما يفعل دى مالو ، ليس ما علّمنا إيّاه ماو و لا ما مارسه . و أتعس من خلط مضلّل ، هذا الضرب من المقاربة غير الماديّة يمكن أن يفتح الباب على الديماغوجيّة الشعبويّة . فأتباع الطريق الرأسمالي في ظلّ الإشتراكيّة قادرين على هذا مثلما هم قادرون على ذلك الديماغوجيون الشعبويّون في المجتمعات الرجعيّة الراهنة . و هناك الكثير من هذا الصنف من الستارات من الضباب الديماغوجي الحاجب لإنقلاب هواو كوفينغ و دنك سياو بينغ سنة 1976 ، على غرار الهجوم على تشانغ تشنغ على أنّها " منحطّة " للعبها الورق و مشاهدتها أفلاما أجنبيّة . و مجدّدا ، علينا أن نكرّر أنّ الكثير من الرفاق على الصعيد العالمي قد تبنّوا ذلك الموقف . --------------------- تتطلّب الشيوعيّة الثوريّة ديمقراطيّة مغايرة للديمقراطيّة البرجوازية ، ديمقراطيّة تعزّز دكتاتوريّة البروليتاريا و تساعد على ضمان جذب في كلّ مرّة أكثر فئات من الجماهير إلى سيرورة إتّخاذ القرارات و تساعد على ضمان أن تواصل الدولة التقدّم نحو الشيوعيّة . (XVII) و من التجربة التاريخيّة نعلم أنّه سيجرى صراع شرس للحفاظ على هذا الطريق كما نعلم أيضا أنّ الهياكل نفسها التي أرستها الثورة يمكن أن تتحوّل إلى أدوات للعودة إلى إستعباد الجماهير و دفع المجتمع إلى العودة إلى الرأسماليّة مثلما حدث في الإتّحاد السوفياتي و في الصين . و كذلك يمكننا أن نلخّص أنّ نقاشا مزدهرا و صراعا إيديولوجيّا على نطاق واسع ، صراعا إيديولوجيّا و سياسيّا ، بمنأى عن " الصبيانيّة " والتعقيد الذى يمكن أن تكون عليه هذه السيرورة ، يخلق ظروفا أكثر مواتاة للبقاء على الطريق الإشتراكي و إلحاق الهزيمة بمحاولات تغيير لون الدولة الإشتراكيّة . و من ناحية أخرى ، جهود التناغم و الإنسجام أو حتّى إيقاف الصراع السياسي و الإيديولوجي تستخدم في نهاية المطاف في مصلحة الذين يرغبون في العودة إلى الرأسماليّة . و مع ذلك ، في الأساس ، إنشاء مجتمع إشتراكي حيوي ليس رئيسيّا مسألة ديمقراطيّة . و توفّر الخلاصة الجديدة لأفاكيان إطارا جديدا لإطلاق العنان للإبداع و التجريب و تشجيع الصراع و المعارضة و تقليص و تجاوز التناقضات بين العمل الفكري و العمل اليدوي ، بين القادة و المقادين – و كلّ هذا كجزء من التقدّم صوب الشيوعيّة. إنّه يوفّر إطارا جديدا لمعالجة التناقض بين قوى المجتمع المصمّمة على التقدّم نحو الشيوعيّة و القطاعات الأوسع المتناقضة في المجتمع . و يتركّز هذا في صياغة " لبّ صلب مع الكثير من المرونة " . " و هذا يعنى أنّه من جهة يجب أن يوجد توسيع مستمرّ للقوّة في المجتمع ، و الحزب الشيوعي الثوري كعنصرها القيادي ، يكون مقتنعا بصرامة بالحاجة إلى التقدّم نحو الشيوعيّة ، و يلتزم بعمق بالمضي قدما في هذا النضال ، عبر كافة الصعوبات و العراقيل ، و على هذا الأساس و في نفس الوقت ، معزّزين بإستمرار هذا " البّ الصلب " ، يجب أن تتوفّر مساحة و يتوفّر مدى لتنوّع التفكير و النشاط ، في صفوف الناس عبر المجتمع ، " ماضين في عدّة إتّجاهات " ، خائضين في و مجرّبين أفكارا و برامجا و مجالات نشاط مختلفة – و مرّة أخرى ، كلّ هذا يجب أن " يحتضنه " الحزب الطليعي و " اللبّ الصلب " بالمعنى العام و يسمح له بالمساهمة ، عبر عديد الطرق المتباينة ، في التقدّم في الطريق الواسعة نحو هدف الشيوعية . " ثمّة قاعدة لبناء مجتمع حيويّ و مثير – مجتمع لا يلبّى الحاجيات المتصاعدة للجماهير فحسب بل يكون فيه الاقتصاد و تكون فيه المؤسّسات السياسيّة و الثقافة و العلاقات بين الناس أيضا بصدد التثوير ، و كلّ هذا في سيرورة نحو عالم شيوعي . هناك أساس لصياغة طريق إلى المستقبل يستطيع فيه البشر حقّا أن يزدهروا و يعملوا كحرّاس للكوكب . بكلمات أخرى ، أمامنا تحدّى ألا وهو الشروع في مرحلة جديدة من الثورة الشيوعية . -------------------------------------------------------------- الهوامش بالأرقام الرومانيّة معرّبة ( و نترك الهوامش العاديّة الأخرى بالأنجليزيّة كما وردت في النصّ الأصلي لكونها تحيل أساسا على مراجع بالأنجليزيّة و روابطها على الأنترنت ) : I- هذا النوع من الفهم يتقاسم الكثير منه مع خطّ لين بياو الذى كان في وقت ما يعتبر رسميّا خليفة لماو تس تونغ ضمن الحزب I الشيوعي الصيني . و قد أثّر لين بياو في عدد كبير من الناس بمؤلّفه " عاش إنتصار حرب الشعب ! " الذى نظّر و كثّف عديد المفاهيم و الخطوط الحاطئة لوقتذاك . و من ضمن مشاكل أخرى ، يقدّم خوض حرب الشعب كمعيار حاسم في تقييم صحّة الخطّ الإيديولوجي و السياسي . و قد تمّ هذا جوهريّا في إطار تحليل أنّ العالم دخل " عصرا جديدا " و بالتالى لم تعد القوانين الأساسيّة التي إكتشفها لينين بشأن عصر الإمبرياليّة صالحة . و وفق هذه النظرة ، ما كانت هناك حاجة إليه للتقدّم بالثورة العالميّة تقلّص ليتساوى و ليتراجع إلى تقدّم صراعات التحرّر الوطني ضد الإمبرياليّة . و قد حظي هذا الخطّ ، في ستّينات القرن العشرين ، بجاذبيّة على خلفيّة مثل هذه النضالات عبر العالم بما فيها النضال البطولي ضد عدوان الولايات المتحدة في الفتنام . II- إتّبع عديد الآخرين أنور خوجا الألباني الذى إستغلّ الهزيمة في الصين ليشنّ هجوما على كامل تطوير ماو تسى تونغ للماركسيّة. فكان خوجا يدعو إلى العودة إلى نسخة كاريكاتوريّة لفهم ستالين ، محاججا خاصّة ضد مجمل أطروحة ماو حول الطبيعة المتناقضة للإشتراكيّة و الحاجة إلى مواصلة إنجاز الثورة في ظلّ دكتاتوريّة البروليتاريا .( أنظروا " في الردّ على الهجوم الدغمائيّ – التحريفي على فكر ماو تسى تونغ " ، مجلّة " الشيوعي " عدد 5 ، 1979 . [ و هذا الردّ متوفّر بالعربيّة ضمن كتاب شادى الشماوي " الماويّة تدحض الخوجيّة و منذ 1979 " ، مكتبة الحوار المتمدّن ] . III- لقد لخّص بوب أفاكيان ما تعنيه الخلاصة الجديدة فقال : " تعنى الخلاصة الجديدة إعادة تشكيل و إعادة تركيب الجوانب الإيجابية لتجربة الحركة الشيوعية و المجتمع الإشتراكي إلى الآن ، بينما يتمّ التعلّم من الجوانب السلبية لهذه التجربة بابعادها الفلسفية والإيديولوجية و كذلك السياسية ، لأجل التوصّل إلى توجه و منهج و مقاربة علميين متجذّرين بصورة أعمق و أصلب فى علاقة ليس فقط بالقيام بالثورة و إفتكاك السلطة لكن ثمّ ، نعم ، تلبية الحاجيات المادية للمجتمع و حاجيات جماهير الشعب ، بطريقة متزايدة الإتساع ، فى المجتمع الإشتراكي – متجاوزة ندب الماضى ومواصلة بعمق التغيير الثوري للمجتمع ، بينما فى نفس الوقت ندعم بنشاط النضال الثوري عبر العالم و نعمل على أساس الإقرار بأن المجال العالمي و النضال العالمي هما الأكثر جوهرية و أهمّية ، بالمعنى العام – معا مع فتح نوعي لمزيد المجال للتعبير عن الحاجيات الفكرية و الثقافية للناس ، مفهوما بصورة واسعة ، و مخوّلين سيرورة أكثر تنوّعا و غنى للإكتشاف و التجريب فى مجالات العلم و الفنّ و الثقافة و الحياة الفكرية بصفة عامة ، مع مدى متزايد لنزاع مختلف الأفكار و المدارس الفكرية و المبادرة و الخلق الفرديين و حماية الحقوق الفردية ، بما فى ذلك مجال للأفراد ليتفاعلوا فى " مجتمع مدني " مستقلّ عن الدولة – كلّ هذا ضمن إطار شامل من التعاون و الجماعية و فى نفس الوقت الذى تكون فيه سلطة الدولة ممسوكة و متطوّرة أكثر كسلطة دولة ثورية تخدم مصالح الثورة البروليتارية ، فى بلد معيّن وعالميا و الدولة عنصر محوري ، فى الإقتصاد و فى التوجّه العام للمجتمع ، بينما الدولة ذاتها يتمّ بإستمرار تغييرها إلى شيئ مغاير راديكاليا عن الدول السابقة ، كجزء حيوي من التقدّم نحو القضاء النهائي على الدولة ببلوغ الشيوعية على النطاق العالمي . بمعنى ما ، يمكن قول إنّ الخلاصة الجديدة خلاصة للتجربة السابقة للمجتمع الإشتراكي و للحركة الشيوعية العالمية بصفة أعمّ ، من ناحية ، و للنقد من أنواع متنوّعة و من وجهات نظر متنوّعة ، لتلك التجربة ، منا ناحية ثانية . و هذا لا يعنى أنّ هذه الخلاصة الجديدة تمثّل مجرّد " تجميع " لتلك التجربة من جهة و للنقد من جهة أخرى . ليست مزجا إنتقائيّا لهذه الأشياء و إنّما هي غربلة و إعادة صهر و إعادة تشكيل على أساس نظرة و منهج علميّين و ماديّين و جدليّين و للحاجة إلى مواصلة التقدّم صوب الشيوعيّة ، كحاجة و هدف هذه النظرة و هذا المنهج يواصلان الإشارة إليها – و بقدر ما تتّخذ و تطبّق بأكثر شموليّة و عمق ، بقدر ما تشير بأكثر صلابة إلى هذه الحاجة و هذا الهدف ." ( بوب أفاكيان ، " القيام بالثورة و تحرير الإنسانيّة " الجزء الأوّل ؛ http://revcom.us/avakian/makingrevolution/ ) IV - " إنّ الرجال العظام الذين هيّأوا الأذهان في فرنسا للثورة القادمة كانوا هم أنفسهم ثوريين جدّا . إنّهم لم يعترفوا بأي سلطان خارجي هما كان . و تعرّض الدين و مفهوم الطبيعة و المجتمع و بناء الدولة لنقد لا رحمة فيه . و توجّب على جميع المفاهيم أن تقف أمام محكمة العقل ، فإمّا أن تبرّر وجودها أو تكفّ عن الوجود ... و نحن نعرف الآن أنّ مملكة العقل هذه لم تكن غير مملكة مثاليّة للبرجوازيّة ، و أنّ العدالة الأبديّة قد وجدت تطبيقها في العدل البرجوازي ، و أنّ المساواة قد تحدّدت بمساواة المواطنين أمام القانون ، و أعلن أنّ الملكيّة البرجوازيّة ...هي من أهمّ حقوق الإنسان الجوهريّة .و لم تظهر دولة العقل – العقد الاجتماعي لروسو – و ما كان من الممكن أن تظهر إلاّ في شكل الجمهوريّة الديمقراطيّة البرجوازيّة . لم يستطع المفكّرون العظام في القرن الثامن عشر مثلهم مثل جميع أسلافهم أن يخرجوا من الإطار الذى وضعه لهم العصر الذى عاشوا فيه ". ( فردريك إنجلز ، " ضد دوهرينج " ، الطبعة العربيّة دار التقدّم ، موسكو 1984، صفحة 22-23) V - " فيما يخصّنى ، ليس لى لا فضل إكتشاف وجود الطبقات في المجتمع المعاصر و لا فضل إكتشاف النضال فيما بينها . فقد سبقنى بوقت طويل مؤرّخون برجوازيّون بسطوا التطوّر التاريخي لهذا النضال بين الطبقات ، و إقتصاديّون برجوازيّون بسطوا تركيب الطبقات الاقتصادي . و إنّ الجديد الذى أعطيته يتلخّص في إقامة البرهان على ما يأتي : 1- أنّ وجود الطبقات لا يقترن إلاّ بمراحل تاريخيّة معيّنة من تطوّر الإنتاج ، 2- أنّ النضال الطبقي يفضى بالضرورة إلى ديكتاتوريّة البروليتاريا ، 3 – أنّ هذه الديكتاتوريّة نفسها لا تعنى غير الإنتقال إلى القضاء على كلّ الطبقات و إلى المجتمع الخالى من الطبقات . " ( رسالة من ماركس إلى يوسف فيدماير ، 5 آذار / مارس 1852 ؛ ماركس إنجلس ، " رسائل مختارة " ، الطبعة العربيّة دار التقدّم ، موسكو1982 ، صفحة 60 ) - في تعارض مع شكلانيّة " الديمقراطيّة الراديكاليّة " لدى مالو و طابعها اللاطبقي و جهوده لجعل ماركس و ماو على VI تلك الصورة ، يمكن أن نقارنها بجمل بوب أفاكيان التالية حول الديمقراطية : " فى عالم يتميّز بإنقسامات طبقية ولامساواة إجتماعية عميقين ، الحديث عن " الديمقراطية " دون الحديث عن الطبيعة الطبقية لهذه الديمقراطية ، بلا معنى وأسوأ. طالما أنّ المجتمع منقسم إلى طبقات ، لن توجد " ديمقراطية للجميع " : ستحكم طبقة أو أخرى وستدافع عن وتروّج لهذا النوع من الديمقراطية الذى يخدم مصالحها و أهدافها. المسألة هي : ما هي الطبقة التى ستحكم وإذا ما كان حكمها ونظام ديمقراطيتها، سيخدم تواصل أو فى النهاية القضاء على الإنقسامات الطبقية و علاقات الإستغلال والإضطهاد و اللامساواة المتناسبة معه ." ( جريدة " الثورة " عدد 273 [ + 22: 1 من كتاب " الأساسي من خطابات بوب أفاكيان و كتاباته " ترجمة شادي الشماوي ، مكتبة الحوار المتمدّن - المترجم ] ) VII - جوهر المسألة كان أنّ روبيسبيار – و اليعاقبة عامة – قد حاولوا أن يؤسّسوا مجتمعا يحقّق المثل العليا البرجوازيّة للمساواة و الحرّية و حقوق الإنسان العالميّة ، متحاشين منتهى الغناء و منتهى الفقر و إحتكار السلطة و إنعدام سلطة الشعب . و تكمن سخريّة التاريخ ليس في واقع – مثلما يزعم عادة الديمقراطيّون البرجوازيّون و المؤرّخون البرجوازيّون عامة – أنّ في محاولة القيام بهذا لجؤوا إلى الوسائل العنيفة ثمّ صاروا هم ذاتهم ضحايا لذلك ؛ بل يكمن في واقع أنّ هذا المثل الأعلى البرجوازي يتناسب عمليّا أكثر مع موقع البرجوازيّة الصغيرة ...- و مع ذلك هذه الطبقة ( أو بدقّة أوفر ، هذه الفئات البرجوازيّة الصغيرة ) غير قادرة على حكم المجتمع و إعادة تشكيله على صورتها . و يعزى هذا إلى كون علاقات الملكيّة ذاتها – و حتّى أكثر ، قوانين الإنتاج و التبادل السلعي – التي تعبّر عنا هذه الفئات ، و كامل سيرورة المراكمة التي هم متورّطون فيها حين تمسك بالأمر علاقات الإنتاج البرجوازي ، تؤدّى لا محالة إلى إستقطاب المجتمع إلى عدد قليل من البرجوازية الكبرى من جهة و جماهير عريضة من البروليتاريين الذين لا ملكيّة لهم من الجهة الأخرى - و تجد هذه الفئات البرجوازيّة الصغيرة نفسها بينهما . و قوّ ة من هتين القوّتين يجب أن تحكم المجتمع المعاصر". ( بوب أفاكيان ، " الديمقراطية : أليس بوسعنا إنجاز أفضل من ذلك ؟ " ؛ بانر براس ، شيكاغو 1986، الصفحة 35). VIII - لكن ما يستحقّ التذكير به هنا هو تعليق لماركس على التاجر البرجوازي الصغير و المثقّفى الديمقراطي : " إنّ المغزى يبقى واحدا ، ألا وهو تحويل المجتمعبطريقة ديمقراطيّة و لكنّه تحويل ضمن حدود البرجوازيّة الصغيرة غير أنّه لا يجوز للمرء أن يكوّن فكرة ضيذقة الأفق تزعم أنّ البرجوازيّة الصغيرة ترغب ، من حيث المبدأ ، في تحقيق مصلحتها الطبقيّة الأنانيّة . إنّها تعتقد بالعكس أنّ الشروط الخاصة لإنعتاقها هي في الوقت ذاته الشروط العامة التي لا يمكن إنقاذ المجتمع العصري و تفادى النضال الطبقي فيه إلاّ ضمن نطاقها . كذلك لا يجوز للمرء أن يتصوّر أنّ ممثّلى الديمقراطيّة هم جميعا بالفعل من أصحاب الحوانيت أو مدافعون متحمّسون عن أصحاب الحوانيت . فإنّهم بحسب تعليمهم و وضعهم الفردي قد يكونون بعيدين عن ذلك بعد السماء عن الأرض . إنّ ما يجعلهم ممثّلين للبرجوازيّة الصغيرة هو أنّهم عاجزون عن أن يتعدّوا في تفكيرهم النطاق الذى لا تتعدّاه حياة البرجوازيين الصغار ، و إنّهم يتوصّلون بالتالى ، نظريّا ، إلى القضايا و الحلول ذاتها التي تساق البرجوازيّة الصغيرة إليها عمليّا بدافع مصلحتها الماديّة و وضعها الاجتماعي . هذه بصورة عمة ، هي العلاقة بين الممثّلين السياسيين و الفكريين لطبقة من الطبقات و بين الطبقة التي يمثّلوها ". " ( كارل ماركس، " الثامن عشر من برومير لويس بونابرت "، الصفحة 126 من الطبعة بالأنجليزيّة لدار التقدّم موسكو ، و الصفحة 194-195 من " ماركس إنجلس – مختارات في أربعة أجزاء ؛ الجزء الأوّل ؛ الطبعة العربيّة لدار التقدّم ، موسكو . ) IX - و حريّ بنا أيضا ملاحظة أنّه إن لم يقع الحفاظ على الطريق الإشتراكي ، فإنّ حتّى عديد المظاهر الديمقراطيّة التغييرات من أجل الأفضل " التي يقرّ بها دى مالو و آخرون ستتعرّض لخطر محيق . و هناك البعض مثل وليام هنتن الذى ضمّن مقاله دى مالو في البحوث التي جمعها ، الذين كانوا غير واضحين بصدد إطار و طبيعة صراع الخطّن في الصين في السنوات الأخيرة لماو ستى تونغ ، و أدّت بهم هذه الضبابيّة إلى الوقوف إلى جانب معارضى مركز القيادة الثوريّة في الحزب . ( هنتن ، " ماو ، التطوّر في الريف و صراع الخطّين " و " حول دور ماو تسى تونغ " ). و بعد بضعة سنوات ، كانت النتائج بحيث أنّ نظام الملكيّ الجماعيّة في الريف الصيني الذى كان مصدرا كبيرا للإلهام لدى هنتن و عديد الآخرين ، تحوّل إلى الفلاحة الرأسماليّة الخاصة . و البون في الثروة الذى قلّصته الثورة قد إتّسع بسرعة ليتّخذ أشكالا جديدة مع مضيّ الرأسماليين بشراسة في تشديد الإستقطاب الطبقي ، منشئين طبقة جديدة من المليارات و نتيجتها المباشرة نزع ملكيّة و تفقير قطاعات كبرى من سكّان الريف و إستيعابهم في ما سمّاه البعض بصفة مناسبة " معامل العالم الهشّة ". X - بالفعل ، نداء بوب أفاكيان إلى " إثراء " ما العمل ؟ " [ " القيام بالثورة و تحرير الإنسانيّة " ، الجزء الثاني ] ينسحب بصفة واسعة على كافة البلدان و ليس نابعا بالأساس من وجود ( أ عدم وجود ) مرحلة ديمقراطية برجوازيّة للثورة و إنّما بالأحرى من الحاجة إلى الثورة البروليتاريّة لتحرير كافة الإنسانيّة و كنس أي مجال للإضطهاد . ( http://www.revcom.us/avakian/makingrevolution/ ) XI - و يتجسّد الفهم الخاطئ لدى مالو في موقفه تجاه بابوران باتاراي الذى يستشهد بإيجابيّة بمقاله الذى يُدمج ضمن المقالات التي جمّعها دى مالو . و باتاراي قائد من الحزب الشيوعي النيبالي الموحّد ( الماويّ ) و عند كتابة ذلك المقال ، كان وزيراأوّلا للبلاد وقد كسب إعجاب البرجوازيّة العالميّة ل " طاقته التي تنضب " و حتّى ل " إنكار الذات " خدمة لمصلحة الرأسماليّة . إلاّ أنّ خطّ الحزب الشيوعي النيبالي الموحّد ( الماويّ ) الذى يجد دى مالو أنّه " يعبّر عن إبداع " عمليّا خطّ لا يمكن أن يقود إلى الرأسماليّة مثلما تروّج الآن و بحيويّة قيادة الحزب . الفضائل الأخلاقيّة شأنها في ذلك شأن عناصر أخرى من الإيديولوجيا كالثقافة يجب في نهاية المطاف أن تعكس و تخدم القاعدة الإقتصاديّة الكامنة أو ، في حال الأخلاق الشيوعيّة ، تعكس القاعدة الاقتصادية المستقبليّة و الصراع الذى يخوضه الشيوعيّون من أجل إيجاده . يمكن أن نكون متأكّدين من أنّ " إنكار الذات " لدى التحريفيين و " عمل أتباع الطريق الرأسمالي الشاق " سيتحوّل تدريجيّا إلى المحسوبيّة و الفساد المرافقين لكلّ نظام إستغلالي و الذى تجده الجماهير بطبيعة الحال مغيظ للغاية لكنّها مظاهر للنظام الإستغلالي ، و ليست سببه . ( دى مالو ، صفحة 261) XII - في كتابه المؤثّر جدّا ، " عاش إنتصار حرب الشعب " ، حاجج لين بياو بأنّ أساس تحدد إن كان المرء ثوريّا أم لا هو إن تجرّأ على خوض حرب الشعب ضدّهم ، يعنى إن كان المرء ينخرط في الثورة . هذا هو أهمّ قاعدة فعّالة للتمييز بين الثوريّن و الماركسيّين – اللينينيّين الحقيقيين و المزيّفين " . و فعلا كان هذا النوع من التفكير منتشرا جدّا في أوساط القوى الماويّة الناشئة حديثا في أواخر ستّينات القلرن العشرين . بلإدراك متأخّر ، ليس من العسير رؤية مدى خطأ هذه النظرة . فقد وُجدت عدّة أصناف من القوى التي خاضت الكفاح المسلّح ضد الطبقات الحاكمة ، خاصة في ما سمّاه لين بياو " مراكز عواصف الثورة البروليتاريّة العالميّة " في آسيا و أفريقيا و أمريكا اللاتينيّة . وُجدت عدّة قوى ماويّة جديدة شاركت في النهوض التاريخي إلاّ أنّ عدّة قوى أخرى كانت قوميّة إصلاحيّة شعرت في تلك الفترة من التاريخ بأنّه لم تكن أهدافهم لتتحقّق إلاّ بالمشاركة في الكفاح المسلّح و الوقوف إلى جانب الصين الثوريّة . فياسر عرفات في فلسطين و روبار موغابى في الزنبابوى كانا من المؤيّدين بنشاط للنضال المسلّح الثوريّ في تلك المرحلة وكانوا بالمعنى الواسع " موالين للصين " في ما يتصل بموقفهمالسياسي ، إن لم يكن بالإلتزام الإيديولوجي . و تجدر الملاحظة بأنّ دى مالو يعتبر أنّ اعلى نقطة للثورة الثقافيّة تمّ بلوغها قبل إجهاض تمرّد لين بياو ضد ماو تسى تونغ و بداية نقد أكثر منهجيّة لبعض الجوانب الخاطئة لخطّ لين بياو . و بوضوح من المرجّح أنّ دى مالو لن يقبل بالكثير من مقترحات لين بياو ، و الكثير منها كان مرتبطابنوعمن الفكر العسكريو " اليساري " المتطرّف . غير أنّ مفهوم الماويّة على أنّها ماركسية " العالم الثالث " القائمة على الفلاّحين ، و نظرة أنّ " ريف العالم "( آسيا و أفريقيا و أمريكا اللاتينيّة ) كانت تحاصر القلاع الإمبرياليّة لم تكن منحصرة في لين بياو وحده . و فعلا ، وُجدت عناصر في تفكير ماو نفيه و أكثر من ذلك حتّى لدى بعض مسانديه الحقيقيّين ، حيث تعايش هذا الصنف من الفهم مع فهم أصحّ لدى ماو تسى تونغ . لقد كانت قضيّة لين بياو جزءا من سيرورة " إنقسام الواحد إلى إثنين" . و قد أشار الثوريّون في الصين إلى وجود سيرورة من فضح لين بياو نفسه و سيرورة " تعرّفنا على لين بياو " . الجوهر الصحيح و العلمي لتفكير ماو كان بصدد التطوّر بما في ذلك ضد مظاهر " الماويّة " التي كانت قائمة موضوعيّا إلى درجة معيّنة في تفكيره الخاص و بالتأكيد تلقّى دعما واسعافى المعسكر الماوي ، في الصينو عالميّا . ( لين بياو ، " عاش إنتصار حرب الشعب " www.marxists.org/ reference/archive/lin-biao/1965/09/peoples_war/index.htm ) XIII - عند كتابة " كسب العالم ؟..." في 1980 ، نظّر بوب أفاكيان ببصيرة " لنضع ذلك بشكل إستفزازي نوعا ما ، الماركسيّة بلا لينينيّة إشتراكيّة –شوفينيّة مركزيّة أوروبيّة و ديمقراطيّة إشتراكيّة . و الماويّة بلا لينينيّة قوميّة ( و أيضا أحيانا ، إشتراكيّة – شوفينيّة ) و ديمقراطية برجوازيّة . و الآن قد يبدو هذا كالمسلّمات البسيطة الجيّدة غير أنّه قابل للتطبيق و له أهمّية حقيقيّة وهو برأيى تلخيص للتجربة لبعض الظواهر الموجودة في العالم و ينبغي خوض صراع أعمق حولها " . http://www.revcom.us/bob_avakian/conquerworld/index.html) XIV - يمارس دى مالو الإنتقائيّة في هذه النقطة . و بطريقة صحيحة يقدّم أنّ " الصلوحيّة العلميّة يجب الحكم عليها في المصاف الأوّل بمساهمتها في القدرة على تفسير الواقع ". بيد أنّه في الجملة الموالية يقول " و إليكم شيئا أدقّ حتّى – على المدى البعيد ، يجب الحكم على الماركسيّة إنطلاقا من ثمار مشروعها الرامى إلى أخذ الإنسانيّة على الطريق المؤدّى إلى المساواة و التعاون و التشارك و التضامن ". ( دى مالو ، صفحة 24 ) XV - و هذا لا يعنى طبعا أنّ تعاليم ماو أُثبت أنّها صحيحة تماما ففي حين أنّ الخطوط العريضة الأساسيّة لأطروحات ماو قد بيّن صلوحيّتها تفحّص علمي للتجربة ، فإنّ ذات هذه السيرورة من التفحّص و تطبيق الدروس المستخلصة من المجالات الأخرى للتجربة الإنسانية تجعل ممكنا كذلك تشخيص نقائص و أخطاء في جوانب من تفكير ماو تسى تونغ . - لقد وصف أفاكيان الديناميكيّة القائمة بين النظريّة و الممارسة على النحو التالى : XVI " العمل فى أي وقت معيّن على أساس نظرتنا و خطّنا، كما حدّدناه جماعيا وعبر هياكل كل الحزب و قنواته و سيروراته، و إستخلاص الدروس من ممارستنا و رفعها إلى مستوى التجريد النظري ( لكن أيضا إستخلاص الدروس من عديد المصادر الأخرى ، بما فى ذلك تفكير و رؤى الآخرين و أفكارهم الثاقبة ) و تطبيق النظرة و المنهج الشيوعيين العلميين، المادية الجدلية للتوليف / التلخيص المتكرّر لكلّ هذا إلى مستوى أرقى ، فى تطوير و جدال النظرية و الخطّ ، وإعادتهما إلى الممارسة العملية ، على ما ينبغى أن يكون أساسا أعمق و أغنى . و هكذا دواليك ." ( ذُكر في " القانون الساسي للحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكيّة " ، منشورات الحزب الشيوعي الثوري ، 2008 ، صفحة 16 www.revcom.us/Constitution/Constitution/index.html ) . [ و تعثرون على كامل هذا القانون الأساسي باللغة العربيّة ، ترجمة شادي الشماوي ، ضمن كتابه ، " المعرفة الأساسيّة لخطّ الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكية " بمكتبة الحوار المتمدّن - المرتجم ٍ]. XVII - كتب أفاكيان : " حكم الشعب – هذه هي الديمقراطيّة – ما سيكون معنى ذلك عندما نكون قد تجاوزنا تقسيم الناس إلى مستغَلّين و مستغِلّين ، عندما لن يوجد سوى التشارك في المجتمع بين الناس ؟ أجل ، سيظلّ هناك تناقض و صراع غير أنّه لن توجد علاقات إجتماعيّة و أشكال مؤسّساتيّة من خلالها جزء من المجتمع يهيمن و يتحكّم و يستغلّ و يضطهِد أجزاء أخرى من المجتمع . لذا ، أيّ معنى عندها سيكون ل " حكم الشعب " لمّا يوجد فقط أناس بترشاركهم الاجتماعي ، لا حاجة لهم إلى و لا وجود بالفعل لأجهزة قمع جزء من المجتمع لجزء آخر ؟ " . ( بوب أفاكيان ، " ما تحتاج إليه الإنسانيّة – الثورة و الخلاصة الجديدة للشيوعيّة ، حوار صحفي مع بوب أفاكيان " ، جريد " الثورة " عدد 267 ، 1 ماي 2012 ) ----------------------------------------------- Footnotes 1 As of June 2012, the article could be found at http://mrzine.monthlyreview.org/2009/dmello021109.html. Bernard D Mello, “What is Maoism?”, in D Mello, ed., What Is Maoism and Other Essays, Cornerstone Publications, 2010. 2 D Mello, p. 24. Karl Marx, Theses on Feuerbach, Selected Works, Vol. I, (Moscow, Foreign Languages Publishing House, 1946), p. 354. 3 D Mello, p. 43-44. 4 See Bob Avakian, Unresolved Contradictions, Driving Forces for Revolution. A Talk, 2009. For more on this and related questions, see other works by Avakian such as the Dictatorship and Democracy talk, Reaching for the Heights and Flying Without a Safety Net , Birds Cannot Give Birth to Crocodiles, But Humanity Can Soar Beyond the Horizon, Making Revolution and Emancipating Humanity, in the pamphlet Revolution and Communism: A Foundation and Strategic Orientation (May 1, 2008), the recent interview What Humanity Needs – Revolution and the New Synthesis of Communism, and the GPCR interview in this issue of the journal - and other works that reflect the new synthesis such as the Manifesto of the RCP and the Constitution of the New Socialist Republic of North America. Most articles can be found at revcom.us/avakian/index.html and looking through the titles in the rubic Recent Talks and Writings. The interview What Humanity Needs can be found at revcom.us/avakian/what-humanity-needs/interview.html. 5 D Mello, p. 52. 6 For more on this question, see the Website of the Set the Record Straight project: thisiscommunism.org. 7 See Mao Tsetung s 1967 "Talk to the Albanian Military Delegation," re-print-ed in A World To Win no. 1/1985. 8 Communism: The Beginning of a New Stage, A Manifesto from the Revolutionary Communist Party, USA. rev.com.us/Manifesto/Manifesto.html. Hereafter referred to as Manifesto from the RCP. For more discussion of this theme, see Lenny Wolf, "What Is Bob Avakian s New Synthesis?", revcom.us/a/129/New_Synthesis_Speech-en.html, and Avakian, Making Revolution and Emancipating Humanity, Part 1. revcom.us/avakian/makingrevolution/. 9 Karl Marx, "The Class Struggles in France, 1848-1850," Marx/Engels Selected Works,Vol 1, (Moscow, Progress Publishers, 1969), p. 282. 10 Constitution of the Revolutionary Communist Party, USA, (Chicaog, RCP Publications, 2008), p. 42. Also revcom.us/Constitution/ Constitution/index.html 11 Manifesto from the RCP [emphasis added]. 12 Report to the Ninth National Congress of the Communist Party of China, April 1969. marxists.org/reference/ archive/lin-biao/1969/04/01.htm. 13 A leading exponent of this kind of view among academics is the French ex-Maoist Alain Badiou. See Raymond Lotta, Nayi Duniya, and K. J. A., "Alain Badiou s Politics of Emancipation A Communism Locked Within the Confines of the Bourgeois World," Demarcations, no. 1., demarcations-journal.org. 14 Jiang Qing (Chiang Ching) was Mao s wife and principal revolutionary leader on the cultural front. For more, see Chiang Ching: The Revolutionary Ambitions of a Communist Leader, A World to Win, no. 19, 1993. 15 Zhang Chunqiao (Chang Chun-chiao played a leading role in the 1967 January Storm in Shanghai and was both a major theoretician and a key leader of the revolutionary headquarters. See his seminal work On Exercising All-Round Dictatorship over the Bourgeoisie, (Peking, Foreign Languages Press, 1975). 16 Avakian, Mao Tsetung s Immortal Contributions, (Chicago, RCP Publications, 1979). 17 Other important works were to follow that further elaborated on Mao s contributions but also began to explore important areas in which mistakes in practice and conception existed. See, among others, Conquer the World? The International Proletariat Must and Will, revcom.us/bob_avakian/conquerworld/index.html For a Harvest of Dragons (Chicago, RCP Publications, 1983) Democracy: Can t We Do Better than That? (Chicago, Banner Press, 1986). 18 See Conquer the World. 19 See and contrast "On Marxism-Leninism-Maoism," Documents from the Communist Party of Peru (PCP) First Congress, A World to Win, no. 11, 1985 and "Marxism-Leninism-Maoism," by the RCP,USA, A World to Win, no. 12, 1988. 20 See Avakian, Advancing the World Revolutionary Movement: Questions of Strategic Orientation (a talk given shortly after Conquer the World?, first published in Revolution magazine, Spring 1984, revcom.us/bob_avakian/advancingworldrevolution/advancingworldrevolution.html. Also see On Materialism and the Material Basis for Revolution, for Socialism and the Advance to Communism. bobavakian.net/articles/ basis-goals-methods/.html. 21 RIM s basis of unity at its founding in 1984 was stated in the Declaration of the Revolutionary Internationalist Movement. In 1993 RIM also adopted Long Live Marxism-Leninism-Maoism. 22 For more on these themes see Bob Avakian, Bringing Forward Another Way, 2006. revcom.us/avakian/ anotherway/index.html. 23 For a more thorough discussion on the relation between "equality" and the struggle for communism see Lotta et al., "Alain Badiou..." chapter 1. 24 See Text 38, “From Bourgeois Democrats to Capitalist-Roaders,” and Text 39: Capitalist-Roaders Are the Bourgeoisie Inside the Party,” in Raymond Lotta, ed., And Mao Makes Five. (Chicago, Banner Press, 1978). 25 Marx, Critique of the Gotha Programme, The Marx-Engels Reader, Second Edition, ed. Robert Tucker, (W.W. Norton, 1978) p. 530 – 531. 26 Frederick Engels, The Origin of the Family, Private Property and the State. Cited by Avakian in his 2005 talk Views on Socialism and Communism: A Radically New Kind of State, a Radically Different and Far Greater Vision of Freedom, Revolution, March 8, 2006. revcom.us/avakian/index.html. 27 “On Developments in Nepal and the Stakes for the Communist Movement: Letters to the Communist Party of Nepal (Maoist) from the Revolutionary Communist Party, USA, 2005-2008 (With a Reply from the CPN(M), 2006),” Demarcations, no. 1. demarcations-journal.org. 28 See Lotta et al., "Alain Badiou..." chapter IV, “Rereading the Cultural Revolution in Order to Bury the Cultural Revolution.” 29 Avakian, The Loss in China and the Revolutionary Legacy of Mao Tsetung, (Chicago, RCP Publications, 1978). 30 See Bob Avakian, Advancing the World Revolutionary Movement, op. cit. and Conquer the World? op. cit. 31 Marx, The Class Struggles in France, 1848-1850. Marx/Engels Selected Works, Vol 1. (Moscow, Progress Publishers, 1969). 32 Avakian, “The Need for Communists to Be...Communists,” Revolution no. 38, March 12, 2006. revcom.us/a/038/avakian-need-for-communists.html. 33 The Tenth National Congress of the Communist Party of China (Documents), (Peking, Foreign Languages Press, 1973). Maoist documention Project/mao/cpc/10cong.htm#p1 34 Avakian. Ruminations and Wranglings – On the Importance of Marxist Materialism, Communism as a Science, Meaningful Revolutionary Work, and a Life With a Meaning. 2009. revcom.us/avakian/ruminations/BA-ruminations-en.html. 35 D Mello, op cit. Also see especially the Sweezy essay "What Is Marxism?" in this anthology. 36 See Advancing the World Revolutionary Movement. 37 Mao, The Role of the Chinese Communist Party in the National War, Selected Works, Vol. 2, (Peking, Foreign Languages Press, 1967), p. 196. 38 Quoted by Avakian, “The Need for Communists to Be … Communists.” 39 Originally in Peking Review 39, September 22, 1967. Also quoted by Avakian, The Need for Communists to Be … Communists. 40 To find the 10th Party Congress, http://www.prisoncensorship.info/archive/etext/classics/mao/cpc/10cong.html 41 This is part of what he describes as "Enriched What Is To Be Done-ism." See Making Revolution and Emancipating Humanity, Part II. 42 Mao, "On Practice", Selected Readings from the Works of Mao Tsetung, (Peking, Foreign Languages Press, 1971), p. 68. 43 Paul Sweezy, What is Marxism?," op. cit., p. 58. 44 See Avakian s discussion of this question in the section "Marxism as a Science – Refuting Karl Popper." Part I of Making Revolution, Emancipating Humanity. 45 “Stuck in the Awful Capitalist Present ´-or-Forging a Path to the Communist Future? - A Response to Mike Ely s Nine Letters,” by a writing group in the RCP, revcom.us/a/126/polemic-note-en.html. 46 Lenin, Three Sources and Three Component Parts of Marxism, in Karl Marx Selected Works, (Moscow, Foreign Languages Publishing House, 1945), p. 45. 47 Bob Avakian in a Discussion with Comrades, On Epistemology, On Knowing and Changing the World,” Observations on Art and Culture, Science and Philosophy, (Chicago, Insight Press, 2005), p. 43. 48 See CRC,CP(ML), “On Proletarian Democracy,” and Avakian, “Democracy: More Than Ever We Can and Must Do Better Than That,” A World to Win, no. 17, 1992. 49 See also the letters from the RCP,USA to the UCPN(M). ++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++ ++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++
#شادي_الشماوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
القدح في الشيوعية و التزلّف للإمبريالية - تزييف سلافوج تزتزا
...
-
الثورة الشيوعية و لا شيء أقلّ من ذلك ! - بيان الحزب الشيوعي
...
-
ألان باديو و دكتاتورية البروليتاريا أو لماذا يساوى نبذ - إطا
...
-
الجندر بعد الطبقة - خاتمة كتاب : - الماركسيّة و النسويّة - ،
...
-
الأمّة و القوميّة و النسويّة - أمير حسنبور
-
أفريل 1968 : تمرّد السود الذى زلزل أمريكا و العالم
-
الديمقراطية و النضال النسوي - الفصل الثالث من كتاب - الماركس
...
-
الثورة و النضال من أجل المساواة بين الجنسين - مريم جزايري
-
لندعم نضالات النساء في إيران ضد الإرتداء الإجباري للحجاب !
-
– الماركسية و النسويّة - الفصل الأوّل من الكتاب 30 – لشهرزاد
...
-
حول - الإمبراطوريّة - : الشيوعية الثوريّة أم - الشيوعية - دو
...
-
لا يزال - بيان الحزب الشيوعي - صحيحا و خطيرا و أمل الذين لا
...
-
مقدّمة الكتاب 29 - دفاعا عن الشيوعية الثوريّة و تطويرها - ضد
...
-
رفع التحدّى أم التنكّر للثورة ؟ – مقتطف من - الديمقراطية : أ
...
-
النموذج الإنتخابيّ البرجوازيّ مقابل قيادة الجماهير لإعادة صي
...
-
المركزيّة الديمقراطيّة و صراع الخطّين و الحفاظ على الطليعة ع
...
-
إن لم تكن الطليعة هي التى تقود فمن سيقود ؟– مقتطف من - الديم
...
-
أيّ نوع من الحزب ، أيّ نوع من الثورة ؟ – مقتطف من - الديمقرا
...
-
تصفية التحليل الطبقيّ بإسم معارضة - الإختزاليّة الطبقيّة -–
...
-
المركزيّة و اللامركزيّة و إضمحلال الدولة : – مقتطف من - الدي
...
المزيد.....
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
-
متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
-
نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
-
اليوم الـ 50 من إضراب ليلى سويف.. و«القومي للمرأة» مغلق بأوا
...
-
الحبس للوزير مش لأهالي الضحايا
-
اشتباكات في جزيرة الوراق.. «لا للتهجير»
-
مؤتمر«أسر الصحفيين المحبوسين» الحبس الاحتياطي عقوبة.. أشرف ع
...
-
رسالة ليلى سويف إلى «أسر الصحفيين المحبوسين» في يومها الـ 51
...
-
العمال يترقبون نتائج جلسة “المفاوضة الجماعية” في وزارة العمل
...
-
أعضاء يساريون في مجلس الشيوخ الأمريكي يفشلون في وقف صفقة بيع
...
المزيد.....
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
-
إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات
...
/ شادي الشماوي
-
المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب -
...
/ شادي الشماوي
-
ماركس الثورة واليسار
/ محمد الهلالي
المزيد.....
|