|
حزب إسلامي أم حزب شيطاني
ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)
الحوار المتمدن-العدد: 1495 - 2006 / 3 / 20 - 08:34
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
"إن "الانحراف" في سياسة "الحزب الإسلامي" في العراق تجاه إشكالاته الكبرى الحالية، وتحوله صوب الطائفية السياسية المتشنجة تعكس أولا وقبل كل شيء خراب الفكرة الدينية حالما تصبح جزء من السياسة المحترفة في ارتهانها لنفسية الغريزة المقيدة بحب السلطة والجاه. فمجرد تتبع نوعية ومظهر الخطاب "السياسي" لقيادته الحالية تكشف عن طبيعة الأعماق الدفينة التي جرى كبحها لفترة زمنية بأثر سقوط الطائفية السياسة (السنية) التي عبثت في العراق لأكثر من سبعة عقود متتالية. بعبارة أخرى، إن مهاجمة "الطائفية الشيعية" في الخطاب السياسي للحزب الإسلامي هو الوجه الأقبح للطائفية. والقضية هنا ليست فقط في أن "الحزب الإسلامي" العراقي أكثر من يهاجم "الجمهورية الإسلامية الإيرانية"، بل ويجعل من عدائه العلني والمستتر للتشيع كمية هائجة من الوجدان المزيف للدفاع عن مصالح العراق والعروبة. وإذا كان الأمر كذلك، فمن الضروري إعلان إنهاء الحزب الإسلامي وبالتالي إعلان فكرة القومية العربية والفعل بأحد نماذجها المناسبة لتقاليد "الحزب الإسلامي". لكن النتيجة مع ذلك سوف لن تكون شيئا آخر غير القومية الطائفية. وهذه بدورها ليست إلا الوجه الآخر للانحطاط المادي والمعنوي للفكرة الطائفية. فعندما يتأمل المرء مختلف نماذج الخطاب السياسي "للحزب الإسلامي" فانه يجد صعوبة بالغة في العثور على أية كمية "إسلامية"، اللهم باستثناء الهجوم على التشيع والشيعة، أي على احد النماذج التاريخية والرفيعة للعراقية والعروبة فيه. بعبارة أخرى، إن الهاجس القائم وراء انتقاد الأحزاب الشيعية ليس تذليل النزوع الطائفي المتراكم فيها بوصفه الرد السياسي على كمية التراكم الطائفي في مجرى "بناء" الدولة العراقية الحديثة، بقدر ما انه محاولة يائسة للمشاركة فيها عبر "تمثيل" السنة. وهو الأمر الذي يجعل من الحزب الإسلامي حزبا سنيا طائفيا. ومن ثم لا يحق له بهذا المعنى الحديث باسم العراق والعراقيين والعرب ككل. وإلا فان سلوكه سوف لين يكون شيئا آخرا غير استعادة الزمن واجترار فراغه الدائم الذي جعلت الطائفية السنية السلطوية منه هيكل الدولة العراقية الخرب. وهو سلوك "طبيعي" لقيادة لا تحس ولا تدرك ولا تفهم قيمة التاريخ. فقد أجاب الهاشمي(!) رئيس الحزب الإسلامي على أسئلة طائفية من حيث الصيغة والمضمون (لم يعترض على أية صيغة منها، بل على العكس نراه يسير متحمسا في الرد عليها والتعليق عليه) مثل - الكويت كانت معبراً للقوات التي غزت العراق وأسقطت النظام، ألم يترك هذا رواسب عند فئات من العرب السنّة تجاه الكويت؟ - لست ممن يحبون العيش في التاريخ، وإذا كان هناك شيء من الرواسب فسيزول مع الوقت وهي إجابة نموذجية تعكس جهل الرجل وسقامة التفكير والعبارة. لكنه أجاب بدون وعي عن وعي يتمثله الحزب الإسلامي، وهو "عدم محبة العيش في التاريخ". وهي حقيقة، لان الطائفية السياسية التي ينتمي إليها الهاشمي هي "حب العيش في الزمن" فقط، وذلك لان هاجسه الوحيد والأوحد أو "الأول والآخر" فيما لو استعملنا العبارة الإسلامية، هو السلطة. ومن ثم لا معنى للحديث عن مواجهة ما اسماه "بالمخططات المشبوهة لتدمير هذه المنطقة وتدمير المشروع الإسلامي وتدمير عروبة العراق وتدمير المشروع النهضوي للعرب". وذلك لأنها "مخططات" كانت وما تزال محكومة بالوعي السياسي المتخلف والانحطاط الطائفي الذي تمثله قيادة "الحزب الإسلامي" الحالية. والقضية هنا ليست فقط في أن "المشروع الإسلامي" و"العروبة" و"المشروع النهضوي العربي" مكونات ليست من جنس واحد وليس بإمكان حزب طائفي صغير أن يرتقي إلى إدراك أبجدياتها. أما حقيقة "المشروع الإسلامي" و"العربي" و"النهضوي" للحزب الإسلامي، فأنها لا تتعدى من حيث الجوهر استعادة "الموقع المستباح" للطائفية السياسية السنية التي ينتمي إليها. وهي حقيقة تكشف عن ملامحها في امتهان واحتقار فكرة الديمقراطية السياسية المعقدة في ظروف العراق الحالية للانتقال من التوتاليتارية إلى الديمقراطية، والتي تلعب القوى الطائفية والعرقية جميعا وبدون استثناء دورا خطرا في هدم أسسها. واقصد بذلك ما يسمى بالاستحقاق الانتخابي. وهو مصطلح سخيف بحد ذاته، وذلك لان فكرة الديمقراطية وحق الانتخاب تفترض العيش بمعاييرها ونتائجها. وبدون ذلك يصبح "الانتخاب" فعلا لا معنى له. وهو عين احتقار الفكرة الدستورية والديمقراطية وحق الانتخاب، بوصفها الأساليب الضرورية لتراكم فكرة الدولة والشرعية والمجتمع المدني. وليس غريبا أن يرد الهاشمي على سؤال متعلق "بموضوع الحكومة" وتشكيلها الذي تعرض من حيث الجوهر إلى نكسة غريبة في فكرة الديمقراطية السياسية ومعارك الدستور القريبة العهد، قائلا: "الفرقاء السياسيين مختلفون على المعيار الذي ينبغي تشكيل الحكومة على أساسه. فقائمة الائتلاف (الشيعي) تقول انه لا بد من احترام الاستحقاق الانتخابي بمعنى الاستحواذ على المناصب وعلى صنع القرار". بل نراه يجد في هذا "الاستحقاق الانتخابي" سبب "الاحتقان السياسي" و"التخندق الطائفي القائم حالياً". وهي صيغة نموذجية لقلب حقائق الأشياء والوقائع. والقضية هنا ليست فقط في محاولة رمي صناديق الاقتراع ونتائجها إلى سلة المهملات، بل والبحث في نتائجها عن سبب الاحتقان السياسي والتخندق الطائفي. أما في الواقع فان محاولة التنصل والخروج عن "الاستحقاق الانتخابي" هو سر الاحتقان السياسي والتخندق الطائفي المميز للحزب الإسلامي وأمثاله. وهو احتقان وتخندق يمكن تلمسه في كل الكلمات والعبارات التي تفوه بها الهاشمي في "حواره" الذي لا يخلو من ذل ومذلة واستجداء مادي (مالي) ومعنوي (طائفي) مع الصحافة الكويتية. فهو لم ير في كل ما يجري في العراق من أحداث دموية أكثر من "أعمال وحشية ضد بني البشر تستخدم ضد العرب السنّة لتهجيرهم. وهناك حملة تطهير مذهبي واسعة النطاق تجري بفعل فاعل وبطريقة منهجية لدفع السنّة لترك العراق وتشييع هذا البلد جملة وتفصيلاً"!! إذن بيت القصيد أو مربط الفرس يقوم في الوقوف ضد "تشييع العراق جملة وتفصيلا". بعبارة أخرى، إننا نقف أمام ذهنية ونفسية تشير إلى ما يمكن دعوته بالنزعة الشيطانية التي صورها الإمام علي مرة في إحدى خطبه قائلا:"وأحذّركم أهل النفاق فإنهم الضالّون المضلّون، والزّالون المزلّون. يتلونون ألوانا، ويفتنون افتنانا، ويعمدونكم بكل عماد، ويرصدونكم بكل مرصاد.... وصفهم دواء، وقولهم شفاء، وفعلهم الداء العياء. حسدة الرخاء، ومؤكدوا البلاء، ومقنطوا الرجاء. لهم بكل طريق صريع، والى كل قلب شفيع، ولكل شجو دموع... قد اعدوا لكل حق باطلا، ولكل قائم مائلا، ولكل حي قاتلا، ولكل باب مفتاحا، ولكل ليل مصباحا. يتوصلون إلى الطمع باليأس ليقيموا به أسواقهم، وينّفقوا به اعلاقهم. يقولون فيشبّهون، ويصفون فيموهون... فهم لمة الشيطان وحمة النيران...". ولا اعتقد أن الخطبة بحاجة إلى شرح. وإذا كانت بعض الكلمات مبهمة للبعض، فان مضمونها جلي حالما ينظر المرء إلى أوضاع العراق الحالية ونوعية وطبيعة السلوك السياسي للحزب الإسلامي. وهو حكم قابل للتطبيق على كل من تتحكم في أعماقه الاستعداد للتلون بالرذيلة أيا كان شكلها وحجمها. فالعراق الحالي بحاجة إلى قوى سياسية تحكمها مصلحة العراق الكبرى ومبنية على أسس الوطنية العامة والعقلانية السياسية والشرعية، وليس "الإسلامية" أو "العراقية" أو "العربية" المزيفة.
#ميثم_الجنابي (هاشتاغ)
Maythem_Al-janabi#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
النخبة السياسية ومهمة البديل الوطني في العراق
-
النخبة السياسية في العراق المعاصر – أحزاب الطريق المسدود
-
النخبة السياسية في العراق - أزلام وأقزام
-
النخبة السياسية العراقية - زيف وتزييف
-
فلسفة البديل العراقي
-
أزلام السلطة ورجال الدولة 2-2
-
أزلام السلطة ورجال الدولة -1-2
-
كتاب جديد لميثم الجنابي - العراق ورهان المستقبل
-
النخبة السياسية والمأساة العراقية! 2 - 2
-
النخبة السياسية والمأساة العراقية! 1 - 2
-
حرب أهلية = دولة كردية. وهم أو خرافة؟
-
الاستفتاء وآفاق الانتقال من نفسية القطيع إلى ذهنية الاختيار
...
-
العقدة العراقية – تاريخ البدائل
-
العقدة العراقية – خرافة الانحطاط وأسطورة العظمة
-
الشخصية العلوية – وحدة المتناقضات المغرية
-
العراق وهوية المستقبل
-
الاستفتاء والمحاكمة – الابتذال الديمقراطي لفكرة الحق
-
العد العكسي لزواج المتعة بين القيادات الإسلامية الشيعية والق
...
-
المأساة والأمل في العراق
-
هادي العلوي: المثقف القطباني 11 من 11
المزيد.....
-
عمال أجانب من مختلف دول العالم شاركوا في إعادة بناء كاتدرائي
...
-
مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية شرطة الاحتلال الإسرائي
...
-
أجراس كاتدرائية نوتردام بباريس ستقرع من جديد بحضور نحو 60 زع
...
-
الأوقاف الفلسطينية: الاحتلال الإسرائيلي اقتحم المسجد الأقصى
...
-
الاحتلال اقتحم الأقصى 20 مرة ومنع رفع الأذان في -الإبراهيمي-
...
-
استطلاع رأي إسرائيلي: 32% من الشباب اليهود في الخارج متعاطفو
...
-
في أولى رحلاته الدولية.. ترامب في باريس السبت للمشاركة في حف
...
-
ترامب يعلن حضوره حفل افتتاح كاتدرائية نوتردام -الرائعة والتا
...
-
فرح اولادك مع طيور الجنة.. استقبل تردد قناة طيور الجنة بيبي
...
-
استطلاع: ثلث شباب اليهود بالخارج يتعاطفون مع حماس
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|