|
الجزائر في مواجهة المد الوهابي الجديد
بلعمري اسماعيل
الحوار المتمدن-العدد: 5859 - 2018 / 4 / 28 - 05:26
المحور:
المجتمع المدني
مرة أخرى يعود الجدل حول المرجعية الدينية في الجزائر و حول الجهة الوصية و المخولة لضمان هده المرجعية و حمايتها. و مرة أخرى يكون عودة الجدل بفعل تصريحات يطلقها أحد رموز التيار السلفي المدخلي في البلاد و اللذي دأب بين الفينة و الأخرى على اصدار توجيهاته لمريديه عبر بيانات دورية يحرص هؤلاء المريدين على ترصدها بتلهف و العمل بما فيها بالتزام. ليس الأمر جديدا اذا لكن الجديد هو مدى الصدى اللدي بلغه الجدل هذه المرة و اللذي يحمل في معانيه رسائل خطيرة تستحق التوقف عندها بأمعان. الأمر يتعلق باصدار يبين فيه شيخ المدخلية في الجزائر لمريديه من الأحق من غيره بلقب أهل السنة و الجماعة و يحرص فيه على اقصاء من أسماهم بأهل الأهواء و هم كما صرح كل مخالف من المتصوفة و نحوهم. الجدير بالاهتمام هي جرءة التيار المدخلي الغير معهودة . واللدي يظهر أنه تخلى عن بعض المهادنة و التقية اللتي كان يلزم بها نفسه و صعَد من خطابه بما يوحي أنه اكتسب بالفعل ثقة بالنفس يغديها التكاثر السريع لأتباعه. و هو تكاثر شديد الخطورة أصبح ملموسا في كل مكان و بشكل أكثر فعالية مما كان عليه انتشار الاسلام السياسي أو ما يسميه الاسلاميين بالصحوة نهاية الثمانينات و بداية التسعينات. " إن الارهاب قد دحر لكن الاصولية بقيت سليمة" عبارة الجنرال محمد العماري القائد السابق للأركان تجد التصديق الكامل لها اليوم في الميدان . واليوم أكثر من اي وقت مضى. الأصولية ليست سليمة فحسب بل و تتمدد. إنها تتمدد يبن شباب عشريني لم يعايش سنوات الارهاب الاسلامي و لا السنوات اللتي سبقت ذلك و اللتي تميزت ببروز زعماء ما يسمى بالصحوة و هي سنوات شديدة الشبه بسنواتنا هذه. الأخطر أن المد الأصولي ينعم اليوم بتكنولوجيا الاتصال اللتي لم يكن يحلم بها اصحاب الصحوة. بماذا يتعلق الأمر اذا ؟ أين و كيف ينتشر هذا المد و وسط من ؟ أذكر قبل سنوات قليلة عندما كنت أتردد على مبنى وزارة الشؤون الدينية و الأوقاف لأجل اتمام مذكرة تخرج حول الاقليات الدينية في الجزائر تلك اللقاءات اللتي كانت تجمعني بالوزير الحالي السيد محمد عيسى . بصفته يومها مدير مركزي مكلف بالتوجيه الديني و تعليم القرآني بوزارة الشؤون الدينية والأوقاف و مفتش عام وزارة الشؤون الدينية. وجدته رجل مثقف و واعي و الأهم من ذلك رجل صريح. إعترف بأسف و صراحة بضعف مستوى الأئمة و الخطباء و قلة عددهم لتأطير 15 ألف مسجد عبر التراب الوطني. لكن الأهم من ذلك و هذا اللذي استوقفني يومها و من حينها الى اليوم هو تركيز الوزير الحالي و معه التوجه العام للسلطة على ما أسماه الطوائف الدخيلة و على خطرها المزعوم على الامن و السلم الاجتماعي للبلد. ذكر فيما ذكر خطر التبشير المسيحي الانجليكاني و ذكر عرضا التشيع. و اذكر يومها انني قلت له انه لم يكن في الجبال ارهابي شيعي واحد بينما كان هناك عشرات الالاف من الارهابيين السلفيين الوهابيين. و فهمت من صمته انه موافق و متحفظ أمام طالب مجهول. و في الجامعات و الاحياء و القرى اللتي كنت أزورها لم يكن الخطر الوهابي ظاهرا يومها فالبلد خارج لتوه من حرب طاحنة انهكت مجتمعا عازما كل العزم على نسيان الماضي القريب و الهروب من ذكريات سنوات الدم. مجتمع لا يبدوا قابلا الآن لتكرار تجربة تبين له نتائجها الكارثية. مجتمع وصل أخيرا و بعد دفع ثمن باهض الى قناعة راسخة بعدم الانسياق وراء تجار الدين. من في السلطة يومها و في أجواء كهذه بامكانه أن يرى خطورة شرذمة سلفية منبوذة منهكة و مهادنة. كان الجيل اللذي سيدخل الجامعات و يصير في سن حمل السلاح اليوم قد ولد قبل اشهر و سنوات قليلة جدا. جيل لم يشهد الخطب النارية في المساجد و لا الآدان اللدي يرفع من المساجد للجهاد ضد الطاغوت و لا بيانات الجماعات الارهابية المعلقة على الجدران و لا صوت القنابل و الرصاص و لا صور و أخبار المجازر الجماعية. و عندما لا نعايش كل ذلك فاننا لا نشعر بالضرورة بالحاجة الى التسائل عن الفاعل و لا عن الدافع. عندما اختارت السلطة طريق المصالحة شددت على اغلاق باب الحديث في هدا الماضي القريب. شجعت النسيان و نسي الجميع سريعا حربا وحشية لم تكن دماء ضحاياها قد جفت بعد. ونشأ جيل جديد في أمن و بحبوحة الطفرة النفطية و مع بروز و انتشار تكنولوجيا التواصل الاجتماعي و سهولة الوصول اليها. بدا انه جيل تافه لاه و مسالم لا و لن يمثل خطرا على النظام. حتى عندما بدأت بعض شعوب المنطقة تثور على أنظمتها لم يكن خطر العدوى فعليا. لا شيئ يخيف نظام قوي غني و منصور برعب العشرية الحمراء في مواجهة جيل بلا هوية. ما اللذي تغير اذا حتى بدأ هدا الجيل يرتمي في حضن الاصولية الوهابية ؟ شيئان أساسيان. غياب عزيمة واضحة لدى السلطة لمواجهة الاصولية. و الفراغ اللذي تكرهه الطبيعة و يملؤه اليوم كهنة الوهابية المدفوعين بثقة المجانين لاتمام الرسالة اللتي بدأها قبل قرون مجنون نجد. هذا الفراغ اللدي يصنعه الغياب المؤسف لرجل دولة كاريزمي يترقب الجميع ظهوره. يصغون لقوله و يعظمونه في أنفسهم. رجل تجمع له قوانين الدولة كل الصلاحيات و تكون له الشجاعة لممارستها بحزم. فراغ صنعه اذا غياب رجل على راس الدولة. رجل قادر على الكلام و المشي و فرض احترام دولة القانون و يكون بذاته رمزا للبلد و مرجعا لهؤلاء الشباب. ان رجلا مشلولا و أبكم لا يزن شيئا في مخيلة هؤلاء أمام كاهن مستتر بقدسية الدين اللذي يدينون به و يحضى بمجال انتشار خصب بين ملايين شباب المدن و الاحياء الشعبية. شباب سطحي .عنيف و مكبوت يبحث عن رمز يمثل القوة يمكن أن يمنح اتباعه الشعور السحري بالثقة في وجه النظام و المجتمع و الغير. في غفلة اذا من السلطة و اجهزتها و في غياب الشجاعة و الحزم يتمدد الفكر الوهابي مجددا بين شباب الأحياء الشعبية المؤهلين أصلا للعنف بكل اشكاله و مستفيدا من تكنولوجيا التواصل الاجتماعي و من وهن السلطة و رأسها. و في المستقبل القريب ستجد الحركات الارهابية مسلحة الخزان المناسب للتجنيد.أو في أحسن الأحوال سينمو في هدا المجتمع تيار أصولي ظلامي معادي لكل مشروع حضاري و سيخوض معاركه بضراوة في سبيل دلك كما هو الحال اليوم مع المنضومة التربوية
#بلعمري_اسماعيل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نور الدين بوكروح, محنة مثقف جزائري
-
الغزو الأعرابي لشمال إفريقيا
-
هل لحرية التعبير حدود؟
-
الربيع الأمازيغي, ءانتصار ثم ءانكسار (2/2)
-
الربيع الأمازيغي, ءانتصار ثم ءانكسار (1/2)
-
بن نبي و -ابن عم عبّان-, صراع العقل و اللا عقل
-
AKHETONA YA ARABES أخطونا يا عرب
-
, أصل العنجهية القبائلية berbérisé pour régner
-
البربرة من أجل التحكم (Berbériser pour régner)
-
في أرض الاءسلام, الصليب أعلى
-
الصحراء الغربية و امكانية العودة الى الكفاح المسلح, المشروعي
...
-
بوتفليقة و معركة الفساد, الوهم و الحقيقة
-
الربيع العربي هل يسقط خرافة الجزائر عربية
-
لكل ثورة فتوى و فتوى مضادة, و لكل فتوى ثمن
-
أيّها الوطن الناكر للجميل, لن تكون لك عظامي
المزيد.....
-
DW تتحقق من معلومات مضللة حول المهاجرين قبل الانتخابات الألم
...
-
DW تتحقق في معلومات مضللة حول المهاجرين قبل الانتخابات الألم
...
-
اقتحامات واعتقالات في الضفة الغربية
-
فنلندا: تراجع عدد طالبي اللجوء بنسبة 45% والسلطات توقف دراسة
...
-
لندن: اعتقال ستة أشخاص خلال مظاهرة لدعم زعيم منظمة يمينية مت
...
-
تبادل الأسرى بين غزة وإسرائيل.. خطوات منظمة تحت إشراف الصليب
...
-
العراق يوافق على توصيات مجلس حقوق الإنسان الدولي
-
الفلسطينيون يستقبلون المزيد من الأسرى
-
البنتاغون يرحل المهاجرين إلى غوانتانامو خلال أيام وفنزويلا ت
...
-
الضفة المحتلة تستقبل الأسرى المحررين.. فرحةٌ منقوصة وشهادات
...
المزيد.....
-
أسئلة خيارات متعددة في الاستراتيجية
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|