|
ثورة المعلومات و التحديات الكبرى :
محمد قيراط
الحوار المتمدن-العدد: 19 - 2001 / 12 / 27 - 09:36
المحور:
اخر الاخبار, المقالات والبيانات
أصبح مصطلح ثورة المعلومات وغيره من مفاهيم أخرى كالمجتمع المعلوماتي ومجتمع الحاسوب ومجتمع ما بعد الصناعة ومجتمع ما بعد الحداثة ومجتمع اقتصاد المعرفة وغيرها من المصطلحات المميز الرئيسي لحقبة تاريخية مهمة من تاريخ البشرية· فإذا كان قد عرف الإنسان مجتمع الزراعة فإن حدث الثورة الصناعية قلب الأمور رأسا على عقب، أما ثورة المعلومات فقد جاءت بمقاييس وقيم جديدة حيث أنها أسهمت في توسيع الهوة بين الذي يملك ويتحكم في تكنولوجية الاتصال وبين الذي يبني قراره على بيانات وإحصاءات ومعلومات وبين الذي مازال لم يتخط بعد مرحلة المجتمع الزراعي· قديما كان العنف هو مصدر القوة وبذلك سيطرت الدول التي تتمتع بالقوة على مجريات الأمور في المجتمعات القديمة، وبمرور الزمن أصبحت الثروة هي مصدر القوة والازدهار والتحكم في الاقتصاد والسياسة والشؤون العسكرية· وأخيرا وصلت البشرية إلى مرحلة أصبحت المعلومة فيها هي مصدر القوة· ومجتمع المعلومة هو ذلك المجتمع الذي يحسن استعمالها في تسيير أموره وفي اتخاذ القرارات السليمة والرشيدة، وكذلك هو ذلك المجتمع الذي ينتج لمعرفة خلفيات وأبعاد الأمور بمختلف أنواعها ليس في بلده فقط بل في أرجاء كبيرة من العالم· وإذا أخذنا المجتمع الأميركي كمجال مرجعي واستدلالي نلاحظ أن في الفترة من 1860 إلى 1906 كانت عمالة الزراعة هي المسيطرة على العمالات الأخرى وأن الاقتصاد الأميركي كان مبنيا أساسا على القوة الزراعية· وجاءت المرحلة الثانية والتي امتدت من 1906 إلى 1954 حيث أصبحت الصناعة هي المحور الرئيسي في الحياة الاقتصادية الأميركية· وابتداء من سنة 1954 ظهر المجتمع المعلوماتي حيث تشير آخر الإحصائيات إلى أن أكثر من 65 في المئة من اليد العاملة الأميركية تشتغل بقطاع المعلومات أو بمجالات لديها علاقة مباشرة بالمعلومات· ما ينسحب على أميركا نجده في معظم دول الشمال حيث فرض المجتمع المعلوماتي نفسه على الصعيد الدولي وأصبح جزءا لا يتجزأ من النظام الدولي الجديد وبذلك أصبحت المعلومات وليس المواد الأولية أو المستعمرات هي محور المجتمع البشري وأحد ثوابته ومقوماته· والأهم من هذا وذاك هو أن مكونات وعناصر المجتمع المختلفة سواء كانت اقتصادية أم ثقافية أم تكنولوجية أم اجتماعية أم غيرها تعتمد اعتمادا جوهريا على المعلومات ويقدر نجاحها بمدى قوة استعمالها واستغلالها للمعلومات· إن أنشطة المجتمع الإنساني بمختلف أنواعها وأشكالها تحتاج إلى معطيات ومعارف وبيانات ومعلومات حتى تؤدي دورها على أحسن وجه وحتى تستطيع أن تنافس غيرها ومثيلاتها سواء على المستوى المحلي أو الدولي حتى تبقى وتضمن نجاحها· ومن جهة أخرى فالمجتمع مطالب كذلك بإنتاج المعلومات أي البيانات والمعطيات والإحصائيات والمؤشرات حتى يعي ماذا يجري بداخله وحوله وحتى يوفر لمختلف قطاعاته المعلومات والمعطيات الضرورية لأداء أحسن ومردودية أكبر· إن ثورة المعلومات التي أصبحت هي الميزة الرئيسية للقرن الحادي والعشرين ومن دون شك ستكون الميزة الرئيسية لقرون قادمة تأثرت كثيرا وتداخلت مع ثورة أخرى وهي ثورة وسائل الاتصال الحديثة وكل هذا أدى إلى انفجار معلوماتي كبير جدا حيث أصبح من العسير جدا على الإنسان استيعاب كل المعلومات المتوفرة لديه ودراستها واستغلالها كما ينبغي· وهذه الصعوبة تحتّم على الأفراد والمجتمعات تطوير تقنيات وأساليب تجميع وتخزين ومعالجة المعلومات بطريقة رشيدة وذكية وعقلانية·ولهذا اصبح الصراع على الصعيد العالمي في يومنا هذا هو الصراع على إنتاج المعلومة وكيفية استغلالها واستعمالها في المجال الصحيح· وهكذا أصبح للمجتمع المعلوماتي أبعاد مختلفة ومتشابكة يجب استغلالها كما ينبغي حتى لا نبقى نعيش على هامش المجتمع الدولي· ومن أهم هذه الأبعاد ما يلي: ü البعد الاقتصادي: تعتبر المعلومة في المجتمع المعلوماتي هي السلعة أو الخدمة الرئيسية والمصدر الأساسي للقيمة المضافة وخلق فرص العمل وترشيد الاقتصاد، وهذا يعني أن المجتمع الذي ينتج المعلومة ويستعملها في مختلف شرايين اقتصاده ونشاطاته المختلفة هو المجتمع الذي يستطيع أن ينافس ويفرض نفسه· ü البعد التكنولوجي: مجتمع المعلومات يعني انتشار وسيادة تكنولوجيا المعلومات وتطبيقها في مختلف مجالات الحياة في المصنع والمزرعة والمكتب والمدرسة والبيت···الخ· وهذا يعني كذلك ضرورة الاهتمام بالوسائط الإعلامية والمعلوماتية وتكييفها وتطويعها حسب الظروف الموضوعية لكل مجتمع سواء في ما يتعلق بالعتاد أو البرمجيات·كما يعني البعد التكنولوجي لثورة المعلومات توفير البنية اللازمة من وسائل اتصال وتكنولوجية الاتصالات والمعلومة وجعلها في متناول الجميع· üالبعد الاجتماعي: اجتماعيا يعني المجتمع المعلوماتي سيادة درجة معينة من الثقافة المعلوماتية في المجتمع وزيادة مستوى الوعي بتكنولوجية المعلومات وأهمية المعلومة ودورها في الحياة اليومية للإنسان· والمجتمع هنا مطالب بتوفير الوسائط والمعلومات الضرورية من حيث الكم والكيف ومعدل التجدد وسرعة التطوير للفرد· ü البعد الثقافي: ثقافيا يعني مجتمع المعلومات إعطاء أهمية معتبرة للمعلومة والمعرفة والاهتمام بالقدرات الإبداعية للأشخاص وتوفير جو حرية التفكير والإبداع والعدالة في توزيع العلم والمعرفة والخدمات الثقافية بين الطبقات المختلفة في المجتمع·كما يعني نشر الوعي والثقافة المعلوماتية في الحياة اليومية للفرد والمؤسسة والمجتمع ككل· ü البعد السياسي: سياسيا يعني المجتمع المعلوماتي إشراك الجماهير في اتخاذ القرارات وبطريقة رشيدة وعقلانية أي مبنية على استعمال المعلومة وهذا بطبيعة الحال لا يحدث إلا بتوفير حرية تداول المعلومات وتوفير مناخ سياسي مبني على العدالة والمساواة وإقحام الجماهير في عملية اتخاذ القرار والمشاركة السياسية الفعالة· كما أسلفنا الذكر فإن المجتمع المعلوماتي لا يقتصر على إنتاج المعلمة وتداولها وإنما يحتاج إلى ثقافة تقيّم وتمجد من ينتج هذه المعلومة ويستغلها في المجال الصحيح· الأمر إذا لا يتعلق بالمادة فقط أي بالمعلومة كمادة خام وإنما الأمر أعقد بذلك بكثير حيث ضرورة إيجاد محيط ثقافي واجتماعي وسياسي يؤمن بالمعلومة ودورها في الحياة اليومية للمجتمع· ترى ما هو موقع ومكانة العرب في هذه المعادلة الجديدة؟ ما هي العدة التي أعدتها الدول العربية لمجتمع المعلومات وما هي السياسات التنموية والإستراتيجيات المختلفة التي اعتمدتها للاستفادة من الانفجار المعلوماتي وللحاق بالدول المتقدمة وتفادي التهميش والتخلف؟ للإجابة على هذا السؤال يجب العودة إلى الوراء وإلقاء نظرة نقدية لواقع العالم العربي في المجال العلمي والمعرفي والمعلوماتي· حيث نلاحظ ما يلي: ü أولا: أن الموازنات التي تخصص للبحث العلمي في الوطن العربي لا تكاد تذكر وهي عادة أرقام هشة تأتي بعد الفاصلة وعدة أصفار· وهذا يعني أن العالم العربي لا يعرف نفسه ولا خباياه ما دام أن البحث العلمي فيه لا يرقى إلى الاهتمام الضروري والكافي· فمؤسسات البحث العلمي في الوطن العربي تسيطر عليها البيروقراطية والشكليات أكثر من أي شيء أخر، ونفس الشيء يمكن قوله بالنسبة للبحث العلمي داخل المؤسسات الجامعية· ü ثانيا: في معظم الدول العربية لا تعتمد الأنظمة السياسية على بيانات ومعلومات ودراسات في اتخاذ قراراتها· وهذا يعني أن المعلومة كمصدر قوة لا تعني شيئا بالنسبة للكثير من أصحاب القرار في الوطن العربي وهذا يتناقض أساسا مع روح وفلسفة المجتمع المعلوماتي· ü ثالثا: في معظم الدول العربية ماتزال وسائل الإعلام تعاني من الرقابة والولاء الأعمى للأنظمة وهذا يعني أن مصدرا من المصادر الرئيسية للمعلومات يعتبر مبتورا ولا يقوم بدوره في المجتمع كما ينبغي·وهنا يجد المواطن العربي نفسه أمام خطاب إعلامي لا يتفاعل ولا يتماشى مع روح المجتمع المعلوماتي· ü رابعا: تهميش المواطن العربي وعدم إشراكه في الحياة السياسية وفي عملية اتخاذ القرار وهذا الموقف من الفرد ينفي أساسا فكرة أهمية المعلومة وكونها مصدر قوة في المجتمع· ü خامسا: ضعف البعد الاستشرافي والاستراتيجي في العديد من الدول العربية حيث معالجة الأوضاع والقضايا بطريقة يومية روتينية· مما تقدم يتوجب على الدول العربية أن تفكر مليا في إشكالية المجتمع المعلوماتي وما هي المستلزمات الضرورية التي يجب أن نسهر على توفيرها حتى نشارك في هذا المجتمع ونصبح فاعلين فيه وليس متفرجين نتلقى ولا نحرك ساكنا·واتصور انه من الأولويات التي تنتظر الوطن العربي ضرورة وضع إستراتيجية معلوماتية على مستوى كل دولة عربية ومن ثم على مستوى الوطن العربي ككل· والمنظور الإستراتيجي هذا يجب بطبيعة الحال النظر إليه في إطار التنمية الشاملة بمختلف أبعادها وحيثياتها ووفق معطيات وظروف الوطن العربي· وضرورة تحديد وتوفير البنية التحتية الضرورية لموارد ووسائل وتكنولوجيا المعلومات وتطبيقاتها وخدماتها· والمقصود هنا هو عدم المساومة بما هو ضروري وإستراتيجي لأي نمو في مجال إنتاج المعلومة وتخزينها واستغلالها· فالمطلوب هنا هو إنشاء البنى الأساسية للمجتمع المعلوماتي والمتمثلة في الموازنات المعتبرة ومراكز الأبحاث والتدريب، شبكات الاتصال، والقوى العاملة وغير ذلك من المستلزمات الضرورية· اضافة الى توفير حرية الصحافة وحرية التعبير وحرية الرأي وتكريس حق الفرد في الإعلام والحصول على المعلومات وبهذا نضمن مشاركة وإقحام أفراد المجتمع في المساهمة في الحياة السياسية واتخاذ القرار· ناهيك عن وضع إستراتيجية موحدة على مستوى الوطن العربي لإنتاج المعدات والبرمجيات حتى نتمكن من تحديد مصيرنا بنفسنا والتخلص من التبعية والاعتماد على الغير· العملية اذن تحتاج إلى جد واجتهاد ومثابرة وعمل لأن عصر المعلومات لا يرحم ومن يتأخر عن الركب سينساه الزمن إلى الأبد· فالسير في القرن الحادي والعشرين لا يتم إلا عن طريق بوابة المجتمع المعلوماتي بما يحتويه من أبعاد وخلفيات، والأمر بكل أبعاده وخلفياته يحتاج إلى دراسة وإمكانيات ووسائل وإرادة قوية من جميع مكونات المجتمع سلطة ومؤسسات وشعبا·وليبدأ العالم العربي في التفكير في معالجة الأمية ( 80 مليون نسمة) ودراسة النسبة التي لا تكاد تذكر والبالغة ( واحد بالمائة ) في مجال استخدام الإنترنت، صحيح أن المهمة شاقة لكنها غير مستحيلة·
استاذ الاتصال في جامعة الشارقة
#محمد_قيراط (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بوتين: لدينا احتياطي لصواريخ -أوريشنيك-
-
بيلاوسوف: قواتنا تسحق أهم تشكيلات كييف
-
-وسط حصار خانق-.. مدير مستشفى -كمال عدوان- يطلق نداء استغاثة
...
-
رسائل روسية.. أوروبا في مرمى صاروخ - أوريشنيك-
-
الجيش الإسرائيلي: -حزب الله- أطلق 80 صاورخا على المناطق الشم
...
-
مروحية تنقذ رجلا عالقا على حافة جرف في سان فرانسيسكو
-
أردوغان: أزمة أوكرانيا كشفت أهمية الطاقة
-
تظاهرة مليونية بصنعاء دعما لغزة ولبنان
-
-بينها اشتباكات عنيفة بالأسلحة الرشاشة والصاروخية -..-حزب ال
...
-
بريطانيا.. تحذير من دخول مواجهة مع روسيا
المزيد.....
-
فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال
...
/ المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
-
الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري
...
/ صالح ياسر
-
نشرة اخبارية العدد 27
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح
...
/ أحمد سليمان
-
السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية
...
/ أحمد سليمان
-
صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل
...
/ أحمد سليمان
-
الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م
...
/ امال الحسين
المزيد.....
|