أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - امال الحسين - ظاهرة الحركات الإجتماعية الإحتجاجية المطلبية بالمغرب















المزيد.....


ظاهرة الحركات الإجتماعية الإحتجاجية المطلبية بالمغرب


امال الحسين
كاتب وباحث.

(Lahoucine Amal)


الحوار المتمدن-العدد: 1493 - 2006 / 3 / 18 - 11:34
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
    


قبل البدء في مناقشة قضايا الحركات الإجتماعية التي يعرفها المغرب لابد من إلقاء نظرة تحليلية حول مفهوم الحركة بصفة عامة و الحركة الإجتماعية بصفة خاصة، فالحركة من حيث أنواعها تنقسم إلى ثلاث حركات أساسية و هي : الحركة الطبيعية و الحركة الإجتماعية و الحركة الفكرية.
فالحركة الطبيعة هي أول الحركات التي ظهرت على وجه الأرض التي يشكل الإنسان عنصرا من بين عناصرها الحيوية ، و التي تحكمها مجموعة من القوانين الطبيعية حسب طبيعة كل مكون من مكوناتها المختلفة التي تحكمها جدلية التناقضات الطبيعة المحددة لدينامية الحركة الطبيعة ، في ظل قوانين طبيعية تحكم هذه المكونات و تتحكم في ديناميتها و سيرورتها التاريخية و الطبيعية.
و الحركة الإجتماعية هي ثاني هذه الحركات و التي أبدعها الإنسان عندما أحس بالحاجة إلى التعاون من أجل تأمين حاجاته الفردية و الحماية من سيطرة الآخرين و التطلع إلى الأمن ، في الوقت الذي أحس فيه الفرد أنه لا يمكن لوحده تحقيق حاجاته في ظل قانون طبيعي ضعيف أمام متطلبات و تعدد المصالح الفردية و تعارضها ، فكان لابد له من التكتل في مجتمعات بشرية تكون فيها الجماعة هي الحاسم و لا شأن للفرد خارجها ، و تم التعاقد بين أفراد الجماعة من أجل اختيار من ينوب عنهم في الدفاع عن حقوقهم و يحميهم من سيطرة الآخرين و تم سن القوانين الإجتماعية التي تقوم مقام القوانين الطبيعية.
و الحركة الفكرية هي نتاج الحركة الإجتماعية المؤسسة العلاقات الإجتماعية التي تحكم دينامية الأفراد في ظل قوانين طبيعية و اجتماعية ، هذه القوانين التي يمكن تجديدها و تغييرها كلما دعت الحاجة الإجتماعية إلى ذلك في ظل الجدلية التي تحكم العمل و النظر ، و كان للحركة الفكرية دور هام في التأثير على الحركة الإجتماعية التي يمكن تجديدها و تغييرهما باستمرار وفق الشروط المحددة لكل قفزة نوعية ، و العلاقة الجدلية المتواترة بين الحركة الإجتماعية و الفكرية في صارع دائم من أجل التغيير في ظل تحديد شروط السيرورة التاريخية للمجتمعات البشرية ، هذه السيرورة التي تعرف دينامية سريعة بعد التفاعل الهائل بين الحركة الإجتماعية و الفكرية في القرون الثلاثة الماضية .
و الحركة الطبيعية الأساس لا يمكن تجاوزها مهما بلغت الحركة الإجتماعية و الفكرية من شأن رغم امكانية التأثير فيها في حدود إشباع الحاجات الفردية و الجماعية ، كما لا يمكن تغيير القوانين الطبيعية إلا بشكل نسبي يخدم مصالح الحركة الإجتماعية عبر تطور الحركة الفكرية في تفاعل دائم بين الحركة الإجتماعية و الفكرية ، إلا أن ما يمكن تحقيقه من تغيير في الحركة الطبيعية يبقى ضعيفا أمام القوانين الطبيعية العليا التي تحكم الحركة الطبيعية و تتحكم في سيرورة الحركة الإجتماعية و الفكرية ، فرغم ما توصل إليه الإنسان من مستوى تكنولوجي هائل في مجال الإعلاميات و علم الوراثة اللذان يعتبران اليوم أروع ما وصلت إليه الحركة الفكرية ، إلا أن قوانين الطبيعة تبقى حاسمة خاصة عندما يصل تأثير الحركة الإجتماعية و الفكرية إلى مدى معين يستطيع إحداث خلال ملحوظ في التوازنات الطبيعية التي تحكمها جدلية التناقض الدائم بين مكونات الحركة الطبيعية.
من هنا نرى أن فعل الحركة الإجتماعية و الفكرية محدود أمام القوانين الهائلة للحركة الطبيعية التي تفرض نفسها على هاتين الحركتين في علاقة جدلية تحكمها التناقضات الأساسية فيما بينها، ذلك أن الحركة الإجتماعية و الفكرية تكمن ضمن الحركة الطبيعية التي لا يمكن تجاوزها دون الوقوع في صدام مع القوانين الطبيعية ، التي تتدخل لحسم الصراع عندما يتم تهديد التوازنات الطبيعية التي تفرضها هذه القوانين ، و هكذا نرى أن الحركة الإجتماعية و الفكرية عبر سيرورتها التاريخية ظلت في صدام دائم مع قوانين الحركة الطبيعية ، و قد تصل في بعض الأحيان حد حدوث نكسات اجتماعية كلما بلغت الحركة الإجتماعية و الفكرية شأنا هائلا يصعب معه التحكم في سيرورتها ، ذلك أن الرغبة في إشباع الحاجات الفردية و الجماعية التي يحكمها تعدد المصالح و تعارضها سرعان ما يتبخر ، لتقع الحركة الإجتماعية و الفكرية في تناقضات جديدة يتطلب حلها زمنا طويلا و تضحيات جسام ، ذلك ما يمكن أن نلمسه في الصراعات المتناحرة في ظل الأنظمة التناحرية التي تسود فيها الرغبة في السيطرة على السلطة السياسية و الهيمنة الأيديولوجية على الإفراد و الجماعات.
و قد أطلعنا التاريخ منذ خمسة آلاف سنة مضت أن الحركات الإجتماعية و الفكرية في صراع دائم في ظل تعدد المصالح و تعارضها بين الأفراد و المجتمعات ، بعد تأسيس الأسرة و الدولة و تأسيس النظامين الإقطاعي و الرأسمالي و توضيف عامل المعتقد أيديولوجيا في العلاقات الإجتماعية ، و تعتبر القرون الثلاثة الماضية حقبة تاريخية هامة عرفت فيها الحركة الإجتماعية و الفكرية تفاعلا هائلا لم يشهده تاريخ البشرية من قبل ، حيث تم الحسم مع النظام الإقطاعي الذي قام مقامه النظام الرأسمالي و بالتالي القضاء على العبودية الإقطاعية التي قامت مقامها العبودية الرأسمالية ، و نتج عنه بروز صراع دائم بين الحركة الإجتماعية و الفكرية البورجوازية و الحركة الإجتماعية و الفكرية الإشتراكية ، و لم يحدث ذلك إلا بعد تحقيق أربع ثورات اجتماعية هائلة : الثورة الإنجليزية عام 1689 و الثورة الأمريكية عام 1776 و الثورة الفرنسية عام 1789 و الثورة البولشيفية عام 1917 .
و كان لهذه الثورات الأربع أثر كبير في تسريع دينامية الحركة الإجتماعية في تفاعل دائم مع الحركة الفكرية التي رافقتها في علاقة جدلية دائمة ، إلا أن هذه الثورات الإجتماعية و الفكرية لم تسلم من التناقضات التي تحكم جدلية الحركة و بلغت التناقضات مداها في ظل تعدد المصالح و تعارضها ، الشيء الذي نتجت عنه كوارث إجتماعية تجلت في الحربين الإمبرياليتين الأولى و الثانية ، و ذلك نتيجة ما أحدث تعدد المصالح و تناقضها بين الرأسمال و العمل ، بعد الثورات الإجتماعية و الفكرية البورجوازية في القرنين 17 و 18 في ظل صراعا دائم بين الطبقة البورجوازية و الطبقة العاملة ، و كان لابد من تحقيق ثورة اجتماعية و فكرية في القرن 19 و التي تم تتويجها في بداية القرن 20 بقيام الثورة البولشيفية الإشتراكية بروسيا ، التي حصلت كضرورة تاريخية لحسم الصراع القائم بين الرأسمال و العمل بعد انتصار مفاهيم البورجوازية على مصالح الإقطاع ، و ذلك ببروز الحركة الفكرية الإشتراكية المناقضة للحركة الفكرية البورجوازية نتيجة الحركة الإجتماعية الإشتراكية ، و بالتالي بروز المنتظم الإشتراكي المناقض للمنتظم الرأسمالي بعد الحرب العالمية التانية الذي أحدث التوازن الطبيعي في ظل جدلية تناقضات الحركة الإجتماعية .
لقد برز المنتظم الإشتراكي نتيجة الصراع القائم بين الرأسماليات الإمبريالية الغربية فيما بينها من جهة و بينهما و بين الحركة الإجتماعية و الفكرية الإشتراكية من جهة ثانية ، و كان للولادة القيصرية للمنتظم الإشتراكي بعد نتائج الحرب العاليمية الثانية أثر كبير في ضعفه و بالتالي انهياره ، إلا أن الحركة الفكرية الإشتراكية التي تأسس على أنقاضها تبقى صامدة رغم كل النكسات التي عرفتها بعد انهيار المنتظم الشرقي ، فكان لابد من الحركات الإجتماعية الضرورية في ظل الجدلية بين التناقضات الأساسية للحركة من أجل بعث الحركة الفكرية الإشتراكية ، و لم يتأتى ذلك إلا بعد بروز الوجه الحقيقي للعولمة الرأسمالية التي تسعى إلى السيطرة على السلطة السياسية و الإقتصادية و الهيمنة الأيديولوجية البورجوازية بالقوة العسكرية على الأفراد و الجماعات و الشعوب ، و كان للطبيعة التناحرية للنظام الرأسمالي أثر كبير في سقوط الإمبريالية الأمريكية و الغربية في مستنقع الحروب التي كشفت زيف شعاراتها حول الديمقراطية و حقوق الإنسان و محاربة الإرهاب .
و كان لابد من الحركة الإجتماعية الإشتراكية أو الحركات الإجتماعية الإشتراكية التي تؤسس لتطور الحركة الفكرية الإشتراكية ، ذلك ما نراه اليوم في أمريكا اللاتينية التي تعرف حركات اجتماعية اشتراكية متنامية مع ظهور حركة الفلاحين الفقراء بدون أرض بالبرازيل و وصول أحد أبنائها الإشتراكيين إلى رئاسة الدولة ، و ما نراه في فينزويلا من حركة اجتماعية إشتراكية إستطاعت إسقاط محاولة الإنقلاب المدبرة من طرف الأمبريالية الأمريكية ، و ما تلا ذلك من حركة عمالية سيطرت على المؤسسات الصناعية و دينامية المجتمع المدني في عقد المنتديات الإجتماعية ضد الرأسمالية الإمبريالية ، و أروع ما حققته الحركة الإجتماعية بأمريكا اللاتينية هو صعود امرأة اشتراكية في الشيلي في سابقة تاريخية ، تؤسس لتداول السلطة السياسية بين المرأة و الرجل في ظل الحركة الإجتماعية الإشتراكية في بلد عرف أزيد من ربع قرن من الحكم الديكتاتوري ، و هكذا تتناسل الحركات الإجتماعية و الفكرية الإشتراكية بأمريكا اللاتينية في أفق بناء ولايات أمريكا اللاتينية الإشتراكية.
و كان لهذه الحركات الإجتماعية الإشتراكية أثر كبير في بروز حركات اجتماعية ذات أبعاد متعددة في بعض الدول التابعة للأنظمة الرأسمالية، التي عرفت في مراحل تاريخية سابقة أنظمة ديكتاتورية سيطرت على السلطة بالحديد و النار و شيعت القمع و الرعب في أوساط الشعوب ، ذلك ما نراه في تنامي الحركات الإجتماعية بالمغرب الذي عرف خلال سنوات الرصاص قمعا شرسا ضرب الحركات الإجتماعية والحركة الفكرية التقدمية بعد الإستقلال الشكلي و الماركسية اللينينية بصفة خاصة ، و يعرف في الآونة الأخير حركات اجتماعية ذات أبعاد مطلبية متعددة تختلف من منطقة إلى أخرى حسب الدوافع الإجتماعية التي تمخضت عنها ، و تلتقي جميعها في البعد السياسي الذي يحكمها انطلاقا من التصدي للسياسة العامة للنظام الحاكم بالمغرب ، و لا غرابة أن تتم مواجهة هذه الحركات بالقمع و المحاكمات الصورية و السجون من طرف النظام الحاكم باعتباره استمرارا للنظام السابق و تبعيا للرأسمالية الليبرالية المعولمة ، و لا يمكن فصل هذه الحركات عن سابقاتها في سنوات الرصاص و التي كانت آنذاك تواجه بالحديد و النار إلا في حدة و قوة مواجهة النظام الحاكم لها، حيث يمكن تسجيل خفة حدة القمع نظرا للمكتسبات التاريخية المفروضة على مستوى الحقوق السياسية بفضل تضحيات الحركات الإجتماعية و الفكرية الإشتراكية .
و الدارس لهذه الحركات الإجتماعية يلاحظ أنها متواترة و هي في جلها حصيلة تطور حركة التنظيمات الذاتية للجماهير خاصة بالبوادي ، و التي لعبت دورا هاما في تأطير و تنظيم الجماهير على مستوى حركة المجتمع المدني المحلية ، فمنذ منتصف السعينات من القرن الماضي و الحركة الإجتماعية متسارعة في اتجاه تفعيل تنظيمات المجتمع المدني التي تهدف في أول الأمر إلى إشباع حاجات الأفراد و الجماعات محليا ، و تعرف نشاطا هائلا إن على مستوى التأسيس أو على مستوى الحركة و الإعتماد على الذات كما أنها لا تنحصر فقط على المدن بل تجاوزتها إلى البوادي ، فعلى الرغم من أن جل الجمعيات التنموية بالبوادي قد تأسست بإيعاز من السلطات و الجماعات المحلية إلا أنها و بعد عقد من التنظيم وتنامي الحركة الفكرية الحقوقية ، أصبحت هذه تنظيمات ذات أبعاد مطلبية سياسية في المرحلة الثانية التي وصلتها حركة المجتمع المدني بالمغرب ، كما أنها تعرف تأسيس تنظيمات موازية للتنظيمات التي تقع تحت الهيمنة الأيديولوجية للنظام الحاكم و الأحزاب الموالية له ، و ذلك بمبادرة من بعض المناضلين اليساريين و الديمقراطيين المتمرسين في المجال الحقوقي و النقابي و الثقافي .
كما أن الحركات الإجتماعية بالمغرب لم تكن مؤطرة من طرف الأحزاب السياسية إلا على مستوى الدعم في بعض الأحيان التي غالبا ما تبقى بعيدة عن الجماهير إلا في المناسبات الإنتخابية ، ذلك لأن جل الأحزاب و خاصة منها الممثلة في المؤسسات المزورة بالبرلمان و الغرفة الثانية و المجالس الجماعية لم تستطع خلق علاقة راسخة بينها و بين الجماهير ، نتيجة فقدان الثقة من شعاراتها الزائفة التي ترفعها في مناسبات الإنتخابات و التي سرعان ما تنكشف عند انتهاء المواسيم الإنتخابات ، حيث تتحول الأحزاب الممثلة في المؤسسات إلى أدوات لسن التشريعات و القوانين في البرلمان و الغرفة الثانية ، و التي تؤسس لضرب مصالح الجماهير و أدوات لتنفيذ هذه التشريعات و القوانين في أرض الواقع في الجماعات المحلية ، فتصبح بذلك في مواجهة مطالب الجماهير التي رفعت بالأمس جزء كبيرا منها كشعارات لها في الحملات الإنتخابية ، كما أن هذه الأحزاب لا تملك قواعد جماهيرية مضبوطة حيث تسود في أوساطها ظاهرة انتقال منخرطيها من حزب إلى آخر كلما ظهرت مصالحهم بعد كل عملية انتخابية ، و أصبحت هذه الأحزاب كائنات يتلاعب بها النظام الحاكم في خلق توازناته السياسية و تمرير مشاريعه و ضمان استمراريته.
و كان للهوة بين الجماهير و النظام الحاكم و أجهزنه التي لها تاريخ مظلم و مؤسساته المبنية على التزوير و الفساد و شعارات الكائنات الحزبية المزيف لأزيد من نصف قرن ، كان لذلك أثر كبير في دفع الجماهير إلى التفكير في موجهة مشاكلها المحلية التي غالبا ما يستعصي حلها في ظل الإمكانيات المحدودة للجماهير و المتطلبات الهائلة أمام التفقير الذي تعرضت له لأزيد من نصف قرن ، مما يجعلها تبحث عن الأسباب الأساسية لمشاكلها و المسؤولين عنها ، و التي لا يمكن فصلها عن نتائج الأزمات السياسية و الإقتصادية التي يعرفها المغرب نتيجة للساسات التبية المتبع خلال نصف قرن مضى ، هكذا تتحول تنظيمات المجتمع المدني من تنظيمات قائمة على البحث عن إشباع الحاجات الذاتية إلى تنظيمات مطلبية تواجه في أول الأمر الموسسات المزورة المتمثلة في المجالس المحلية ، و ثانية في مواجهة مؤسسات الدولة العليا المتمثلة في الوزارية المسؤولة على سن البرامج و السياسة العامة للدولة ، و ثالثا في مواجهة النظام الحاكم باعتباره المسؤول الأول على سن السياسة العامة للبلاد و التي أوصلت الأوضاع إلى ما هي عليها ، و يمكن الوقوف عند بعض النمادج المختلفة من الحركات الإجتماعية التي شهدها المغرب في الآونة الأخيرة :
1 ـ الحركة الإجتماعية بالريف المؤطرة من طرف المجتمع المدني أثناء كارثة الزلزال في 24 فبراير 2004 التي أبرزت في أول الأمر كحركة تستهدف المساهمة في عملية الإنقاد و التضامن و التعاون ، و لعبت دورا هاما في إسعاف المنكوبين و البحث عن المساعدات و توزيعها و متابعة كل التطورات التي تحصل في الميدان ، إلا أنها سرعان ما واجهت تدخل الدولة عبر أجهزتها و مؤسساتها و ما رافق ذلك من فساد و اختلاسات حولت حركة المجتمع المدني إلى حركة مطلبية ، و كان على رأس مطالبتها بالشفافية في استلام الإعانات الدولية و في توزيعها و اشراكها في هاتين العمليتين ، الشأن الذي لم يرض النظام الحاكم الذي لا يرغب في تقسيم الأدوار مع حركة المجتمع المدني المتقدمة بالريف ، التي واجهته بالإحتجاج و واجهها هو بالقمع و الإعتقال و المحاكمات الصورية ، الشيء الذي حولها إلى حركة مطلبية ذات أبعاد سياسية واضحة و بالتالي تحول ملف المنكوبين من ملف اجتماعي إلى ملف سياسي ، ذلك ما ستعرفه التطورات بعد عام من النكسات تحرك فيها المجتمع المدني بالريف في أضخم مسيرة عرفها المغرب في أبريل 2005 ، و ثانية في ماي 2005 بتماسنت عرفت صداما بين المنكوبين نتجت عنها اعتقالات و محاكمات صورية و ثالثة في غشت و رابعة في شتنبر 2005 ، عرفت معه الحركة الإجتماعية بماسينت تضامنا واسعا محليا و وطنيا و دوليا.
2 ـ الحركة الإجتماعية العمالية بمنجم إيميني التي تجلت في الإعتصام البطولي للطبقة العاملة من دجنبر 2002 إلى أبريل 2004 و الذي لعبت فيه النقابة دورا أساسيا في تنظيم و تأطير العمال ، من خلال بعض المناضلين النقابيين التقدميين ، الذين استطاعوا تأسيس حركة اجتماعية عمالية عرفت أروع تنظيم محكم شارك فيه العمال عبر اللجان العمالية استطاعوا توقيف الإنتاج ، و بالتالي استطاعوا ربح رهان القضاء بالمحكمة التجارية التي أصدرت حكما لصالحهم ، الشيء الذي لم يرض النظام و الباطرونا اللذان حبكا مؤامرة أبريل 2004 ضد العمال للزج بالنقابيين في السجن ، لتنطلق المعركة السياسية من أجل إطلاق سراحهم و التي شهدت أوجها في القافلة الوطنية التضامنية و المسيرة الهائلة في مدينة ورزازات في مارس 2005 ، و بذلك تحول الملف الإجتماعي العمالي من ملف اجتماعي إلى ملف سياسي و تحولت معها الحركة الإجتماعية العمالية إلى حركة اجتماعية سياسية ضد اعتقال النقابيين ، و عرفت الحركة الإجتماعية العمالية بإيميني صدى كبيرا محليا و وطنيا و دوليا.
3 ـ الحركة الإجتماعية بطاطا من خلال الإعتصام المفتوح للجماهير منذ 24 أبريل 2005 ضد الحرمان من الحق في التطبيب و الذي توج بمسيرة شعبية عارمة يوم 11 ماي 2005 ، التي تم تأطيرها من طرف التنظيمات السياسية و النقتابية و الجمعوية و قبلها مسيرة 27 مارس 2005 و مسيرة الشموع يوم 03 ماي 2005 ، و التي تحولت إلى التعبير الشعبي عن السخط على الأوضاع الإقتصادية و الإجتماعية للجماهير بطاطا كمنطقة تتعرض للتهميش المكثف ، و كانت الحركة الوحيدة التي رفعت شعار التطبيب المجاني ضد سياسة خوصصة المستشفيات التي تهدف إلى ضرب الحق في التطبيب.
4 ـ مجموعة من الحركات الإجتماعية ذات الأبعاد الدفاعية كمسيرة بكارة للدفاع عن الحق في الأرض ، و انتفاضة تامسولت للدفاع عن الحق في الماء ، و مسيرة أيت أورير للدفاع عن الحق في الأمن ، و كلها تعرضت للقمع و الإعتقال و المحاكمات الصورية و الإدانة ، و مسيرة بوميا في اتجاه خنيفرة ضد التهميش ، و حركة العمال و المعطلين و الطلبة التي تجابه بالقمع و الإعتقالات و المحاكمات.
5 ـ الحركة الإجتماعية بالصحراء و التي تتميز عن باقي الحركات التي تم ذكرها لكونها ذات طابع سياسي محض حيث أن جذورها التاريخية نابعة من الصراع حول الصحراء بين المغرب و البولزاريو ، و الذي استمر لأزيد من 30 سنة عرفت فيه 25 سنة الماضية صراعات سياسية في المحافل الدولية و الأمم المتحدة من أجل تقرير المصير ، و منذ بداية التسعينات ظهرت حركة اجتماعية لها علاقة تنظيمية بجبهة البوليزاريو تتخذ أشكال التعبير لها عبر توزيع المناشير المطالبة بالإستقلال في مناسبات الأفراح و في كل التجمعات ، و في نهاية التسعينات عرفت مدينة العيون حركة اجتماعية جماهيرية جوبهت بالقمع و المحاكمات و الإدانات التي تعرض لها الشباب الصحراوي ، و تشكلت في الجامعات خاصة بمراكش و أكادير حركة الطلبة الصحراويين التي تنادي بالإستقلال و التي عرفت امتدادا إلى صفوف الشباب الصحراوي خاصة منذ ماي 2005 إلى الآن ، و عرفت هذه الحركة الإجتماعية استمرارا و صداما بين المتظاهرين و القوات المغربية بالصحراء نتجت عنها وفيات و اعتقالات و محاكمات و إدانات ، و لها امتداد واسع في صفوف الجماهير في كل المدن الصحراوية و كان شعارها الأساسي هو المطالبة بالإستقلال.
من هنا نرى أن الحركات الإجتماعية بالمغرب تتسم بالطابع الإحتجاجي المطلبي ذات البعد المحلي في التنظيم و التأطير و التي تصل إلى حد المطالب السياسية ، باستثناء الحركة الإجتماعية بالصحراء المتنازع عنها التي ذات البعد السياسي الواضح المتمثل في المطالبة بالإستقلال ، كما أن باقي الحركات الإجتماعية بداخل المغرب تتميز بالتأطير الجمعوي من طرف تنظيمات المجتمع المدني المحلية و في أقصى الأحوال يتم تأطيرها من طرف مناضلي الأحزاب السياسية العاملين بتلك المناطق و بمبادرة منهم ، باستثناء الحركة الإجتماعية بالصحراء التي يتم تأطيرها من طرف جبهة سياسية لها تاريخ طويل من الصراع السياسي و العسكري مع النظام الحاكم بالمغرب ، و باقي الحركات الإجتماعية متفرقة و غير مترابطة إلا من حيث الزمان و لا يوجد بينها تنسيق يذكر و قد تصل في بعض الأحيان إلى اكتساب التضامن الوطني و الدولي عبر جهود بعض المناضلين اليساريين و الديمقراطيين ، إلا أنها لم تستطع الوصول إلى تركيز تنسيقيات وطنية التي يمكنها أن تلعب دورا أساسيا في تأطيرها و تنظيمها و استمراريتها و بالتالي تحقيق مطلب التغيير الديقراطي الجذري ، و ذلك ناتج عن الإعتبارات التالية :
1 ـ التشتت الذي تعيشه التنظيمات السياسية اليسارية التي تبقى حبيسة تناقضاتها الذاتية و تناقضاتها فيما بينها الشيء الذي يجعلها غير قادرة عن الإلتحام بالجماهير و بعيدة عن همومها.
2 ـ الصراعات الساسية الهامشية بين مناضلي التنظيمات اليسارية داخل تنظيمات المجتمع المدني المحلية النقابية و الحقوقية و الجمعوية .
3 ـ عدم نضج التنظيمات الذاتية للجماهير نظرا لعدم تجاوزها مرحلة التأسيس التي بلغت إلى حد الساعة عقدا من الزمان ، إضافة إلى ضعف تأطير أعضائها و التأثير الأيديولوجي للنظام و الأحزاب الموالية له عليهم .
4 ـ عدم الإنخراط الجماهيري في هذه التنظيمات سواء النقابية أو الحقوقية أو الجمعوية التي تبقى رهينة كارزمائية مسيريها ، الذين يعملون على بسط البيرقراطية داخلها و تغييب الديمقراطية الداخلية و إبعاد الجماهير عن قراراتها و بالتالي إبعادها عن مصالح الجماهير.
تارودانت في : 17 مارس 2006



#امال_الحسين (هاشتاغ)       Lahoucine_Amal#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تداول السلطة السياسية بين المرأة و الرجل في ظل المجتمعات الإ ...
- -السيد -جاك شراك- بتارودانت بالمغرب من منتجع - الغزال الذهبي ...
- النهج الديمقراطي و الإشتراكي الموحد بتارودانت نضال مشترك مع ...
- حتى لا ننسى محاولات تمطيط الملفات الحقوقية بتارودانت
- جبهة دعم الحركات الإجتماعية و محاولة عرقلة أنشطتها النضالية
- البرنامج النضالي لجبهة دعم الحركات الاجتماعية
- حملة ضد المحاكمة الصورية لمعتقلي تماسينت الإثني عشر يوم الثل ...
- عريضة تضامنية مع الحقوقي و النقابي امال الحسين
- الحركة الاجتماعية الاحتجاجية بتماسينت بالريف بالمغرب في ظل ت ...
- جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م ...
- الإنتفاضة الشعبية بالريف بالمغرب من أجدير إلى تماسينت
- المحاكمات الصورية من طبيعة النظام المخزني
- تحالف قوى الطبقات الشعبية بالعراق بقيادة الإشتراكيين و الديم ...
- الحركة الاجتماعية بالريف بالمغرب بين الماضي و الحاضر
- الماركسية اللينينية و بناء الحزب الثوري للطبقة العاملة ،أي م ...
- إطلاف حملة التضامن مع المختطفين المعتقلين بالحسيمة / الريف ب ...
- الحركة الإجتماعية بالبوادي و الأحياء الشعبية و تطور التكوينا ...
- نضالات الطبقة العاملة و اليسار الجذري الواقع ، الإستراتيجية ...
- حركة التحرر الوطني و تطور التكوينات الاجتماعية
- المعيقات الأساسية لنشر ثقافة حقوق الإنسان و دور المجتمع المد ...


المزيد.....




- هل تتوافق أولويات ترامب مع طموحات نتانياهو؟
- أردوغان يعلق على فوز ترامب.. ويذكره بوعده بشأن الحرب في غزة ...
- طائرة تقلع من مطار بن غوريون إلى هولندا لإجلاء إسرائيليين بع ...
- كيف بدأت أحداث الشغب بين مشجعين إسرائيليين ومؤيدين للفلسطيني ...
- إشكال ديبلوماسي جديد يخيم على زيارة وزير الخارجية الفرنسي إل ...
- ألمانيا.. دور مخابرات أمريكية في كشف انفصاليين مسلحين!
- -حزب الله- يعلن شن هجوم جوّي بسرب من المسيّرات الانقضاضية عل ...
- الحوثيون يعلنون استهداف قاعدة عسكرية إسرائيلية في النقب وإسق ...
- خطوات مهمة نحو تنشيط السياحة في ليبيا
- ترامب يبدأ باختيار فريق إدارته المقبلة... من هم المرشحون لشغ ...


المزيد.....

- عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية / مصطفى بن صالح
- بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها / وديع السرغيني
- غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب / المناضل-ة
- دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية / احمد المغربي
- الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا ... / كاظم حبيب
- ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1) / حمه الهمامي
- برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب / النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
- المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة / سعاد الولي
- حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب / عبدالله الحريف
- قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس / حمة الهمامي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - امال الحسين - ظاهرة الحركات الإجتماعية الإحتجاجية المطلبية بالمغرب