تونس في 8 مارس 2003
الاتّحاد العام لطلبة تونس
قراءة في واقع الأزمة وآفاق التجاوز
الوطنيون الديمقراطيون بالجامعة
"إنّ اليأس نموذجي لدى أولئك الذين لا يريدون أن يفهموا أسباب الشرّ، ولا أن يروا طريق الخلاص منه، وهم عاجزون عن النّضال". لينين
قد يؤدّي أيّ حلّ نظري أو مساهمة في حلّ الواقع المأزوم الذي طبع وجود الإتّحاد العام لطلبة تونس لمزيد تعقيد الأزمة وتشويش المسالك المؤدّية إلى تجاوزها إذا لم يكن مبنيّا على فهم وإدراك نظري وسياسي لخصوصيّات ومميّزات هاته المنظّمة الطلابيّة.
ويجب أن نميّز في هذا الاتّجاه أ.ع.ط.ت باعتباره منظّمة نقابية لا نقابة بالمفهوم المتداول للكلمة، ومنظّمة نقابية يتفاعل برنامجها ونشاطها مع قاعدة جماهيرية ذات خصوصية تتلخّص في كونها قاعدة دائمة الحراك، ممّا يجعل دائرة اهتماماتها المادية متقلّصة لصالح دوائر الاهتمام الثقافي والعلمي والسّياسي. تساهم نفس الخصوصيّات في إكساء المنظّمة وجودا وآداءا بحالة عدم الاستقرار، وهو ما يؤدّي إلى انتعاش الأزمات وإلى قطائع وفراغات في مستوى التصوّرات والحلول لأي أزمة طارئة، ممّا يضيف إلى الواقع المأزوم ظاهرة استمرار الأزمات وانكفاء الحلول.
كما أنّ أي مبادرة تدّعي حلّها لهذا الواقع المأزوم لابدّ من أن تقوم على طرح الإشكاليات السّليمة. ونشير في هذا الاتجاه إلى أنّ الإشكالية القائمة على كيفية استعادة اتحّاد الطلبة المرتبطة بالعامل التقني تموّه إلى حدّ كبير كلّ إمكانيات التجاوز الفعلية، وهي تحيل بالتّالي في أقصاها على مجرّد اتّفاقات انتخابية هشّة وفاقدة لأي ضمانة سياسية أي أنّ موضوع الصّراع سينحصر في آليات وتقنيات معركة انتخابية.
لكن المطروح وبعد سنوات من التخريب الذي مورس في حقّ المنظّمة، والذي أدّى في مستوى أوّل إلى تفتيت الأرضية السياسية التي شكلت قاعدة الالتقاء فيما بين الأطراف السياسية المناضلة، والمناضلين النقابيين إلى حدود إنجاز المؤتمر 18 خ.ع كما أنتج التخريب في مستوى ثان انعزال المنظمة عن قاعدتها الجماهيرية العريضة، إذن المطروح هو أي اتّحاد نريد استعادته ؟
الإجابة عن هذا السؤال في تقديرنا لا يمكن اختزالها في مستوى رفع الشعارات أو التواطؤ الانتخابي، لكنّها تخضع للشروط الآتية :
أوّلا : صياغة أرضية سياسية ونضالية فيما بين الأطراف الملتزمة بالخطّ النضالي الجماهيري للمنظّمة، تهدف إلى إعادة شحن العمل النّقابي بالمضمون السّياسي الذي يعبّر عن المرحلة الرّاهنة بكلّ قضاياها المفردة وإلى تشكيل آليّات التقييم والمحاسبة بما يمكن من إعادة بناء حدّ أدنى من الثقة والضوابط العملية المشتركة.
ثانيا : تحويل محور استعادة، اتّحاد مناضل وجماهيري إلى مادّة دعائية وتعبوية يومية في الأواسط الطلابية بدرجة رئيسية، ولدى الرّأي العام الوطني والدّيمقراطي بدرجة ثانية، وذلك من خلال الاجتماعات العامة وحلقات النقاش والندوات.
ثالثا : رسم حدود التّواصل مع مكوّنات الحركة الشعبية والدّيمقراطية بما يضمن سيادة القرار الطلاّبي واستقلالية الاتّحاد، عن كلّ المخطّطات التي ترمي إلى توظيفه حزبيّا، مع تمييز الرّوابط النديّة مع تلك المكوّنات.
يتّضح لنا من خلال تشخيص أزمة الاتّحاد العام لطلبة تونس أنّها تتمظهر في غياب الهياكل (المؤتمر الوطني، المجلس الوطني، الهيئة الإدارية، المكتب التنفيذي، المكاتب الفدرالية). والتي تتشكّل عن طريق الانتخاب حيث لم يتم انتخاب أيّ هيكل بما فيها المؤتمر الوطني (المؤتمر الانقلابي(23)) بل تمّ تنصيب هياكل غير شرعية نابعة عن الانقلاب المذكور، ممّا أدّى ضرورة إلى غياب البرنامج بما هو اللّوائح والمقرّرات الصّادرة عن المؤتمر باعتباره السّلطة العليا داخل المنظّمة، ويحتوي البرنامج على خطّة عمل المنظّمة طيلة مرحلة محدّدة وتكون هاته الخطّة متطابقة ووفيّة للماهية العامة للمنظّمة التي تتحدّد بدورها في ظلّ برنامج الحركة الطلابية المعبّر عنها في شعاراتها التاريخية.
وخطّة العمل هي المرجعية السياسية والعملية لمواجهة خطط وسياسات السلطة وهي أيضا مرجع النّظر للهياكل والمناضلين لحسم الخلافات والمحاسبة والتقييم.
كما مثّلت ضآلة الكادر النّقابي مظهرا أخرا من مظاهر الأزمة، فمن حيث الكمّ يلاحظ ضعف الإقبال وندرة الاهتمام بالمنظّمة بوجه خاصّ، وبالنشاط السياسي بوجه عام، أمّا من حيث النّوع فجمهور المناضلين الذين يبدون التزاما بالخطّ النّضالي للمنظّمة وتمسّكا بدورها التاريخي يعانون ضآلة في التأطير والتثقيف السياسي والنقابي، وعدم إلمام بتاريخ الاتّحاد العام لطلبة تونس.
وتعود أسباب أزمة أ.ع.ط.ت في جانبها غير المباشر إلى حالة التراجع التي تشهدها الحركة الشعبية ممثلة في الطبقات المضطهدة والمهمّشة وعلى رأسها الطبقة العاملة، أمام هجوم الرأسمال العالمي، معبّرا عنه في مستوى القطر من خلال برامج التفقير والخوصصة والتفويت في ثروات الشعب التي يشرف عليها النّظام الكمبرادوري القائم ويمرّرها عبر القمع الممنهج والحصار الأمني، والتهميش الثقافي وتخريب مؤسّسات التعليم وتسعير حقّ الدّراسة... بالإضافة إلى ضعف وتراجع الأطراف التقدمية والديمقراطية من منظمات وأحزاب وجمعيات.
أمّا في جانبها المباشر فتعود إلى محاصرة النّشاط النقابي والسياسي داخل الجامعة عن طريق الأجهزة الأمنية والإدارة، واستهداف الاتحاد من طرف السلطة بالتّخريب، والاختراق والتهميش والقمع. ممّا مهّدلقيام المجموعة الانقلابية والمطرودة من الحركة الطلابية تحت حماية البوليس السياسي ووزارة التعليم العالي، بالانقلاب على الاتحاد وذلك منذ نيابة المؤتمر 22 مرورا بعقد مؤتمر صوري (23) تمّ خلاله إقصاء كلّ مناضلي الاتحاد وكلّ الأطراف الطلابية انتهاءا إلى واقعة الندوة المشتركة مع الطلبة الدّساترة، والتي مثّلت منعرج اللاعودة لهذه المجموعة وكلّ من سار في ركابها.
إضافة إلى حالة القصور التي طبعت ردود أفعال الأطراف السياسية المناضلة تجاه المسلكية الانقلابية المبيّنة أعلاه، وتميّز آدائها (المكوّنات السياسية) بالإرتجالية والمناسبتية من جهة، وانحسار دورها تحت سقف انتخابي تقني مفرغ من أي جوهر سياسي ومحكوم بعقلية الصفقات من جهة أخرى.
أدّت هذه الوضعية إلى غياب المنظمة على السّاحة الطلابية، في مستوى تنظيم وتأطير الاحتجاج الطلاّبي، وفي مواجهة طلبة الحزب الحاكم والتصدّي لعمليّة الاختراق البوليسي التي توجّهها الأجهزة الأمنية عبر بعض المجموعات المشبوهة. وإلى غيابها أيضا في مستوى النشاط الدّعائي والذي يهدف إلى التعريف بالمنظّمة وبرنامجها وبمهامها وبتاريخها.
وافتقدت المنظمة بالتالي التمثيلية المطلوبة إذ تحوّلت إلى مجرّد هاجس لدى الأطراف السياسية وقلّة من المناضلين، عوض أن تكون منظّمة جماهيرية واسعة التمثيل، ممّا سهّل على السّلطة تمرير مشاريعها المعادية لحقوق الطلاّب ومصالحهم في ظلّ تغييب كلّ لممثّلهم الشرعي وظهور أعراض التآمر وعقد الصفقات، والبحث عن الصيغ السهلة والمراهنة على ما هو انتخابي تقني لدى الأغلبية الساحقة من المناضلين الذين لم يتورّطوا بصورة أو بأخرى في الانقلاب.
يتّضح لنا من خلال معاينة مظاهر أزمة أ.ع.ط.ت وفهم أسبابها والوقوف عند نتائجها الخطيرة أنّها تتلخّص في ثلاثة أبعاد :
أوّلا : أزمة ذات بعد سياسي بغياب الموجّه السياسي والبوصلة الاستراتيجية التي يمكن في ظلّ وجودها فقط بناء مبادرة قادرة أن توفي إلى استرجاع المنظمة على قاعدة مهمّاتها في علاقة بالحركة الطلابية.
ثانيا : أزمة ذات بعد هيكلي تتلخّص في مراوحة العمل النقابي الطلابي منذ المؤتمر 18 خ.ع بين حالة عدم استقرار الهياكل وحالة غيابها، ممّا يعيق ترويج أي برنامج ويشلّ عملية استيفاء أيّ خطّة عمل.
ثالثا : الافتقار للعنصر النضالي النوعي في حدود ما يتطلّبه العمل النقابي والتراجع الكمّي والنّوعي الذي يشهده جمهور المناضلين الحالي.
واعتبارا لما تقدّم شرحه وبيانه فإنّنا نتقدّم بالمشروع التالي وذلك محاولة منّا لإنقاذ سفينة الاتحاد وإرجاعها إلى ميناءها الحقيقي الذي هو الحركة الطلابية المناضلة :
اللجنة الوطنية للإعداد للمؤتمر الاستثنائي
يقع الإعلان عن تشكيل اللجنة الوطنية وذلك لغياب الهياكل الشرعية المخوّلة لهذه المهمّة ولإيجاد الحلول الكفيلة لإخراج الإتحاد من أزمته وتفعيله نحو المزيد من التمثيلية والإشعاع بما يستوجب إجراء انتخابات قاعدية جماهيرية وديمقراطية بمشاركة كلّ الحساسيات الطلابية التقدمية والتنسيق مع الفصائل والوجوه التقدمية، من منظمات وجامعيين وحقوقيين ممّا يضمن تجديد هياكل المنظمة وتثبيتها على قاعدة احترام القرار الطلاّبي وبالتالي إنجاز مؤتمر وطني، جماهيري وديمقراطي، وحتّى تكون اللجنة إطارا يتّسع لأكثر ما يمكن من الطاقات النضالية، وتشريكها في عملية الإنجاز. وحتّى تكون عملية التعبئة موجّهة الوجهة المطلوبة، نقترح أن تتركّب اللجنة الوطنية للإعداد للمؤتمر الاستثنائي من الأطر التالية :
- الإطار الأوّل : مجلس الإشراف والمتابعة.
- الإطار الثاني : الجلسة العامة التنسيقية.
- الإطار الثالث : اللجان الجزئية.
I- مجلس الإشراف والمتابعة :
1) تركيبته : - ممثّلين (2) عن كلّ طرف سياسي.
- ممثّل عن كلّ جهة (شمال – وسط – جنوب).
2) مهمّته : يعتبر مدجلس الإشراف والمتابعة الهيكل التنفيذي المركزي في علاقة بالمهمّة الرئيسية التي بعثت من أجلها اللجنة الوطنية ويتولّى تبعا لذلك :
- طبع وتوزيع الانخراطات على اللّجان الجزئية، والطلبة بحسب ما تضبطه الجلسة العامة التنسيقية في اجتماعاتها.
- الإشراف إجراء الإنتخابات القاعدية.
- التحضير السياسي والمادّي والإعلامي لعقد المؤتمر الإستثنائي.
II- الجلسة العامة التنسيقية :
1) تركيبتها : تتركّب الجلسة العامة التنسيقية من أعضاء مجلس الإشراف والمتابعة والمنسقين العامين اللجان الجزئية، وممثّلين عن الجمعيات والنّقابات المستقلة بصفة ملاحظين.
2) مهامها : مراقبة ومحاسبة مجلس الإشراف والمتابعة واللجان الجزئية.
- تحديد آليات توزيع الإنخراطات والمصادقة على نتائج الانتخابات القاعدية.
- وضع جدول زمني لإجراء الانتخابات وعقد مؤتمر استثنائي.
III- اللجان الجزئية :
1) تتركّب من مناضلي كلّ جزء جامعي المنضبطين لهذا البرنامج.
2) مهمّتها :
- توزيع الإنخراطات وإنجاز الإنتخابات القاعدية بحسب ما تتمّ تقريره في الجلسة التنسيقية العامة.
ملاحظة : تنحلّ اللجنة الوطنية للإعداد للمؤتمر الإستثنائي بهياكلها المذكورة بمجرّد الإعلان عن انطلاق أشغال المؤتمر الاستثنائي.
الوطنيون الديمقراطيون بالجامعة