|
إضاءة في كتاب -محطات في حياتي- للكاتب الدكتور خليل عبد العزيز
كاظم حبيب
(Kadhim Habib)
الحوار المتمدن-العدد: 5869 - 2018 / 5 / 11 - 17:30
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
صورة غلاف الكتاب الأول والثاني اسم الكتاب: سجون ... اغتراب ... نضال ... محطات في حياتي المؤلف: د. خليل عبد العزيز دار النشر: دار سطور للنشر والتوزيع، بغداد-العراق سنة النشر: 2018 عدد الصفحات: 224 مع مجموعة من الصور **** صدر قبل أسابيع قليلة كتاب الصديق الدكتور خليل عبد العزيز يطرح فيه بعض من سيرته الذاتية خلال ما يزيد عن نصف قرن. وقد كتبت المقدمة لهذا لكتاب تحت عنوان "سيرة ذاتية ديناميكية بين الموصل - بغداد - موسكو - عدن – ستوكهولم" أضعها بين يدي القارئات والقراء الكرام. د. كاظم حبيب تناولت شخصيتان أدبيتان وصحفيتان معروفتان، هما الكاتب والصحفي فرات المحسن، والكاتب والصحفي الدكتور محمد الكحط، سيرة حياة المناضل الوطني الشيوعي العراقي الدكتور خليل عبد العزيز عبر لقاءات مكثفة، فتوقفا معه عند محطات وصفحات مهمة من حياته التي تميزت بالحركية والتنوع والجرأة في ولوج المخاطر وعبورها بسلام. وتمكنا من إبراز هذا الطابع الحركي وتلك الحيوية في النشاط والتأثير الملموس في المجالات والمواقع التي وجد وعمل فيها وتفاعل مع أحداثها ولم يقف متفرجاً فيها، بل كان وما زال مساهماً ومؤثراً ومستفيداً من ظروف مناسبة وفرت له إمكانية التحرك والنشاط الملموس والمفيد. لا شك في وجود معلومات وأسرار أخرى كثيرة يحتفظ بها الصديق أبو نادية ربما ستظهر في كتاب آخر يتحدث فيه بما لم يرغب بطرحه اليوم وفي هذا الكتاب، أو ربما ستجد طريقها عبر مقالات أخرى مع الصديقين فرات المحسن ود. محمد الكحط. فالكتاب الذي يضعه الصديق والرفيق خليل عبد العزيز بين أيدي القارئات والقراء الكرام يتضمن صفحات ومحطات مهمة من تاريخ حياته السياسية والصحفية والعلمية بالعراق والاتحاد السوفييتي والسويد، صفحات من النضال الديمقراطي والعمل الجاد والجهد الدؤوب، الذي لم يخل من متاعب كبيرة وعقبات غير قليلة، تجاوزها بحيويته المعهودة، التي عرفتها فيه منذ أن عشنا سوية في دارين متجاورين بمدينة بدرة، المنفى الحدودي للشيوعيين العراقيين في فترة العهد الملكي، ولاسيما في فترة الخمسينيات من القرن الماضي. لقد بدأ نضاله الطلابي ومن ثم السياسي في الحزب الشيوعي العراقي مبكراً، كما هو حال الكثير من صبيان وشباب سنوات الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي. فالحركة الديمقراطية والشيوعية بالعراق قد بدأت في فترة مبكرة بممارسة عملية التوعية والتنوير وشحذ الهمم للنضال ضد الاستعمار البريطاني وأحلافه العسكرية، ومن أجل الحريات والحقوق الديمقراطية، وبناء الاقتصاد العراقي وتجاوز حالة التخلف والتبعية. كما ساهم في نشر الوعي بين طلاب وطالبات المدارس الثانوية والمعاهد والكليات، وبين المعلمين وأساتذة الكليات، وكذلك بين عمال الموانئ والسكك الحديد ومشاريع شركات النفط الأجنبية، إضافة إلى المشاريع الصناعية الحديثة وعمال البناء، وبين فلاحي ومزارعي العراق. ولم يقتصر نشاطه على المنطقة العربية من العراق بل امتد إلى كردستان إلى الشعب الكردي وإلى أبناء وبنات القوميات الأخرى التي أكد حقوقها وبرّز مصالحها والدفاع عنها في برامجه السياسية منذ بداية وجود الحزب الشيوعي حتى يومنا هذا. ومبكراً أيضاً دخل خليل عبد العزيز السجن والإبعاد، وهو ما يزال في أوائل العشرينيات من عمره، فتصلب عوده واكتسب خبرة في العمل السياسي السري وفي مواجهة المصاعب والمتاعب والتغلب عليها، مما ساعدته على امتلاك سمة التفكير المستقل واتخاذ القرار المناسب حتى لو أجبر، ولكنه اقتنع بضرورة رفض تنفيذ قرار أو موقف خاطئ من مسؤوله الحزبي أو من الحزب عموماً. لقد حكم عليه بالإعدام في أعقاب حركة العقيد عبد الوهاب الشواف التآمرية في العام 1959 التي نفذتها ثلاث قوى وأحزاب سياسية: هي البعثيون والقوميون العرب، والمحافظون والإسلاميون السياسيون وكبار ملاكي الأراضي والرجعيون وبدعم كبير من الجمهورية العربية المتحدة (مصر وسوريا)، بالموصل مع مجموعة من رفاق الحزب الشيوعي، والذين تم إنقاذهم وتسفيرهم إلى بلدان اشتراكية بأسماء وهويات مستعارة. لقد كانت مرحلة معقدة من حياة الشعب العراقي. فحكومة عبد الكريم قاسم وطنية ونفذت سياسات وإجراءات وطنية، ولكن قائد الثورة، رغم وطنيته ونزاهته الشخصية، مارس في الوقت ذاته سياسات داخلية وخارجية فردية، انتهت عملياً إلى مصادرة الكثير من الحريات العامة والحقوق الأساسية، بما في ذلك امتناعه عن وضع دستور دائم وانتخاب برلمان ديمقراطي نزيه، أو دخوله الحرب ضد الشعب الكردي ،أو مطالبته بالكويت، باعتباره قضاءً تابعاً للواء البصرة منذ العهود السابقة، واستخدامه سياسة فرق تسد بين الأحزاب والقوى السياسية العراقية، مما فسح في المجال لنجاح التآمر على الحكم الوطني وإسقاطه في شباط/فبراير 1963 من جانب القوى ذاتها التي تآمرت ضده بالموصل، ولكن بالتعاون مع قوى محلية وعربية وإقليمية ودولية جديدة. لقد عاش خليل عبد العزيز ما يقرب من نيف وعقدين من السنين بمدينة موسكو عاصمة الاتحاد السوفييتي، درس وعمل فيها طالباً وباحثاً وصحفياً ووسيطاً وعضواً ضمن الوفود المهمة، مما وفّر له ذلك إمكانية التعرف على الكثير من الشخصيات السياسية والعلمية والاجتماعية المهمة بالاتحاد السوفييتي وبالدول العربية وغيرها من الدول الذين كانوا يزورون الاتحاد السوفييتي، أو مرافقاً للشخصيات والوفود التي كانت تزور تلك البلدان، وكذلك الاطلاع على الكثير من الأسرار، التي لم يبح بها أبداً، فهو شاهدٌ حيٌّ على الكثير من المباحثات والنقاشات والتصورات التي كانت تجري وتطرح في تلك اللقاءات والمؤتمرات والاجتماعات بين السياسيين السوفييت والعراقيين أو المصريين أو اليمنيين أو غيرهم. كما أنه كان قريباً جداً من تلك الخلافات والاختلافات والصراعات التي كانت تبرز بين الشخصيات العلمية ومعاهد البحث العلمي ومراكز القوة السياسية بالاتحاد السوفييتي، أو بين السياسة والسياسيين السوفييت والعلماء والمعاهد العلمية السوفييتية، وبين من هم كانوا مخلصين فيما يطرحونه من سياسات ومواقف، وبين شخصيات انتهازية كان همها الحصول على المراكز والأموال بغض النظر عن النتائج أو العواقب. ومع أن التشخيصات الواردة في الكتاب تعبر عن وجهة نظر د. خليل عبد العزيز وعن رؤيته للأمور، إلا أن من يعرف الاتحاد السوفييتي والدول الاشتراكية الأخرى يدرك صحة تقديراته وصواب استنتاجاته. لقد تمكنت ظواهر البيروقراطية والفساد والمحاباة والروح الانتهازية ونسيان المبادئ، التي تبناها الحزب الشيوعي السوفييتي وأكدتها الدولة السوفييتية في دستورها من اختراق النظام السوفييتي برمته، وساعد على ذلك غياب كامل للفصل بين الحزب والدولة بسلطاتها الثلاث وخضوعها التام لقرارات ومواقف الحزب، وبين الحزب ومنظمات المجتمع المدني والنقابات، وبين الحزب وأجهزة أمن الدولة KGB State Security Committeeوهيمنة هذا الجهاز السياسي والأمني في آن واحد على الحياة العامة وحياة الفرد السوفييتي. وقادت هذه الظواهر السلبية إلى الكثير من صور الفساد اليومي التي تحدث عن بعضها الصارخ الدكتور خليل عبد العزيز. وفي جوابه عن السؤال التالي: ـ ألم يكن هناك من يعترض أو يصحح تلك السياسات؟ قال الدكتور خليل ما يلي: «هذا السؤال حيوي لذا يمكنني القول، لم تكن هناك في الاتحاد السوفيتي ديمقراطية وكان نظام الحكم قمعياً وكابحاً للحريات، وكل ذلك يجري تحت شعار دكتاتورية البروليتاريا، ووفق الشعار ذاته يصنف أي معترض أو معارض، وحول أية قضية كانت، بأنه معادٍ للدولة الاشتراكية ومروج للأفكار الرأسمالية. وكانت جميع قوائم الانتخابات داخل الحزب تعد سلفاً ولا يقبل أي صوت معارض لها. فمقولة الحزب الأوحد لا تعطي أي مجال للتعبير عن الرأي. ولكن قولي هذا لا يعني خلو الساحة من العقلاء والحكماء والعلماء والمفكرين ولكن جميع هؤلاء لا يجدون مجالاً للإفصاح عن آرائهم وبالذات في المسائل الحيوية التي تهم المجتمع والحزب والدولة، ودائماً ما تقمع تلك الآراء لصالح سيادة ووحدة الحزب، وخلال الاجتماعات الحزبية لا توجد هناك آراء مخالفة يسمح بمناقشتها، وبشكل حاسم يصوت على التوصيات والقرارات بنعم، ودائماً ما تظهر النتائج للعلن وكأن الحزب كتلة متجانسة تحافظ على وحدتها وإيمانها الراسخ بالاشتراكية العلمية، ولكن تلك الوحدة تتصدع لتتغير العبارات خارج الاجتماع وأثناء أوقات الاستراحة، وبشكل سري وهامس يبدأ حديث مخالف كلياً لما طرح في الاجتماع وما قاله الحزب وسلطة الطبقة العاملة ». هنا تكمن واحدة من أكثر المشكلات حساسية، وأعني بذلك «النقد والنقد الذاتي»، الذي يفترض أن يمارس بوعي ومسؤولية وحرص تام على مصالح الشعب قبل الحزب، ولكن هذا المبدأ انتهك بفظاظة وقاد ذلك إلى عواقب وخيمة جداً. فالظواهر السلبية الحادة والمميتة كانت معروفة للجميع، سواء أكان داخل الاتحاد السوفييتي أم بين شيوعيي وتقدميي العالم، ومنهم شيوعيو وتقدميو العراق، وكان لا بدّمن التعرض لها ونقدها، ولكن لم يحصل ذلك لا من الأفراد ولا من الأحزاب بشكل عام. والسؤال: لماذا لم يمارس هؤلاء النقد المناسب والرفاقي للمشاركة في معالجة الأوضاع في هذا البلد الاشتراكي الأول الذي انبثق لينشر السلام والحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، فتغيب عنه هذه المبادئ والقيم بالذات وإلى حدود بعيدة. إنها محنة الشيوعيين والتقدميين في البلدان الأخرى التي واجهتهم دوماً، فهم يخشون ممارسة النقد فيتهمون بالتحريفية ومعاداة السوفييت، أو أنهم يخشون من أن يستفيد منها أعداء الاشتراكية في العالم، أي الدول الرأسمالية الكبرى، ضد هذه الدولة وبقية الدول الاشتراكية، أو أنهم انتهازيون يخشون على المكاسب التي كانت توفرها الدولة الاشتراكية لهم أثناء زيارتهم لهذه الدولة العملاقة والهشة في داخلها بسبب الأخطاء التي رافقت تكوينها ومسيرتها النضالية المديدة. ولم يكن هذا الموقف سليماً وقاد إلى العواقب المعروفة بالزلزال الذي هزَّ العالم حين انهار الاتحاد السوفييتي وبقية بلدان أوروبا الشرقية ومنغوليا وأجرى تغييراً في موازين القوى على الصعيد العالمي لصالح الدول الرأسمالية، وأعطى الانطباع الخاطئ وكأن الرأسمالية قد انتصرت وإلى الأبد، كما جاء في كتاب فرنسيس فوكوياما، الموسوم نهاية التاريخ وخاتم البشر مثلاً. وقد تراجع فيما بعد عن هذا الرأي المتحيز وغير الموضوعي. (قارن: فرنسيس فوكوياما، نهاية التاريخ وخاتم البشر، ترجمة حسين أحمد أمين، مركز الأهرام للترجمة والنشر، القاهرة، طبعة أولى، 1993 ). لم يكن العيب في المبادئ الاشتراكية بل في فهمها وتطبيقاتها الخاطئة أولاً، وفي القصور الكبير في استيعاب ووعي حركة وفعل القوانين الاقتصادية والاجتماعية الموضوعية وفي التعامل معها والتجاوز الفظ عليها ثانياً، وكذلك في تفاقم البيروقراطية والنرجسية المرضية والسادية والروح الانتهازية لدى أبرز القيادات، والتي تجلت بشكل صارخ واستثنائي في نشاط وممارسات يوسف ستالين. يضع الدكتور خليل عبد العزيز إصبعه على جرح كبير يمس العلاقة بين قيادات وكوادر الحزب الشيوعي السوفييتي ومعاهده البحثية من جهة، والأحزاب الشيوعية والعمالية، ضمن حركة أو أحزاب الأممية الثالثة، من جهة أخرى. ويشير بوضوح إلى جانبين من هذه المسألة: 1 ـ طلب الأحزاب الشيوعية بالدول العربية تدخل السوفييت في حل مشكلات داخلية لأحزابهم، سواء أكانت سياسية أم تنظيمية، وهو أمر كان يساعد على التدخل في شؤون هذه الأحزاب. ويورد الحزب الشيوعي اللبناني نموذجاً صارخاً في هذا المجال، وأضيف عليه طلب الشيوعيين السوريين تدخل الحزب الشيوعي السوفييتي في معالجة الخلافات فيما بين قياديي الحزب. 2 ـ تدخل الحزب الشيوعي السوفييتي في شؤون الأحزاب الشيوعية من خلال تقديم النصح أو المشورة أو حتى أكثر من ذلك. ويشير بهذا إلى موقف الحزب الشيوعي من الوضع بالعراق في فترة قاسم، كما يمكن إضافة الوضع بالعراق في فترة حكم البعث الثانية. ولا بدّ من القول بأن المسؤولية في ذلك تقع بالأساس على الأحزاب الشيوعية التي تمارس ذلك، أو تسمح بالتدخل في شؤونها، إذ إن الاتحاد السوفييتي يحاول دفع المسارات بما يخدم قضاياه الدولية أو صراعاته على الصعيدين الإقليمي والدولي. وبهذا الصدد يذكر خليل عبد العزيز في كتابه ما يلي: «وفي واحدة من تلك المهازل نستطيع أن نعود لتاريخ العلاقة بين العراق والاتحاد السوفيتي وبالذات على عهد الزعيم عبد الكريم قاسم، حيث طُلب من الحزب الشيوعي أن يتخذ موقف المساندة الدائم للزعيم والامتناع عن إثارة الخلافات معه ،لا بل ضرورة الاصطفاف معه وتأييده في مجمل سياساته، وقد وقفت القيادة السوفيتية موقفاً قامعاً لجميع الأصوات داخل الحزب الشيوعي العراقي والتي كانت تندد بسياسة الزعيم عبد الكريم أو تشير لبعض أخطائه. ويعود السبب الرئيس لهذا الموقف، لضمان وقوف الزعيم عبد الكريم والدولة العراقية مع الاتحاد السوفيتي في المحافل الدولية». لا شك في أن الحزب الشيوعي بالاتحاد السوفييتي أو الدولة السوفييتية، وكذلك الأحزاب والدول الاشتراكية الأخرى، قد قدمت دعماً وتأييداً واسعين للدول العربية ولحركة التحرر الوطني وقواها السياسية الديمقراطية وللأحزاب الشيوعية أيضاً. ولكنها في الوقت ذاته قد ساهمت وبمستويات مختلفة في إقامة تحالفات مع نظم سياسية غير ديمقراطية واستبدادية بالدول العربية، أو أعطتها «شهادة زور» حين اعتبرتها دولاً تسير على طريق التطور «اللارأسمالي» نحو الاشتراكية، إذ لم يكن الأمر كذلك بأي حال. وقد شخص الدكتور خليل عبد العزيز هذه التجاوزات والأخطاء بوضوح كبير وطرح أمثلة واقعية وملموسة بوعي ومسؤولية كبيرين، ومنها جمهورية مصر العربية. ويتطرق خليل عبد العزيز في كتابه إلى نضال وتضحيات الحزب الشيوعي العراقي في سبيل بناء «وطن حر وشعب سعيد» فيؤكد: «كانت أفكار ونشاطات الحزب تعتبر العامل الرئيسي في زج الجماهير الشعبية بالنضال السياسي والاجتماعي والاقتصادي ومن أجل حقوقها العادلة والإطاحة بالسلطة الحاكمة، وكان الثمن غالياً تمثل في الإعدامات وزج المئات بل الآلاف في المعتقلات والسجون والإبعاد القسري.» لا شك في أن هذا التقدير له الكثير من الصحة، ولكن كان للقوى والأحزاب الديمقراطية العراقية الأخرى دورها في التوعية الفكرية والسياسية أيضاً وفي زج الجماهير في المعارك السياسية التي عاشها العراق في ظل الحكم الملكي، ومنها وثبة كانون وانتفاضة تشرين وانتفاضة 1956 على سبيل المثال لا الحصر، كالحزب الوطني الديمقراطي والحزب الديمقراطي الكردي )الكردستاني فيما بعد( والأحزاب التي برزت في أعقاب الحرب العالمية الثانية ومنها جماعة «وحدة النضال»، التي كانت تقودها الشخصية الوطنية والديمقراطية الكبيرة عزيز شريف، كما كان للقوميين دورهم في تلك الفترة أيضاً، ومنهم حزب الاستقلال، وفيما بعد حزب البعث أيضاً، رغم العداء الواضح الذي كان لدى الكثير من قادة وأعضاء هذين الحزبين وفي أيديولوجيتهما القومية اليمينية إزاء الحزب الشيوعي العراقي والقوى اليسارية عموماً، إذ اتسمت مواقفهما بشوفينية قوية أثرت في الكثير من الأحيان على تحقيق وحدة القوى المناضلة، ولاسيما موقفهما المتشنج من الحزب الديمقراطي الكردستاني ومن القضية الكردية عموماً، والتي قادت فيما بعد إلى عواقب وخيمة على العراق بسبب ممارستها من جانب القوى القومية اليمينية والبعثية بالعراق، ومنها انقلاب شباط/فبراير 1963 أو النظم السياسية والحكومات القومية والبعثية التي حكمت العراق طيلة الفترة الواقعة بين 1963ـ2003. ومن الجدير بالذكر أن الحزب الشيوعي العراقي، ورغم تضحياته الكبيرة والمستمرة والعنت والقمع الذي تعرض له منذ يوم ولادته، قد تميز بسمة نضالية كبيرة وأساسية ،فنضاله العنيد والصبور في سبيل الحياة الحرة والديمقراطية والعدالة الاجتماعية ،ومن أجل تحقيق الاستقلال والسيادة الوطنية، وسعيه الحثيث لنشر التنوير والتوعية الفكرية والسياسية والاجتماعية في صفوف المجتمع العراقي والدفاع عن حقوق الإنسان وحقوق القوميات، لم يتوقف على مدى نيف وثمانية عقود، أي منذ تأسيسه في العام 1934، بل وقبل ذاك منذ أن برزت أولى الخلايا الشيوعية ببغداد والبصرة والناصرية، حتى الآن وسيستمر دون أدنى ريب لتحقيق النصر الفعلي للشعب في العيش في ظل دولة ديمقراطية تفصل بين السلطات الثلاث وتحترم استقلال القضاء والسلطة الرابعة )الإعلام( وتفصل بين الدين والدولة وتحترم كل الأديان والمذاهب وتضمن الأمن والاستقرار والتقدم والحياة الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والتآخي والتضامن بين جميع القوميات وأتباع الديانات والمذاهب بالعراق وضمان حقوقها العادلة والمشروعة . ويتطرق الكاتب أخيراً وليس آخراً إلى واقع العراق الراهن وما حصل فيه من تجاوز على الإنسان وحقوقه وحرياته، والذي يعتبر امتداداً لمآسي وكوارث وحروب الفترات السابقة، لاسيما ما حصل للشعب العراقي بكل قومياته وأتباع دياناته ومذاهبه بعد إسقاط الدكتاتورية واحتلال العراق وإقامة نظام سياسي طائفي يعتمد المحاصصة الطائفية في الحكم، والتي تعتبر تجاوزاً فظاً على الإنسان وهوية المواطنة الحرة والمتساوية وعلى حقوق الإنسان ومدمراً لاقتصاده وحياته الاجتماعية. ثم يشير بدموع الحزن لما حصل بالموصل الحدباء وبقية قرى وأرياف ومدن محافظة نينوى في ظل هذا النظام وفي ظل الاستبداد والفساد والإرهاب. وكل الدلائل تشير إلى أن الموصل قد سُلمت تسليم اليد لعصابات داعش الإرهابية التي مارست ليس الإرهاب والقمع والقتل والنهب والسلب والتخريب والتدمير الحضاري فحسب، بل مارست الاستباحة والسبي والاغتصاب وبيع النساء الإيزيديات، أخواتنا الكريمات، في سوق النخاسة الإسلامي، واغتصاب البنات القاصرات بذريعة الزواج الإسلامي ابتداء من تسع سنوات... إنها جرائم بشعة، جرائم إبادة جماعية، لم يكشف عن المتورطين بها ومن يقف خلفها وتقديم ملفاتهم للقضاء لإصدار الأحكام العادل بحق من فرط بالشعب وأرض وحضارة الوطن. ويتمنى على العراق أن يخرج من هذا المستنقع لا بتحرير الأرض من رجس العصابات الإرهابية، الذي يقترب الآن من نهايته، بل والخلاص من النظام السياسي الطائفي وإقامة نظام مدني ديمقراطي حديث يحترم الإنسان وحريته وكرامته ويبجل هوية المواطنة ويتخلى عن الهويات الفرعية القاتلة كأساس في الحكم، ولكن يحترمها، ويتخلص من التدخل الخارجي في الشأن الداخلي العراقي. إنه الطريق الشاق والطويل، ولكنه المطلوب لصالح الشعب والوطن. إن هذه المقدمة لا يجوز لها أن تطرح كل القضايا المهمة التي وردت في هذا الكتاب، بل لها أن تشير إلى بعضها لتجلب انتباه القارئات والقراء الكرام إلى أهمية ما ورد فيه وأهمية الاطلاع عليه. فالكتاب يقدم للقارئات والقراء الكرام بالعراق والدول العربية وقراء العربية شهادة حية وصادقة عن أحداث مرَّ بها الشعب العراقي وأثرت إيجاباً أو سلباً على حياته الراهنة ومستقبل أجياله القادمة، إنه إغناء للمكتبة العربية. نهاية 2017
#كاظم_حبيب (هاشتاغ)
Kadhim_Habib#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العراقيون البهائيون
-
محن وكوارث الشبك بالعراق
-
لم ينته توزيع الأدوار بين المرجعية وأحزاب الإسلام السياسي ال
...
-
محن وكوارث المندائيين في وطنهم العراق
-
هل ستتعافى مصر بوصفة صندوق النقد الدولي؟
-
المشاركة في الانتخابات خطوة على طريق تغيير النظام الطائفي با
...
-
كوارث ومحن الإيزيديات والإيزيديين (دسنايا) بالعراق
-
المهمات الجديدة لنادي الرافدين الثقافي العراقي ببرلين
-
الكوارث وحرب الإبادة ضد الآشوريين والكلدان والسريان بتركيا و
...
-
أين هي عظمة الشعب العراقي في المرحلة الراهنة؟
-
في الذكرى السنوي 103 للإبادة الجماعية للأرمن في الإمبراطورية
...
-
حرب سوريا ومخاطر توسيع المشاركين فيها!
-
الفساد والخداع في واجهة المعركة الانتخابية الجارية بالعراق!
-
ما الهدف وراء العدوان الثلاثي الجديد على سوريا؟
-
سخونة الحرب الباردة الجديدة ومخاطر سياسات حافة الحرب!
-
رسالة مفتوحة إلى السيد على السيستاني ووكلاءه بالعراق
-
نقاش متعدد الجوانب مع أفكار كريم مروة حول اليسار
-
هل الإسلام ينتمي إلى المانيا؟، هل هو جزء منها؟
-
رسالة مفتوحة ومستعجلة إلى السيد رئيس وزراء إقليم كردستان نيچ
...
-
العسكرة الفارسية الجديدة وحرب يمنية مماثلة بالعراق!!
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
-فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2
/ نايف سلوم
-
فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا
...
/ زهير الخويلدي
-
الكونية والعدالة وسياسة الهوية
/ زهير الخويلدي
-
فصل من كتاب حرية التعبير...
/ عبدالرزاق دحنون
-
الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية
...
/ محمود الصباغ
-
تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد
/ غازي الصوراني
-
قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل
/ كاظم حبيب
-
قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن
/ محمد الأزرقي
-
آليات توجيه الرأي العام
/ زهير الخويلدي
-
قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج
...
/ محمد الأزرقي
المزيد.....
|