أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - توفيق أبو شومر - قصص الفقر في غزة














المزيد.....

قصص الفقر في غزة


توفيق أبو شومر

الحوار المتمدن-العدد: 5856 - 2018 / 4 / 25 - 06:24
المحور: حقوق الانسان
    


رأيتُ الفقرَ يمشي في طُرقها وأزقتها، يستعرضُ بجحافل جيشه سطوتَه على المتجولين والباعة وعلى الشوارع والأسواق، يفرضُ على الباعةِ رفع الصوت لإغراء بعض مَن يملكون في جيوبهم ثمنَ البضاعة، طرَدَ الفقرُ كثيرين مِن مدمني التسوق، الذين خَشَوا عواقبَ شهواتهم، وطلباتِ أبنائهم، بعضُهم خرقَ الحصارَ، يُغازلون البضائعَ عن بعد، يشتهونها في قرارة أنفسهم، ولكنهم يُشيحون بوجوههم عنها، وفق مقولة الزاهدين الحكماء، من سلالة الفلاسفة الكلبيين، الرُواقيين الذين كانوا يفتخرون بحكمتهم الخالدة، وهم يجولون في الأسواق يقولون بفخرٍ واعتزاز:
"ما أكثر الأشياء التي لا نحتاجها!!"
اصطادني صاحبُ دكانٍ، في منتصف النهار، وأقسم أنني زبونه الأول لهذا اليوم، جلستُ على مقعدٍ غير وثيرٍ، في دكانٍه المختصِّ بتنظيف الدجاج، في أكثرٍ أسواقِ غزة ازدحاما، قبل أن يُداهمه الفقرُ بجحافله، ويطردُ منه المشترين،
ألجأ الفقرُ الغزيين إلى الحدائق العامة، هروبا من عيونِ أبنائهم، يُنشدون فيها أشهى الأشعار، هجاء الفقر وجحافله، يتبادلون قصص الذين سجنهم الفقرُ، في سجونِ غزة الممتلئة بالغارمين، يحكون قصص حالات الطلاق والانفصال، بسبب أسافين جحافل الفقر.
اتَّخذ الفقرُ من السوقَ الرئيس مقرا لجحافله الجرَّارة، باعتبارِه السوقَ المركزي الرئيس، طردَ منه زبائنَه، وأبعدَ زائريه.
لم يَعُد صرَّافُ النقود، الذي يجلسُ على كرسيٍ صغير وسط السوق يمسكُ برُزَمِ النقودِ بين يديه كعادته في يوم العُطلة، أخفى بقايا نقوده في جيبه.
بينما كنتُ أراقبُ الشارعَ الفارغَ، ظهرَ رجلٌ في الخمسين مِن عمرِه، يلبس لباساً جيدا مهندما، يحمل في إحدى يديه كيسا من النايلون الأسود.
أحسستُ بأن لي رفيقٌ في السوق، لم يُطبق الفقرُ على خِناقه بعدُ، ابتسمتُ وأنا أتابعه،
تجاوزني، بدون أن ينظر إلى وجهي، أو يطرح السلامَ، أبعدَ قدميَّ عن الطريق الضيق بجسمه النحيل، تسلَّلَ بخِفَّةٍ إلى حيثُ يقوم صاحب المحل بتنظيف دجاجتي!
كنتُ أتابعُه حينَ فتحَ كيسَ النايلون الأسود لصاحب المحل، همسَ له بكلماتِ ، لم أسمعْها، قال له صاحبُ المحل بصوتٍ مسموع، وهو يبتسم بمرارة:
انظرْ إلى الأقفاص، فهي مملوءة، أشار بيده إليَّ وقال:
إنه الزبون الوحيد طوال اليوم، ها هو اليوم يوشكُ أن ينتهيَ!
طأطأ الرجلُ رأسَه بسرعة، خرج يستحثُّ الخُطى بعيدا، سألتُ صاحبَ المحل:
ماذا كان يُريد منك؟
قال بكلماتٍ يملؤها الأسى:
أعرفُهُ فهو زبونٌ دائمٌ لي، إنه موظَّفٌ لم يتلقَ راتِبَه هذا الشهر، جاء هذا اليوم، لا ليشتريَ كعادتِه، بل ليبيعني زوجا من فراخ الحمام، اعتاد أن يُربيه فوق سطح بيته، ليأكلَه هو وأفراد أسرته، يريد بيعه، واستبداله بالنقود ليُنفقَ على أسرتِه المكونة من سبعة.
أفسدَتْ صورةُ الرجل الذي يحمل في يده كيسا أسودَ شهيَّتي للطعام، بعد أن استوطنَ الفقرُ في لحم دجاجتي!
أما قصةُ الشابُ اليافعُ، الذي لم يبلغ الثلاثين، تابعْتُه عن بُعد، وهو يُخفِي نصفُه الأعلى في حاويةِ القمامة، يقف على أطراف أصابعه، عثرَ هذا الشابُ على شيء في حاوية القمامة، أخرج نصفَه المُختفي من الحاوية، رأيته يبتسم، وكأنه قد وجد شيئا ثمينا.
ثم، شرعَ يبحث عن حجرين، يكسر بهما بذرةَ لوزٍ، ظفرَ بها من أحد الأكياس، وضعها في فمه وابتسم!
أما القصة الثالثة، فهي قصةُ فتاةٍ أجبرتها سلطاتُ الفقر أن تلبس النقابَ والحجاب الكامل الأسود، لأنها لا تملك شراءَ ملابس جديدة، تستطيع بها أن تُجاري ألبسة الفتيات الجامعيات من مُجايلاتها، ادَّعتْ أمام زميلاتها، اللاتي استغربنَ نِقابها المفاجئ، بأنها اقتنعتْ بتغيير أسلوبها في الحياة، وفق طلب أخيها الذي ينتمي إلى تيارٍ سلفي.
غزة هي المدينة الوحيدة في العالم، التي جرَّبتُ كل أصناف المآسي، وهي الوحيدة أيضا التي خرجتْ من كلِّ مأساة قويةً صُلبة، وهي فريدة بين مدن العالم، لأنها رفعتْ شعارا يقول:
"النارُ تحرقُ الخشبَ، ولكنها تُقوِّي الحديد، تُحوِّلُهُ من حديدٍ مُطاوعٍ، إلى حديدٍ صُلبٍ"!



#توفيق_أبو_شومر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الغزل الصاروخي
- ما بعد ابن خلدون!
- دبلوماسي من سلالة هارونّ
- دبلوماسية الأقدام
- يحدث في دولة الديموقراطية
- عدو اليونروا
- أمنيتان لشابين
- حاخام، وثلاثون زوجة!
- مهاجرون إلى شبكات التواصل
- صاحب المخطط المشهور
- بريد بولندا
- المحرِّض الهرمجدوني
- إعلام التضليل
- متابعة قرار التقسيم
- صعودنا للشمس، وصعود ترامب للقمر
- بطل العراقيب
- ماذا قالت ميري ريغف لأبي مازن؟
- وجه آخر لديموقراطية إسرائيل
- ضحايا صفقة القرن
- رقصة حورا تقسيم فلسطين


المزيد.....




- غرق خيام النازحين على شاطئ دير البلح وخان يونس (فيديو)
- الأمطار تُغرق خيام آلاف النازحين في قطاع غزة
- 11800 حالة اعتقال في الضفة والقدس منذ 7 أكتوبر الماضي
- كاميرا العالم توثّق معاناة النازحين بالبقاع مع قدوم فصل الشت ...
- خبير قانوني إسرائيلي: مذكرات اعتقال نتنياهو وغالانت ستوسع ال ...
- صحيفة عبرية اعتبرته -فصلاً عنصرياً-.. ماذا يعني إلغاء الاعتق ...
- أهل غزة في قلب المجاعة بسبب نقص حاد في الدقيق
- كالكاليست: أوامر اعتقال نتنياهو وغالانت خطر على اقتصاد إسرائ ...
- مقتل واعتقال عناصر بداعش في عمليات مطاردة بكردستان العراق
- ميلانو.. متظاهرون مؤيدون لفلسطين يطالبون بتنفيذ مذكرة المحكم ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - توفيق أبو شومر - قصص الفقر في غزة