|
تركيا تتأرجح بين الناتو وروسيا
جورج حداد
الحوار المتمدن-العدد: 5873 - 2018 / 5 / 15 - 15:26
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
إعداد: جورج حداد*
تبدو تركيا في الظاهر انها متماسكة حول السلطان رجب طيب اردوغان. والواقع ان هذا المظهر السياسي لتركيا هو مظهر خادع تماما. فالسلطة التركية الحالية تقوم على "تحالف اكراهي" بين تيارين (او معسكرين) كبيرين هما: ـ التيار التاريخي المتمثل في الاتاتوركية (العلمانية السطحية التغريبية) والذي يتحصن في الجيش وجميع الاجهزة القديمة للدولة ولا سيما الاجهزة الامنية. ـ التيار الاسلامي، خصوصا "الاخواني"، بكل اجنحته "المتطرفة" والداعمة للارهاب التكفيري "الداعشي" ومشتقاته، و"المعتدلة"، المعادية والموالية للغرب. ويقوم هذا "التحالف الاكراهي" بين الاتاتوركية والاردوغانية على عوامل الخوف التالية: اولا ـ الخوف من اندلاع فتنة مذهبية سنية ـ علوية في تركيا، حيث ان السلطة (من ايام السلطنة العثمانية، مرورا بالمرحلة الاتاتوركية، حتى المرحلة الاردوغانية الحالية) هي سلطة "سنية!" تهمّش "القزلباش" العلويين الذين يمثلون "اقلية" كبيرة جدا في تركيا تتراوح بين 10 ـ 15 مليون نسمة. ثانيا ـ احتمال التفجير العسكري من جديد ـ بقيادة الـ ب ك ك ـ للمسألة الكردية في تركيا. ثالثا ـ الخوف المـَـرَضي التركي (وهو مرض تاريخي) من روسيا. فالسلطة التركية(اي سلطة كانت) تعرف تماما ان عين روسيا، ومنذ ايام القيصرية حتى الان لم ولن تحيد عن مضائق البوسفور والدردنيل، التي تعتبر روسيا انها مغتصبة من قبل الاتراك، وانها ينبغي ان تكون (في اكثر الاحتمالات اعتدالا) منطقة دولية حرة تمتلك فيها روسيا امتيازات خاصة بالتلاؤم مع امنها القومي، التجاري والعسكري. هذه المخاوف هي التي تعطي المظهر الموحد لتركيا خلف اردوغان. وهي نفسها المخاوف التي أملت وتملي السياسة المتذبذبة والمتناقضة لتركيا من الارهاب التكفيري. فعشية وخلال اندلاع الطاعون الداعشي في سوريا والعراق وسقوط حلب والموصل والاراضي الشاسعة في سوريا والعراق بالايادي السود للدواعش المبرقعين بالمعارضة الغبية والعميلة، برزت تركيا اردوغان بوصفها اكبر مركز تجمع وانطلاق، واكبر ملجأ وظهير، للقطعان المتوحشة الداعشية. ولكن بعد التدخل الجوي لروسيا، بطلب من السلطة الشرعية السورية، وقصم ظهر الداعشية وبداية نهايتها ونهاية المعارضة المرتبطة بها، أيقنت تركيا ان الداعشية المنهزمة يمكن ان تكون مدخلا لتحريك المسألة الكردية داخل تركيا بالذات، فانقلبت ـ اي تركيا ـ على الداعشية، ورضيت ان تقف في استانا الى جانب روسيا وايران لاجل التسوية السياسية السلمية للازمة السورية. الا ان تركيا تفردت في التدخل العسكري غير المشروع في شمال سوريا، للحؤول دون نشوء منطقة كردية يدعمها الجيش الاميركي تكون منطقة نفوذ للـ ب ك ك التركي، مما يهدد الامن القومي التركي ووحدة الاراضي التركية لاحقا. هذه الاوضاع فرضت نوعا من التمايز في المواقف الاميركية، من جهة، والتركية، من جهة اخرى، ليس فقط في شمال سوريا، بل في كل الازمات الاخرى في المنطقة المحاذية لتركيا ولروسيا. وظهر ذلك بشكل واضح في تخلف تركيا (المطلة على البحر الاسود) عن حشد قواتها الحربية الى جانب القوات البحرية الاميركية والناتوية في البحر الاسود بمواجهة البحرية الروسية المرعبة، لا سيما بعد استعادة روسيا لشبه جزيرة القرم من اوكرانيا. لا بل ان تركيا اردوغان وقعت الاتفاق التاريخي مع روسيا حول مد انبوب الغاز القاري (الذي سمي "السيل التركي" بطلب شخصي من اردوغان) الذي سيعبر الاراضي الروسية والبحر الاسود فالاراضي التركية، والذي ستكون محطة "الترمينال" الخاصة به في اليونان (وذلك بطلب من الطرف الروسي)، ومن اليونان يتم توزيع الغاز الروسي على مختلف بلدان اوروبا الشرقية والوسطى والجنوبية. وطبعا ان تركيا ستقبض في كل السنوات القادمة مئات مليارات الدولارات اجرة ترانزيت الغاز المار في مياهها الاقليمية في البحر الاسود وفي اراضيها. وكذلك ستقبض اليونان. وهكذا تجمع المصالح الاقتصادية بلدين عضوين في حلف الناتو، هما تركيا واليونان، مع روسيا. واليوم بدلا من ان تقف الزوارق وسفن خفر السواحل التركية في البحر الاسود الى جانب السفن الاميركية والناتوية فإنها تقف الى جانب السفن والزوارق الحربية وورشات العمل الروسية لحماية خط انبوب الغاز الروسي في البحر الاسود. ولكن هذا لم يمنع تركيا، بوصفها عضو قديم في الناتو، من ان تطلب من اميركا تزويدها بالطائرات المطاردة ـ القاذفة من الطراز الجديد من الجيل الخامس من طراز F-35 Lightning II. وعقدت اتفاقية بهذا الشأن لتسليم تركيا 116 طائرة من هذا الطراز، 100 منها اصبحت جاهزة للتسليم. ولكن التسليم متوقف لان سياسيين وعسكريين اميركيين يعترضون على تزويد تركيا بهذه الطائرات الحديثة، ويقولون ان تركيا بدلا من ان تكون هي في خدمة اميركا والناتو فانها تريد ان يكونا هما في خدمتها. ولا بد ان نذكر هنا الازمة التي نشبت بين اردوغان والناتو في تشرين الثاني الماضي، حينما كانت قوات مشتركة من الناتو تقوم بمناورات عسكرية في النروج وعمد بعض العسكريين لنصب لوحة للتهديف وضعوا عليها صورة اردوغان وصورة مصطفى كمال اتاتورك تحت عبارة "اعداء مشروطين" كي يطلق عليها الجنود النار. وقام حينذاك اردوغان بسحب القوة التركية المشاركة في المناورات احتجاجا. وقد تناولت وسائل الاعلام التركية هذه الحادثة بغضب. وبعد محاولة الانقلاب الفاشلة ضد اردوغان سنة 2016 اتهمت الاوساط التركية اميركا بالوقوف خلف المحاولة. ولكن وزير الخارجية التركي وغيره من المسؤولين الاتراك اكدوا في اكثر من مناسبة بأن تركيا لن تخرج من حلف الناتو وتتحالف مع روسيا. ولكن انطلاقا من الدعم العسكري الاميركي للانفصالية الكردية في شمال سوريا، فإن بعض المحللين الاتراك اخذوا يضعون علامة استفهام حول الدور الذي يمكن ان تلعبه القاعدة العسكرية الاميركية في انجرليك في داخل تركيا بالذات. وربما لهذا السبب وقعت تركيا اتفاقية مع روسيا لشراء منظومة S-400 الروسية للدفاع الجوي. ونشرت بعض وسائل الاعلام الروسية معلومات مفادها ان روسيا قد تطلب منحها قاعدة عسكرية على الاراضي التركية. والسؤال المطروح الان هو: الى متى ستبقى الاردوغانية قادرة على الرقص فوق الحبل المشدود للعلاقات المتوترة بين روسيا وبين اميركا والناتو!!! ـــــــــــــــــــــــــــــــــ *كاتب لبناني مستقل
#جورج_حداد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
احتمالات عواقب الحصار والعقوبات ضد ايران
-
سياسة الهيمنة الدولية لاميركا وخطر انفجار حرب تجارية عالمية
-
اميركا تتراجع امام الصواريخ النووية من كوريا الشمالية
-
أميركا ترامب... الى الوراء در!!!
-
الحملة الغربية ضد البرازيل لاسقاطها من مجموعة بريكس
-
الصين تحذّر اميركا
-
مع هزيمة الداعشية اميركا تلعب كل اوراقها ضد روسيا
-
تشريح اولي للتحول المافياوي لتركيبة الامبريالية الاميركية ال
...
-
سقوط -الداعشية- سيغيّر الجيوستراتيجية الدولية برمتها
-
محمد بن سلمان في احضان العم سام
-
بريطانيا دمية لاميركا
-
المخابرات الاميركية تعترف بفشل سياسة العقوبات ضد روسيا
-
الاسلحة المتطورة الروسية تحدد المسار الاساسي للسياسة الدولية
-
العلاقات الاميركية الروسية من سيئ الى أسوأ
-
خطر عدوان اميركي اسرائيلي جديد ضد محور المقاومة
-
الصين في باب المندب
-
الاقتصاد الاميركي والاوروبي على عتبة ازمة مالية اقتصادية جد
...
-
هل تحرك الكتلة الغربية ازمة مولدافيا؟
-
اميركا تقع في فخ كوريا الشمالية
-
المنافسة الوجودية بين الاوراسية الروسية والاتحاد الاوروبي ا
...
المزيد.....
-
أمريكا تكشف معلومات جديدة عن الضربة الصاروخية الروسية على دن
...
-
-سقوط مباشر-..-حزب الله- يعرض مشاهد استهدافه مقرا لقيادة لوا
...
-
-الغارديان-: استخدام صواريخ -ستورم شادو- لضرب العمق الروسي ل
...
-
صاروخ أوريشنيك.. رد روسي على التصعيد
-
هكذا تبدو غزة.. إما دمارٌ ودماء.. وإما طوابير من أجل ربطة خ
...
-
بيب غوارديولا يُجدّد عقده مع مانشستر سيتي لعامين حتى 2027
-
مصدر طبي: الغارات الإسرائيلية على غزة أودت بحياة 90 شخصا منذ
...
-
الولايات المتحدة.. السيناتور غايتز ينسحب من الترشح لمنصب الم
...
-
البنتاغون: لا نسعى إلى صراع واسع مع روسيا
-
قديروف: بعد استخدام -أوريشنيك- سيبدأ الغرب في التلميح إلى ال
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|