أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - نضال نعيسة - أدب السجون















المزيد.....

أدب السجون


نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..

(Nedal Naisseh)


الحوار المتمدن-العدد: 1493 - 2006 / 3 / 18 - 11:31
المحور: حقوق الانسان
    


لفّني الأسى، وشعرت بالحرج، وانتابني الأسف، وواعتراني الألم العميق وأنا أتابع واحدة من الحلقات المتتابعة عن السجون السورية، وكل تلك الصور التي تجوب فضاء العام من نيوزيلندا إلى ألاسكا. وتساءلت في سري بعيدا عن العسس والمخبرين الأشقياء، لا أدري ما الذي ستفعله المكاتب الإعلامية السورية في الخارج، ومدراؤها الفطاحل المتفوهون الشطار، والحالة هذه، وماذا سيردون على كل ذاك الكلام والاتهام الضمني القاسي، لا سيما أن هؤلاء السجناء هم من المثقفين والمبدعين وحملة الأقلام، وليسوا من القتلة، والمجرمين ودعاة الإرهاب.

فليس كل ذاك الدخان بلا نار، وليست كل تلك الأقاويل والدعاوي والأخبار محض تجنٍ وهراء، وليست كل تلك الصور المحزنة البغيضة هي من الخيال وتوليف المخرجين، وهذيان العقول وتركيب الأذهان. كما أنها ليست لتهديد الأمن القومي وتقويض البنيان السلطوي الذي شيد بالخوف وقهر اليتامى، ودموع الثكالى، وأحزان الفقراء، وحرمان البؤساء. فها هي الحقائق التي يرويها السجناء السابقون، وعلى الملأ في وسائل الإعلام التي تخطت المحلية، تصل إلى رابعة أطراف الأرض وتتخطى هذا المكان. ولن ننجر أيضاً وراء التعميم الضال، ولكن يمكن القول أن هناك بشراً مسالمون، وادعون، طيبون، مثقفون، وطنيون قضوا خلف القضبان عقودا وسنينا طويلة ثقيلة باردة نكداء، بدون محاكمة أو أية أسباب ظاهرة، اللهم سوى إشهار قانون الطوارئ سيء الذكر في وجه أي كان، والذي يخوّل أي "شاويش" أمي أرعن زج الأحرار بدون محاكمات، ووضعهم في "الكلبشات". لقد دخل هؤلاء المناضلون السجن، وخرجوا منه دون الرجوع للمحاكم أو الاستناد على أية قرارات قانونية واضحة. وهذا ما يدخلهم عمليا في عداد المختطفين والرهائن الذين سلبت حريتهم وتم التحفظ عليهم في أمكنة مجهولة. فأي قانون في العالم يستبيح حياة الناس بهذا الشكل، ويرخّص بها إلى هذا الحد الوضيع، ويجعل من المواطنين موضع مساومة، وأوراق لعب نكرة جرداء في حساب السياسات السوداء؟ لم يحملوا أسلحة ولا رشاشات، ولا قنابل ولم يقتلوا نفساً، ولم يزهقوا روحاً، ولم يفجروا أحداً وكان سلاحهم فكرا مختلفاً، وكلمة مختلفة، عما كان يحب أن يسمعه السادة الأجلاء ويردده البلهاء، والمأجورون، وثقلاء الدم في وسائل الإعلام. هل هذه جريمة في عالم يتغير بالثواني ، في فضاء الكلمة الصاروخ، والخبر السهم الذي يخترق الآفاق؟ والحقيقة الثابتة اليوم التي لا ترضي سادة المنع، والزجر، والإقصاء، أن لا سلطة لأحد بعد اليوم على الكلمة الحرة التي تنتقل بلا حواجز في أرجاء العالم، والفضاء.

نعم لقد كانت هناك مرحلة محزنة سوداء بكل أبعادها ذهب ضحيتها كثيرون، وخسر آخرون حياتهم، فيما دمرت حياة الكثير من الأسر والعائلات، في سبيل سلطان فانٍ لم يدم لقيصر، ولا لكسرى أنو شروان، ولا إمبراطور الغرب الأكبر شارلمان. قصص مؤلمة ومحزن تهز الخاطر، وتوقظ الضمير، وتكسر القلب، وتجرح الوجدان. قصص تبدأ، ولا تنتهي من ألف دهر ودهر من دموع القمع والإقصاء، ولكن بدون شهرزاد، أو شهريار هذه المرة، بل أجهزة متجبّرة متسلطة، بلا شفقة، ولا رحمة، ولا اعتبار لكرامة وروح الإنسان، فاقت كل سيّاف في بلاط الحجاج، وزرعت الويل، والرعب، والدموع والأحزان ربوع الوطن.

الإيجابية الوحيدة في هذا الموضوع الدامي هو أن هناك من خرج حيا وسالماً معافى، وبقي على قيد الحياة، وطبعا بدون ذكر ذاك التشويه النفسي الكامن الذي يحتاج ربما لدهر آخر للامساك ببعض من خيوطه الغامضة وحبيسة العقل والوجدان. هناك من ظهر للنور مرة أخرى ليتكلم ويؤرخ لهذه المرحلة الحزينة بكل أبعادها، وحيثياتها، ولحظاتها المرعية وتفاصيلها البأساء، وعن جنون ووحشية بعض الناس حين ينجر بعض موتور في دوامة من الشر والبغضاء.

ألم يحن الوقت لتفسير رسمي، واعتذار علني، وشفافية مطلقة، وتعويض لهؤلاء الأبرياء الذين أفنوا زهرة شبابهم، وحياتهم التي وهبتهم إياها الطبيعة والسماء، وسطا عليها بعض الأشرار ليحولوها إلى جحيم وعذاب. لم تهدد تلك الأشعار، وهذه الكلمات، و كل أدبيات هؤلاء السجناء الوحدة الوطنية، ولم تفجر حروباً أهلية ولا نزاعات، بل كان سجنهم جرحاً نازفاً في جسد الوطن، ووصمة عار على جبينه صارت تميزه من بين الأوطان. بذر بذور الفرقة بين الشعب والنظام، ووضع حاجزاً كبيراً، وسداً منيعاً من الخوف قضى على الوطنية والموهبة والإبداع، وأصاب الوطن في مقتل من الخوف والرعب والإيلام. لقد صور عتاة الأمن لأصحاب القرار أن هؤلاء المثقفين، وأصحاب الرأي الآخر هم خطر داهم على الوطن، وتجب محاربتهم، وتعاموا عن أهوال وويلات الفاسدين والمافيات، ليجد الوطن نفسه مهدداً ذات يوم من كل حدب وصوب، وأدرك الجميع حجم المأساة، ولكن، وللأسف، بعد فوات الأوان.

ألم يحن الوقت فعلا لتسوية هذا الملف الشائك وعودة ما تبقى من روح لجسد الوطن الذي أهلكه هذا الجموح، والانحراف والطغيان؟ ولِمَ يبق أصلا كل سجناء الرأي خلف القضبان إلى الآن؟ ألم يحن الوقت أيضا للتعويض على أولئك الذين دمرت حياتهم، بشكل ما وصاروا أشباحاً بلا أرواح، تدور في الفراغ بلا هدف ولا أي مستقبل على الإطلاق؟ ألم يحن الوقت لقرار سليم وشجعان أقوى من كل الصواريخ العابرة للقارات، ومن حاملات الطائرات، وفرق المدرعات، وأجهزة المخابرات، ويقضي بعودة جميع المهجرين إلى أوطانهم، وديارهم، وعائلاتهم، ومرابع الطفولة والصبا، والشباب بعد فرقة دهر، وطول غياب؟ هل في هذا تهديد للوحدة الوطنية، وتوهين لعزيمة الأمة، وفتٍ لعضدها، أم الحل الدائم في استمرار استهداف رواد الكلمة الحرة؟ لِمَ لا تفتح ملفات المجرمين، والمسيئين للوطن، ومرتكبي الجرائم، والملطخة أياديهم بدماء الأبرياء عبر محاكم عادلة ووفق القانون العام، وليأخذ كل جزاء ما عمل، وما اقترفت يداه، وليطلق فورا سبيل من لم تثبت إدانته أو يتورط في أعمال تمس أمن وسلامة الناس؟ ولِمَ لا يحول كل معتقل لمحكمة مدنية تبرئ البريء، وتجرّم المسيء صاحب السوابق والإجرام؟ وهل من الحكمة، بعد الآن، وفي عالم الأجواء المفتوحة، محاسبة الناس على التفكير، والكلمة، والأحلام؟

إن استمرار هذا الملف الشائك، وإبقائه في الثلاجة، وفي حالة من التسويف والمماطلة، يجعل الوضع في حالة من التوتير العام، كما أنه لن يساهم سوى في المزيد من ضعضعة الوضع العام، وجعل السبيل ممهدة أمام الطامعين والأعداء. وسيكون هناك، حتماً، المزيد، والمزيد من حلقات أدب السجون، بالانتظار، تتناقلها وسائل الإعلام، وتلوكها الألسن، وتبثه الفضائيات.



#نضال_نعيسة (هاشتاغ)       Nedal_Naisseh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اختطاف أحمد سعدات
- المشرحة
- سمر يزبك:تكريم المرأة على الطريقة السورية
- أحزاب العرب الكوميدية
- إلى ظبية فراتية
- تحررالمرأة بين الواقع والأحلام
- الاعتقال هو الحل
- أنا سوري آه يا... شحاري
- الحراك المذهبي والسنيّة والشيعيّة السياسية
- ما هكذا الإجحاف يا سيريا نيوز
- العراق: العبور الشاق، والمخاض العسير
- أطوار الزمان الغريبة
- أسافين المعارضة السورية
- ماكيافيلية الإخوان:رد على د.خالدالأحمد
- خدام - البيانوني: تطبيع الفساد، أم تعويم الإخوان؟
- مخاتير الوزارات السورية
- خبر عاجل:ملاحقة خدام بتهمة إقلاق راحة الجوار
- هل تتخلى أوروبا عن علمانيتها؟
- الفالانتاين.....دعوة للحب
- حفلات التعذيب على الطريقة الديمقراطية


المزيد.....




- عضو بالكنيست الإسرائيلي: مذكرات الاعتقال ضد نتنياهو وجالانت ...
- إسرائيل تدرس الاستئناف على قرار المحكمة الجنائية الدولية الص ...
- وزير الخارجية الأردني: أوامر اعتقال نتنياهو وجالانت رسالة لو ...
- هيومن رايتس ووتش: مذكرات المحكمة الجنائية الدولية تفند التصو ...
- الاتحاد الأوروبي والأردن يُعلنان موقفهما من مذكرتي الاعتقال ...
- العفو الدولية:لا احد فوق القانون الدولي سواء كان مسؤولا منتخ ...
- المفوضية الاممية لحقوق الانسان: نحترم استقلالية المحكمة الجن ...
- المفوضية الاممية لحقوق الانسان: ندعم عمل الجنائية الدولية من ...
- مفوضية حقوق الانسان: على الدول الاعضاء ان تحترم وتنفذ قرارات ...
- أول تعليق من -إدارة ترامب- على مذكرة اعتقال نتانياهو


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - نضال نعيسة - أدب السجون