أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - يوسف بن الغياثية. - أين الإنسان ؟؟















المزيد.....

أين الإنسان ؟؟


يوسف بن الغياثية.

الحوار المتمدن-العدد: 1492 - 2006 / 3 / 17 - 11:29
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


وأنا أقرأ مقالا، للناقد المعروف، علي حرب ، أثار انتباهي إلى قضية "التصنيفات"، التي لا تعد حالة جديدة أو ظاهرة مستجدة ولكنها مستأنفة على أية حال في أيامنا هذه، وإن كانت الإدارة الأمريكية الحالية قد ألغت التعدد منذ "قارعة نيو-يـورك" حين قال الرئيس "دابليو بوش" : "من ليس معنا فهو ضدنـا..." إلا أنه - وعلى الرغم من حالة الطواريء هـذه - ما فتئت التصنيفات في ازدياد واضطراد في أوساطنا العربية والإسلامية بصفة خاصة، ويبدو أن هذه المسألة لن تأتي بجديد، ولكنها ستؤخر مسيرة الإنسان - بما كسب بيديه طبعا - مراحل أخرى وستصاب أجيال بتأخرات حضارية، وعطالة ثقافية داخلية وخارجية، ومنها تعطيل التواصل الثقافي، والتعدد الحضاري والقبول به.

والحقيقة أنني بقراءة مقال "علي حرب" وقعت في حيرة بين أن أقوم بقراءة في مقاله ذاك أو أن أكتب مقالا مستقلا عما كتبه. لكن، سأحاول السير وفق سياق الكتابة التي أنا بصددها. وكلما احتجت إلى مرجع فسأعود إليه. وعليه، فإن الأفكار التي تروج عن حرية التعبير والديمقراطية وحقوق الإنسان لم تعرف استقرارا وإجماعا في بلداننا. وبقيت الأمور تتدحرج بين الشك واليقين. فمن قائل إن الديمقراطية وهذه الرزمة من المباديء والحلول وما إلى ذلك هي لعبة شيطانية وأكذوبة أمريكية وصنيعة غربية، نجد أن طرفا ثانيا يريد الاستفادة منها لكي يكسرها ويلغيها، ومن ذلك ما يروجه كثيرون عن الإسلاميين وحركاتهم وأحزابهم، فيما طرف ثالث يريد استئصال كافة الأصوليين والجهاديين المنقتلين حتى تتطهر البلاد وينعم العباد بالحرية والهناء...

ومما تجدر إليه الإشارة هو أن أوساطنا لا تحتاج إلى ديمقراطية بقدر ما تحتاج إلى ديمقراطيين مؤهلين. تحتاج إلى الإيمان بضرورة إعطاء الآخرين فرص الحديث والبحث، ورفع سقف النقاش حتى يتسنى لكل الأفراد أن يدلوا بدلوهم في القضايا المطروحة، وفتح الباب أمامهم ليعملوا الفكر وينجحوا في رفع تحدي الاجتهاد. وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.

لكن هذا الأمل يبقى بعيدا، فالخوف من الآخرين وانعدام مجتمع الثقة، ومحدوديتها، ما يعطى من مؤسسات غير نابعة من المعنيين بالأمور، وتقصير هؤلاء أو اختلاف جداول أعمالهم عن الذين يمنحونهم إياها أو ما يمكن أن يوجد من رقابة ذاتية لدى العاملين في المجتمع أو ما يمكن أن يكون مصادرة لقضاياهم بما في ذلك احتكار العلم الوطني، كل ذلك يؤدي إلى ابتعادنا عن هذا الأفق وهذا الأمل وهو التحرر من الوصايات وإعادة الإنسان الاعتبار لنفسه، والانتقال من الرعية إلى المواطنية وهو ما ليس هدفا بحد ذاته.

واليوم، ونحن في حمأة الاحتجاجات على الرسوم التي أساءت إلى مقدسات العالم الإسلامي، الذي احتج أبناؤه على ذلك وأبلوا "البلاء الحسن"، وتفننوا في المقاطعة واعتماد الأساليب كافة من أجل أن يُسْمِعوا أصواتهم واحتجاجهم إلى المعنيين بذلك، حتى أثار ذلك "شفقة" سفير الدنمارك بالجزائر الذي قال بكل تعالٍ زاد الطين بلة : "يقاطعون ! كيف يقاطعون وهم لا ينتجون، سيموتون جوعا..!؟ " وقد اعتبر العلماء المحليون هذا بمثابة استفزاز. ويبدو أن هؤلاء قد احتجوا على الدنمارك - وحق لهم أن يحتجوا - لم نرهم يوما في الشارع يحتجون على التعليم الرديء أو انعدام تكافؤ الفرص أو اعتماد القمع وسيلة بدلا من الحوار، كل هذه القيم التي عليهم أن يحتجوا على تغييبها والتي عليهم أن يدافعوا عنها مما أتى به محمد عليه السلام وغيره من الأنبياء والرسل جميعا ؛ لم نرهم في شارع أو حارة من طنجة إلى جاكرتا. بل، ومما يمكنه أن يصيب بالدهشة هو خروج بعض الشعوب الإسلامية للانضمام إلى هذه السيمفونية غير المنسجمة وغير المتناسقة وهم من هم في بلدانهم. ويا ليتهم خرجوا بطريقة سلمية، وإنما ترجموا غضبهم على رعاتهم بالتكسير بإتلاف العام من الممتلكات وبعض المباني التابعة للسفارات والقنصليات، وربما لو أتيحت أمامهم فرص القتل لما ترددوا في ذلك. وهو ما يجعلنا نأسف بعمق ويأس أحيانا. فيصدق علينا قوله تعالى : "أينما يوجهه لا يات بخير." ، ومن ذلك أنه لا يعرف كيف يتظاهر ولا يدري كيف يحتج... كل شيء لا ينجبر إلا بالدماء ولا يحلو إلا بالعنف. والحمد لله أن الكفارات تذهب ضحيتها الأنعام، ولو أن بعض الحجاج يأبون إلا أن يضحوا ببعض إخوانهم كل سنة بفعل الحال التي نراها كل عام من تدافع أو خرق مسؤول لنظام الحج لأن الاعتبارات الأمنية تقتضي ذلك، وغيرها من التشوهات التي تمس جماليات هذا المنسك العظيم. وفي النهاية يثبت هذا الإنسان أنه "لا يأتِ بخير."

إنه لمّا صودرت القضايا لن نرى غير ما رأينا، ولن نطمع في أكثر. حتى إن بعض الدعاة على فضائية قلل من أهمية إحراق العلم وتدنيسه. واستغرب من احتجاج الدنماركيين على العبث بعلمهم، وقال إن العلم في النهاية ما هو إلا خرقة أو قطعة قماش ليس لها من دور غير الرمز إلى البلد. ومثل هذا التبسيط يثير الاندهاش حين سماع مثل هذا القول داعية مشهور، ويدعو إلى التساؤل ماذا لو وضع الدنماركيون أو غيرهم علم المملكة العربية السعودية أو علم الجمهورية الإسلامية الإيرانية - الذي تتوسطه عبارة التوحيد (لا إله إلا إلا الله) وتحيط به عبارة التكبير - في ممر الراجلين ما دام هو أو غيره يعتمد هذا المعيار وهو أن العلم ليس أكثر من خرقة ؟ ربما اعتبرناه في العالم الإسلامي خرقة أو أقل، لأنه في نظر كثيرين يرمز إلى المؤسسات الظالمة أو تلك التي تحرس الاستبداد، ولكنه ليس كذلك في البلدان المتقدمة. لا تجد شابا يرتدي بزة منتخب آخر في أوروبا، لأنها رمز عميق وليس قطعة قماش لا تقدم ولا تؤخر. ربما يرتدي شبابنا بزة المنتخبات الأخرى لأنهم مولعون بتقليد الأقوى. هذا من جهة، أما من جهة أخرى، فنطرح التساؤل عن ذنب أولئك المسلمين المحليين الذين تُحرق أعلامهم في بلدان أخرى ؟ فالباكستاني -مثلا- لا يدري ما هو أثر إحراق علم الدنمارك أو غيره على مسلم دنماركي أصلي. فأملنا هو أن يتمثل دعاتنا الآية التالية : "يأيها الذين ءامنوا، لا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدْوًا بغير عِلْـم."

إن المفاهيم التي نحملها لم تعد تصلح. وأفسدناها بإعادة إنتاجها دون إبداع أو تجديد حقيقي وشجاع، وحتى لما أردنا استيراد غيرها واستنباتها في واقع غير واقعها ازددنا ابتعادا عن الهدف المرسوم ؛ وهذا إن كان لدينا الهدف موحدا أصلا.
وإذا عدنا إلى الحديث عما بدأنا به، نجد أن الذي عليه إنتاج المعرفة دخل السياسة، وأن الذي عليه ممارسة السياسة اتخذ له منابر أخرى، وهكذا قس على الميادين كلها أو جلهـا،- وإن كنا لا نميل إلى التعميم-. والحقيقة أنه لما غاب الإنسان من معادلة التحدي الحضاري وهذا المحفل الاستخلافي، واستبد الخوف والتهيُّب من الغرب، وحل هاجس مسابقته، في تكريس للثنائيات، والتعارضات الوهمية أحيانا، من قبيل "الشورى / الديمقراطية"، وأن الانتخابات لعبة أمريكية، "الشريعة إلهية والقانن وضعي"، يحق لنا أن نتساءل : هـل الرجم بناءا على ما نقله الإمام البخاري - رحمه الله - من أن قردة زنت فرجموها هو الشريعة ؟؟ ومنذ متى كان القردة مكلفين أصلا حتى يطبق عليهم هذا الحد الوهمي ؟؟ ومنذ متى جُعِـلَ النكال شريعة لهذه الأمة، وقانونا للعصر ؟؟ ولا يزعجنا القول بانتقائية أمثثبة مثل هذه مع أننا لا يمكن أن نتغاضى عن "العصر الذهبي" للحضارة الإسلامية، وأنها حملت مشعل الشهادة على الناس في زمن من الأزمان، لكنها سلمت الشاهد إلى قوم آخرين، في إطار قانون الاستبدال وسنة تداول الأيام بين الناس.

ومن ثَمَّ، لا نرى مجالا لكي نتساءل عن الماضي أو نتحمس لأمة قد خلت لها ما كسبت ةليس لنا من أعمالها وزر أو أجر. لقد أدى أولئك دورهم التاريخي وأبلغوا رسالتهم إلى العالمين، فما بالنا لا نؤدي غير دور "أمّة مُتْحفيّة"، قديمة بأفكارها متخلفة بأناسها يتطاول على مقدساتها صغار القوم قبل كبارهم ؟؟ وإن كنا لا نرى صوابا في التفريق بين الناس والتمييز بينهم، فهم سواء، على الرغم من أنهم لا يرون ذلك حق الرؤية.فلو رأوها تحترم مقدساتها لما تجرأوا على فعل ما فعلوه، ولكن، لما لم تلتزم بتطبيق القانون وإعطاء كل ذي حق حقه، وإصلاح البلاد والعباد مما دعا إليه نبيها، فلم يـر رسام الكاريكاتير بأسا من فعله ذاك. ونعود إلى الجواب عن السؤال الذي طرحه أحد المفكرين المعاصرين والباحثين المرموقين : "من رسم الكاريكاتور ؟؟" لنقول : إن الذي رسمه حقيقة هو المسلم نفسه.
حقيق بي ألا أستغرق مقالتي هذه في تلك القضية لأنني لا أود أن أناقش بدهيات، إلا أن الأمور سارت بهذا الشكل المؤسف ؛ احتجاجات تحولت إلى تخريب الديار وتدميرها، أما الذين احتُجَّ عليهم فهم في أعمالهم وشؤونهم، بردا وسلاما. وعليه، فالإهانة أتت مضاعفة. فهي، أولا، نبعت من الآخرين على عنفها الرمزي ؛ ونبتت، ثانيا، من ردود الأفعال الحمقاء والتي كانت بعيدة عن الرشد والرزانة. ولا يسلم من هذا السفه الملأ من أقوامنا ومنه الإعلام والمسؤولون. حتى إننا بدلا من وضعنا في دفتر أرقام سياسية يشرف حضارتنا ربما كان أفضل أن نوضع في كشكول ابن الجوزي "أخبار الحمقى والمغفلين."



#يوسف_بن_الغياثية. (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- رصد طائرات مسيرة مجهولة تحلق فوق 3 قواعد جوية أمريكية في بري ...
- جوزيب بوريل يحذر بأن لبنان -بات على شفير الانهيار-
- مراسلتنا: اشتباكات عنيفة بين -حزب الله- والجيش الإسرائيلي في ...
- لحظة هروب الجنود والمسافرين من محطة قطارات في تل أبيب إثر هج ...
- لحظة إصابة مبنى في بيتاح تكفا شرق تل أبيب بصاروخ قادم من لبن ...
- قلق غربي بعد قرار إيران تشغيل أجهزة طرد مركزي جديدة
- كيف تؤثر القهوة على أمعائك؟
- أحلام الطفل عزام.. عندما تسرق الحرب الطفولة بين صواريخ اليمن ...
- شاهد.. أطول وأقصر امرأتين في العالم تجتمعان في لندن بضيافة - ...
- -عملية شنيعة-.. نتانياهو يعلق على مقتل الحاخام الإسرائيلي في ...


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - يوسف بن الغياثية. - أين الإنسان ؟؟