أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - سامي عبد العال - مستنقعُ العنفِ: كيف تُعتَّقل المجتمعاتُ؟















المزيد.....

مستنقعُ العنفِ: كيف تُعتَّقل المجتمعاتُ؟


سامي عبد العال

الحوار المتمدن-العدد: 5882 - 2018 / 5 / 24 - 21:00
المحور: حقوق الانسان
    


على ( الصعيد السياسي العام ) بين مجتمعي الاحتلال والمُحتَّل، ليس العنف ممارسةً طارئة إزاء مواقف عابرةٍ، ولا هو وليد تجربة احتكاك مباشر بين أطرافٍ ترفض التعايش المشرك. لكنه محصلة ممارسات وصور وتجارب حقائق تتراكم جوانبها بمقدار ما تعيش المجتمعات إحساساً بالقهر والعجز عن دفع حياتها إلى الأمام. مما يُولِّد ضُغوطاً وردود أفعال أكثر إثارةً لغرائز العدوانية وانتهاك الخصوصيات والعلاقة السوية بين الأفراد.

عندئذ يتحول أفراد المجتمع المحتَّل من نظام حواري مستقل- أو هكذا يُفترض- إلى قُمقم مظلمٍ لا أمل بالخروج منه، شاعرين أنهم تحت رحمة الآخر وتحت وسائل قمعه، وأنَّه لا خلاص سوى بالاستجابة العنيفة لحركة تروس تلك الآلة الجهنمية على صعيد السياسة والظواهر العامة والحركة نحو الغد.

هذا بالضبط ما فعلته وتفعله إسرائيل يومياً( وتاريخياً ) إزاء الفلسطينيين. مما يثر أسئلة كثيرة: ما مدى شرعية ممارسة العنف غير المباشر على مجتمع بأكمله؟ هل يجوز لدولة تزعم أنها كذلك أن تعتقل مجتمعاً فارضة علاقاته بالعالم الخارجي وفقاً لرؤيتها؟! كيف ستظهر تلك الدولة بآليات عنيفة أمام مؤسسات العالم المتحضر؟ أليس ما تمارسه إسرائيل تأكيد لمستنقع عنف لن تكون بمنأى عنه في يوم من الأيام؟ هل تصدير العنف سيكون سلعة رائجة بالداخل عائدة مرة أخرى إلى موطنها الأصلي؟!

تأسيس إسرائيل بآلياتها العنيفة ليس صدفة. أليست مسمار جحا الإقليمي في بيت العرب المتهالك والثري؟ لعلنا نلاحظ أنها بمثابة تفريغ عولمي للعنف في المنطقة العربية بما يخدم مصالح القوى العظمى. ولندقق أكثر أن المصالح تؤدي في النهاية أدواراً ترسمها تلك القوى. حتى أن العنف الأبيض( الناعم ) الذي تمارسه دولة إسرائيل كجهاز قمع هو بمثابة البديل لما يجعل لها وجوداً فعلياً في المنطقة. كل ما يحدث أن إسرائيل تلتهم ببطء وعلى نحو تاريخي كل ما ينتمي إلى فلسطين.

العنف الأبيض( الناعم ) ليس معناه عنف بلا ضحايا. لكنه يتم بتكتم شديد ويجري طوال الوقت دون مبارحة. إذ يظل الإسرائيليون يترصدون الفلسطينيين: ليلاً ونهاراً، مساءً وصباحاً، نوماً ويقظة، شباباً وأطفالاً، رجالاً ونساءً، ماضياً وحاضراً. ولو تمكنت إسرائيل – وهذا ليس مستبعداً- من اختراع آليات وتقنيات لمراقبة مشاعر الفلسطينيين وحواسهم وخيالهم لفعلت سريعاً. حتى تضمن التحكم في هذه الكائنات المقاومة الغريبة التي لم تستطع إسرائيل وضع برنامج بيولوجي سياسي للحد من توجهاتها وتطلعاتها المشروعة فوق أراضيهم.

والعنف الأبيض أيضاً يتم بلا آثار كبيرة على الأرض وإن كانت نتائجه التاريخية مدمرة ومجنونة، لأنه يعوق مجتمعاً عاماً بكامله، شعباً بتراثه ومستقبله من أن يبني ذاته ويعيش حراً. وقد صمم العنف من هذا النوع على استنزاف قدرات وبيولوجيا الفلسطينيين. بمعنى أن هناك تكريساً للأمراض والاحتقان المتواصل والتضييق الناعم والاحتجاز المباشر لعناصر الشعب. والقصد بهذا التحكم عن بعد في طاقات الشعب الفلسطيني أن يكون على مساحة أكبر من الجغرافيا والتاريخ.

الأدق أن العنف الناعم يصمم ذاته بطريقة تتوقف على مقاومة الضحايا له وأن يمسي مشابهاً لوسائل حياتهم. فالتململ والتمرد والوعي أشياء ستُلاقى بمزيد من الإحساس بالقهر. ووضع العراقيل ولتوصيل فكرة العجز وترسيخها لدى الطرف المقابل، حتى يشعر المقاومون أنَّ الموضوع ليس بعيداً عن أعين الآلة العنيفة. كما أن ذلك العنف يحول قدرات المقاومين لصالح الجلادين الصهاينة. فإذا كان المقاوم لديه مساحة من الحرية والتحرك كانت تلك المساحة معطاة ومقننة للضحايا على ألاَّ يتجاوز ما أعطي له وشريطة أن يضع ما لدية من طفرات تحت مراصد عنيفة تتنبأ بالمستقبل.

والأكثر دهاءً أن عنفاً إسرائيلياً ناعماً يحول الفلسطينيين إلى موضوع، مفعول به. أي لن يكونوا إلا ردود أفعل تحتاجها إسرائيل لإظهار دمويتها واعتدائها. فلو ألقى المقاوم حجراً، حصاةً لأخذتها وروجتها وسائل إعلام صهيونية بوصفهاً حرباً ضروساً على شعب الرب الأعزل. والموضوع (الفلسطينيون) دوماً تحت ضغوط لا تغادره لكونه خاضعاً لآليات وشروط من خارج ذاته. عليه أنْ يبقى متأثراً ومحدوداً ولا يبدي أيَّ تغير دون قبول من القوة العنيفة المهيمنة.

في هذا الإطار تأتي القوى الخارجية (أمريكا وأوروبا) لغسل العنف الإسرائيلي. حيث تعلن صباحاً ومساءً أن دولة الرب تدافع عن نفسها، بل لها الحق كل الحق في أية ممارسات لإشعار مواطنيها بالأمن. وفجأة تتقيح الحالة اليهودية في أوروبا مرة أخرى- بعدما ظلت هادئة كبركان خامد - طافحة في أرض فلسطين. تتنادى الهيئات والمنظمات الدولة في تأييد إسرائيل واعتبارها تجسيداً لنعمة إلهية نالها الشعب اليهودي بعد المذابح وأعمال النبذ والإهانة التي ارتكبت بحقه.

لكن ما علاقة ذلك بالموت البطيء للفلسطينيين؟ هل تحقيق الكرامة لشعب إسرائيل أن يدمر شعب آخر لا يقل إنسانية عنه؟ ما علاقة النكبات التاريخية لليهود بالشعب الفلسطيني؟ ما هي مسؤولية الفلسطينيين تجاه قضايا اليهود بأوروبا؟ وكيف يتجمل المجتمع الفلسطيني( رهن الاعتقال ) مسئولية أوروباً عن أفران الهولوكوست؟ هل القانون والأعراف الدولية تقول بوضع مجتمع بأكمله في فرن إسرائيل عوضاً عن أفران الغاز بأوروبا؟! ولماذا يحول تأسيس دولة لشعب الرب دون دولة للفلسطينيين فوق تراثهم وذاكرتهم وحول أجسادهم العامة؟ لما يباح قتل الفلسطينيين وإمراضهم بينما تطبب إنسانية أوروبا إرهاق اليهود ومشكلاتهم يومياً؟ كيف تتوازن المعايير التي تتعامل بها أوروبا إزاء شعبين( قاهر، عنيف ) ومقهور ومدحور؟!

هنا أكدت بعض سياسات الغرب الأوروبي والأمريكي:

أولاً: تمديد حالة العنف الإسرائيلي عن طريق تعليق البت في قضايا الشعب الفلسطيني. وربما من المرات البارزة التي تناقض فيها مبادئ الحداثة ذاتها وتعلن أنها محجوزة سلفاً لصالح ذيول القوى العظمى( إسرائيل)، وأنَّ الحداثة كما أنتجت الاستعمار تواصل المسيرة الغربية في قهر الشعب الفلسطيني وإذلاله كآخر حالة استعمارية مستعصية. وهذا التباطؤ مقصود لأن المشكلة في قارةٍ( مشكلة اليهود والحداثة التي أفرزتها) والحل في قارة أخرى( ابتلاع فلسطين ) بينما يحتاج الحل الجديد إلى جرائم متواصلة تتغافلها أوروبا لتقوم بها إسرائيل.

إن الحل نفسه هو عملية التأجيل القاتل لمشكلة الشعب الفلسطيني حتى يمكننا التنبؤ بأنه مشكلة لن تحل بالقريب الآجل على أفضل تقدير. لأن صانعي المشكلة هم القضاة والجلادين والمهيمنين ولن يكون دور فلسطين سوى تمرير كارثة الحداثة الغربية تاريخياً.

فلسطين هي الضحية الأكبر بالنسبة لأوروبا والغرب، وأنَّ المفارقة المشار إليها مفارقةٌ يقوم عليها النظام العالمي بأدواته الاقتصادية والسياسية والاستعمارية. في ضوئها نهبت قارة وخربت دول ويعاد بناء عليها ترسيم حدود الدول وصناعة الإرهاب لخدمة مآرب كبرى في الصورة العولمية لكوكب الأرض. كيف ستحل مشكلة فلسطين إذن؟ إنها مشكلة ثقافية وحضارية تتحمل ميراثاً ضخماً أكبر من محيطها؟

ثانياً: باستمرار تمسح دول الغرب الأوروبي والأمريكي آثار الجرائم الإسرائيلية، لكونها تدرك أن إدانتها هي إدانة لتاريخ الغرب ذاته. الذي ظل طوال مسيرته يخلق مستنقعات من العنف كي يطهر مجتمعاته وكي يجد موضوعات لهيئاته ومنظماته الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان والقوانين التي لن تعالج شيئاً. إسرائيل نموذج جيو سياسي لعملية تطهر ملوثة بكافة الجرائم التي يحدثا الغرب الاستعماري الحداثي. والمدهش أن اليهود اقتنعوا بتلك الأكروبات التاريخية وبتلك العملية الشاملة التي تتخلص من نفايات الحداثة في شكل مجتمعات معتقلة خارج أوروبا.

وكلما ارتكبت إسرائيل( ابنة الحداثة الأوروبية) جرائم حرب، تنهض المنظمات والهيئات الدولية( ابنة الحداثة ذاتها ) إلى تبرئة الابنة الأولى بمنطق الابنة الثانية. وليس ثمة تناقض من أي نوع بين الابنتين. ولذلك فإن أية صراخ قانوني وحقوقي لدى منظمات القانون الدولي هو صراخ في الأذن الخطأ، وفي الوقت الخطأ ولن تسمع سياسات الغرب شيئاً إطلاقاً. لأن هناك إرادة غير واعية لكنها مقصودة تكرس حالة العنف وتصب فيه جميع كناسة النفايات الدولية وتنزح إلية المياه الراكدة حتى يصبح بؤرة لخطط وألاعيب وحيل عولمية قابلة للاستعمال.

من تلك الجهة تعتبر حالة المجتمع الفلسطيني والإسرائيلي حالة قابلة للتكرار بأدوات أخرى. وقد لجأت إليها أمريكا في بعض الدول العربية من خلق ( مستنقعات عنف ) على كمستوى أخف قليلاً. لكنه كاف لانتهاك سيادة الدول وامتصاص دمائه الحيوية من النفط والثروات والعقول والقدرات والطاقات الطبيعية مثل العراق وسوريا مرشحة لذلك بقوة ومن قبل ليبيا.

ومن جانبها فهمت إسرائيل هذه الوضعية ، فكانت تستعمل العنف الأسود، أي القتل المدروس والانتهاك المتروي حتى يقتنع الفلسطينيون بالعنف الأبيض. فإسرائيل تقول لهم عليكم بقبول الاعتقال الراهن لحياتكم، لمصيركم، لقضاياكم، لأفكاركم، لأجسادكم، لمقدراتكم، لخيالكم، لأحلامكم بشكل ناعم وثير وإلاَّ لتحول الاعتقال إلى اللون الأسود. فيصبح الاحتلال تدميراً لكل ذلك مباشرة ولا حل لكم من الرضوخ إلى الأمر الواقع. والاختيار إسرائيلي معروف تاريخيا ومدعوم من كل قوى العولمة والغرب الاستعماري في جوانبه الحداثية الشرسة كما نوهت.

ولذلك تحرص إسرائيل من حين لآخر على ضخ كمية لا بأس بها من العنف الوافر( فائض العنف ) حتى تحافظ على مياه المستنقع راكدة وقادرة على إغراق الحقائق وتضييع الحقوق. وطالما أن الأوضاع تحت السيطرة الدولية والإقليمية، فإن المتضرر في طريقه إلى الانكماش التدريجي.




#سامي_عبد_العال (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القتلُّ ولعبةُ الحدودِ
- أُورشليم وسياسات الاحتفال
- نكبةُ إسرائيل
- التّسامُح و المَجْهُول
- طُرْفةُ المِصْبَاحِ والسَّطْحِ
- مواسم نهاية الإرهاب
- مَقُولةُ الموتِ الذكِّي
- الموت مُقابل الموت!!
- القَرْعَّةُ وبِنت أُختِّها
- أرضُ الجُنون
- حين يفهم القارئُ برجليه
- حيوانُ السياسةِ يقتلُ شعبه
- أشباح الثورات تطارد الشعوب
- اختراعٌ اسمه الكذب
- ميتافيزيقا الارهاب: الصراع الأزلي (6)
- سؤال الأرض
- ميتافيزيقا الارهاب: الجماعة المستحيلة (5)
- ميتافيزيقا الإرهاب: الله والتكفير (4)
- ميتافيزيقا الإرهاب: أنا الحقيقة (3)
- سارق النوروز!!


المزيد.....




- غرق خيام النازحين على شاطئ دير البلح وخان يونس (فيديو)
- الأمطار تُغرق خيام آلاف النازحين في قطاع غزة
- 11800 حالة اعتقال في الضفة والقدس منذ 7 أكتوبر الماضي
- كاميرا العالم توثّق معاناة النازحين بالبقاع مع قدوم فصل الشت ...
- خبير قانوني إسرائيلي: مذكرات اعتقال نتنياهو وغالانت ستوسع ال ...
- صحيفة عبرية اعتبرته -فصلاً عنصرياً-.. ماذا يعني إلغاء الاعتق ...
- أهل غزة في قلب المجاعة بسبب نقص حاد في الدقيق
- كالكاليست: أوامر اعتقال نتنياهو وغالانت خطر على اقتصاد إسرائ ...
- مقتل واعتقال عناصر بداعش في عمليات مطاردة بكردستان العراق
- ميلانو.. متظاهرون مؤيدون لفلسطين يطالبون بتنفيذ مذكرة المحكم ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - سامي عبد العال - مستنقعُ العنفِ: كيف تُعتَّقل المجتمعاتُ؟