أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - عبدالله اوجلان - من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الاول التطور الحضاري والمجتمع العبودي ح - الذروة في الحضارة العبودية 3- ظهور ميديا - الفرس , ومفترق الطرق بين الشرق والغرب 1 - 16















المزيد.....


من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الاول التطور الحضاري والمجتمع العبودي ح - الذروة في الحضارة العبودية 3- ظهور ميديا - الفرس , ومفترق الطرق بين الشرق والغرب 1 - 16


عبدالله اوجلان

الحوار المتمدن-العدد: 1493 - 2006 / 3 / 18 - 11:30
المحور: القضية الكردية
    


3 ـ ظهور ميديا ـ الفرس، ومفترق الطرق بين الشرق والغرب

ستظهر إنتاجية القوس "مركز الهلال الخصيب" الذي يلتقي فيه سلسلة زاغروس ـ طوروس والذي أدى الى نشوء الحضارة، هذه المرة في نقل مركز الحضارة إلى خارج ميزوبوتاميا، وكان مركز الحضارة في مراحل سومر ـ بابل ـ آشور التي تطورت على التوالي، بين دجلة والفرات دائماً، وإذا أضفنا إلى ذلك نضج ثورة العصر النيوليثي ومرحلة التمأسس فإننا سنجد ان القيم التي وجهت الحضارة اعتبارا من 6000 ق .م وحتى سقوط آشور مع نهاية 600 ق.م قد خرجت من المنطقة، لذا ليس من العبث القول بأن هذه المنطقة هي مهد ميلاد الإنسانية.
يتم دراسة تاريخ الإنسانية عبر ثلاثة مراحل: عصر الزراعة ـ القرية "10000ـ 3000 " ق.م. عصر الحضر ـ المدينة "3000ق .م ـ 1950 "م. ومرحلتنا الراهنة التي لم يتم تسميتها بعد، فالبعض يسميها بعصر الذرة، والبعض الآخر بعصر الإلكترون، وآخرون يسمونها بعصر الانترنيت، وآخرون بعصر المعلوماتية والاتصالات، وبعضهم يسمونها بعصر ما بعد الحداثة، وآخرون يصفونها بعصر ما بعد الحضارة.
لعبت ميزوبوتاميا في هذا التقسيم الفج للمراحل دوراً ريادياً في الإبداع استمر حوالي 10000سنة. لقد جرى التاريخ الذي يشبه تدفق النهر في خمس أو ست مناطق، وهناك قناعة علمية يمكن إثباتها وهي أن العوامل التي أعطت منحاً للتاريخ مثل الفكر والعقائد والاختراعات وما نجم عنها من تراكم علمي، جعل من هذه المنطقة خزينة في تلك المرحلة.
يتم التعبير في أيامنا هذه عن عدم الاعتراف بهذا الدور الكبير لثقافة المنطقة وهذا الدور العظيم الذي لعبته، ومهما مد نظام ما جذوره ومهما عاش من السنين فأنه بشكل عام لن يسمح لتكوينات نظام مضاد له بالنمو فوق هذه الجذور، إذ سينمو النظام الجديد في تربة عذراء، وتوجد العديد من الأدلة في التاريخ تثبت صحة هذه القاعدة، فعندما تكونت الحضارة "الإغريقية الرومانية" كانت الجغرافيا والثقافة تعيشان في مرحلة عذراء، وقد تحققت الحضارة الرأسمالية في مراكز أوروبا الوسطى وعلى شواطئ الأطلسي التي لم تكد تمسها يد الحضارة، حتى ان ما بعد الحداثة أيضاً لم تتطور في أوروبا بل تطورت في العالم الجديد في الولايات المتحدة الأمريكية، وثمة قانون رئيسي كهذا في التطور الحضاري، وهو موضوع يستحق التحليل بطريقة أكثر عمقاً، وإن المراكز الأقدم في العالم "الهلال الخصيب ـ سومر ـ مصر" تعد الآن المناطق الأكثر تألماً في العالم فلا تستطيع التلاؤم مع جذورها التاريخية، ودخلت في دوامة الصراعات العقيمة، ولا يستطع التاريخ المعاصر تطعيم الجذر بأي شكل من الأشكال، إن صانعي التاريخ في أيامنا هذه عقيمون لا قوة لهم وليست لهم آمال سوى الهجرة، كما جعلوا من أنفسهم كارثة، وتعتبر هذه من المواضيع الأساسية التي تحتاج لتحليل حضاري أساسي.
إن انزلاق مراكز الحضارة إلى خارج ميزوبوتاميا يعطي أهمية كبيرة لموقف يساهم في التناول الصحيح للمشاكل التي تحتاج للحل العاجل في أيامنا هذه، مثل مشاكل المراكز والبيئة التي أصبحت قضية عملية على المستوى العالمي. إذ لا يمكن اقتصار قضية العولمة والمناهضين لها على بعض القوانين الاقتصادية البسيطة، فإذا لم يقم نظام العولمة القائم بوضع أرضية للتدفق الثقافي والتاريخي فإن عاقبته ستكون كعاقبة الاشتراكية المشيدة، ولن يتم وضع مواقف واقعية نحو الأسباب الأساسية التي أدت إلى العجز التطبيقي للاشتراكية العلمية التي كانت تعتمد على ميراث مائتي سنة، كما لن يتم تجاوز الجمود القائم.
بدأت علاقات الأطراف للحضارة السومرية بإعطاء منتجاتها المضادة اعتبارا من عام 2000 ق.م. فبينما كانت الحضارة المصرية التي تشبه المستوطنات المنفصلة تتأصل كنتيجة للجغرافيا البيئية المناسبة وتواصل سيرها على طريقها، تأسست في الشرق حضارة هارابا وموهانجادارو في وادي الهندوس والبنجاب، ومن الملاحظ أن هاتين الحضارتين لا تحققان الاستمرارية التي تحققت في مصر، فالخطورة الحقيقية التي عانت منها الحضارة السومرية سواء على مستوى المركز أو على مستوى المستوطنات كانت نابعة من قبائل العموريين في الصحراء العربية في الغرب، والهوريين "سكان البلاد المرتفعة" من الشمال والشرق، ومن المعروف إن الهوريين كانوا مزارعين ـ فلاحين، بينما العموريين فقد كانوا رعاة و بدو رحل، وفي الوقت الذي كان فيه السومريون يطورون أنظمتهم الدفاعية حول المدن ضد هجوم وتهديد القبائل من جانب، كانوا يستخدمون الأيدي الرخيصة والعبيد لتأسيس البنية التحتية والاقتصادية من جانب آخر، حيث جعلوا من ذلك سياسة لهم، ومع تطور الاستيطان تحقق تطور كثيف على صعيد التجارة وهذا أمر مهم. فمنذ البداية لعبت العلاقات التجارية دوراً مهماً، كما ان تزايد الحاجات المتبادلة جلبت معها اللجوء إلى القوة والعنف بنسبة متزايدة وهذا هو الجانب الذي يجب علينا معرفته أيضاً. وبالاقتراب من الألفية الثانية ق.م تكاثفت الهجمات القادمة من الأطراف، وبالمقابل تم العبور إلى نظام سياسي إمبريالي بدأت بسارغون الأكادي بشكل خاص، ولأول مرة في تاريخ الحضارة تصبح سياسة العنف المنظم والمخطط له والتي تعني الاحتلال والنهب، وسيلة للدولة لا يمكن الاستغناء عنها، وعندما تمكن خصوم هذه الإمبريالية من الحصول على التفوق التقني الذي كانت تستخدمه، بدأت مرحلة جديدة من الدفاع والهجوم المتبادل، ومن المؤكد أنه بهذه الطريقة تم وضع الأساس التاريخي لاستعمال الأسلحة ضد الإمبريالية نفسها. وكان هذا في الوقت نفسه بداية لمرحلة من الألم والمجازر والسلب والاحتلال وإراقة الدماء، وما كان يجب البدء بها في تاريخ الإنسانية.
مع اكتساب علاقة المركز ـ الأطراف لهذه الخاصية فانه نتج عن التمايز الطبقي الذي أدى شيئاً فشيئاً إلى تصعيد القوة والعنف في البنية الداخلية للمجتمع المركزي، وضغط البنى الأثنية الخارجية وتطور الوعي الأثني. وبينما يبدأ العنف والقمع المنظم الذي في الداخل بمرحلة الصراع الطبقي، يأخذ النضال التحرري للمجتمع الأثني ضد الإمبريالية والاستعمار في الخارج مكانة في التاريخ باعتباره ميزة متناقضة لا يمكن للحضارة الاستغناء عنها، وبهذا المعنى تتحول قوانين المادية الديالكتيكية والمادية التاريخية إلى قوانين لتقدم المجتمع، وتعد هذه القوانين هي الأساس الذي انطلقت منه الماركسية لتحليل مرحلة الحضارة الرأسمالية. برأيي انه خطأ في الأسلوب وبقدر نقصه سيؤدي إلى نتائج وأخطاء وخيمة، ولأنه لم يتم تحليل الحقيقة في الزمان والمكان الذي تكونت فيه وبخصائص طابعها، لذا فإن تتبعها لخطى الحقيقة الإيديولوجية ـ التطبيقية المهيمنة التي تكونت بشكل قوي عبر التاريخ من كلا الناحيتين النظرية ـ الإيديولوجية والممارسة ـ السياسية، كان هو الاحتمال الأرجح. فلو تطورت تحليلات الحضارة عن طريق أخذ مبادئها وأسسها من المجتمع الذي تكون في البداية بالإضافة إلى آخر مجتمع تم تكوينه، ولو تم الحصول على النتائج بعد عقد مقارنة متبادلة لكانت اقتربت من الحل بطريقة أكثر واقعية، ولا شك ان التراكم الفلسفي والمعلوماتي كان ضحلاً في مرحلة الولادة الاشتراكية العلمية لذا كان لابد من إخضاع الماركسية لترتيب محكم جديد وذلك بالاعتماد على النتائج الغنية للتراكم المعلوماتي والفلسفي وعلى الممارسة السياسية والاجتماعية واعتبار كل ذلك من متطلبات المسؤولية. وخاصة إذا نظرنا الى الواقع الذي عاشته الاشتراكية المشيدة وإلى النظام الرأسمالي الذي تجذرت في أعماقه مأزق العولمة، فإنه يتيح لهم فرص هامة لتثمين مواقفهم الانتقادية ويكونوا واقعيين في تحليلاتهم.
ويشاهد اعتباراً من نهاية 2000 ق.م ضغط الأطراف بشكل مكثف على مراكز الحضارة السومرية والمصرية. ونشهد الآن في القرن العشرين وفي الألفية الثانية الظواهر ذاتها حول مراكز الحضارة الرأسمالية سواء أكانت على شكل حركات تحرر وطنية أو على شكل هجرات إلى تلك المراكز.

في الوقت الذي كانت فيه المجموعات الأثنية ذات الأصل السامي تلعب دوراً تاريخياً تحت راية الأديان التوحيدية عن طريق التحولات المركزية المكثفة، فقد فتحت المجموعات الأثنية ذات الأصل الآري الطريق أمام الانشطار الحضاري الذي أدى الى الفصل بين الشرق والغرب، والمجموعات التي تجمعت تحت اسم الهوريين، اكتسبت حركة انتشار تاريخية داخل المركز وخارجه. أما المجموعات الآرية الأكثر اتساعاً التي تعود للعصر النيوليثي والمعتمدة على هؤلاء، فقد فتحت الطريق إلى أعمق وأوسع التحركات في التاريخ وهو ما نسميه "التحضر الهندو أوروبي".
كانت سلسلة زاغروس ـ طوروس هي الجغرافيا الأصلية التي تعمقت فيها هذه التحركات من جديد، وتحقق فيها هذا انشطار والتفرع، ولكن الانتشار يشهد تطورات هامة في اتجاهه ومضمونه. ففي الوقت الذي كانت فيه العلاقات المكثفة مع السومريين تفتح الطريق أمام منطق العنف الإمبريالي الاستعماري من جهة، من جهة أخرى كانت المقاومة ضد هذه الظاهرة تجبر على التبدل الذي يعتمد على تبني واستخدام أسلحة الحضارة، وكما أنه لولا التحضر لما كان باستطاعة القديم في تلك المرحلة التاريخية أن يشهد النجاح ببناه الأثنية، كذلك لم يكن بالإمكان النجاة من تهديد الفناء. إن استخدام الهوريين وبشكل أوسع كافة المجموعات الآرية بشكل عام للفرصة التاريخية وحفاظهم على وجودهم، مرتبط أشد الارتباط بعملية التحضر، أي بالأجوبة التي قدموها لظاهرة المجتمع الطبقي وذلك عن طريق فك الروابط الأثنية.
وأما الأجوبة التي قدمها العموريون ـ الساميون فقد تمثلت بالإمبراطوريات التاريخية الأكادية والبابلية والآشورية التي تأسست في المراكز السومرية، والأجوبة التي قدمها العبريون والكنعانيون الموجودون في الغرب والذين يعتمدون على لهجة سامية أخرى فقد كانت دويلات مدن صغيرة مثل فينيقيا وعبراني وممالك الأوغاريت.
فمن جهتها قدمت المجموعات الآرية الموجودة في الأناضول جواباً متمثلاً بإمبراطورية الحثيين التي تصاعدت في أعوام 2000 ق.م، ولقد لعبت دويلة طروادة الموجودة في أقصى غرب هذه الامبراطورية دوراً هاماً في عملية نقل الحضارة إلى أوروبا، وإن المعنى الآخر للتشكل اللاتيني المعتمد ( ليس المعتمد على الأثنية بل على تأثيرات نقل الحضارة ) على الهلينية في شبه الجزيرة الإغريقية والاتروسك في شبه الجزيرة الإيطالية، هو خروج المجتمع من البنية الأثنية وانتقاله إلى البنية الطبقية للمجتمع والذي هو عبارة عن عملية التحول إلى الحضارة الإغريقية الرومانية. ومن أجل استيعاب ومعرفة خاصية هذا التحول لابد من فهم عملية التفرع التي حدثت في سلسلة زاغروس ـ طوروس، لكن من الصعوبة إحراز أي تقدم في هذا الموضوع دون تصحيح أسلوب هذا الموقف التاريخي السائد، والذي يقول: " لقد أنطلق الآريون ذوو اللون الأشقر والعيون الزرقاء من هضاب جنوب روسيا وأوربا ثم تدفقوا إلى النجود الشمالية لإيران عام 2000 ق.م ومنها إلى الهند وميديا والأناضول" إن هذه المقارنة خاطئة كلياً وهي عبارة عن نظرة عرقية تم إعدادها بهدف استخدامها كآلة للآمال الفاشية الألمانية بالانتشار. والحقيقة عكس ذلك وخلافها تماماً، فقبل كل شيء ليست هناك هجرة جماعية بهذا الكم في التاريخ، حتى ولو كانت هناك هجرة فهي ليست بالكم الذي يسفر عن هكذا نتيجة، ويصح الشيء نفسه بالنسبة للهجرات التي توصف بأنها كبيرة، والأصح هو أن الانتشار تحقق اعتماداً على ظاهرة تراكم الثقافات القوية أكثر من أن تكون بالهجرات الفيزيائية. تظهر الظواهر الثقافية التي تتضمن غنىً وتفوقاً بالنسبة لثقافات الأطراف الموجودة في بنيتها، خاصية الانتشار بشكل مستمر، ويمكن أن تشن المجموعات الاجتماعية ذات الثقافات الواهنة من حيث المضمون هجوماً على المراكز المتطورة، وربما تحقق بعض النجاحات بالمعنى "الفيزيائي"، لكنها في النهاية لن تستطيع التخلص من الانصهار والهزيمة.
لقد تطرقنا وبشكل جزئي إلى الصحيح من قصة هجرة الآريين، وما يجب إدراكه قبل كل شيء هو أن مصطلح الآريين هو الاسم العام الذي أطلق على أولى المجموعات الأثنية التي قامت بتطوير ثقافة الفلاحة والزراعة وتربية الحيوان في مرحلة الثورة الزراعية، أكثر من أن تكون تسمية لمجموعة أثنية أو عرقية، والحقيقة العلمية تفيد بأنهم ظهروا على مسرح التاريخ لأول مرة في سفوح القوس الداخلي لسلسلة زاغروس وطوروس حيث ينبعان ويتوسعان فيها نهرا دجلة والفرات. وتسميتهم جاءت من النظام السومري. فمجموعة الحارثين (المحراث AR =) هم الآريين، ومجموعة مربي الحيوانات (الثور= Gud) هم الكوتين، ومجموعة سكان البلاد العالية (التلة = Ur) هم الهوريين، وهكذا نرى أن جميعهم يعبرون عن الجغرافيا والثقافة نفسها. ولا ريب بأننا لا نستطيع الادعاء أن إحدى هذه المجموعات الأثنية قد ظهرت قبل الأخرى، لأن معرفة ذلك مستحيل. لكن تاريخ هذه الثقافة وجغرافيتها وحقب انتشارها معروفة ضمن أطوار محددة، وبالتالي إن كان لا بد من الحديث عن انتشار ما فإن الشيء الذي يجب التحدث عنه هو الانتشار ذو المضمون الثقافي الذي أتجه من المركز إلى المناطق الصالحة، وهذه النظرية المؤكدة بالإثباتات التاريخية وبالتالي الأسلوب الصحيح يجعل من ذلك أساساً له.
بقدر أهمية الحضارة السومرية التي تحققت في السهول الدنيا من السفوح الداخلية للهلال الخصيب، فإن التفرع الحضاري الذي تحقق في الأقواس الخارجية للهضاب العليا من سلسلة زاغروس وطوروس أي حيث تحقق الانفصال الشرقي والغربي لأول مرة مهم بنفس الدرجة، حيث بينها رابطة ديالكتيكية وحدث تاريخي، ومن الأهمية البالغة إجراء تحليل للنهج الحضاري في ميديا وفارس انطلاقا من ذلك.
ولا شك بأن جذور الخطوات التي أطلقت على نفسها تاريخياً اسم حضارة ميديا ـ الفرس موغلة في القدم، ولكن كما وضحنا سابقاً أنها ظاهرة داخلية موجودة ضمن رابطة جدلية "ديالكتيكية" مع التكوين السومري، ويجب ألا تضللنا التسميات التي ظهرت في العهود المختلفة، فالتشكيلات الموجودة لدى كلاهما كانت منذ البداية في حالة تقابل، والعلاقة في حالة تطور مستمر، وحتى في أيامنا هذه لم تفقد شيئاً من سرعتها. يجب أخذ منهاج التحليل الصحيح لتاريخ تلك الميزة بعين الاعتبار فأنه كما تتشكل علاقة ما في اساسها التاريخي تبقى مستمرة ومعاصرة؛ من المعاصرة إلى التاريخ ومن التاريخ إلى المعاصرة، إذا نظرنا إلى هذا الموضوع من هذه الزاوية فسيكون من الممكن الوصول إلى العديد من النتائج الأقرب إلى الحقيقة.
قامت علاقات السومريين وصراعاتهم في العصر الأول مع المجموعات الأثنية التي تعيش في زاغروس تحت اسم العيلاميين والكوتيين، وتستخدم بشكل مستمر في السياسة السومرية، وأحياناً كان يسود الوفاق بينهما وأحياناً أخرى تسود العداوة، فقد كانت المجزرة التي قام بها سارغون ضد عيلام وحشية جداً، ولكن الاتفاق الذي ساد بين الكوتيين والسومريين استطاع أن يقضي على سلالة سارغون، وظل الكوتيون يشكلون قوة إدارية لفترة طويلة، وكان للكاسيين علاقة مشابهة مع البابليين. إذا استطاع الحثيون أن يطوروا حضارة على أنقاض الهوريين في الألفية الثانية قبل الميلاد، وتعد هذه إحدى الأمثلة الهامة على الانتشار من المركز إلى الأطراف، وهناك أدلة تؤكد على مرورهم من مصفاة الهوريين كحلقة وصل، حيث بدأت بين الأناضول وميزوبوتاميا مرحلة علاقات وصراعات قوية ذات جوهر جدلي "ديالكتيكي" استمرت حتى يومنا هذا. وهكذا يكون قد وضع أول خطوة هامة ومد أول ذراع من شأنه أن يخلق الحضارة الغربية الإغريقية الرومانية، وأكثر من ذلك فان هذه الخطوة قد تحققت استناداً على الحلقة الثقافية في طوروس، وأما على خط زاغروس، فقد تطورت حضارة أورارتو التي تمكنت لأول مرة في بداية عام 1000 ق.م من أن تكوّن قوة ومركزاً في البلد الذي نسميه بـ "ميديا" والذي من المحتمل أن يكون الآشوريون هم أول من أطلق عليه هذا اسم في منطقة شمال غرب إيران الحالية أو في مناطق بحيرة وان وأورمية وزاب باعتبارها تعتمد على التراكم الحضاري للعيلاميين والكوتيين والكاسيين. ينتسب الأورارتيون إلى ثقافات الهوريين والميتانيين من 2000 ـ 1250 ق.م اللتان كانتا تشهدان طور التحضر على شكل كونفدراليات عشائرية بمستوى متقدم في الثقافة والجغرافيا ذاتها، والتي يمكننا تسميتها أيضاً بمسودة التحول إلى الدولة، فنقلت الحضارة مكاسبها إلى شمال غرب إيران أي باتجاه ميديا، وأغلب الاحتمال أن مجموعات أثنية ميدية جاءت من هذه المناطق إلى المناطق الأغنى من الناحية الحضارية واستوطنت بين نهري دجلة والفرات.
بالإضافة إلى أن شعب أورارتو يعتمد على نفس البنى الجغرافية والثقافية الأثنية، فهو صاحب إرث من المقاومة التي دامت طويلاً، ومن المتفق عليه أن هذا الشعب تبنى حضارة السومريين في الشخصية الآشورية؛ إن الطبقة العليا منهم استخدمت اللغة الآشورية في الاتصالات والكتابة، بينما بقيت الشرائح الشعبية تواصل حياتها بطريقة مختلفة بثقافتها واستخدامها لغتها الأم في الاتصال، وفي أيامنا الحالية هناك العديد من الأمثلة تؤكد هذا الواقع، فبينما تستخدم الطبقات الحاكمة في الهند اللغة الإنكليزية، تواصل الفئات الشعبية استخدام لغاتها الأم، وقد استطاعوا حديثاً إيصالها إلى مستوى اللغة القومية، وفي الوقت الذي كانت فيه لغة المستعمر الفرنسي هي لغة النظام في الجزائر، كانت لغة الشعب الثقافية هي اللغة العربية والبربرية وعدد من اللهجات المختلفة، وفي الوقت الذي كانت فيه اللغة العثمانية لغة مختلطة، استخدمت الشعوب التي كانت تابعة لها لهجاتها الأثنية وشيئاً فشيئاً وصلت بها إلى مستوى اللغة القومية. وهناك العديد من الأدلة المتعلقة بكون العصور القديمة والوسطى قد شهدت نفس المرحلة.
إن كلمة أورارتو كمصطلح لا تدل على مجموعة أثنية ما، لكن يمكن إعطاء تعريف جغرافي لمعناها بالسومرية حيث تعني "المكان المرتفع". فالتطور المتميز الذي تم بعد مراحل الهوريين والميتانيين هو التمكن من تجاوز الكونفدرالية العشائرية والوصول إلى مركزية الطبقة العبودية. كما أدى وجود مصادر المعادن وخشب البناء وتربية الخيول إلى استهدافهم بشكل أساسي من قبل الحثيين والسومريين والأكاديين والبابليين والآشوريين، وجرت محاولة لإكساب المقاومة صفة الديمومة بواسطة الحضارة نفسها الموجودة في شخصية الأورارتو، أي بواسطة قوة الدولة المركزية، وإن كان بالإمبراطوريات التوصل إلى وفاق متوازن يتسم بالمساواة. ولكن سياسة الآشوريين التي اعتمدت على السلب والاحتلال والمجازر وإجبار المتبقين على الهجرة وحتى لم تعط فرصة لتحقيق ذلك، وعلى العكس مما فعله الرومان فلم يعط الآشوريون فرصة الحياة للشعوب التي ارضخوها لهيمنتهم، بل اعتمدوا سلطة بلا حدود ولا قوانين لها ومزاجية. حقيقة إن نهايتها غير المنتظرة مرتبطة بهذه السياسة، كما إن نهاية كافة الأنظمة السياسية التي تعتمد على العنف المجرد تؤدي إلى نهاية مماثلة، فهذه السياسة الإمبريالية التي أخذت إرثها من سارغون وتكاملت مع حمورابي البابلي والتي نفذت من قبل الآشوريين بلا رحمة كانت تعني جهنماً بالنسبة لشعوب الشرق الأوسط وأنظمة إمارات العبيد.




#عبدالله_اوجلان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الاول ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الاول ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة اليمقراطية الفصل الاول ا ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الاول ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الاول ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الاول ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الاول ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الاول ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الاول ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الاول ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الاول ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الاول ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الاول ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الاول ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الاول ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الاول ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الاول ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الاول ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الاول ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية


المزيد.....




- يوم أسود للإنسانية.. أول تعليق من الرئيس الإسرائيلي على أوام ...
- حماس: أوامر اعتقال نتنياهو وجالانت تصحيح لمسار طويل من الظلم ...
- رفض إسرائيلي لقرار المحكمة الجنائية الدولية باعتقال نتنياهو ...
- منظمة الفاو تحذر من وصول المجاعة إلى أعلى درجة في قطاع غزة، ...
- مذكرات الاعتقال بحق نتنياهو وغالانت والضيف.. كل ما نعرفه للآ ...
- مذكرة اعتقال ضد نتنياهو.. أول تعليق من مكتبه وبن غفير يدعو ل ...
- زلزال سياسي: المحكمة الجنائية الدولية تصدر مذكرتي اعتقال في ...
- حماس ترحب بإصدار المحكمة الجنائية الدولية أوامر اعتقال بحق ن ...
- حماس تحث المحكمة الجنائية الدولية على محاسبة جميع القادة الإ ...
- هولندا تعلن استعدادها للتحرك بناء على أمر الجنائية الدولية ب ...


المزيد.....

- سعید بارودو. حیاتي الحزبیة / ابو داستان
- العنصرية في النظرية والممارسة أو حملات مذابح الأنفال في كردس ... / كاظم حبيب
- *الحياة الحزبية السرية في كوردستان – سوريا * *1898- 2008 * / حواس محمود
- افيستا _ الكتاب المقدس للزرداشتيين_ / د. خليل عبدالرحمن
- عفرين نجمة في سماء كردستان - الجزء الأول / بير رستم
- كردستان مستعمرة أم مستعبدة دولية؟ / بير رستم
- الكرد وخارطة الصراعات الإقليمية / بير رستم
- الأحزاب الكردية والصراعات القبلية / بير رستم
- المسألة الكردية ومشروع الأمة الديمقراطية / بير رستم
- الكرد في المعادلات السياسية / بير رستم


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - عبدالله اوجلان - من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الاول التطور الحضاري والمجتمع العبودي ح - الذروة في الحضارة العبودية 3- ظهور ميديا - الفرس , ومفترق الطرق بين الشرق والغرب 1 - 16