|
أسس الانتماء الى الثقافة والمثقف
وليد المسعودي
الحوار المتمدن-العدد: 1491 - 2006 / 3 / 16 - 12:33
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الانسان من حيث التكوين والخلق مبنيا وفق امكانات تحددها مجموعة من السلطات او المحركات ، هذه الاخيرة تكاد تخرج عن سياق إرادته الفردية لترتبط بالارادة الجمعية التي تؤلف وعي البشر وتحيط جميع تصوراتهم ، ومن ثم تتحدد هناك الاطر والانظمة التي تحكم هذا السلوك او ذاك حسب طبيعة المجتمع وما يحمل من تراكمات واحداث تاريخية ومعرفية وامكانات راسخة الجذور سواء تلك المؤصل فيها وعي العنف وجميع ترددات الذات البشرية التي لاتعرف التسامح مع الذوات الاخرى او تلك التي تنتمي الى وعي الحرية والتمدن والايمان بالانسان كقيمة عليا سامية ، فالثقافة من حيث تركزها لدى الانسان تؤدي الفعل الحضاري الذي يعمل على عدم تشظ الانسان الى بؤر ومراكز تحد من سيطرته على مجمل مايحيطه من افعال واحداث وامكانات تقوده الى مجموعة من الاشكال والصور المختلفة والمتناقضة فيما بينها ، وهكذا وفقا لرسوخ الثقافي داخل المجتمع وقدرته على تأسيس الشروط التي تساعد على تأصيل الحضارة والفهم الانساني الافضل القائم على الحوار واللقاء والتكامل مع المختلف أكثر من تأسيس قابليات للرفض والاقصاء ، ومن ثم ممارسة التطرف والعنف إزاء الافراد عموما . فمجتمعاتنا العربية الاسلامية تعاني اليوم من فراغ هائل وكبير للثقافة بشكلها الانساني من حيث سيادة النزعات التي تعمل على تسطيح الوعي والاختيار والسلوك داخل المجتمع وما يحوي من ثقافة دنيوية زائفة من جهة وتأثير الخيارات الاخرى المرتبطة بتتريث العالم اي تفضيل القديم الماضي بشكل لايدعو الى إعادة انتاج الروح البشرية المجتمعية مع ما يتلائم و التطورات والمنجزات الحديثة في الازمنة المعاصرة ، وهكذا يمكننا ان نقول ان دور الثقافة ضمن شكلها الانساني القائم على دراسة الحضارة البشرية داخليا وخارجيا ، اي ماهو ماثل لدى الذات وما هو مكتسب من الحضارات الاخرى ضمن مجتمعاتنا العربية الاسلامية غير منجز من خلال الوعي الجمعي ، اي انه لاتوجد لدينا تيارات مجتمعية تفضل الخيارات الثقافية التي يقودها بالتالي اجيال ثقافية معينة تعمل على بلورة قيم واتجاهات تؤمن بالانسان وتطوره ، خصوصا بعد ان فشلت جميع مشاريع التحديث التي قادتها ما يسمى بالدولة الوطنية داخل المجتمعات العربية الاسلامية الامر الذي ادى الى ذلك الفراغ الحاصل في أزمنتنا المعاصرة ومن سيطرة الخطابات الاصولية على مجمل التصورات والافكار ، ومن ثم من يقود العملية الثقافية لايتبنى الفعل الثقافي الدائب على خلق مجتمعات غير قالبية او متماثلة ضمن صيرورة واحدة ووحيدة مؤطرة بالايديولوجيا ، وهكذا تبدو الساحة الثقافية اليوم محكومة من خلال التوجهات التي تبثها مختلف السلط ، هذه السلط لاتنتج التسامح سواء تلك المنبثقة من الدولة الشمولية وسياجها الدوغمائي المغلق او من خلال وعي المؤسسة الترايخية الدينية المغلقة هي ايضا بدورها ، رغم ان هذه الاخيرة حوربت في دول كثيرة عربية واسلامية مما جعلها تتجه نحو الشمول والتشدد ومن ثم تكونت لدينا ما اسمية بالاعاقة الوجودية عن التجديد والخلق والتجاوز، بحيث كانت النتائج واضحة عند زوال الدكتاتورية في العراق على سبيل المثال هنالك الصور والاطر المطلقة للقيم والتأسيس الحقيقي لكل ما يشمل المستقبل البشري داخل المجتمع ، وبهذا علينا ان نعيد القراءات والمباشرة في انتاج ثقافة شعبية صراعية تؤسس الخيار السلمي للمعرفة والسلطة والحقيقة بلا ترددات معينة للعنف وتأثيره على المحيط الاجتماعي المعاش . ان دور الثقافة في المجتمعات العربية الاسلامية موجود من خلال المؤسسات الاعلامية الفضائية التي تجترح وعي الهامش والسطح ضمن شكلها النسبي وليس المطلق ، هذه الثقافة لا تعمل على انتاج الثقافة الصراعية السجالية بين الافراد عموما ، من اجل ثقافة جديدة يسودها السؤال والشك وإعادة طرح الاسئلة الوجودية بكل ما يخص التكوين الانساني المجتمعي ، وذلك لان المجتمعات لايمكن ان تحدث عملية التجديد مالم يتم إعادة طرح السؤال فيما يخص الموجود الاجتماعي من بنى وانساق اجتماعية وخصوصا تلك التي اصابها الجمود والتكلس التاريخي بفعل عوامل الهيمنة السلطوية التي عمل تأبيدها السياسي التاريخي الفاقد لجميع صور واشكال البناء المغايره لجاهزية النسق الاجتماعي السائد ، كل ذلك تقوم به الثقافة المنتجة لوعي الحرية والتغيير من خلال المثقف الذي لا يختزل عمله الثقافي داخل الاختصاصات البحثية متناسيا العالم المعاش وما يحيطه من متناقضات اجتماعية مادية ومعنوية ، بحيث يغدو ذلك المثقف من ينير الدرب للمجتمع ويشكل ضمير الامة التي لا تنساق وراء الجاهز الاجتماعي الثقافي الذي يسيطر عليه في اغلب الاحيان مجموعة من الوسائط الثقافية المؤسسة سلطويا سواء تعلقت بمؤسسات الدولة التي لا يهمها التغيير بقدر ما يهمها المحافظة على القيم لانها تدر في النهاية المكتسبات التي تؤهلها كمنتج وحيد للثقافة والفكر النهائيين ، حيث نجد ذلك ماثلا من خلال الاحتكار الثقافي الذي يؤسسه غالبا من يتسيدون الساحة الثقافية التي تشملها وتحيطها الدولة والمدعومة ماديا ومعنويا ، وهكذا نقول ان هذه الثقافة المؤسسة مسبقا سواء تلك المنبثقة من الدولة الشمولية وقيمها او تعلقت بالمؤسسات الاعلامية التي تخاطب وعي الهامش او السطح لدى المتلقي الاجتماعي ، لاتنتج الحرية والتجديد بقدر ما تنتج التماثل واجترار العالم ضمن نسقية الثبات كمعطى نهائي ومؤصل في وعي المجتمع ، وهكذا يكون دور المثقف الذي لا ينتمي إلا لروحه وهاجسه البحثي دورا رياديا في تأكيد الثقافة بمعناها الانساني بعيدا عن مجاميع ووسائط التزييف والخداع ، رغم الانتقادات الموجهة لذلك المثقف من كونه مصاب بعقدة الايديولوجيا او الافكار المسبقة حول ما يحيطه من معارف وانظمة فكر محلية وخارجية ، ونحن هنا نجد انه من الممكن ان يسيطر على المثقف جاهزيات مطلقة لانبثاق الاحكام والتصورات تبررها الاحداث السياسية الاجتماعية والثقافية ، ومن ثم يغدو دور ذلك الاخير غير فاعل بشكل مباشر مادام يتبنى احكاما مطلقة وجاهزية قيم معينة دون اخرى ، لذلك فان دور الثقافة والمثقف في الازمنة المعاصرة التي نعيش ينبغي ان يتحدد من خلال الانتصار لقيمة الحقيقة المحايثة للوعي الانساني المتجدد والمرتبط بترددات المجتمع وما يعاني من ( استلابات ) كثيرة تسببها مجاميع السلط بمختلف اشكالها السياسية والاقتصادية والاجتماعية من خلال الاهتمام بتطوير اللغة الاجتماعية المخاطبة وتطوير العلاقة الانسانية بين المثقف والعالم الاجتماعي ومن ثم هنالك التداخل بين الشفاف والعرضي وبين العلمي الموضوعي لدى المثقف بحيث يغدو ذلك الاخير قريب الى وعي العالم اليومي وقريب الى ما يحيطه من احداث ومؤثرات اجتماعية سياسية معاشة رغم صعوبة الكلام عن مثقفين امثال جان بول سارتر او ميشل فوكو ودرجة اهتمامهم بالعالم وما يحيطه من ترددات مختلفة للعنف والحروب والانتهاكات التي يواجهها الانسان المعاصر ، خصوصا لدى مجتمعاتنا العربية الاسلامية ، وذلك لان المثقف في النهاية انسان معرض للزوال بفعل مجموعة السلط المهيمنة والتي تحارب الكلمة او تواجه التغيير كمعطى دائم لدى المجتمع . من هنا نجد ان شكل الثقافة التي ينبغي لها ان تؤسس لابد ان تكون مرتبطة بمجموعة من المثقفين الذين يركزون اهتماماتهم البحثية على المجالات التي تخدم التغيير الاجتماعي الافضل والتي تخص العالم الذي اصابه التراجع عن الابتكار والتجديد ، ذلك يتم من خلال توزع المثقف ذاته بين البحثي الاختصاصي وبين السياسي الاجتماعي المعاش من اجل رؤية صحية ومناسبة ومقبولة اجتماعيا للتغيير والانسنة ، كل ذلك يتحدد من خلال العمل على إعادة بناء الثقافة بشكلها الانساني داخل المجتمع وبما يخدم اكثر الطبقات الاجتماعية بحيث لاتغدو الثقافة مجرد اطار او سطح لدى البعض بل هي تمثلا حقيقيا للبحث عن المعنى الجديد الذي يرسخ مديونية الاحترام لقيمة الانسان وليس تأبيدا لعوامل السلطة وتردداتها سواء تعلقت بتأبيدات احترام الزعيم الاكبر او الرئيس المطلق الحكم والسيطرة او المجتمع المسجون ضمن قابليات واحدة ووحيدة تحددها السلطات التقليدية والتي غالبا ما يسيطر عليها الفاعلون الاجتماعيون الذين لايخدمون المجتمع بقدر ما يسعون الى بقاء منافعهم ومصالحهم التي تبررها الانساق الثقافية السائدة ، بحيث يكون ذلك المعنى غير خاضع للتأبيد والانصهار ضمن بوتقة الزمن الكلياني الذي يدور في حلقة مفرغة من الافكار والقيم التي تعمل على ترسيخ النهاية في كل ما يشمل المجتمع من احكام واطر واساليب للتعامل الاجتماعي والسياسي .. الخ ، بل من خلال الاعتماد عليه اي المعنى من اجل تغيير الحياة المجتمعية نحو وجودا افضل وعالما لايسوده التشيؤ والامتهان لكرامة الانسان ووجوده .
#وليد_المسعودي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحريات السياسية ضمن جدلية البناء والتغيير
-
الارهاب والطائفية في العراق - نحو إعادة تشكيل الواقع السياسي
...
-
المعرفة وأدوات البناء في المؤسسة التربوية العراقية
-
أخلاقيات السجن - أخلاقيات العذاب
-
الاعلام العربي .. الى اين
-
مشروع الدولة في العراق بين الطائفة والعرق
-
الفلسفة والدولة
-
تخلف السياسي - تبعية الثقافي
-
ماذا تريد الدولة من المجتمع؟
-
وظيفة الرئيس .. نظرة مستقبلية
-
المواطنة .. وعي مؤنسن داخل المجتمع
-
نحو ستراتيجية عراقية لمواجهة الارهاب
-
الدولة العراقية وآفاق المستقبل
-
المثقف والمؤسسة .. جدلية الرفض والقبول
-
العنف الذكوري ضد المرأة
-
الذات العراقية بين احتلالين
-
المرأة العراقية بين الواقع والمثال
-
أدلجة الحقيقة - عنف المعنى
-
الديمقراطية والحركات السياسية الاسلامية
-
شريعة الافكار
المزيد.....
-
رقمٌ قياسيّ لعملة فضية نادرة سُكَّت قبل الثورة الأمريكية بمز
...
-
أهمية صاروخ -MIRV- الروسي ورسالة بوتين من استخدامه.. عقيد أم
...
-
البرازيل.. اتهام الرئيس السابق جايير بولسونارو بالضلوع في مح
...
-
اكتشاف عمل موسيقي مفقود لشوبان في مكتبة بنيويورك
-
وزيرة خارجية النمسا السابقة: اليوم ردت روسيا على استفزازات -
...
-
الجيش الإسرائيلي يوجه إنذارا إلى سكان الحدث وحارة حريك في ال
...
-
أين اختفى دماغ الرئيس وكيف ذابت الرصاصة القاتلة في جسده كقطع
...
-
شركة -رايان- للطيران الإيرلندية تمدد تعليق الرحلات الجوية إل
...
-
-التايمز-: الغرب يقدم لأوكرانيا حقنة مهدئة قبل السقوط في اله
...
-
من قوته إلى قدرة التصدي له.. تفاصيل -صاروخ MIRV- الروسي بعد
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|