|
نشر الأحكام القضائية في وسائل الإعلام
القاضي سالم روضان الموسوي
الحوار المتمدن-العدد: 1492 - 2006 / 3 / 17 - 11:12
المحور:
الصحافة والاعلام
سعت المجتمعات إلى حماية منظوماتها وتركتبتها من الاعتداء، وذلك بواسطة تشريع القوانين واللوائح والأوامر وما شابه وبموجبها حددت الأفعال التي تعتبر من قبيل الجرائم المعاقب عليها، وبمعيار التوافق مع الخط العام للمجتمع في شتى الميادين الاجتماعية والاقتصادية والأمنية والثقافية وغيرها، ومن أهم الغايات التي تبنتها تلك التشريعات هو ما يحفظ الأمن بكل أوصافه وتحقيق التوازن العدلي في معاقبة المجرم وكذلك ما يدخل ضمن مفهوم الوقاية والردع للذي تسول له نفسه إلى معاودة ارتكاب الفعل، الذي عوقب به الآخر، وهذا ما يسمى في الاصطلاح القانوني بفلسفة الردع والإصلاح أي إن للعقوبة غاية ردع الآخر وإصلاح الجاني، وهكذا تعددت وسائل تحقيق هذه الغاية ومنها الأحكام العقابية الأصلية والتبعية والتكميلية، وفي قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل كمثيلاته من القوانين النافذة في بقية البلدان نجده قد سار على ذات النهج، حيث حدد في المادة (87) نوع العقوبات الأصلية وحددها على سبيل الحصر ولا يجوز القياس عليها أو إدخال ثم لم يذكر فيها وكما يلي ( 1ـ الإعدام 2ـ السجن المؤبد 3ـ السجن المؤقت 3ـ الحبس الشديد 4ـ الحبس البسيط 5ـ الغرامة 6ـ الحجز في مدرسة الفتيان 7ـ الحجز في مدرسة إصلاحية). وقد أورد تعريف وتوصيف لكل عقوبة من العقوبات أعلاه في مواده اللاحقة من (86 – 94 ) عقوبات . أما فيما يتعلق بالعقوبات التبعية، فقد افرد لها الفصل الثاني وفي المواد من (95 – 98 ) عقوبات وذكر تعريف لتلك العقوبات وعلى وفق ما ورد في المادة (99) ونصها ما يلي ( العقوبات التبعية هي التي تلحق المحكوم عليه بحكم القانون دون الحاجة إلى النص عليها في الحكم ) وهذه العقوبات نص عليها القانون وكما يلي ( 1ـ الحرمان من بعض الحقوق والمزايا 2ـ مراقبة الشرطة ). وهناك نوع ثالث من العقوبات يسمى بالعقوبات التكميلية والتي افرد لها الفصل الثامن وووفي المواد من (100 – 102 ) وهذه تم تقسيمها إلى ثلاثة أنواع وكما يلي ( 1ـ الحرمان من بعض الحقوق والمزايا وتلك تختلف عن المصفوفة بالمادة 96 عقوبات والمشار إليها سلفاً ، 2ـ المصادرة 3ـ نشر الحكم ) وهذه العقوبات تعتير تكملة لما اتخذ من إجراءات قانونية بحق الجاني عند إدانته وتجريمه، حيث لا يمكن تصور وجود هذه العقوبات التكميلية إلا بوجود قراري الحكم بالإدانة والعقوبة . بعد هذه المقدمة والتي كان لابد منها من اجل الوصول إلى مفهوم عنوان هذا المطلب المتعلق بنشر الأحكام , نرى إن نشر الحكم هو من العقوبات التكميلية التي ترد بعد صدور قرار حكم قضائي من محكمة جزائية مختصة وهذا القرار يكون مكتسب الدرجة القطعية وقد حددت المادة (102) عقوبات تلك العقوبة التكميلية والتي تنص على ما يلي ( للمحكمة من تلقاء نفسها ، أو بناءً على طلب المجني عليه، أن تأمر بنشر الحكم النهائي الصادر بالإدانة في جريمة قذف أو سب أو إهانة ارتكبت بإحدى وسائل النشر المذكورة في الفقرتين ج، د من البند (3) من المادة (19) ويؤمر بالنشر في صحيفة أو أكثر على نفقة المحكوم عليه فإذا كانت جريمة القذف أو السب أو الإهانة قد ارتكبت بواسطة النشر في إحدى الصحف أمرت المحكمة بنشر الحكم فيها وفي نفس الموضع الذي نشرت فيه العبارات المكونة للجريمة ويقتصر النشر على قرار الحكم إلا إذا أمرت المحكمة بنشر قراري التجريم والحكم ، وإذا امتنعت أي صحيفة من الصحف المعينة في الحكم عن النشر أو تراخت في ذلك بغير عذر مقبول يعاقب رئيس تحريرها بغرامة تزيد على خمسين دينار) ،ومن خلال النص المذكور نكون امام حالتين :ـ الأولى :ـ إذا صدر قرار حكم الإدانة والعقوبة على متهم بجناية والتي تكون عقوبتها ما بين الإعدام والسجن مدة لا تقل عن خمس سنوات ، وعلى وفق ما ورد في نص القانون والتي عرفتها المادة (25) عقوبات وهي الجريمة المعاقب عليها بإحدى العقوبات التالية ( أ – الإعدام ب – السجن المؤبد ج – السجن بأكثر من خمس سنوات إلى خمسة عشر سنة ) ، ومعيار توصيف الجريمة كونها جناية أو جنحة أو مخالفة، هو ما تنص عليه المواد العقابية في القانون وليس ما يصدر من أحكام قضائية عند فرض العقوبة، وفي هذه الحالة نرى إن المادة (102) عقوبات قد منحت المحكمة سلطة تقديرية في الأمر على نشر الحكم الصادر بالإدانة، وهنا لابد من الذكر بعدم ورود النص بالوجوب بل ترك الأمر لتقدير المحكمة، ولها بناءا على تقديرها لجسامة الجريمة وضرورة النشر لإطلاع أبناء المجتمع على ما اتخذ من إجراء، ونعتقد إن هذا الحال ضروري لأنه يدخل ضمن مفهوم الردع وكذلك المساهمة في نشر الثقافة القانونية، كما إن المادة أعلاه قد رسمت دورا ًللادعاء العام باعتباره ممثلا ً للهيئة الاجتماعية، بأن يطلب من المحكمة أن تأمر بنشر الحكم الصادر بالإدانة ويبقى ذلك الأمر خاضعا لسلطة المحكمة التقديرية، أي أن الجواب على طلب الادعاء العام بالإيجاب جوازي لا وجوبي فللمحكمة وكما أشرت سلطة الإجابة لطلب الادعاء العام أو الرفض، وهنا أرى أن يكون الرفض مسببا كونه من القرارات التي تتخذها المحكمة أثناء نظر الدعوى وان لم ينص عليه في المادة (102) عقوبات وإنما أشارإليها الفصل الثامن من قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971 المعدل . الحالة الثانية :. للمحكمة أن تأمر نشر الحكم في وسائل الإعلام بناء على طلب المجني عليه في ما يتعلق بجريمة قذف أو سب أو إهانة وهذه المشار لها في المواد( 433 – 436) عقوبات والتي تكون وسائل الإعلام محلا لها أي التي وقعت بواسطتها والتي ذكرت حصرا في البندين ( ج- د ) من الفقرة (3) المتعلقة بوسائل العلانية في المادة (19) عقوبات، وهذه تشير إلى جرائم القذف والسب والإهانة التي تنشر في الصحف والمطبوعات الأخرى ووسائل الدعاية والنشر، وكذلك الكتابة والرسوم والصور والشارات والأفلام ونحوها إذا ما عرضت في مكان عام ، وفي هذه الحالة للمحكمة أيضا سلطة تقديرية في إجابة طلب المجني عليه، حيث لم يمنح القانون للمحكمة الحق في اتخاذ مثل ذلك الإجراء من تلقاء نفسها أو بناء على طلب الادعاء العام، وإنما قصر الحق على المجني عليه وله وحده حق طلب ذلك، والعبرة في ذلك ان تلك الجريمة اقل جسامة من الجناية ومتعلق بالحق الشخصي دون الحق العام ولا تؤثر على المجتمع بذلت القدر من الجناية، وبعد أن تستجيب المحكمة إلى طلب المجني عليه تأمر بنشر الحكم في صحيفة أو أكثر وعلى نفقة المحكوم عليه، وإذا كانت جريمة القذف والسب أو الإهانة قد نشرت في أحدى الصحف فتأمر المحكمة بنشر الحكم في ذات الصحيفة وفي نفس الموضع على أن يقتصر على قرار الحكم دون قرار الإدانة إلا إذا رأت المحكمة ضرورة فتنص في قرارها على نشر قراري الحكم والإدانة . ومن ذلك نرى إن استجابة المحكمة لنشر قرار الحكم في الوسائل الإعلام في الجناية، يكون بنشر قرار لإدانة وهذا هو الذي يبين الوقائع والأدلة التي كانت سببا لبناء عقيدة المحكمة في إدانتها للمتهم، والعبرة في ذلك كونه متعلق بالمجتمع والاعتداء كان على المجتمع، بينما في الجنح المتعلقة بجريمة القذف والسب والإهانة تكون بنشر قرار الحكم أي القرار الذي حدد العقوبة دون ذكر قرار الإدانة أو التجريم الذي ورد فيه التسبيب والوقائع والأدلة، إلا إذا رأت المحكمة ضرورة فتنص في قرارها على نشر قراري الحكم والإدانة . كما نصت تلك المادة على معاقبة رئيس تحرير الصحيفة التي تمتنع عن نشر الحكم بغرامة لا تتجاوز خمسون دينار، وهذه الغرامة أراها أصبحت لا تنسجم والتحولات التي مر بها العراق مما يوجب التدخل التشريعي في معالجة هذه الفقرة . لذلك ومما تقدم نرى إن الحكمة من إيجاد مثل هذا النص المتعلق بنشر الأحكام لها أبعاد منها إعلام الناس بان القضاء يضمن حق المجتمع، وبيان أسماء الجناة للاحتراز منهم، بالإضافة إلى تحقيق عامل الردع الذي تهدف إليه القوانين العقابية، كذلك في المساهمة بنشر الثقافة القانونية وخلق حالة الوعي القانوني لدى عامة الناس الذي بموجبه ننهض بالحياة العامة نحو التقدم والتطور وتوفير الأمن، ومما تقدم نرى إن القضاء العراقي لم ينشط ذلك الأمر في أحكامه حيث لم أجد قرار قد حكم فيه بالأمر بنشره في وسائل الإعلام، لذا أنادي إلى العمل على تفعيل مثل هذا النشاط، والحاجة الآن تدعو إلى الإلحاح على ذلك للظروف الأمنية القاسية التي يمر به العراق، عسى أن تساهم تلك الفقرة عند تفعيلها إلى المساهمة في تحقيق الأمن والتقدم نحو الاستقرار .
#القاضي_سالم_روضان_الموسوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من معرض للأسلحة.. زعيم كوريا الشمالية يوجه انتقادات لأمريكا
...
-
ترامب يعلن بام بوندي مرشحة جديدة لمنصب وزيرة العدل بعد انسحا
...
-
قرار واشنطن بإرسال ألغام إلى أوكرانيا يمثل -تطورا صادما ومدم
...
-
مسؤول لبناني: 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية عل
...
-
وزيرة خارجية النمسا السابقة تؤكد عجز الولايات المتحدة والغرب
...
-
واشنطن تهدد بفرض عقوبات على المؤسسات المالية الأجنبية المرتب
...
-
مصدر دفاعي كبير يؤيد قرار نتنياهو مهاجمة إسرائيل البرنامج ال
...
-
-استهداف قوات إسرائيلية 10 مرات وقاعدة لأول مرة-..-حزب الله-
...
-
-التايمز-: استخدام صواريخ -ستورم شادو- لضرب العمق الروسي لن
...
-
مصادر عبرية: صلية صاروخية أطلقت من لبنان وسقطت في حيفا
المزيد.....
-
السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي
/ كرم نعمة
-
سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية
/ كرم نعمة
-
مجلة سماء الأمير
/ أسماء محمد مصطفى
-
إنتخابات الكنيست 25
/ محمد السهلي
-
المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع.
/ غادة محمود عبد الحميد
-
داخل الكليبتوقراطية العراقية
/ يونس الخشاب
-
تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية
/ حسني رفعت حسني
-
فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل
...
/ عصام بن الشيخ
-
/ زياد بوزيان
-
الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير
/ مريم الحسن
المزيد.....
|