أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - عبد الرزاق عيد - اليبان الانقلاب - حول بيان الاخوان المسلمين ضد الإساءة إلى شخص الرسول















المزيد.....


اليبان الانقلاب - حول بيان الاخوان المسلمين ضد الإساءة إلى شخص الرسول


عبد الرزاق عيد

الحوار المتمدن-العدد: 1495 - 2006 / 3 / 20 - 08:33
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


منذ سنوات ونحن نراقب باهتمام مسار تجربة الإخوان المسلمين السوريين على طريق إعادة ترتيب العلاقة بين تجربتهم السياسية الراهنة في مسارها المدني، السلمي، الديموقراطي، وتاريخ تجربة الجماعة، وخاصة علاقة هذا الخيار الجديد بتاريخ المحنة والفتنة الدموية التي كانوا الطرف الآخر فيها مع النظام السوري .


إن المحفز الرئيسي لمتابعتنا لمسار الأخوان، أننا كنا جميعا نعيش ذات التجربة التي يعيشونها، وهي تجربة المراجعة لماضينا الشمولي، أي أن المجتمع السوري بكامله انخرط في فضاء تجديد وتجدد للذات، ينفض عنها غبار التعصب والإنكفاء ورفض الآخر، باتجاه إذكاء روح الحوار لدى الجميع على الانفتاح وإطلاق "روح التنافس على التسامح"، حتى أن الناس من كل الفئات والتيارات السياسية عندما كانوا يلتقون في مناسبات وطنية أو ندوات فكرية من خلال منتدى الأتاسي كانوا ينتقلون بذات الروح إلى منتدى رياض سيف، وهم في حالة من بهجة اللقاء، كأنهم في (حالة لقيا انسانية ووطنية) إذ يلتقون بعد أربعين سنة من الغربة والاغتراب والتغرب عن الآخر والذات، وهم في بهجة اللقاء الوطني هذا كأنهم يردون على أربعة عقود من التباعد الأهلي والوطني، والتباغض الايديولوجي، والتنابذ السياسي، ولم يكن خارج هذا المهرجان الوطني سوى النظام السياسي التسلطي الذي كان الوحيد خارج هذا الاجتماع والاجماع، يقبع في عزلة حقده الكظيم، الكتيم، على مجتمعه وهو يراه يتصالح ويتسامح ويتوادد، ولذا كان من الطبيعي أن تكون عيون الجميع ترنو إلى (الأخوة الأعداء/ جماعة الاخوان المسلمين) في الخارج وهم يجرون مراجعاتهم، وإعادة النظر في حساباتهم وتقييماتهم من أجل مشاركة شعبهم ومجتمعهم فرحة اللقاء، معلنين استعدادهم أن يكونوا (أخوة بلا عداوة) للجميع، بما فيها السلطة التي رفضت أن تمد يدها لأحد بكل غطرسة وعنجهية وتشبع بروح الكراهية والحقد نحو كل من هو خارج بطانتها الفاسدة والمستبدة، بعد أن أنتجت ملاطا توحيديا لعناصر وحدتها العصبوية تتأسس على توحد الأجهزة الأمنية والحزبية والعسكرية حول هدف واحد يكثف لاشعورها الثقافي والاجتماعي في بؤرة العداء للمجتمع بوصفه العدو رقم واحد، انطلاقا من تصور مكتوم بأنهم (بعد كل عمايلهم) يستحيل أن يحمل لهم المجتمع الود والمحبة، ولذا فهم يضعون استراتيجية استباقية قائمة على وحدة لاحمة للنظام التسلطي تتركز حول هدف واحد وهو كراهية المجتع ومعاداة المواطن بوصفه عدوا محتملا ما دام ليس معهم، مما أدى إلى انتاج نخب سلطوية تكره حتى أهلها بله نفسها، حيث تخيم على البلاد والعباد منظومة قيم ( الخوف –الكراهية –الحقد –الضغينة –الحسد –الوشاية-الفساد-الترافس –التباغض ....الخ ) من قيم مجتمع الاستبداد!

وجاء إعلان دمشق ليتوج ولادة جديدة لسوريا، وليدشن مرحلة جديدة يتعين فيها المطلق الهيغلي، ممثلا بـ "روح العصر"، في سوريا بما سميناه من قبل ثلاثية: (الديموقراطية-حقوق الإنسان – المجتمع المدني) وليزيد من عزلة النظام وتغربه عن مجتمعه الوطني، ومحيطه القومي العربي، فلا يبقى له صديق في العالم سوى هذا (الثوري) الايراني الكهفي أحمدي نجاد الذي يمثل اليوم دور (وحده ضد العالم)، ليصبح الاثنان : (االنظامان : الايراني /السوري)، في موقع (إن الغريب للغريب قريب ..)!



إن الذي استدعى هذه الذكريات هو بيان الأخوان المسلمين تحت عنوان: "حول محاولة الإساءة إلى شخص الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم " . يستنكرون فيه هذه المحاولة العدائية نحو المسلمين .



والجديد في الأمر أني تلقيت الكثيرمن التساؤلات حول هذا البيان وكأني مسؤول عن اصداره، وجميع المستفسرين بين مستغرب ومستهجن وبين متأسف أوشامت، مشيرين بذلك –للقائي في لندن مع الأخوان- لما سمي خطوة مغامرة في حينها، وذلك عندما تجاوزنا ما يسمى الخطوط الحمراء –وما أكثرها في سوريا البعث- بلقاء المراقب العام للاخوان المسلمين في سوريا الأستاذ علي صدر الدين البيانوني في لندن على قناة الديموقراطية التي كانت تبث عبر فضائية المستقلة، وذلك في الوقت الذي اعتقل فيها الكاتب علي العبد الله لمجرد قراءته رسالة الأستاذ البيانوني في منتدى الأتاسي، بل وغبّ اعتقال لجنة المنتدى التسع بكاملهم، هذا اللقاء الذي تبعه بعد شهر تقريبا لقاء الأستاذين البيانوني- رياض الترك، ومن ثم بث لقاء بيني وبين مدير مركز الشرق التابع للأخوان المسلمين الأستاذ زهير سالم، كل ذلك جعلني أبدو وكأني مسؤول أمام بعض المعتدلين أوالمتشددين في الموقف من الحوار مع الأخوان وكأني أتحمل مسؤولية المبادرة لهذا الحوار، وأنا لست نادما أو متأسفا بل إن ذلك من دواعي سعادتي الوطنية، فالمؤيدون لا يكتمون اتهامي بالتسرع، أما المضمرون الانحياز للنظام لأسباب كثيرة: أقلها اصطناع عدم القدرة على التمييز بين النظام والوطن من الذين ( صلًحوا لنا اعلان دمشق) بوصفه قد نسي التهديدات الامبريالية، والخطر المحدق بالأمة العربية، وعلينا أن نضيف غدا الأمة الايرانية!!!؟



نقول: أما هؤلاء فقد شمتوا بنا لخطاب هذا البيان، رغم أن بعضهم قد أيد بحماس الحمية (الأمنية) ضد السفارة الدانيماركية!؟

سارعت لقراءة البيان باهتمام كالعادة نحو أدبيات الأخوان الذين يبرهنون منذ خمس سنوات وحتى اليوم بأنهم المتحركون دائما نحو الأمام، وقد سبق وأشدنا في مقال لنا تقدمهم صفوف المعارضة عندما كانوا السباقين في ادانة اعتقال الدكتور كمال لبواني رغم وضوح التمايز معه من حيث خياراته اللليبرالية والعلمانية .



وعلى هذا فإني كنت انتظر من الاخوان خطابا حوارايا عقلانيا حضاريا مدنيا يرد على الهستيريا الجماعية الغوغائية التي نتحدر إليها في العالم الاسلامي منذ فتوى الخميني، وذلك ردا على كل استفزاز يقوم به صحفي غربي هامشي: إما يسعى إلى الشهرة والأضواء والعالمية والثروة، أو أن تكون وراءه قوى عنصرية متطرفة بالغرب معادية للعرب والمسلمين، أو - وهو الاحتمال الأكبرأن تكون وراءه الموساد- بعد الخسارات المعنوية والأدبية التي راحت تلحق بسمعة اسرائيل دوليا فأرادت أن تورطنا أمام العالم لتسحب كل التعاطف والتضامن الاخلاقي الذي حققته القضية الفلسطينية في الغرب، هذه هي الاحتملات الثلاث لما حدث، والأخوان المسلمون هم أول من يدرك أولوية هذه الاحتمالات الثلاث، وذلك لأن معظم قيادات الأخوان تعيش في الغرب كمنفى ولعمر طويل أصبحوا فيه أجيالا، ويفترض أنهم تعرفوا على نظمه وقوانينه وأنماط سلوكه وتفكيره عن كثب أكثر منا نحن الذين نعيش في سجوننا الوطنية: في هذا الوطن العربي المحتل من قبل أنظمته الديكتاتورية المستبدة من المحيط إلى الخليج .



لقد كان خطاب (البيان) مفاجئا لنا نحن المراهنين على يقظة استثنائية للروح المدنية والديموقراطية لسوريا لدى كافة فئاتها وشرائحها وأحزابها .



نقولها للأخوان –وبروح أخوية حوارية صريحة- كنا ننتظر خطابا خاصا واستثنائيا في حسه المدني من الجماعة، يقوم على الحوار النقدي العقلاني الهاديء للصحيفة الدانيمركية تجعل من هذه المناسبة فرصة لتقديم الدراسات والبحوث عن النبي العربي وقيم التسامح التي مثلها في سيرته، والأخوان يعرفون أن ذلك هو الأجدى للعقل الغربي، وليس التلويح بالقبضات والزمجرة التي قد تجبر الآخر- وهي لم تجبره في كل الأحوال – على أخذنا على قدر عقولنا الغريزية، لكنها لن تجعله محبا للاسلام ولرسول الاسلام أبدا، والأخوان يعرفون أن الأفضل والأكثر تمدنا وترقيا-كما كان يمكن أن يقول لنا الخطاب الاسلامي المستنير على لسان واحد كالامام محمد عبده- هو تسيير مظاهرات احتجاجية سلمية هادئة وعقلانية دون هذا الخطاب الانقلابي على كل ما صاغه وقدمه الأخوان منذ الميثاق وحتى الآن، فالأخوان ليسوا بحاجة لإثبات اسلامهم كما تفعل الأنظمة العربية( الملحدة الضمير والقيم والأخلاق ) وهي تلجأ للتهييج الشعبي من أجل التكسب الجماهيري الرخيص، وخلط الأوراق وتوظيفها ضد الاسلام والمسلمين لتظهر أنظمة الاستبداد أمام الغرب أن لا بديل لهم، والأخوان يعرفون قبل غيرهم أن الأنظمة التي أرسلت عناصر مخابراتها لحرق السفارات، وسمحت لهم بالهتاف للرسول بدل الحكام، انما هي محاولة لتمسيخ صورة شارعنا السوري المتمدن الذي لم يعرف في حياته صورا للهمجية بهذه الصورة، وانما الهدف –كما ذكرنا- أن يقال للغرب: هذا هو الشارع الإسلامي، ونحن لها من أجل قمعه، باسم "مكافحة الارهاب" هذا من جهة، ومن جهة أخرى للفت أنظار العالم عن استحقاقات الملف اللبناني (ملف استشهاد الحريري) .



ما الذي حدث لينفجر كل هذا المكبوت والمسكوت عنه، لينقذف فجأة بصيغة تحاذي وتحايث الخطاب الجهادي القاعدي ؟ ما الذي حدث ليضطر البيان للقول : إننا مستهدفون بحملة عالمية، ذات أبعاد عسكرية وثقافية واقتصادية تشنها دول ومؤسسات على عالمنا وقيمنا ومقدساتنا. "



لا ينقص هذا التوصيف سوى اضافة مفردة (صليبية: بعد عبارة حملة عالمية) وتصوير عالمنا بأنه ينقسم إلى فسطاطين .



وهذا الخطاب ينهض على تأسيس نظري مقلق، وهنا مكمن الخطر، عماده أن الآخر الغربي يخفي الكراهية والبغضاء تحت "ستار زائف من الحرية والديموقراطية!.."



وتأسيسا على فكرة زيف الديموقراطية والحرية في الغرب هذه يبني البيان مرافعته بأنه لا يستطيع "أن يفصل بين الصحفي عن حكومته الداعمة له، ولا يستطيع أن يفصل الصحف عن السياق الدولي الذي ترعاه الصهيونية العالمية ."



وينطلق البيان من بداهة عجيبة، وهي أن هذا الفعل الشنيع ليس تصرفا فرديا، بل " كان تعبيرا عن حالة دانمركية عامة " ولا نعرف هذا السر الدانيمركي الأخرق في معاداتنا! وهم أقل شعوب ودول الأرض تدخلا في الصراعات والمشاحنات الدولية ؟ .



ولهذا فإن البيان يحذر بلغة تهديدية الحكومة الدانمركية (ومن يلف لفها) أن هناك "خطوطا حمرا " لا يجوز لأحد أن يفكر "مجرد التفكير" بالمساس بها !



إنني أعترف أنه بيان مرعب في نزعته الحربوية، يبذ الخطاب الحربوي الابتزازي لفرسان حزب الله، ومعلميهم في سوريا وإيران (حلف وارسو الجديد! )، ولن نستغرب بعد هذا الشحن أن يقدم أحد هواة الجنة، فينحر الصحفي الدانماركي زلفى وقربا إلى الله ليدخل الجنة! هل قرر الأخوان أن يدخلوا سوق المزاودات هذا؟



الخطاب الأخواني في هذا البيان يقوم بانقلاب ضد ذاته وهو انقلاب يدعو للقلق بحق، وللخوف على مستقبل الحوار، بعد هذا الحديث عن "الخطوط الحمراء"، و"تحريم التفكير ومجرد التفكير"!



لقد أجلت نشر ملاحظاتي هذه لتهدأ الأجواء، وحرصا على مشروع صداقة كان في طور التكون والنمو بيني وبين عدد من القيادة الأخوانية التي تعرفت عليها في لندن، وملأت نفسي إعجابا وتقديرا لشدة طيبتهم وكرم نفوسهم معي ضيافة وحفاوة، ولذا فقد كنت مندهشا أن أناسا على هذه الدرجة من الصفاء الأخلاقي والوجداني والتحضر السلوكي ورقة الحاشية والتواضع والكياسة في آداب الحوار، يمكن أن يصدروا بيانا حربويا بهذه الحدة ولشدة والتهديد والوعيد، وعنما هدأت الأجواء، وقرأت ملاحظات الأستاذ الطاهر ابراهيم الصحفي الأخواني المميز المعترضة على مبررات قلق رياض سيف تجاه درجة التزام الأخوان لليموقراطية "قولا وفعلا"، فكان البيان مدعاة للقلق على درجة الالتزام بالديموقراطية ليس فعلا فحسب بل و"قولا" على الأقل!



نحن لسنا ضد أن يستنكر الأخوان إقدام أي صحفي أو أديب أو فنان غربي ينال من الرأسمال الرمزي للمقدسات الإسلامية، فلهم ولنا كل المشروعية في حق الرد والنقاش والحوار بما فيه السجال الحاد ضد الصحفي وصحيفته، ومن يمكن أن يكون خلفه من الجماعات المتطرفة الساعية لتسعير حرب الحضارات، أومجموعات عنصرية، أوجهات صهيونية أصبحت خبيرة في استفزازنا وجرنا للمعارك التي تريدها، وهذه المجموعات تملأ ساحات المجتمع الغربي دون أن نرى في الغرب فسطاطا يستهدف "قيمنا ومقساتنا "، ودون دون أن يكون لدولهم علاقة في ذلك، والأخوان يعيشون في الغرب ويعرفون جيدا أن ثمة استقلالية فعلية للمؤسسات في المجتمعات الغربية المدنية مما لا يفهمه النظام العربي ولا يريد أن يفهمه، لكن ليس من مبرر لعدم فهم الأخوان له إلا لاستعصاءات "ابستمولوجية " على المستوى المعرفي التي لا تحلها ديموقراطية السطح (صندوق القتراع ) الذي سبق للأخ الطاهر ابراهيم أن هددنا به في سياق رده على مقال حواري سابق لي مع الأستاذ زهير سالم، وقد ذكرني تهديد الأخ الطاهر بجملة طالما يرددها الدكتور يوسف القرضاوي مفتتنا بها اعجابا وتبجيلا للشيخ حسن البنا، الذي كان صاحب شعار: "سنغزو الناس بالحب لا بالسيف" فالشيخ البنا رحمه الله مع تلميذه الشيخ القرضاوي مصران على "الغزو" حتى ولو في ساحة "الحب".. ولذا أرجو أن لا يستند الأخ الطاهر إلى هذا القياس المجازي، فيبشرنا بأنه "سيغزو الناس بصندوق الاقتراع لا بالسيف" ليبرهن لنا على الديموقراطية التي يفحم بها رياض سيف، أرجو من الأخ الطاهر كما أرجو من نفسي ومن كل قوى المعارضة السورية أن تتحلى بقيم أخلاق النقد الذاتي لأنها اليوم هي عنوان الانتماء لروح هذا العصر وعقله، فلقد آن لنا أن نشبع تقريظا للذات: الذات الفردية والوطنية والقومية والدينية، فلو كنا على هذه الدرجة من الكمال فمن أين إذن يأتينا كل هذا الانحطاط؟



نعم لا يجوز للأخوان أن لا يفهموا حقيقة استقلالية المؤسسات في المجتمع المدني الغربي، فانكار هذه الحقيقة خليق بالنظام العربي فقط، هذا النظام الذي لم يكتف بتدميره لمجتمعاتنا المدنية في بلادنا، بل إن هذه الأنظمة تأخذ المبادرة للضغط على الغرب أن يتخلى عن هذا الانجاز الحضاري الذي كلفه تضحيات مئات السنين، والغرب الذي دفع ثمن الحريات غاليا لن يتخلى عنها لصالح النظام العربي القروسطي مهما استثمر غرائز القطيع لدى جماهير دهمائه الأمنية التي غدى تعدادها بمئات الألوف المنتشرة عبر القارات، والقادرة على اطفاء أنوار أوربا ذاتها! ومن نافل القول أن نقنع الأخوان بماهم يعيشونه كواقع يومي، ويعيشون مكتسباته، وهو المنجز الديموقراطي الغربي الذي أمن سقف الحماية لهم ولكل المنفيين في العالم، فهذه ليست ديموقراطية زائفة، بل هي الممكن الديموقراطي الأفضل الذي بلغته البشرية حتى اليوم، والديموقراطية هي الوحيدة القادرة على تصحيح أخطائها بمافيها " إذا كانت زائفة" كما يقول بيان الأخوان، والأخوان يعرفون جيدا أن الإعلام وحريات التعبير متاح لها- وباستقلال عن الدولة- أن تنال من كل المقدسات بما فيها –بل وخاصة- مقدسات الغرب نفسه المسيحي واليهودي، وقد تم تناول هذه المقدسات الغربية بالنقد الشديد –وليس المقدس الاسلامي لأنه لم يكن مشكلتهم - خلال أكثر من ثلاثة قرون...إلا إذا كان للإسلاميين نوايا الذود عن كل حياض المقدس في العالم، بما فيها مقدسات الآخرين... على مبدأ "لا نفرق بين رسله"، أو وفق حديث مزعوم يقول: " لاتخيروني على الرسل "، إذ تمت باسم هذا الحديث مهاجمة انحيازنا للحضارة الفرعونية العظيمة ضد العبرانيين البدو وقائدهم موسى الذي أوسعه فرويد اليهودي هجاء!!



إن الرائحة الشمولية تنبعث بقوة من جملة " تحت ستار زائف من الحرية والديموقراطية " لوصف المجتمعات الغربية: الاوربية والامريكية، التي يعيش بها الأخوان وغيرهم من كل المنفيين من أقطار الأرض، الهاربين بحياتهم من أيدي جلاديهم من بني جلدتهم قوميا ودينيا، بل وإن (جمعية العلماء المسلمين) برئاسة الدكتور القرضاوي لم تجد لها مقرا في كل العالم الاسلامي المؤلف من مليار ونصف، ولم تجد مكانا واعترافا وشرعية لها سوى في مراكز العالم الذي يصفه بيان الأخوان بأنه " يجرد الحملة العالمية ضد عالمنا وقيمنا ومقدساتنا " ...! .



هذه الجملة عن زيف الحرية والديموقراطية الغربية، تظهر وكأن ثمة ديموقراطية أخرى مخبأة قد يفاجئنا بها الأخوان –يوما ما- ولعل هذا مصدر قلق الأخ رياض سيف الذي يحمل عليه الأخ العزيز الطاهر ابراهيم، لأن هذه المقولة "زيف الديموقراطية الغربية" هي من صناعتنا الأيديولوجية اليسارية (المسفيتة)، وهي الأطروحة النموذجية التي كانت تبرر نظريا المشاريع الايديولوجيا الشمولية يساريا وقوميا واسلاميا، وذلك في مواجهة الفكرة القائلة: أن الديموقراطية واحدة في العالم، وأن ليس ثمة خصوصية ديموقراطية في كوكبنا اليوم لا دينيا ولا قوميا ولا ايديولوجيا إلا على مستوى خصوصية الثقافات، وهذه الخصوصية المدعاة من قبل الأنظمة العربية اليوم، تبين للجميع بأنها ليست سوى الخصوصية الاستبدادية للأنظمة الديكتاتورية: عربية كانت أم اسلامية أم مسيحية أم يهودية....إلخ، هناك ديموقراطية كوكبية يشكل الغرب اليوم حاضرتها الكونية، ونحن -جميعا - التقينا في "إعلان دمشق" حولها، حول منظومتها الإجرائية على الأقل، وذلك لكي لانختلف حول اللون الثقافي، ولكي لا نختلف حول الأبعاد الفلسفية والايديولوجية وسياقاتها التاريخية، وعلى هذا فنحن لا نظن أن في سوريا اليوم من يعتبر الديموقراطية الغربية ستارا زائفا سوى النظام الديكتاتوري، على اعتبار أنه وشريكه الايراني –في القروسطية المتكهفة- وشقيقهم الأصغر (حزب الله) هم ممثلو النظام الديموقراطي الوحيد بالعالم، ولهذا فإن نظامهم يعلن حربه على العالم، وهاهي الأحزاب العربية المعادية لـ"ديموقراطية الغرب الزائفة"، تجتمع اليوم في دمشق لتبارك للشعب السوري كوابيسه الوطنية والقومية، بوصفها رمزا لأحلام العرب المستقبلية في الحرية ...!! هل تستطيع مخيلة سلفادور دالي الكابوسية أن تتصور أن ثمة (عشرات الأحزاب!) العربية تقوم برامجها السياسية المستقبلية على إقامة نظام حكم مثلها الأعلى الذي تريد أن تبني على غراره هو النظام السوري الذي تحمله أمانة مستقبل الأجيال العربية القادمة، لولا أنها مقتنعة بأن الديموقراطية الغربية زائفة ... وأن مسيرة العذاب خلال نصف قرن، ليس للعذاب فيها معنى سوى تأويل ابن عربي له بأنه يأتي من مصدرالعذوبة ....!؟ هل كان جدنا الكواكبي على خطأ عندما وصف أمثال هذه الأحزاب ممثلة هكذا عروبة ووطنية وقومية واسلامية، بأنها عندما لا تتحسس وطأة الاستبداد والاستعباد فإنها لاتستحق الحرية... ونضيف: لا تستحق لا الحرية السياسية ولا التحرر الوطني والقومي...!؟

حلب



#عبد_الرزاق_عيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هزمهم حيا وهزمهم شهيدا
- اطلقوا الرصاص على ماضيكم الأسود لكي لا يطلق المستقبل عليكم ا ...
- رسالة إلى الأخوة في حزب الله: دعوة إلى المقايضة: هل تبادلون؟
- سوريا : البحث عن دولة ومجتمع ! ؟
- إعلان دمشق : هل يؤسس البديل للنظام السوري المتداعي ؟
- هل يقود البعث السوري البلاد إلى الاحتلال ؟
- النخب السورية.. الديمقراطية وشرط العلمنة
- وزير الإعتام والإظلام
- النخب السورية وترف الاختيار بين الديموقراطية والليبرالية!
- المؤتمر الثامن لحزب البعث واستحقاقات الاصلاح المستحيل
- في مستقبل العلاقات السورية اللبنانية
- دعوة إلى تكليف رياض سيف بتشكيل حكومة سورية
- أية حالة أصبح عليها الأخوان المسلمون في سوريا ؟
- البيان الأممي ضد الارهاب وتعاويذ الفقه الأمني في سوريا
- هل سقوط حزب البعث خسارة
- الموت الهامشي -الهزيل- لفكر البعث أم الإنبعاث -الجليل- لفكر ...
- المصالحة بين -الوطنية - و-الديموقراطية- هي أساس -المقاومة- ح ...
- وداعاًً عارف دليلة أو الى اللقاء بعد صدور الحكم بـ -إعدامك-
- متى النقد الذاتي الكردي؟


المزيد.....




- رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن ...
- وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني ...
- الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
- وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله- ...
- كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ ...
- فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
- نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
- طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
- أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق


المزيد.....

- المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية / ياسين الحاج صالح
- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - عبد الرزاق عيد - اليبان الانقلاب - حول بيان الاخوان المسلمين ضد الإساءة إلى شخص الرسول