أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - جريدة الشيوعي - الحزب الشيوعي والانتخابات في ظل النظام البرجوازي















المزيد.....


الحزب الشيوعي والانتخابات في ظل النظام البرجوازي


جريدة الشيوعي

الحوار المتمدن-العدد: 1493 - 2006 / 3 / 18 - 11:34
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


يبدي الكثير من الأحزاب الشيوعية في العالم اليوم، ومن بينها الحزب الشيوعي الروسي والحزب الشيوعي الأوكراني مثلا، ولا يختلف عنها في هذا أيضا العديد من الأحزاب الشيوعية العربية، اهتماماً كبيراً بالمشاركة في الانتخابات المرتكزة على أسس وقوانين انتخابية تهيئ للبرجوازية وأجنحتها وأحزابها المختلفة دون غيرها كل أسباب الفوز. فيركز الحزب الشيوعي اللبناني مثلا جل نشاطه السياسي على هذه المشاركة تقريباً ويبدأ يدعو الرفاق من كل حدب وصوب لتدارس مسألة مَن مِن زعماء البرجوازية يجب أن ينتخبوا وعمن يجب أن يحجبوا أصواتهم المرجحة لكفة هذا أو ذاك. وتبدو الأحزاب الشيوعية في هذا السياق، للأسف، كمثل الدب الذي ينام كل فصل الشتاء ولا يفيق إلا عندما ترتفع حرارة الأجواء. فعندما لا تكون لدى الحزب مهمات ثورية يتنطح لتنفيذها، فيما تتصارع أطراف البرجوازية المختلفة على السلطة بأشكال شتى حتى قد يتخذ صراعها طابع الدموية أحياناً، فهو لا يفيق من هموده إلا عندما يأتي موعد الحملة الانتخابية ويتخذ الصراع إياه شكلاً "ديموقراطياً"، فيدفعه الحماس المصطنع إلى المعركة ظناً منه أنه هذه المرة "سيشيل الزير من البير"!!. وعندما لا تعود الاشتراكية هي الهدف بعد أن فشلت في الاتحاد السوفياتي – كما يحلو للكثيرين من الشيوعيين الزعم مرددين الأسطوانة نفسها التي يفرضها على الرأي العام والطبقة العاملة الغرب الرأسمالي المنتصر وقتياً- فهل ما يدعو إلى العودة إلى فكرة الثورة؟ ولهذا بات الكثير من هذه الأحزاب أحزاباً إصلاحيةً وجزءا من النظام الرأسمالي نفسه لا نقيضاً له، لا تطرح من الشعارات ما قد يمس أسسه. فالحزب الشيوعي الروسي، وكذلك الحزب الشيوعي الأوكراني، يناضل مثلا من أجل "تغيير النهج" لا النظام الرأسمالي. وحليف كل منهما في ذلك، حسب تصريحات قيادتيهما، الكنيسة الأرثوذكسية التي لا تترك مناسبة إلا وتظهر عداءها المستحكم للشيوعية (تأييد ممثلها فيلاريت مؤخرا لقرار برلمان مجلس أوروبا ضد الشيوعية خير دليل). والحزب الشيوعي اللبناني يكافح ضد المحاصصة الطائفية بين أفرقاء الإقطاع السياسي وفي سبيل النسبية في الانتخابات على أساس الدائرة الواحدة. ويحرص على "السلم الأهلي" و"بقاء الدولة" (البرجوازية طبعاً‍) حرصه على قرة العين خوفا من أن يهدم شمشون البرجوازية اللبنانية المتخاصمة أطرافها الهيكل على الجميع، ومن أن يفجر الإقطاع المالي والسياسي "السلم الأهلي" والدولة معاً في حرب أهلية لا تبقي ولا تذر، بعد أن بات يمسك بخوانيق البلد والشعب.
وهكذا، مع اقتراب موعد الانتخابات يبدأ الحزب الشيوعي يطل بعد طول غياب عن الفئات العمالية الشعبية ومطالبها الحياتية اليومية، وبعد التلهي بصراعات أطراف البرجوازية وبالشعارات التي تتراشقها عما يمكن أن يجعله قطباً من قطبي الصراع الطبقي في المجتمع الرأسمالي.، فيحاول أن يُشعر مؤيديه وكأنه قاب قوسين من الفوز في مقعد نيابي في هذه الانتخابات التي يزعم أرباب البرجوازية والإقطاع السياسي في كل مكان وزمان أنها "حرة وديموقراطية ونزيهة" رغم ما يكتنفها من استخدام لسلاح المال والدعاية ومن استقواء بالقوى الخارجية وبالطائفية وغير ذلك. ، وكأنه بفوزه هذا سيقلب النظام البرجوازي على أصحابه من خلال قواعد اللعبة "الديموقراطية" التي يفرضها هذا النظام إياه، وسيعطي الشعب السلطة على صحن من الفضة دون أن يكون لهذا الشعب الشجاع أي دور سوى أن يدلي بصوته الوزين في صندوق الاقتراع.
ولكيلا يقع الرفاق في مصيدة الأوهام نقول إن نتيجة الانتخابات "الحرة والديموقراطية والنزيهة" هذه، أيا يكن رأينا فيها وفي القانون الانتخابي، ستبقى هي هي... استبعاداً للشيوعيين المناضلين الحقيقيين (باستثناء المرتدين منهم والانتهازيين، الذين يمشون في الطابور أياً يكن قادة هذا الطابور- البرجوازية العالمية الاحتكارية، أم البرجوازية الوطنية الإقليمية) من مواقع التأثير في الرأي العام، من البرلمان الذي يمكن أن يشكل منبراً لهم يمكّنهم ولو من أن يطرحوا رأيهم على الملإ في عورات هذا النظام الرأسمالي الحر، الديموقراطي في الشكل والمستبد الاستغلالي في الجوهر، وأن يحضوا الشعب وطبقاته العاملة والمحرومة على التمرد. فالنظام الانتخابي سيقاس حتماً على مقاس الإقطاع السياسي والمالي لأجل أن لا يقوم على رأس الوطن غيره: الدوائر الانتخابية ستوزع، تصغّر أو تكبَّر، بحسب الحاجة إلى إعادة إنتاج الطاقم الرأسمالي الإقطاعي-السياسي نفسه، ولن يكون هناك أي بند في القانون يمنع استغلال المال والطائفية واحتكار وسائل الإعلام والضغوط الإدارية وغير ذلك لأجل المجيء بمن يؤبّد استغلال الفئات الكادحة واضطهادها. وحتى النسبية، هذه النسبية الممتدحة التي قد تأتي بهذا أو ذاك من مرشحي الحزب الشيوعي الذين- في ظل الأجواء الانتهازية والانهزامية والنزعات الإصلاحية غير الثورية التي تشوب الحركة الشيوعية المعاصرة- سرعان ما سينضمون إلى جوقة المشرعين ضد مصلحة الشعب ويُشترَون بسعر متهاود ومقبول من قبل البرجوازية المهيمنة، لا ترى البرجوازية الحاكمة ضرورة لتطبيقها الآن رغم أنف "الطائف" وكل الطوائف مجتمعةً ورغم رغبة رافضي الطائفية أيضاً.
إن فشل الشيوعيين في الفوز في أية انتخابات على النظام البرجوازي حتمي ومعلل نظرياً منذ فترة بعيدة. وليس يمنع التكهنَ بهذا الأمر سوى الضياعِ في متاهات الانتهازية وفي بلاهة الحلم بالانتصار على البرجوازية في انتخابات من صنعها. وتجربة عشرات السنوات من المشاركة في الانتخابات تبين أن المشاركة العمياء في اللعبة البرلمانية البرجوازية ليس من شأنها إلا أن تؤدي إلى النتيجة المعروفة، وإلا أن تؤكد مجدداً صحة ما أوردته الماركسية واللينينية من حقائق.
ولئن كان بعض الأحزاب الشيوعية يعتقد بإمكان اختراق هذا الحاجز المفروض من قبل البرجوازيين بكل مشاربهم، فهو ينطلق من أن فكرة إسقاط النظام الرأسمالي لم تعد أصلا واردة لديه، وليس يبقى له أن يحلم بسوى أن يكون مجرد "برغي" صغير في ماكنة هذا النظام، بسوى أن ينال بعضاً من فتاته في صورة مقعد نيابي هنا وموقع بارز في تظاهرة "مخملية" هناك. وليس في هذا شيء من إثبات الوجود، كما يعتقدون، بقدر ما فيه تأكيد لابتعاد الحزب عن هدفه الأول ألا وهو إسقاط النظام الرأسمالي لصالح نظام ديموقراطي شعبي حقاً يسير في اتجاه تمليك العامة ما يتملكه اليوم الخاصة من الناس بنتيجة استغلالهم للشعب بطبقاته الدنيا والوسطى وعبر نهب الخزينة وفرض الضرائب بعد إغراق البلد بدين ذهب كله إلى جيوبهم، وغير ذلك من أشكال الاستغلال التقليدية والمبتكرة.
لنأخذ مثلا الحزب الشيوعي الروسي. فقد نال أمينه العام غينادي زوغانوف في انتخابات عام 1996 الرئاسية أغلبية - باعتراف معظم المعلقين السياسيين لاحقاً - على منافسه آنذاك الرئيس بوريس يلتسين حين كانت شعبيته وصلت إلى الحضيض (أقل من 5 بالمائة من الناخبين الروس). غير أن الرأسماليين الجدد في روسيا ومن ورائهم الأميركيون والغرب استخدموا كل التقنيات الانتخابية القذرة الممكنة وطلعوا بنتيجة معاكسة للواقع. ولم يعترض زعيم الحزب الشيوعي المؤمن بالديموقراطية البرجوازية ونزاهتها على هذه النتيجة، بخلاف زعماء الثورات "البرتقالية" و"المخملية" وباقي الثورات الملونة المدعومة أميركياً!! وهذا أيضا الحزب الشيوعي الأوكراني المغرم، مثله مثل الحزب الشيوعي الروسي، بالمشاركة في الانتخابات البرجوازية التي يدير دفتها ممثلو رأس المال المتشكل من البيروقراطية الحزبية المنقلبة على الاتحاد السوفياتي والاشتراكية بدعم من الغرب، وصل تمثيله في المجلس النيابي الأوكراني إلى نسبة عالية وصار أمينه الأول سيموننكو في الانتخابات الرئاسية قبل الأخيرة مرشح المعارضة الأوفر حظاً في الفوز بعد أن بلغ إفلاس القيادة الأوكرانية السابقة أوجه. غير أن سيموننكو نفسه اضطر إلى الاعتراف نهاية الأمر بأن مسيرة عودة الرأسمالية في أوكرانيا لم تتوقف عملياً، بل أنجزت إنجازاً نهائيا رغم كل نجاحات الشيوعيين في الانتخابات البرجوازية. فأشكال النضال البرلمانية، كما تبين، لم تكن سوى سراب، محاكاة للنضال، حركة من دون بركة ضد الهجوم الشامل للبرجوازية الجديدة على مصالح الطبقة العاملة.
لقد بات وجود النواب الشيوعيين بين جدران البرلمان، هذا "المحكى" المخصص للثرثرة دون طائل إذا ما عدنا إلى أصله الفرنسي، ومدفن الحركة الشيوعية في المرحلة المعاصرة، من أفضل أشكال "النضال" بالنسبة إلى البعض. ولئن كان من غير الممكن أن تستعاد الاشتراكية من دون التملص والخروج من أطر الديموقراطية البرجوازية في بلدان الاتحاد السوفياتي والمعسكر الاشتراكي سابقاً، فإن من غير الممكن أيضا الوصول إلى الاشتراكية ضمن هذه الأطر في البلدان الأخرى.
إن نظرية ماركس التي بادر إلى تطويرها من بعده لينين والشيوعيون اللاحقون لا تزال نظرية طليعية تثبت صحتها في الظروف المعاصرة أيضاً. ومهما قال فيها شيوعيون سابقون و"شيوعيون" بقوة الاستمرار حاليون أنها نظرية طوباوية، منادين في الوقت نفسه بطوباوية تحرير الشعب العامل من خلال المشاركة في الانتخابات البرجوازية، فإن الحياة نفسها تثبت أن لا مستقبل لنضال الطبقة العاملة والحزب الشيوعي من دون أيديولوجية ثورية وأشكال نضال ثورية أيضاً. وليس بالإمكان الاستعاضة عن الثورة التي تغير أسس عيش المجتمع، بإعادة توزيع للصلاحيات والحصص داخل البنية البرجوازية للسلطة، فهذا كله لن ينهي دكتاتورية البرجوازية ولن يلغي الاستغلال ولن يغير وضع العمال تغييرا جذريا.
وحين تطرّي الأحزاب الشيوعية شعاراتها لأجل أن تعتمد على أصوات الناخبين من عداد البرجوازية الصغيرة أو المتوسطة، فإن هذا الاعتماد لا يمكن الركون إليه لأن البرجوازية الكبيرة سوف "تهتم" على الدوام بإخوتها الأصغر منها، بأن يكون ثمة ما يكفي من الأحزاب والساسة الذين يمكن لهؤلاء أن يصوتوا "طوعاً" لصالحهم. فبين الأحزاب والساسة البرجوازيين غير قليل من أولئك الذين يدافعون عن مصالح البرجوازية الصغيرة والمتوسطة دفاعاً أكثر مثابرة وصراحة من دفاع الحزب الشيوعي عنها. ومن هؤلاء مختلف الأحزاب "الاشتراكية" و"التقدمية" والطائفية بشتى أسمائها ومسمياتها.
إن صغار ومتوسطي البرجوازيين، بدءا بالدكنجية وانتهاء بأصحاب الشركات الصغيرة التي ترقص على شفا الإفلاس بين الفينة والفينة، لا يضيرهم قط طبعاً أن يضيََق على كبار حيتان رأس المال في معمعة الصراع من أجل البقاء في ظل اقتصاد السوق المسماة حرة، حتى ولو كان هذا التضييق يأتي بمساعدة الشيوعيين. فهم يعلمون أن حيتان رأس المال سوف تبتلعهم هم قبل غيرهم كلما ضاقت عليها أبواب الربح. ولكنهم في الوقت نفسه لا يفتأون حتى في أحلك الظروف يحلمون بأن يثروا ذات يوم، وما من شك في أن الأحزاب البرجوازية سوف تقدم لهم من ضمن ديماغوجيتها الانتخابية شتى "الضمانات" الممكنة لتحقيق هذا الحلم، أو على الأقل لإبقائهم يحلمون دون طائل. وما دام اهتمام البرجوازية الكبيرة كبيراً إلى هذا الحد برجال الأعمال الصغار والمتوسطين، فما الذي من شأنه أن يدعو أصحاب الدكاكين هؤلاء إلى التصويت لصالح الشيوعيين؟
وإذا كان الشيوعيون، من جهة أخرى، لا يزالون يريدون حقا أن يكونوا شيوعيين وأن يناضلوا في سبيل الاشتراكية وسلطة الشعب الكادح كهدف نهائي، فهل يعتقدون أن التجار، صغاراً ومتوسطين، هم حمقى وبلهاء إلى حد أنهم لا يعلمون إلام قد تودي بتجارتهم الاشتراكية وسلطة الشعب الكادح؟ إن سلطة الشعب الكادح لن تصبر على الطفيليين وأكلة الكتف، وإلا فهي ليست بسلطة الشعب الكادح، وستحافظ بإبقائها عليهم محافظتها على البذرة التي سيفرخ منها مستقبلا رأسماليون جدد. ولذا لن يصدق البرجوازيون بمختلف عياراتهم الكلام "الشيوعي" المعسول ولن يخاطروا بالمستقبل الذي به يحلمون مهما غلظت الأيمان.
والعمال أيضا لن يصوتوا لصالح الحزب الشيوعي عندما يكون هذا ذا مواقف متذبذبة، مع الذئب والغنم في آن. فما الذي يعنيه بالنسبة إلى العامل وذي الدخل المحدود رجل الأعمال الصغير والمتوسط؟ إنه يعني ارتفاع سعر السلعة في انتقالها من المنتج أو التاجر الكبير إليه ارتفاعاً قد يصل إلى مائة بالمائة وأكثر.
وهل لنا أن نتجاهل، في لبنان مثلا، التأثيرات الطائفية والمذهبية وشراء الأصوات ووسائل الدعاية التي تحتكرها البرجوازية بأطرافها كافة ووسائل الضغط الإداري على المحاسيب وهلم جراً؟
من هنا استنتاج أن البرجوازية ستكون هي المنتصرة لزاماً في أي انتخابات قانونها هو أصلا من صنعها هي، من صنع ديموقراطيتها البرجوازية، وكل الشروط المحيطة تعمل لصالحها. وعلى وجه أدق سيكون المنتصر هو الجناح الأقوى داخل الطبقة البرجوازية، والجناح الأقوى اليوم في ظل الصراع العالمي الرئيسي بين الاحتكارات العالمية والرأسمالية الوطنية هو ذاك المحتمي بالأولى. وإذا ما توازنت القوى أو تقاربت موازينها كما في لبنان اليوم، شلًّت البلاد واقتصادها وبدت على شفير الحرب الأهلية. وعندما لا تكون الطبقة العاملة بقيادة شيوعيين "إصلاحيين" يخشون أن يطاولوا ولو بشعاراتهم أسس النظام ، جاهزةً لتسلم السلطة، فالطامة كبيرة لأن الشعب، بما فيه طبقته الكادحة، سينقسم بين جماعات البرجوازية ويضحي طعماً سهلاً لخلافاتها ومعه أشلاء الوطن.
ففي لبنان مثلا دب الخلاف مؤخراً بين أطراف البرجوازية التي كانت ملتفة جميعها حول الرئيس الراحل رفيق الحريري كأفضل ممثل لهذه الطبقة، بفعل تغير المعطيات الدولية ودخول الأميركيين على الخط بقوة ضد الوجود السوري فيه. وجاءت "ثورة الأرز" المدفوعة الأجر لتعيد خلط الأوراق. ولكنها بفعل التركيبة الطائفية اللبنانية، ومقاومة البرجوازية الوطنية الإقليمية لتوسع الاحتكارات العالمية على حسابها، تتعثر على الرغم من اصطفاف قوى كثيرة تحت لوائها كانت في الماضي القريب محسوبة على الصف الوطني المناهض للانعزالية، وباتت اليوم داعية نارية لمسيرة القطار الأميركي في سبيل "الديموقراطية" في الشرق الأوسط الكبير. وليس سراً أن هذه القوى المجتمعة تحت اسم "قوى 14 آذار" تستمد قوتها وثقتها بنفسها و"أكثريتها" أيضا من دعم الإمبريالية الأميركية والفرنسية والدولية لها. ويسعى الإمبرياليون، من خلال الأكثرية في مجلس الوزراء كقطب يقف إلى جانبهم في الصراع، إلى جعل لبنان عبر إيصال ممثلهم إلى رئاسة الجمهورية، وإلى السيطرة على السلطة في لبنان سيطرة مطلقة من خلال جماعتهم وجعله رأس جسر لهيمنتهم على كل الشرق الأوسط. ولا بد من القول إن الظروف كلها مؤاتية لحل يعيد إنتاج التحاصص القائم على قاعدة ميزان القوى المستجد مهما علا صوت الشيوعيين وغيرهم في رفض المحاصصة الطائفية والمطالبة بالنسبية في القانون الانتخابي. والسبب يكمن في الآتي:
أولاً، عدم وجود حزب سياسي من الطراز الماركسي اللينيني مرتبط بالجماهير الكادحة وقضاياها المعيشية والاقتصادية ارتباطاً عضويا يطرحها طرحاً يومياً بمقابل التشنجات الطائفية والفرز التقليدي لأبناء الشعب، حزب قادر لأجل صالح هذه الجماهير على طرح شعارات ثورية وصولا إلى الثورة الاشتراكية وإقامة دكتاتورية الشعب الكادح التي هي أكثر ديموقراطية من أي "ديموقراطية" تتشدق وتتبجح بها الأقلية الرأسمالية الحاكمة.
ثانيا، جهل الطبقة العاملة سياسياً وتشرذمها وعدم انتظامها، وهذا ينتج عن السبب الأول، وهو ما يمنح البرجوازية إمكانات لا حدود لها في مجال الديماغوجية السياسية والاجتماعية والتلاعب بالوعي الاجتماعي.
ثالثا، وجود الطائفية المزمن كأساس للعيش والحصول على عمل أو وظيفة رسمية في لبنان يجعل في أيدي الطبقة الرأسمالية الحاكمة بعد سلفها الإقطاع سلطة إدارية ومعنوية على الناس لن تتخلى عنها مهما كان هناك من "طوائف" (بمعنى اتفاق الطائف الذي يدعو إلى التخلي شيئا فشيئا عن الطائفية في النظام اللبناني من خلال إصلاحات معينة في القانون الانتخابي). وسيبقى كل قانون جديد يدبجه أرباب النظام مشوباً بالرغبة في إبقاء أمراء الطوائف على عروشهم خلافا لمصلحة البلد في التطور والارتقاء.
رابعاً، الدعم الأميركي والغربي المطلق لقوى الخصخصة والتقسيم الطائفي والعداء لكل ما بقي يتحرك من ذاك الذي كان يسعى بالأمس إلى التحرر، أكان هذا سورية، أم الفلسطينيين المسلحين في مخيماتهم أو خارجها، أم حزب الله اللبناني ذا الامتدادات السورية الإيرانية والذي قد يضرب إسرائيل بـ"زر ورد" (هذا أمر ممنوع بالنسبة إلى الغرب الذي زرع إسرائيل في المنطقة هراوة يستخدمها عند الضرورة). وتتعدد أوجه هذا الدعم ليتخذ وقت الحاجة أشكالا مخيفة كعمليات الاغتيال التي قد تطاول في أحيان كثيرة رؤوساً وشخصيات موالية للغرب إياه، ولكن يشكل اغتيالها صاعق تفجير للأوضاع كلما مالت إلى التهدئة، ووقوداً جديداً لقطار الهيمنة الأميركية على الشرق الأوسط الكبير بعد احتلال العراق. وهنا لا بد من أن يساور المرء الشك في أن يكون الأميركيون أو الإسرائيليون هم فعلا من اغتال الحريري وغيره من الشخصيات السياسية والصحافية اللبنانية البرجوازية المرموقة وألصقوا التهمة بسوريا نظراً لجبروت إعلامهم. وقصة الذئب والحمل معروفة، وإن كان المواطن اللبناني العادي سهل الانجرار إلى ما يبغونه من "حقيقة" لأنه لا يصدق تشبيه النظام السوري بالحمل بعد الذي كان منه مدى سنوات طوال عجاف بالتضامن والتكافل مع أطراف البرجوازية اللبنانية المختلفة، وبالموافقة الضمنية للأميركيين.
وحتى ولو أصاب قوى "ثورة الأرز" في القادم من الأيام والشهور ما يصيب مثيلاتها من الثورات المخملية التي تصنعها أميركا هنا وهناك من تدنّ لشعبيتها، فإنها لن تعدم الحيلة لتقاسم أصوات أولئك المساكين الذين يخيمون في ساحة الشهداء من أجل "الحقيقة" والسيادة والاستقلال المنشود. ففي أوكرانيا مثلا، استطاع زعماء "الثورة البرتقالية" رغم تدني شعبيتهم على الوعود الكاذبة التي أطلقوها إبان "الثورة" المدفوعة أميركياً أن يعيدوا تغيير تحالفاتهم بحيث أنه حيث يخسر الرئيس يوشنكو، تربح رئيسة الوزراء تيموشنكو. وهكذا تبقى أصوات أولئك الأوكرانيين التعساء الذين أيدوا الثورة الكاذبة في صقيع "ميادين" كييف وغيرها وصوتوا ليوشنكو رئيساً، أسيرة هذين القطبين من أقطاب الدجل البرجوازي. وإذا خاب أمل هؤلاء في أحدهما، فإنهم سيعلقونه على الآخر وهكذا دواليك رغم تعمق أزمة النظام الرأسمالي المستجد هناك.
في أية حال، من لا تستطيع قوى 14 آذار أن تجتذبه إليها سيقع فريسة قوى "الأقلية" البرجوازية الطائفية المقابلة، والتي ليست هي الأخرى أفضل بكثير من خصمها السياسي الحالي في المدى الاستراتيجي. فهي تعاونت معه إن في ظل السوريين أو بعد رحيلهم. وتقاسم كلا الفريقين الشعب اللبناني فبات مثابة لحم لمدافعهم السياسية، وقد يصبح - إذا ما أصر الأميركيون على "عرقنة" لبنان بعد أن "لبننوا" العراق - لحماً لمدافعهم الحقيقية المتقابلة والمبرِّرة في تقابلها هذا لوجودهما على رأس هذا الشعب خلافاً لمصالحه الحقيقية.



#جريدة_الشيوعي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- بلاغ قطاع التعليم العالي لحزب التقدم والاشتراكية
- فيولا ديفيس.. -ممثلة الفقراء- التي يكرّمها مهرجان البحر الأح ...
- الرئيس الفنزويلي يعلن تأسيس حركة شبابية مناهضة للفاشية
- على طريق الشعب: دفاعاً عن الحقوق والحريات الدستورية
- الشرطة الألمانية تعتقل متظاهرين خلال مسيرة داعمة لغزة ولبنان ...
- مئات المتظاهرين بهولندا يطالبون باعتقال نتنياهو وغالانت
- مادورو يعلن تأسيس حركة شبابية مناهضة للفاشية
- الجزء الثاني: « تلفزيون للبيع»
- عز الدين أباسيدي// لعبة الفساد وفساد اللعبة... ألم يبق هنا و ...
- في ذكرى تأسيس اتحاد الشباب الشيوعي التونسي: 38 شمعة… تنير در ...


المزيد.....

- الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي ) / شادي الشماوي
- هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي ... / ثاناسيس سبانيديس
- حركة المثليين: التحرر والثورة / أليسيو ماركوني
- إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا ... / شادي الشماوي
- كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر ... / عبدالرؤوف بطيخ
- رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع ... / شادي الشماوي
- كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات ... / شادي الشماوي
- المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب - ... / شادي الشماوي
- ماركس الثورة واليسار / محمد الهلالي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - جريدة الشيوعي - الحزب الشيوعي والانتخابات في ظل النظام البرجوازي