|
الإضرابات العمالية في العراق: محاولة للتذكير! - الجزء الأول
شاكر الناصري
الحوار المتمدن-العدد: 5856 - 2018 / 4 / 25 - 13:32
المحور:
ملف الأول من أيار عيد العمال العالمي 2018 المعوقات والتحديات التي تواجهها الحركة العمالية والنقابية في العالم العربي
الأصل من هذه الكتابة التي تأتي تزامناً مع الاحتفال بالأول من آيار يوم العمال العالمي، هو محاولة للتذكير بعدد من الإضرابات العمالية التي خاضها عمال العراق، منذ 1876 وحتى 1968، بعض هذه الإضرابات تركت أثرها على أوضاع الطبقة العاملة، وعلى الحياة السياسية في العراق. الإضرابات التي سيتم الحديث عنها، لم تكن هي الإضرابات الوحيدة التي خاضها عمال العراق، فتاريخهم مليء بالإضرابات التي تواصل بعضها لأيام عديدة ونجح في تحقيق المطالب التي أنطلق من أجلها. ولكننا نسعى هنا للتعريف بعدد من الإضرابات التي وقعت في أزمان مختلفة، وفي ظروف سياسية واقتصادية مختلفة جدا، ومن خلالها يمكن ملاحظة التطورات التي حدثت في بنية الطبقة العاملة في العراق بالتزامن مع تطور القطاعات الاقتصادية والصناعية، السكك الحديدية، والموانيء، والنفط، والغزل والنسيج وغيرها الكثير من القطاعات. تلك التطورات التي ساهمت في زيادة ثقة الطبقة العاملة بنفسها وبقدرتها على أن تكون طبقة اجتماعية فاعلة ويمكنها الدفاع عن حقوقها. وفي محاولة التذكير هذه، لابد من التطرق إلى مواقف السلطات الحاكمة في العراق المناوئة للعمال ودفاعها المستميت عن أرباب العمل وأصحاب رؤوس الأموال وعن الشركات الاجنبية وترك العمال تحت سطوتها لتمارس بحقهم أبشع الإنتهاكات والتمييز العنصري والطرد الكيفي من العمل وفرض شروط عمل لا إنسانية وتؤكد مساعي هذه الشركات وتعطش رؤوس الاموال الى الربح فقط بغض النظر عما يعانيه العمال او ظروف العمل التي يؤدون أعمالهم تحت وطأتها.
لم تتوانى السلطات الحاكمة عن استخدام العنف المسلح وممارسة القتل الجماعي وأطلاق النار العشوائي على العمال من أجل دفعهم لإنهاء إضراباتهم، وكذلك سعيها لإحياء القيم والأعراف العشائرية للضغط على العمال وقادتهم وتهديدهم بالطرد من هذه العشيرة او تلك، إن لم يتخلوا عن الإضرابات أو يعلنوا انسحابهم منها.
في العديد من هذه الإضرابات تجلت قدرة العمال على تنظيم أنفسهم، دون نقابة، أو حزب سياسي، من أجل مواجهة السلطة أو الشركات وأرباب العمل للمطالبة بحقوقهم المشروعة والمتمثلة في زيادة الأجور، وحق التنظيم النقابي ووجود قانون عمل يحمي العمال ويحدد ساعات العمل، وحق الرعاية الصحية والتعويض عن اصابات العمل وووو مطالب اخرى عديدة.
إن الهدف من التذكير بإضرابات عمال العراق، أنما هو محاولة للتذكير بهذه الطبقة والدفع بإتجاه إعادة قراءة تاريخ نضالاتها وقدرتها الحقيقية على التنظيم والمواجهة من أجل الحقوق، وامكانية التحول إلى قوة اجتماعية وطبقية مؤثرة، والتصدي لمحاولات محوها من الوجود والاستخفاف بدورها في عراق اليوم، حيث يتردد سؤال ماكر وعدائي: هل توجد طبقة عاملة في العراق؟.
سيتم الحديث عن هذه الإضرابات بشكل مختصر ودون الخوض في تفاصيلها ووقائعها، او في دور القوى السياسية المحرضة عليها او التي ساهمت في اطلاقها، على أمل أن يساهم هذا التذكير في تنشيط همة الذين يعنيهم أمر الطبقة العاملة في العراق وحركتها الاجتماعية والطبقية.. وفي الوقت نفسه، سيتم ذكر العديد من المصادر التي يمكن الاطلاع عليها بشكل أوسع من هذه الكتابة، ومعرفة التفاصيل والاسماء والتواريخ وردود فعل السلطات الحاكمة ودور الاحزاب في هذه الإضرابات، الحزب الشيوعي العراقي تحديداً.
إضراب عمال السدود في لواء المنتفك 1876
ما سجلته الصحافة التي تصدر في أسطنبول1، عاصمة الدولة العثمانية، في ١٨٧٦، عن إضراب عمال السدود في لواء المنتفك، الناصرية حاليا، يجعلنا نقف امام أول إضراب عمالي، موثق في الصحافة التي كانت تصدر آنذاك، والتي تحدثت عن وقائع الإضراب الذي قام به عمال في المناطق التي تخضع لسطوة وسلطة الدولة العثمانية، وضمن شروط تلك المرحلة حيث شاع التخلف الاقتصادي والصناعي وغياب أي ملامح تحديثية في البنى والمؤسسات الاقتصادية، معامل وورش صناعية، رغم المساعي التي بذلها مدحت باشا، في عام 1869، لتحديث الاقتصاد والصناعة في العراق بعد أن أوعز باستيراد معدات ومكائن وتوسيع "العبخانة" معمل النسيج الذي أسسه سلفه نامق باشا في بغداد. وتأسيس تراموي بغداد، و مطبعة حديثة تدار بالبخار، والاهتمام بورش تصليح الأسلحة...الخ. جاء الاضراب نتيجة للضغط والإكراه الكبير الذي تعرض له العمال الذين يقومون بتشييد أحد السدود، الضغوط المتمثلة بعدم دفع الأجور والعمل لساعات طويلة " من بزوغ الشمس وحتى مغيبها". إلاّ أنَ متصرف الناصرية، آنذاك، ناصر السعدون، والذي كان هو شيخ عشيرة أصلاً، تمكن من إجبارهم على العودة إلى العمل تحت تهديد السلاح وتهديدات شيوخ العشائر.
إضراب دباغو الأعظمية 1912
وبعد عدة سنوات من إضراب عمال السدود في لواء المنتفك، شهدت بغداد، أول اضراب عمالي، تحدثت عنه الصحافة الصادرة آنذاك، حيث أعلن دباغو الأعظمية، في أواخر خريف ١٩١٢، الإضراب عن العمل بسبب قلة الأجور ولن يعودوا إلى أعمالهم حتى تتم زيادتها، وقد تحقق لهم ذلك بعد مفاوضات مع رئيس صنف الدباغين الشيخ عبد الرزاق الجلبي*2 الذي أقنعهم بإنهاء الإضراب والعودة إلى العمل بعد تلبية مطلبهم المتمثل بزيادة الأجور اليومية.. ولم يكتف دباغو الاعظمية بما تحقق، بل أعلنوا الإضراب مرّة أخرى في أوائل كانون الأول عام ١٩١٣، حيث برزت أول قيادة عمالية تدير الإضراب وتوجه العمال إلى مطالبهم وما يتوجب عليهم فعله في مواجهة الضغوط التي يتعرضون لها. كان عبد الهادي الأعظمي هو قائد ذلك الإضراب العمالي الذي تمحور حول زيادة الأجور بمقدار ٢٥٪، وقد أضطر أصحاب المعامل إلى تحقيق رغبتهم، فعادوا إلى ممارسة أعمالهم. إضراب عمال الميكانيك في البصرة عام 1918.
وبعد أن أصبح العراق تحت الاحتلال البريطاني، أوجد الانكليز دائرة خاصة للعمل ووضعوها تحت إمرة ضابط برتبة جنرال يتبع رئاسة الأركان البريطانية بشكل مباشر. وكان على العامل وقبل البدء بعمله بشكل رسمي أن يوقع على تعهد في ثلاثة شروط، قاسية ولاإنسانية. أولا: أعلم بأني أجير معرضاً إلى القانون العسكري وأكون تحت أمر قومندان قطعة الجيش التي أتعين لها، وأيضاً أكون تحت أمره بما يختص بالتربية " حسن السلوك" وغير ذلك من تاريخ إستخدامي. ثانياً: أتعهد بأني أذهب إلى أي مكاني يأمروني به رسمياً وأتعهد أيضاً بأني أخدم مدة ستة أشهر من هذا اليوم وأعرف بأني لو أريد الاستعفاء من وظيفتي في أي وقت كان بعد نهاية هذه المدة يلزمني أن أخابر الضابط الذي أنا تحت أمره قبل الوقت بشهر. ثالثاً: أعترف بأني معرض إلى العزل أي وقت كان، وهذا بسبب سوء الأخلاق والأمراض والإستغناء عن خدماتي*. لم يكتف الأنكليز بكل هذا، بل قسموا العمال حسب الطوائف والقوميات وأن يكون هناك زي موحد للعمال حسب طوائفهم وقومياتهم. العمال العرب من السنة يرتدون كوفية حمراء وعقالاً أسود، بينما العمال من الشيعة كوفية زرقاء وعقالاً أبيض!!!*3 وكان كل إجراءات دائرة العمل المذكورة تهدف إلى فرض أبشع أشكال الاستغلال على العمال العراقيين وتسخيرهم لخدمة شركاتها وقطعات جيش الاحتلال...
وفي ظل أوضاع كهذه تحولت الشركات الاحتكارية إلى قوة كبرى في العراق، سياسياً واقتصادياً، تحظى بحماية السلطات الحاكمة آنذاك، مهما كانت قسوة ممارساتها بحق العمال الذين أصبح التفكير بأوضاعهم وأجورهم وشروط عملهم القاسية الشغل الشاغل لهم، فخاض العمال في العراق سلسلة إضرابات تهدف لنيل حقوقهم المشروعة ومعاملتهم إسوة بالعمال الانكليز الذين يقومون بنفس الأعمال. لكن اضراباتهم تلك كانت تواجه بردود عنيفة من السلطة والقوى الأمنية وفي أحيان كثيرة كان العمال يتعرضون لأطلاق الرصاص والاعتقال والمحاكمات والفصل من العمل. يشكل اضراب عمال الميكانيك في معمل الدوكيارد "المعمل الذي أنشأته شركة لنج لتصليح البواخر النهرية والزوارق في شط العرب"4 أول اضراب عمالي في العراق الذي يخضع لسطوة وسلطة الاحتلال البريطاني. جاء الإضراب بعد أن رفضت الشركة البريطانية تلبية مطاليب العمال بزيادة الأجور والمساواة مع العمال الأجانب من ناحية الأجور والاجازات.. لم ينجح الإضراب بسبب تدخل السلطات والتهديد بالسلاح.
المصادر 1.كمال مظهر أحمد.. الطبقة العاملة في العراق (التكوّن وبدايات التحرّك)..دار الرشيد للنشر، بغداد 1981، ص 33. 2. كمال مظهر أحمد، المصدر نفسه، ص 34. 3 كمال مظهر أحمد نفس المصدر، ص 43. 4.عبد السلام الناصري -أبو نصير- معارك طبقية، منشورات الطريق الجديد
#شاكر_الناصري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اصلاحات العبادي تتسبب في زيادة الفقر في العراق..!!
-
عن محنة رقية وأهلها مع كتاب العلوم!
-
سمير صالح الذي عاد من جحيم أقفاص الأسر إلى جحيم العراق!
-
-مُجرّد أُنثى- للكاتبة الدنماركية ليزا نورغورد: سيرة امرأة،
...
-
هل تُرك مسعود البارزاني وحيداً؟
-
صناع الفشل...!
-
اليسار العراقي: دعوات التحاور والعمل المشترك، وبلاغ الحوار ا
...
-
حرية الرأي والتعبير في ظل نظام المحاصصة الطائفية
-
الأول من آيار: نشيد الأمل، ونشيد الموت!
-
عن العراق، ونظام المحاصصة الطائفيّة الذي يجب اسقاطه
-
الصّحوة الإسلاميّة: السّلطة والطائفيّة
-
صرخة رفض
-
ديمقراطيّة عالم اليوم!
-
تنّورة قصيرة
-
أسئلة ما بعد الموصل
-
عن الحبّ وأشياء أخرى
-
المسكوت عنه: تجنيد المرتزقة في العراق!
-
العلمانيّة والإصلاح ومقتدى الصدر
-
مثلك تماماً، لست ممتعصاً من دفقِ سردك
-
خداع السلطات الحاكمة!
المزيد.....
-
تحقيق CNN يكشف ما وجد داخل صواريخ روسية استهدفت أوكرانيا
-
ثعبان سافر مئات الأميال يُفاجئ عمال متجر في هاواي.. شاهد ما
...
-
الصحة اللبنانية تكشف عدد قتلى الغارات الإسرائيلية على وسط بي
...
-
غارة إسرائيلية -ضخمة- وسط بيروت، ووسائل إعلام تشير إلى أن ال
...
-
مصادر لبنانية: غارات إسرائيلية جديدة استهدفت وسط وجنوب بيروت
...
-
بالفيديو.. الغارة الإسرائيلية على البسطة الفوقا خلفت حفرة بع
...
-
مشاهد جديدة توثق الدمار الهائل الذي لحق بمنطقة البسطة الفوقا
...
-
كندا.. مظاهرات حاشدة تزامنا مع انعقاد الدروة الـ70 للجمعية ا
...
-
مراسلتنا: اشتباكات عنيفة بين -حزب الله- والجيش الإسرائيلي في
...
-
مصر.. ضبط شبكة دولية للاختراق الإلكتروني والاحتيال
المزيد.....
-
حول مفهوم الطبقة العاملة
/ الشرارة
-
الإضرابات العمالية في العراق: محاولة للتذكير! - الجزء الأول
/ شاكر الناصري
المزيد.....
|