|
ما معنى الإنسان العربي- الإسلامي؟
محمد بوجنال
الحوار المتمدن-العدد: 5864 - 2018 / 5 / 4 - 09:46
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الإنسان يتحدد في التاريخ وفق ميزان قوى الصراع في التاريخ. والتحديد ذاك يكون في شكل طبقات أو فئات تحكمها علاقات تحددها درجة ميزان قوى البنية الإنتاجية وهو ما به تفهم تراتبية تلك الفئات بعالمنا العربي. وإذا كان نظريا وممارسة أن منطق الصراع، بدرجات متفاوتة، هو ما يحكم العلاقة بين الطبقات، فإن منطق الصراع هو نفسه ما يحكم العلاقة بين الفئات في تراتبيتها. والدرس هنا هو أن قانون الصراع هو قانون الوجود مهما اختلفت أطرافه. وفق هذا التصور ، ما معنى الإنسان العربي- الإسلامي؟ إذا استدعينا التاريخ، وهي عملية ضرورية، نجد أن الإنسان العربي- الإسلامي خضع للتشكل وإعادة التشكل الذي أخذ صيغ العبودية والتهميش والإلغاء المجازي، ليبقى ويستمر كوجود شبه حيواني مع استدعاء بعض الروتوشات التي تفرضها عملية الإنتاج في دوراتها الجامدة. هكذا، فالإنسان العربي- الإنساني، إلى حدود مرحلة الاستعمار، تتم قراءته كهندسة سهرت على تنفيذ تشكيلها فئات شبه الطبقة المسيطرة التي ليست سوى الهندسة التي أرادها الخليفة تجسيدا لقوانينه وقواعده المفارقة والمتعالية؛ فئات تحدد في التالي: الخليفة، فحاشيته، فالخاصة من النخبة والملاكون الكبار؛ وقد قلنا أن العلاقات بينها محكومة أساسا بقانون الصراع في وبالأشكال التي يسمح بها ميزان قوى التراتبية الذي يعتمد، مظهريا، مرجعية النسب. وفي مقابلهم توجد العامة وهي تضم ما تبقى من فئات الإنسان العربي- الإسلامي التي تشكل ما يمكن تسميته بفئات شبه الطبقة المقهورة التي تميزت بالعبودية والخضوع والفقر حيث أن أغلب مكوناتها هي أقرب، من حيث الوجود، إلى الدرجة الصفر. هذا هو معنى الإنسان العربي- الإسلامي من خلال تلك المرحلة: فئات شبه طبقة استبدادية غير منتجة اللهم أساليب العنف والاستبداد، تمارس السياسة باسم الدين كما يريد الخليفة؛ وفئات شبه طبقة مقهورة لا يمكن وجودها خارج دائرة العبودية والفقر التي حكمتها وحددت قواعدها علاقات إنتاج شبه إقطاعي؛ فئات تقدس، في نسبة كبيرة منها، الخليفة ومكونات فئات شبه طبقته معتبرة إياه وإياها ملائكة الرحمان في الأرض ومنقذ ومنقذة البشرية من الفوضى والبربرية والزندقة (= الإلحاد)؛ وبذلك بقيت متشبتة ومعتقدة بالفكر المفارق والمتعالي الذي هو، وبالكاد، الانفصال عن الواقع المعيشي والدنيوي باعتباره عالم الشيطان والأوساخ والأوهام، فتبقى بذلك فئات شبه طبقة مقهورة جاهلة وفقيرة وضعيفة. وفي لغة المنطق والعقلانية الجاهل والضعيف يخاف الوعد والوعيد باحثا عن الخضوع والنجاة (الجنة) في المفارق والمتعالي. بناء على السابق، فالإنسان العربي- الإسلامي، بفئات شبه طبقتيه، هو إنسان غير منتج :الواحدة تستبد وتستنزف الضعيفة باعتبار ذلك حقا دينيا بالنسبة للأولى، واعتبار ذلك ،بالنسبة للثانية ،قدرا إلهيا حدد أوضاعها الاجتماعية والمعيشية وفق قاعدة أنه العليم القادر والعادل. بهكذا تصور ، وبهكذا علاقات تحدد الإنسان العربي- الإسلامي إلى حدود مرحلة الاستعمار؛ فهناك العداء للإبداع وبالتالي للتغيير والتنمية والنهضة والعقل لصالح الثبات والانتظارية وتكفير العقل كما حصل للمعري وابن رشد وغيرهما. مجتمع هذا وضعه، لن يكون سوى مجتمعا متخلفا مع استحضار استثناءات فردية تكون دوما، وفي كل المجتمعات، مستعصية عن الترويض والتسليع. أما المرحلة الثانية، فبدأت مع هزيمة فئات شبه الطبقة المسيطرة وعلى رأسها الخليفة أمام التوسع الاستعماري الذي أسس، منذ النصف الثاني من القرن السادس عشر الميلادي لبناء قوته الذاتية التي حفزتها حاجياتها إلى التوسع باستعمار الدول حيث الإنسان الضعيف الذي تقوم بتدبيره فئات شبه الطبقة المسيطرة وعلى رأسها، بالنسبة لعالمنا العربي- الإسلامي خلفاء ضعاف؛ فـأسس الاستعمار ذاك لاستمرارية وشرعنة ترويض وتسليع الإنسان العربي- الإسلامي، بفئات شبه طبقتيه، وبدرجات وبالتالي محاصرتهما وحماية تخلفهما ليصبح الناتج هو تطور تخلف الإنسان العربي- الإسلامي؛ إنها المرحلة التي أصبح فيها الإنسان ذاك أمام مستعمر يتبنى نظاما إنتاجيا رأسماليا مختلفا عن سابقه العربي- الإسلامي شبه الإقطاعي؛ نظاما اقتضى نشر وإغناء وتطوير ثقافة التخلف بما يستجيب لحاجياته؛ وفي نفس الآن عمل على إعادة هيكلة أعلى الهرم لبسط سيطرته؛ أو قل أن إعادة هيكلة أعلى فئات مفهوم الإنسان العربي- الإسلامي قد تمت بما يفيد ضعفها وتبعيتها بالدرجة والمستوى الذي لا يمكنها من تجاوز السقف الذي حدده لها الاستعمار. وبالنتيجة، فنحن أمام فئات تابعة تحتل قمة هرم مفهوم الإنسان العربي- الإسلامي، فئات، بحكم طبيعتها، لا يمكن أن تنجز سوى التخلف، خاصة أنها لم تستطع أن تنجز وجودها كطبقة. أما باقي فئات مفهوم الإنسان العربي- الإسلامي، الاستعمار أتقن هندستها درجات وتكوينا وخلق شروط استمرار وضعيتها الدونية. وعموما، فهي فئات حاصرها الاستعمار، مستعينا بالفئات العليا، ومحافظا على استمرارية وضعها السابق، بل والزيادة من تأزيمها، لتبقى وتستمر، في مجملها أقرب، من حيث الوجود، إلى الحيوانية. وقد تجذر هذا التشكل الاستعماري الجديد أكثر فأكثر إلى حدود العقود الأولى من الألفية الثالثة حيث أصبحنا أمام تشكل شبه طبقي للإنسان العربي- الإسلامي كما أراده ونظمه المستعمر في أشكاله الراهنة. وبلغة أخرى، أصبحنا أمام تشكل لفئات شبه طبقتين مهزومتين: الأولى، بوعيها المتخلف والتابع تتكون من أربع فئات تحتل قمة الهرم: الفئة الصناعية، والفئة الفلاحية، والفئة التجارية والفئة المالية حيث الصراع الداخلي فيما بينها خاصة مراحل تهيء والتصويت على الميزانية المالية السنوية مستحضرة أوامر النظام الاستعماري؛ وفي أدنى الهرم توجد باقي الفئات التي، وإن كانت ظاهريا متفاوتة، إلا أنها تتقاطع كلها حول الفقر والخضوع للترويض والتسليع؛ فالفواق بينها لا تتعدى الحدود الشكلية؛ لذا تحدد وجودها في شبه طبقة مكوناتها، الفئتين الوسطى والدنيا من البورجوازية الصغيرة ليبقى وضع فئتها العليا وضعا خاصا وجاهزا عند الطلب، وفئات الفلاحين والتجار الصغار وباقي فئات الفقراء. هذا الوضع وهذا التشكل لهذا الجزء الثاني من مفهوم الإنسان العربي- الإسلامي، جعله بدوره مجرد فئات عاجزة عن فهم معنى وجودها وبالتالي تبعيتها لحاجيات سوق النظام الاستعماري. وبالمجمل، ففئات شبه الطبقتين تتميز بثقافة التخلف: الأولى منها تعني الاستغلال والتبعية وإقصاء مصلحة شعوبها، والثانية منها تحكمها ثقافة التسليع والعبودية. إن الإنسان العربي- الإسلامي جوقة يسير إيقاعها وشكل تنظيمها النظام الإستعماري وفق أجندة مصالحه. بهذا الطرح نفهم معنى الاقتتال الحاصل في عالمنا العربي- الإسلامي الراهن؛ وبهذا الطرح نفهم معنى تشكيل فئات الإنسان العربي- الإسلامي، لنبق، في المحصلة، أمام شبه غياب الإنسان العربي- الإسلامي. أبهكذا وضع يمكن تحرير الأرض والبحر والجو والإنسان؟
#محمد_بوجنال (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العدوان على القدس محصلة صراع طرفي الرأسمالية
-
الفلسفة الكامنة وراء عدوان ترامب على القدس
-
ملابسات مصدر -مرمدة- المجتمع المغربي
-
راهنية بنية المجتمع المغربي وخيار النخبة
-
ما معنى حكومة سعد الدين العثماني؟
-
إنها الثقافة والاقتصاد يا غبي
-
أشكال الأنظمة السلبية العربية :العداء للكفاءة والاستحقاق
-
الاحتجاج بمنطقة الحسيمة بالريف: من- الحالة المحلية - إلى - ا
...
-
الأنظمة العربية أو نظام أنظمة الإرهاب -نموذج الحسيمة والخليج
...
-
سياسة دولية قيد التشكل: نموذج ترامب بالسعودية
-
عندما تفتقر النخب إلى الثقافة
-
الحكومات العربية التي شيطنت الجسد واحتقرت العقل
-
محصلة تغييب الجسد في عالمنا العربي
-
اختطاف جسد الفرد ثابت الدولة العربية المخطوفة
-
اختطاف العقل صنيعة اختطاف الدولة
-
اختطاف الدولة علة انتصار الأمركة
-
اغتصاب الجسم والعقل قاعدة التسلط العربي
-
سيطرة -عقل العولمة- قمع ل -عقل العالمية-
-
في الانتخابات تكون اللغة خبيثة
-
المتصدرين للإنتخابات ، مطلب السوق
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|