|
أهمية قراءة كتب التراث العربى/ الإسلامى
طلعت رضوان
الحوار المتمدن-العدد: 5862 - 2018 / 5 / 2 - 15:55
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
أعتقد أنّ المؤلفين التراثيين الذين كتبوا أمهات الكتب التى تناولتْ التاريخ العربى/ الإسلامى، قـدّموا للإنسانية خدمة جليلة، لأنهم نقلوا- بأمانة- ما سمعوه أو قرأوه فى مخطوطات من سبقوهم. وأود الاعتراف أننى أكتب هذا بالرغم من اختلافى مع هؤلاء التراثيين، فى الكثيرمما كتبوه..وبصفة خاصة عندما يمزجون (الواقعة) برأيهم الشخصى..مثلما فعل المقريزى عند تدوينه لأحداث (ثورة البشموريين) التى قام بها الفلاحون المصريون ضد الخليفة المأمون..الذى قمعهم بوحشية وقتل الآلاف..ومن تبقى من الشيوخ والأطفال والنساء..أجبرهم على المشى حفاة من وسط أحراش الدلتا المصرية إلى بغداد ليـُـباعوا فى سوق العبيد..ولكن المقريزى- بالرغم من جنسيته المصرية- اختتم كلامه قائلا ((وهكذا أهلك الله القبط ولم تقم لهم قائمة) وأعتقد أنّ انحيازه للإسلام طغى وتغلب على انتمائه لوطنه (مصر) لأنّ من أهلك القبط (أى ثوارمصرمن الفلاحين) هوالخليفة المأمون وجيشه من المرتزقة. من بين التراثيين الذين التزموا بدرجة عالية وملحوظة بالموضوعية، عزالدين بن الأثيرفى كتابه (أسد الغابة فى معرفة الصحابة) عشرة مجلدات- مطابع دارالشعب بمصر- عام1970. لفت نظرى أنّ ابن الأثيرنقل بأمانة الحوارالذى داربين نبى الإسلام، والقرشيين عن التفاخربأنسابهم وبما يملكون من إبل، فردّ النبى عليهم قائلا: (بعث الله داواد وهوراعى غنم..وبعث موسى وهوراعى غنم..وبـُـعثتُ أنا وأنا أرعى الغنم لأهلى) (المجلد الأول- ص220) ترجع أهمية هذا الحوار- ليس فقط فى الكشف عن عقلية القرشيين الذين تفاخروا بأنسابهم وبما يملكون من إبل- وإنما فى اعتراف محمد بالحقيقة التى يتجاهلها المتعلمون (المحسوبون على الثقافة السائدة) وليس الشيوخ فقط..حقيقة أنّ الأنبياء الذين اختارهم الله لقيادة الديانة العبرية (اليهودية/ المسيحية/ الإسلام) كانوا رعاة غنم. وتلك الحقيقة تستدعى طرح سؤال: لماذا كان هذا الاختيار؟ والسؤال بصيغة أخرى: لوأنّ نشأة الديانة العبرية كانت فى مجتمع نهرى/ زراعى- كمصرمثلا- فهل كان الله سيختارأنبياءه من الفلاحين، أى من الذين يعتمدون على الزراعة- بشكل أساسى- وليس على رعى الغنم. والسؤال الثانى: أليس مجتمع رعاة الغنم هومجتمع البداوة؟ وأليس مجتمع البداوة هوالذى أفرزآلية الغزوات والتى بدأتْ مع قطع الطريق على قافلة قريش..وهى قافلة التجارة بين مكة والشام ومن ثوابت الجزيرة العربية..وهى التى هاجمها النبى وفيها حوالىْ خمسين ألف ديناروألف بعير..وكان قائدها أبوسفيان بن حرب. وقد صحّ عن ابن عباس تفسيره السبع المثانى فى سورة الحجربالسبع الطوال..وما ذكرفى سبب نزولها هوأنّ ((عيرًا لأبى جهل قدمتْ من الشام بمال عظيم وهى سبع قوافل.. والرسول وأصحابه ينظرون إليها وأكثرالصحابة بهم عــُـرى وجوع..فخطرببال النبى شىء لحاجة أصحابه..فقرّرمهاجمتها وأخذ أموالها (السيرة الحلبية- المكتبة الإسلامية- بيروت- ص346) فأنزل الله ((ولقد آتيناك سبعـًـا من المثانى والقرآن العظيم)) (الحجر/87) وبسبب قطع الطريق على هذه القافلة ومصادرة أموالها وقعتْ غزوة بدر. وبعد أنْ حقق النبى انتصاراته العسكرية وسيطرعلى القبائل داخل الجزيرة العربية..بدأتْ مسيرة غزوالدول غيرالعربية، مثل العراق ودول الشام ومصر..إلخ. ومما يؤكد أنّ الغزوات العربية/ الإسلامية كان الهدف منها نهب ثروات الشعوب..الواقعة التى ذكرها ابن الأثيرحيث أنّ عمربن الخطاب ولى (حبيب بن مسلمة) أعمال الجزيرة بعد أنْ عزل (عياض بن غنم) وسيره عثمان إلى أذربيجان..ولكنه اختلف مع حبيب بن مسلمة فى الفيىء..وتوعد بعضهم بعضـًـا. وتهـدّدوا سلمان بالقتل فقال رجل من أصحاب سلمان: فإنْ تقتلوا سلمان نقتل حبيبكم. وإنْ ترحلوا نحوابن عفان نرحل..واختتم ابن الأثيرهذا المشهد قائلا((وهذا أول خلاف بين أهل العراق وأهل الشام)) (مصدرسابق- ص449) أى عندما كان العرب فى أذربيجان لم يكن هدفهم نشرالإسلام..وإنما الحصول على (الفيىء) ومما يؤكد أنّ الغزوكان هدفه احلال وسيطرة العرب محل الغزاة السابقين (الفرس والرومان) أنّ غزومصر- كمثال- تـمّ فى عهد عمربن الخطاب..بينما جمـْـع المصحف كان فى عهد عثمان، أى أنّ العرب عندما غزوا مصرلم يكن معهم القرآن لتوزيعه على شعبنا ليقرأ ويـُـحـدّد موقفه: هل يقبل التبشيرالإسلامى أم لا..وكان أول سؤال سأله عمروبن العاص للمقوقس: كم مقدارالجزية التى كنتم تأخذونها على رؤوس المصريين؟ أى أنّ الموضوع ليس له علاقة بنشرالإسلام..كما أنّ العرب لم يكتفوا بالجزية على رؤوس البشروإنما فرضوا ضريبة أخرى أطلقوا عليها (الخراج) أى (خراج الأرض) ومعنى ذلك أنّ الأرض كانت- بالنسبة للعرب- (كافرة) مثل أصحابها. ولأنّ الإسلام خرج من بيئة بدوية/ صحراوية حرمتها الطبيعة من نيل يروى الزرع..فكان البديل هوغزوالشعوب المُـنتجة لاحتياجات الإنسان..ولذلك لم تكن مصادفة كثرة الأحاديث التى حبــّـب الرسول فيها الغزومثل ((من لم يغزولم يجهزغازيـًـا أويخلف غازيـًـا فى أهله، أصابه الله بقارعة قبل يوم القيامة)) وقال ((من مات ولم يغز ولم يـُـحدث نفسه بغزومات على شعبة من النفاق)) وقال ((إذا تركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لاينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم)) (البخارى ومسلم وأبوداود) ولم تكن مصادفة كثرة الأحاديث التى حرّضتْ على كراهية الزراعة..مقابل تشجيع الغزومثل ((إذا تبايعتم بالنسيئة وأخذتم أذناب البقر..ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لاينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم)) (رواه أحمد وصححه الحاكم) ولأنّ الغازى قد يتعرض للقتل.. أطلق المأثورالإسلامى عليه (شهيد) والشهيد عند الله له عدة مزايا من بينها ((يـُـزوّج بإثنتيْن وسبعين زوجة من الحورالعين..ويشفع فى سبعين من أقاربه)) (رواه الترمذى) ومن بين التراثيين الذين أكدوا على أوامرالنبى بتحريم الزراعة، ابن الأثير(مصدرسابق- ص272) وهوما أمربه- كذلك- عمربن الخطاب. وأعتقد أنّ احتقارالزراعة له علاقة بغياب أبسط مظاهرالتحضر، مثلما كان فى بعض الحضارات القديمة، كما فى العراق واليونان ومصر..ولم تكن مصادفة أنه مع بداية الدعوة الإسلامية كان عدد الذين يعرفون القراءة والكتابة سبعة عشرشخصًـا (فقط) كما ذكرالباحث والمفكرالعراقى الكبيرجواد على فى كتابه (تاريخ العرب قبل الإسلام- هيئة قصورالثقافة- عام2010- ج1- ص15) وهوما أكــّـده كثيرون من بينهم ابن الأثير(مصدرسابق- ص9) وفى هذا المجتمع كان من الطبيعى أنْ تكون العبودية شائعة وضمن العرف السائد..كما ذكرابن الأثيرأنّ نبى الإسلام ورث عن أبيه عبدة اسمها (أم أيمن) وقطيع غنم وسيفا (ص21) وذكرابن الأثيرأنّ (بـُـسرة الغفارى) تزوّج امرأة بكرًا فدخل بها فوجدها حبلى.. ففرّق الرسول بينهما وقال: إذا وضعتْ فأقيموا عليها الحد..وأعطاها الصداق بما استحل من فرجها..وقال لزوجها ((الولد عبدٌ لك)) (المصدرالسابق- ص217) 000 وعن حادثة الإسراء ذكرابن اسحاق وابن هشام وغيرهما الحديث الذى روته أم هانىء بنت أبى طالب حيث قالت: ((أسرى رسول الله وهوفى بيتى..ونام عندى فى تلك الليلة..إلخ)) وهوالحديث الذى أكــّـده ابن الأثير(ص27) والسؤال الذى أعتقد أنه من الأسئلة المسكوت عنها فى الثقافة العربية/ الإسلامية هو: لماذا كان الرسول فى تلك الليلة فى بيت أم هانىء؟ خاصة أنه لم يكن فى زيارة (عابرة) بصفتها ابنة عمه..وإنما الزيارة امتـدّتْ لدرجة أنه (نام) فى بيتها..فلماذا (نام) عندها وهى ليست إحدى زوجاته التسع كما هوشائع، أوالإحدى عشرفى بعض الروايات؟ والسؤال الأهم هو: لماذا كان الإسراء من بيت أم هانىء وليس من بيت أحب زوجات الرسول (عائشة) التى مدحها الرسول كثيرًا لدرجة أنه قال عنها ((خذوا نصف دينكم من هذه الحميراء))؟ ولذلك- كما أعتقد- أنّ حديث الإسراء الذى تـمّ فى بيت أم هانىء لم يأخذ حقه.. لامن التراثيين ولامن الباحثين فى العصرالحديث. أما تناول ما ورد فى الكتب التراثية عن تفاصيل الرحلة، فإنه يستحق التأمل خاصة لوقرأنا ما دوّنه التراثيون من أحاديث نبى الإسلام عن رحلته إلى السماء (المعراج) وبغض النظرعن الميتافيزيقا الواردة فى الحديث وأنه رأى (آدم) والأنبياء، فإنّ المهم فيه هوأنّ (الله) فرض خمسين صلاة (فى اليوم الواحد) على أمة محمد، فلما عرف موسى بذلك قال لمحمد ((ارجع إلى ربك فإنّ أمتك لاتطيق ذلك)) فرجع محمد إلى ربه الذى قال له ((هى خمس وهى خمسون، لايُـبـدّل القول لدىّ)) فرجع إلى موسى الذى قال له ((راجع ربك)) فقال محمد (استحييتُ من ربى)) ثم انتقل الحديث– فجأة– إلى دخول محمد (الجنة) ورأى ((حبائل اللؤلؤ، وإذا ترتبها المسك)) فى تجاهل تام لمسألة عدد الصلوات وكيف استقرالأمرعلى خمسة فقط (حديث رقم 349) وللعقل الحرتخيل أنّ (المسلمين) كانوا سيتفرّغون– طوال اليوم– لأداء خمسين صلاة، فلا يكون لديهم الوقت للعمل، وما الحكمة من البدء ب (خمسين) ثم تنتهى (المُـراجعة) بخمس؟ ولماذا لم تكن خمس منذ بداية الحوار؟ وإذا كانت صلاة الظهرأربع ركعات– كما هو شائع ومعروف– فإنّ نبى الإسلام صلاها خمس ركعات (البخارى- حديث رقم 404) وفى حديث آخرفإنّ نبى الإسلام صلى الظهر((ركعتيْن)) (حديث رقم 715) وهذا الحديث رواه أبوهريرة الذى كان ملاصقــًـا للرسول. فكيف حدث هذا؟ هذا سؤال سكتتْ عنه كتب التراث يُـصلى (حديث رقم 431) فلماذا (وكيف) (حدث) هذا؟ سؤال آخرسكتتْ عنه كتب التراث العربى/ الإسلامى، خاصة وأنّ راوى الحديث عبد الله بن عباس . وفى حديث آخرفإنّ النبى ((صلى بالبطحاء الظهر ركعتيْن والعصر ركعتيْن، وبين يديه عنزة وتمربين يديه المرأة والحمار)) (حديث رقم 495) وإذا كان القرآن أقرّبأنّ نبيه ورسوله هومحمد، فما معنى أنْ يقول النبى ((أشهد أنْ لا إله إلاّ الله وإنى رسول الله)) (حديث رقم 2982) ومن بين الأشياء التى تستحق التوقف أمامها.. أنّ أبا لهب من الشخصيات الكريهة فى تاريخ الدعوة الإسلامية..ووصل الأمرلدرجة تخصيص سورة كاملة عنه هى سورة المسد التى توعده الله بأنه ((سيصلى نارًا ذات لهب..وامرأته حمالة الحطب فى جيدها حبل من مسد)) بينما كتب التراث العربى/ الإسلامى وصفته بأوصاف مختلفة تدل على الأخلاق الفاضلة، مثلما كتب ابن الأثيرعنه أنّ اسمه هو(عبد العزى بن عبدالمطلب..وهوأبولهب..وكان جوادًا...إلخ)) (مصدرسابق- ص39) فلماذا شوّه القرآن صورته؟ هل لمجرد أنه رفض الإسلام؟ ***
#طلعت_رضوان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ما هدف المشروع الأمريكى / السعودى من (تنقية التراث)؟
-
لماذا تأجيج الحرب الشيعية / السنية؟
-
فائدة قراءة كتب التراث العربى/ الإسلامى
-
قمم عربية أم انحدار عربى ؟
-
أليس طرد اليهود من مصرعملا وطنيا؟
-
هل تم دفن النشيد العروبى : أمجاد يا عرب أمجاد؟
-
المقاومة السلمية وفلسفة اللاعنف
-
رومانسية بعض المثقفين العرب
-
بكاء لا يتوقف فى جنازة اللغة العربية
-
أسطورة فناء البشر وتجاهل الأساطيرالمصرية
-
انتقال التكوين الكنعانى إلى التكوين العبرى
-
المثقف عندما يناقض نفسه
-
تعظيم الإله فى الأساطيرالبابلية والديانة العبرية
-
توارد الأفكارفى الأساطيروالديانة العبرية
-
صفات الإله البابلى والإله العبرى
-
وظيفة الإله فى الأسطورة البابلية والديانة العبرية
-
الفرق بين بيت الإله السومرى والإله العبرى
-
خلق الإنسان فى الأساطيرالسومرية وغيرها
-
القومية المصرية فى فكرلويس عوض
-
أثر الماركسية على تطور المجتمعات الإنسانية
المزيد.....
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|