|
الفقر في العالم
أحمد إبريهي علي
الحوار المتمدن-العدد: 5863 - 2018 / 5 / 3 - 04:43
المحور:
الادارة و الاقتصاد
نشر البنك الدولي تحديثا لمؤشرات الفقر نهاية نيسان، هذا العام 2018، لنسب الفقراء من مجموع السكان واعدادهم في العالم ومناطقه الجغرافية الكبرى. وفي وقت سابق ، عام 2013، اعتمدت هذه التقارير للفرد بالمعدل في اليوم 1.9 دولار امريكي متعادل القوة الشرائية عالميا PPPوباسعار عام 2011 عتبة للفقر، ويسمى خط الفقر الدولي. وتبين ان 10.7 بالمائة من سكان العالم يعيشون تحت هذا الخط، عددهم 783 مليون نسمة، حسب احدث البيانات المتوفرة. ويتركز هؤلاء الفقراء في افريقيا جنوب الصحراء بنسبة 42.3 بالمائة من السكان هناك وجنوب آسيا 15.1 بالمائة من مجموع سكانها وتضم هاتين المنطقتين 658 مليون نسمة من فقراء العالم، في وقتنا هذا، بموجب التعريف آنف الذكر. ولألقاء المزيد من الضوء على الوضع المعيشي لسكان العالم بين التقرير ان 28.6 بالمائة من البشر تعيش دون 3.2 دولار للفرد في اليوم وعددهم في العالم 2044 مليون نسمة. ومن هؤلاء الفقراء 52.6 بالمائة من الناس في جنوب آسيا ، و67.5 بالمائة من شعوب افريقيا جنوب الصحراء. وعندما ترتفع عتبة الفقر الى 5.5 دولار في اليوم نجد ان 48.7 بالمائة من سكان العالم تعيش تحت هذا الخط. وبتعبير آخر إذا تجاوز متوسط الدخل الشخصي ( الأسري) للفرد في السنة 2008 دولار من الدولارات متعادلة القوة الشرائية باسعار عام 2011 ينتقل الى النصف الأعلى دخلا من سكان العالم، ونفس الشي يقال لعائلة حجمها ستة افراد يتجاوز دخلها السنوي 12045 دولار. آخذين بالأعتبار ان الدخل المحسوب ياسعار الصرف الأعتيادية في الدول النامية ادنى من مستوى تعادل القوة الشرائية المبين اعلاه وفي اسيا الجنوبية وافريقيا جنوب الصحراء ادنى بكثير. ونستفيد من بيانات تقريرآخر حول التفاوت في توزيع الدخل صدر عن البنك الدولي عام 2016 Taking on Inequality ان 80 بالمائة من السكان دون خط الفقر الدولي يعيشون في الأرياف، وحوالي 44 بالمائة منهم في سن 14 سنة فما دون، و64 بالمائة من اولئك الفقراء يكتسبون من الزراعة وسائل عيشهم المرير. ومما يدعو للتفاؤل انخفاض نسبة الفقراء، بمقياس 1.9 دولار دولي للفرد في اليوم من 35 بالمائة من سكان العالم عام 1990 الى 10.9 بالمائة المبينة آنفا عام 2018. لكن تعريف الفقر باقل من 2 دولار في اليوم للفرد ربما هو السبب في اظهار هذا الأنخفاض، إذ يفترض ان ربع قرن يكفي على الأقل لمضاعفة متوسط الدخل للفرد وحتى على فرض عدم التحسن في توزيع الدخل لا بد ان يتجاوز السكان هذا المقدار البائس من الدخل. وهذا ما حصل فعلا ، في الغالب، بيد ان عددا من الدول التي يقل فيها متوسط الدخل للفرد عن 1000 دولار باسعار الصرف الاعتيادية قد اخفقت في تحسين متوسط الدخل للفرد . وقد شدد الاهتمام بالفقراء على توزيع الدخل متجاهلا مجموع الأمكانية الأقتصادية الوطنية، بينما يتركز فقراء العالم في الدول واطئة الدخل. ولذا فأن اعادة الأعتبار للتنمية الأقتصادية وعلى اساس التصنيع بالذات هو ما ينفع الفقراء. وتفيد البيانات ان دخل 40 بالمائة من السكان ذوي الدخل الأوطا ينمو بمعدل مقارب لنمو مجموع الدخل اواعلى منه في عدد لا بأس به من الدول، أي ان توزيع الدخل يتحسن او يبقى على حاله في الأقل، وفي دول اخرى يزداد التفاوت. وفي جميع الأحوال تبقى المصلحة العليا لشعوب البلدان النامية في التنمية الأقتصادية، ولا تنفع الدعوات لأعادة توزيع الدخل لوحدها في الأستجابة للمطالب المشروعة للفقراء. وبعض البلدان النامية انتهجت سياسات، جهلا او عمدا، تجاري مخاوف الدول الغنية والمتقدمة من النهضة الصناعية في العالم النامي، وتشاطر الغرب القلق بشأن التلوث والأستدامة البيئية. بينما على الجزء الغني والمتقدم في العالم تحمل اعباء استدامة البيئة بحكم انتفاعهم من الطبيعة ولمدة طويلة من الزمن اضعاف البلدان النامية. ولا يخفى على المتابعين كيف دأبت مؤسسات اوربية وامريكية واخرى دولية على صرف الأذهان عن النمو الأقتصادي منذ انهيار الأتحاد السوفيتي بحجة العناية الشاملة بالانسان ، ومن نتائج تلك السياسات الدولية تراجع حماس الكثير من حكومات البلدان النامية للتصنيع. فلقد طغت شعارات الحوكمة والمشاركة والشراكة والترويج لمثل الليبرالية الغربية بواجهة الحقوق المدنية والسياسية والدفاع عن المرأة والطفل .... الى جانب اقتراح المشاريع المايكروية والصغيرة، وكأن البلدان المتخلفة لا يعوزها سوى المزيد من الدكاكين والبسطات بحجج شتى، والعراق اخذ حصتة وأكثر من هذا الصخب . ان مجموع قيمة الناتج من السلع والخدمات النهائية، والذي يسمى الدخل العالمي ، يتولد باشتغال الجهد البشري على الطبيعة: نظام الطبيعة وقوانينها الموضوعية ومواردها من ارض ومياه وهواء وما في باطنها. وهذه الطبيعة بمجموعها لا يمكن تجزئتها ، كما ان النطاق الطبيعي لعملية الأنتاج هو العالم باسره لأن الحدود الجغرافية - السياسية للدول هي ليست حدودا لنظام الأنتاج . وفي نفس الوقت ان الطبيعة هبة الله سبحانه وتعالى للبشر اجمعين ، لكن البشر تغالبوا وتحاربوا وتظالموا وكان الضعغاء منهم ضحية الشراسة والعدوان. ان ضمان المستوى المعيشي اللائق للضعفاء ليس منة عليهم من احد انما هو حقهم الذي لا ينازع وليس من العدالة ان يقال لهم انتم لا تعملون او لا تستطيعون كما نحن. والفقراء لا يتمكنون لوحدهم الافلات من شرنقة موقعهم في النظام الأقتصادي واستلابهم في التوزيع الأولي للدخل، يتوزعون على مهن واطئة الأجر او انشطة تبخسها بنية الأسعار النسبية. وتنتظمهم بنية من العلاقات الاجتماعية والسياسية والقيم تحبسهم في وضعهم. وهم ايضا ينتشر في اوساطهم العوق البدني بالولادة او الامراض الوراثية ...وسواها. ولا تعترف الادبيات التي تناولت الفقر والحرمان بالتفاوت بين القدرات البشرية التكوينية او في النشاة الأولى كي لا توظفها النزعات الفاشية والعنصرية لأهداف اخرى، فنجد التركيز يدور حول المهارات القابلة للأكتساب بالتعليم والتدريب، او تفسير الفقر في نظام الملكية والسوق والسياسات الأقتصادية للدولة ... وهذه جميعها تسهم في صناعة الحرمان لا شك في ذلك. وخلاصة الأمر ان الأفراد يوظفون قوتهم بجميع عناصرها وهي متفاوتة كثيرا في التدافع على الأنتفاع من نتائج تفاعل الجهد البشري مع الطبيعة دون ما يكفي من الضوابط التي تنطلق من شراكتهم اصلا في خيرات الأرض. ومن المعلوم ان البطالة ليست هي السبب الوحيد للفقر فكثير من الفقراء يعملون بمشقة بدنية ونفسية ولا يكسبون ما يكفي لمعيشتهم واطفالهم، لأن الدخل لا يتوزع حسب الجهد بل تبعا لآليات معقدة تنخرط ضمنها مهارة الأنتزاع ومختلف اساليب القوة الناعمة والخشنة خاصة في البلدان النامية. ان البؤس والشقاء كان في القرون الماضية يطال اغلب الناس إلا قليلا منهم ولقد ساعد التقدم التقني والاقتصادي كثيرا في التخفيف من عناء البشر، لكن مئات الملايين لا زالت حياتها عذاب. وربما اصبحنا على مشارف نهضة اخلاقية لتبدا البشرية تاريخا آخر. ان مما يؤخر ولادة العالم الجديد الثقافة النخبوية الموروثة، والتي مهما تملقت الجماهير تبقى في ضميرها لا تؤمن بالمساواة بين الناس في حق الحياة والعيش الكريم، بل تصنفهم طبقات، وتغسل ادمغة المضطهدين والبؤساء ليتغنّوا بامجاد ألأسياد المتخمين.
#أحمد_إبريهي_علي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تجديد التعاقد على الديمقراطية في العراق
-
مفهوم النظام ومركز المسؤولية في ادارة العراق
-
كلمة في استفتاء الاقليم
-
حول تقرير مجموعة عمل مستقبل العراق وسياسة امريكا في الشرق ال
...
-
مفردات غائبة في مجموعة من مقالات الحوار المتمدن
-
نحو مقاربات مختلفة لمواجهة المشكلة المالية وتحريك الاقتصاد ف
...
-
كهرباء العراق : ارقام ومقارنات
-
الوطنية الاقتصادية لليمين والاداء المضطرب للنظام الدولي مع ا
...
-
الانتخابات القادمة في العراق: مرة اخرى
-
نظام الانتخابات في العراق وتداول مواقع النفوذ
-
فهم النزاعات والحروب الداخلية بوسائل البحث التجريبي
-
ملاحظة حول النفط والهيمنة في السياسة الدولية للولايات المتحد
...
-
ترامب والتطلعات الأقتصادية لناخبيه
-
تتقلص فرص النمو الأقتصادي في العالم وبلادنا لم تباشر نهضة ال
...
-
اقتصاد العالم وعلاج نقص الطلب في التقرير الأخيرللصندوق: بعض
...
-
عقود المشاريع والتجهيزات الحكومية بحاجة إلى إدارة تُخالِف ال
...
-
هل ثمة فرصة لأصلاح أجهزة الدولة وتحسين أدائها في العراق
-
ملاحظات عامة حول الحساب الاقتصادي للخطط الخمسية في العراق
-
سوق النفط و إخراج الأقتصاد العراقي من المأزق
-
تسوية القضايا الخلافية وتعديل الدستور على اسس واضحة
المزيد.....
-
اليوم الياباني في معرض بغداد الدولي: مساعي لتعزيز العلاقات ا
...
-
الهند تقدم إعفاءات ضريبية بقيمة 11.5 مليار دولار لحماية الاق
...
-
انخفاض مستويات الفقر في روسيا وخبراء يشككون
-
حرب ترامب الجمركية.. الصين تتمهل وكندا ترد والمكسيك تفعّل ال
...
-
قرارات ترامب الاقتصادية تشعل حربا تجارية عالمية
-
منافسة شرسة بين تايلور سويفت وبيونسيه على جائزة أفضل ألبوم
-
ارتفاع سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار اليوم الأحد
-
-نيويورك تايمز- تحذر من ضرر رسوم ترامب الجمركية على صناعة ال
...
-
كابل تطالب بتحرير الأصول الأفغانية المجمدة لدعم الاستقرار ال
...
-
نيويورك تايمز: 5 أسئلة تشرح رسوم ترامب على كندا والمكسيك وال
...
المزيد.....
-
دولة المستثمرين ورجال الأعمال في مصر
/ إلهامي الميرغني
-
الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل
/ دجاسم الفارس
-
الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل
/ د. جاسم الفارس
-
الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل
/ دجاسم الفارس
-
الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق
/ مجدى عبد الهادى
-
الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت
...
/ مجدى عبد الهادى
-
ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري
/ مجدى عبد الهادى
-
تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر
...
/ محمد امين حسن عثمان
-
إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية
...
/ مجدى عبد الهادى
المزيد.....
|