|
العرب بين الغزو الامبريالي والجنون الديني (1)
منذر علي
الحوار المتمدن-العدد: 5859 - 2018 / 4 / 28 - 20:39
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
ألا يلفت الانتباه بروز ترامب في العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين وبروز يلتسن في أواخر العقد الأخير من القرن العشرين ، وقبلهما بروز هتلر و موسوليني في النصف الأول من القرن العشرين؟ إذن ، من الجائز القول بأن الرئيس الروسي بوريس يلتسن كان الوجه القبيح لتفسخ "رأسمالية الدولة السوفيتية" الذي طفا ببشاعته ، كالطحلب على سطح الحياة السياسية ، زعيماً متوجاً في مطلع التسعينيات "، و دونالد ترامب ، يشكل الوجه العنصري القبيح لانحطاط النظام الرأسمالي الغربي والأمريكي ، في طوره الامبريالي الأعلى بشكل خاص، الذي برز على سطح الحياة السياسية ، على غير توقع من كل مراكز البحوث السياسية، بعد حوالي ربع قرن من الزمن عقب صعود نظيره الروسي ، وبعد حوالي ثمانين عامًا على صعود زعيمي النازية والفاشية هتلر و موسوليني. الزعيمان الروسي والأمريكي، يكادان يتشابهان ، في الطول والعرض والوزن ، والجهل ولون البشرة ، ويتناغمان في النزعة العبثية، والشذوذ السلوكي والبذاءة ، كأنهما تؤمان خُلقا من رحم واحد. إنهما التعبيران الأشد بؤساً عن قبح النظام الرأسمالي بوجهيه البيروقراطي والامبريالي، الشرقي والغربي، اللذان لم يعدا يشكلان أفقًا مفتوحًا للأمل سواء للعالم العربي المنكوب ، أو للمجتمع الإنساني المهدد والمعطوب بالفقر والكوارث الإنسانية. وفي هذا الصدد بودي أن استعرض ، وإنْ بإيجاز شديد، ثلاثة أبعاد للمعضلة التي عبرت عنها في عنوان هذه المقالة: الاشتراكية البيروقراطية ، و الأنظمة الرأسمالية ، وموقع العالم العربي، وذلك على النحو التالي: أ) الاشتراكية البيروقراطية فمن جهة نجح النظام السوفيتي في الإطاحة بالنظام القيصري ، الإقطاعي- الرأسمالي، في أكتوبر 1917 ، وقوض الوجود المادي للنظام السابق ، وعلى الصعيد الخارجي تمكن النظام الجديد من فضح مرامي القوى الاستعمارية في تقسيم العالم ، وخاصة العالم العربي ، وساعد حركات التحرر الوطني في أسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية ، ومكنَّها من الخروج والتحرر من أسار الاستعمار الغربي المباشر ، وساعدها على الشروع في التطور السياسي والاقتصادي المستقلين ، و على الصعيد الداخلي قام النظام الاشتراكي الجديد ببناء قاعدة صناعية كبرى، وبناء دولة عظمى ، وهزم الفاشية في عقر دارها ، وأرسل أول إنسان إلى الفضاء ، ومثل حلم البشرية الواعد في مستقبل عادل ومضيء. ومن جهة أخرى قامت النخبة السياسية الجديدة ، التي خلفت النظام القيصري ، سواء بسبب ضيق الأفق السياسي ، عقب موت لينين ، أو بسبب الضغوطات الخارجية والصعوبات الداخلية ، الملازمة لأول تجربة اشتراكية في التاريخ الإنساني في أكثر البلدان الرأسمالية تخلفاً ، بإلغاء ديمقراطية المجالس الشعبية ، وتقويض الوجود الاقتصادي والسياسي للطبقة العاملة ، وخلق نخبة بيروقراطية جامدة ، فاسدة ومفسدة ، متورمة بالأوهام الذاتية ، سُمح لها بأن تحل محل الطبقة الرأسمالية السابقة على الثورة البلشفية ، وأصبحت قادرة على إدارة الدولة الجديدة وتطوير الصناعة الثقيلة وخاصة الحربية ، وإنتاج القنابل والصواريخ العابرة للقارات ، ولكنها غدت، مع الزمن ، وفي ظل الجمود والقمع والانغلاق وغياب الانفتاح والحرية ، عاجزة حتى عن مجرد إنتاج ما يكفي من القمح والحليب والبطاطا لإشباع المتطلبات المادية للسكان. وحينما سقط النظام السوفيتي ، بشكل مدوٍ في مطلع التسعينات ، فأن الدول الاشتراكية التي كانت تدور في فلك ذلك المحور ، باستثناء روسيا الاتحادية الذي تم إنقاذها في اللحظات الأخيرة عبر القيادة الاستثنائية لبوتين ، سارعت للالتحاق بحلف الناتو والاتحاد الأوربي، تحت أوهام أنَّ الأنظمة الرأسمالية ستساعدها على النهوض والتقدم في مسار الحضارة الإنسانية ، ولكنها غرقت في وحل الرأسمالية وعمتها مطاعم الماكدولاند الأمريكية ومشروبات الكوكولا والملابس الغربية الجاهزة، وأدوات التجميل ، واكتسحتها السياحة ، المتلازمة مع تجارة الجنس والأمراض وأنتشر فيها الفقر والعنصرية والنزعات الفاشية ، وخاصة في دول مثل أوكرانيا وبولندا والمجر ودول البلطيق وغيرها.
أما الأنظمة الوطنية التقدمية في العالم الثالث ، التي استلهمت الثورة البلشفية ، ومنها اليمن الديمقراطي ، وكوبا وأنجولا وفيتنام ولاوس وكمبوديا وأثيوبيا وموزنبيق وأنجولا ، فقد تُركت لوحدها ، وغدتْ أشبه بالأيتام على موائد اللئام. وقد حاولت الأنظمة الرخوة منها ، التي كانت تستمد قوتها من الأيديولوجية اليسارية الفجة، المرقعة فوق رؤوس النخب السياسية البلهاء ، الخالية من كل شيء ما عدا الحماسة ، ذات الأصول الريفية ، المنفصلة عن الواقع التاريخي ، المشوشة ، والمشبعة بالأيدلوجيات القبلية والأوهام البدائية ، أن تنتصر على التخلف ولكن بوسائل متخلفة ، فعمدت إلى تحقيق ذلك ليس من خلال الاعتماد على العلم، والتخطيط العلمي والحوار السياسي والتفاعل مع قيم العالم المعاصر، وإنما من خلال الاعتماد على الأناشيد والأوهام ، و الاتكاء على المساعدات الاقتصادية القادمة من المعسكر الاشتراكي، دون خلق بدائل اقتصادية أو علمية داخلية تمكنها من النهوض المستقل. ومع ذلك ، فقد حققت تلك الدول بعض الانجازات ، ولكن ما أنْ بدأت تلك الانجازات، تبرز للعيان ، فأن تلك النخب العمياء سرعان ما اختلفت وتنافرت، بشأن تقاسم مغانم السلطة السياسية ، فاعتمدت على قبائلها المدججة بالجهل والسلاح، تمامًا كما تعمل داعش اليوم ، فانحدرت إلى الصراعات الداخلية ، فأكلت بعضها ، وسقطت على قفاها، كما جرى في اليمن الديمقراطية وأثيوبيا وبضعة دول أفريقية أخرى. أما الأنظمة التي بقيت صامدة ، متحدية العواصف السياسية ، فكانت تلك الأنظمة ، التي تمتلك نخب فكرية طليعية، حيث تمكنت من تجديد رؤيتها الأيدلوجية ، بما يتلاءم مع واقع الحياة السياسية والثقافة القومية لشعوبها ، و خلقت بدائل داخلية ، على صعيد بناء الدولة الوطنية Nation-stat ، وأقامت أسس اقتصادية متينة ، ونجحت في تحقيق نهوض اجتماعي شامل ، وخاصة في مجالي الإنتاج الزراعي والصناعي ، و على صعيدي التعليم والعلوم الطبية ، بسبب توفر القيادات السياسية الملهمة ، والقاعدة الشعبية المستنيرة ، وفي هذا الصدد تحضرني دول مثل الصين الشعبية ، و جمهورية فيتنام الديمقراطية ، و جمهورية كوبا الاشتراكية، وهاتان الدولتان الأخيرتان غدتا ، بدورهما ، ملهمتان ، لكل شعوب العالم ، وبشكل خاص لشعوب أمريكا اللاتينية ولغيرها من الشعوب في آسيا وأفريقيا . ومع ذلك فأنَّ هذه الدول تواجه صعوبات بالغة ،جراء الحصار الاقتصادي والضغوط السياسية المتنامية عليها من قبل القوى الامبريالية، وخاصة الولايات المتحدة. ولكن ماذا بشأن الأنظمة الرأسمالية ذاتها ، ألم تحقق التقدم المنشود ، ألا تشكل منارة الأمل للبشرية المعذبة؟ هذا ما أعتزم مناقشته في الحلقة القادمة.
#منذر_علي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اللعبة الكبرى في سوريا !
-
ما بعد العدوان الغاشم على سوريا!
-
العالم العربي قُبَيْلَ العدوان المرتقب !
-
كفى صراعًا : علي ومعاوية تصالحا، يا جماعة!
-
أبشركم: اليمنيون سينتصرون!
-
العرب التعليم الديني والمستقبل
-
مجرد تساؤلات في ضوء المحنة اليمنية!
-
اليمن وعلي سالم البيض وحكم التاريخ!
-
تأملات في دلالات الأحداث الأخيرة في اليمن !
-
جار الله عُمر سيبقى مشرقاً كالحقيقة!
-
اليمن الوضع القائم والاختيارات الممكنة
-
لنوقف الحرب ونتصالح صوناً لليمن (2)
-
لنوقف الحرب ونتصالح صوناً لليمن (1)
-
أضوء على العلمانية
-
الضمير الإنساني والموقف السياسي!
-
أي وطن هذا الذي نحلم به؟
-
ما الوطن ؟
-
حتى لا نفقد البوصلة تحت وقع المحنة!
-
كيف نتجاوز التخلف؟
-
الأميرُ الغِرُّ يغدو ملكاً!
المزيد.....
-
ما تقييم أمريكا بشأن احتمالية قيام إسرائيل بتوغل بري في لبنا
...
-
-سي إن إن-: الجيش الإسرائيلي يستعد لاجتياح بري محدود للبنان
...
-
ضابط أمريكي سابق: الغرب يواجه مشكلة في تجهيز جنود مؤهلين للق
...
-
رئيس برلمان تركيا: انضمام بلادنا إلى -بريكس- سيفيد العالم كل
...
-
هل تؤثر الكتب الإلكترونية على صحة العين؟
-
شقيقة كيم جونغ أون: المساعدة الأمريكية لكييف هي خطأ فادح يدف
...
-
إيران تدعو لعقد اجتماع طارئ لمجلس الأمن الدولي بعد اغتيال نص
...
-
الظهور الأخير لأمين عام حزب الله اللبناني حسن نصر الله قبل ا
...
-
سالدو: المحققون الروس جمعوا مئات المجلدات حول جرائم نظام كيي
...
-
مصادر: نصرالله كان أكثر حذرا بعد تفجيرات البيجر
المزيد.....
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
-
حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2)
/ جوزيف ضاهر
المزيد.....
|