تامر سلامة
الحوار المتمدن-العدد: 5854 - 2018 / 4 / 23 - 00:06
المحور:
القضية الفلسطينية
تميزت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين منذ انطلاقتها , بصلابة مواقفها الوطنية و حياديتها التامة على مر الصراعات الفلسطينية -الفلسطينية و الصراعات الفلسطينية مع الأنظمة العربية , و كانت متحيزة دوماً للمصلحة الوطنية العليا و ما تقتضيه تطلعات الشعب الفلسطيني و طموحاته على طريق نيل الحرية و الاستقلال و العودة للأراضي الفلسطينية و حقوقنا الوطنية كاملة دون انتقاص منها .
لكن ما تناله الجبهة الشعبية للأسف تهجماً يتراوح ما بين الإشاعات و المسبات البسيطة التي نسمعها في الشارع الفلسطيني و التهجم العنيف المبني على الخلافات السياسية مع قوى اليمين الفلسطيني بسبب مواقفها التي لا تنبت بصلة لمشورعهم التصفوي للقضية الفلسطينية , بل و تصل لفرض عقوبات مالية و سياسية عليها من قبل قيادة منظمة التحرير الفلسطينية التي كانت تعتبر بيتاً جامعاً للكل الفلسطيني , و تحولت في مرحلة ما بعد أوسلو إلى مؤسسات خاصة يديرها الرئيس الفلسطيني و رئيس حركة فتح محمود عباس , حيث طغى عليها الطابع التحزبي العميق المنحاز لحركة فتح و ممثليها في اللجنة المركزية للمنظمة حيث أن أغلب القرارات و المؤتمؤات أصبحت مجرد مؤتمرات صورية تهدف لمبايعة قرارات حركة فتح و السلطة الفلسطينية و قيادتها , بل و تنتهج بعض الأحزاب الأخرى سياسة التسحيج و التماهي مع تلك القرارات , حيث أن التفرد بالقرار أصبح السمة الظاهرة للمنظمة , و أي تعارض أو معارضة واضحة كانت أو من تحت الطاولة تلاقى بالعقاب و القمع من قبل رئاسة السلطة الفلسطينية و المنظمة .
حيث أن الجبهة الشعبية كانت خصماً معارضاً لأي مشروع تصفوي و غير وحدوي تفرزه منظمة التحرير , حيث رفضت أوسلو و الإعتراف بإفرازات هذا الإتفاق الذي قيد الشعب الفلسطيني إقتصادياً و سياسياً بدولة الإحتلال و أدى لتراجع واضح المعالم من حيث المبادىء و الثورة في وجه الصهيونية و دولة الإحتلال , بل و قزم القضية الفلسطينية في عيون غالبية فئات الشعب الفلسطيني لقضية إستفادة و البحث عن البدائل و الكابونات و وظيفة السلطة الفلسطينية , مما أدى لتغييب الفكر الثوري الواعي المنتفض و تقليله ما بعد مرحلة أوسلو المشؤومة .
و حتى بعد سيطرة حركة المقاومة الإسلامية -حماس – , على قطاع غزة بقوة السلاح بعد فوزها بالانتخابات التشريعية عام 2006 , بقيت الجبهة الشعبية على مسافة محايدة بين طرفي الإنقسام الفلسطيني ( فتح و حماس ) , و أهابت برفاقها المنخرطين في صفوف الأجهزة الأمنية بعدم إطلاق النار أو المشاركة بالإشتباكات التي دارت بين الطرفين , لتحييدهم من إراقة الدم الفلسطيني الفلسطيني , حيث إعتبرت ما كان خيانة وطنية و طعنة مسمومة في خاصرة القضية الفلسطينية , و وصمة عار في تاريخ شعبنا الفلسطيني المناضل , بل و قامت بتقديم المبادرة تلو المبادرة لرأب الصدع الفلسطيني و تقريب وجهات النظر بين طرفي الإنقسام منحازةً للطبقات المهمشة و للشعب الفلسطيني دون البحث عن مصالح سياسية و شخصية كانت قد تستطيع الحصول عليها من وقوفها الى جانب حكومة غزة بقيادة حركة حماس أو بجانب سلطة رام الله بقيادة حركة فتح , فلم تتزحزح عن موقفها الوطني الوحدوي الداعي لإنهاء الإنقسام الفلسطيني , و كان رفاق الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين يتصدرون المسيرات و الفعاليات الشعبية و اي حراك شعبي يقام خلال سنوات الإنقسام الفلسطيني الذي إستمر 11 عاماً , لإنهاء الإنقسام و المطالبة بحقوق العمال و الخريجين و الطبقات المسحوقة من أبناء شعبنا بعد تفشي الفقر و البطالة في قطاع غزة بفعل الإتقسام الفلسطيني و عقوبات السلطة على قطاع غزة من جهة و الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة منذ قرابة العشرة سنوات , حيث أن الصدامات بين رفاق الجبهة الشعبية و قوات الأمن في غزة وصلت الى الإعتقال السياسي و القمع يالهروات بكل عنف بسبب مواقف الجبهة الشعبية المناصرة للنظام السوري ضد الثورة السورية التي تقاد أمريكياً و خليجياً و سعودياً , و لكن ذلك لم يثني الجبهة الشعبية قيادةً و كوادر حزبية عن موقفها التي تؤمن بحتميتها و صوابها رغم علمهم بأنهم دائماً ما سيكونون عرضةً للاعتقال السياسي و المطاردة و حملات القمع و دفع فاتورة الدفاع عن طموحات و حقوق شعبنا في قطاع غزة و الضفة الغربية على حد سواء .
و كان آخر مواقف الجبهة الشعبية التي قوبلت بالعقوبات و الرفض الصارخ من قبل حركة فتح و السلطة الفلسطينية في رام الله , و إيعازهم لعناصر الأجهزة الأمنية و أبناء حركة فتح في قطاع غزة بمهاجمة الجبهة الشعبية على مواقع التواصل الإجتماعي و تشويهها إعلامياً و إجتماعياً , و ذلك بسبب رفض قيادة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين المشاركة بالمجلس الوطني لمنظمة التحرير الفلسطينية التي كان من المزمع عقده في الثلاثين من شهر ابريل الجاري ,حيثصرحت الجبهة الشعبية على لسان عضو المكتب السياسي الرفيق رباح مهنا أن الجبهة لن تحضر اجتماعات المجلس الوطني لنفس الأسباب التي لم تحضر فيها اجتماع المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية الذي أجري مؤخرا في رام الله. , حيث رفضت الجبهة الشعبية المشاركة في المجلس بسبب رفضها التام و القاطع بإنعقاد المجلس تحت حراب الإحتلال الصهيوني و إقترحت إنعقاده في أي دولة عربية أخرى , بالإضافة لمطالبتها المنظمة بأن يكون المجلس الوطني “توحيدي” يساهم في تجميع و توحيد كافة فصائل و أطياف الشعب الفلسطيني بما فيها حركتي حماس و الجهاد الإسلامي , ويساهم في إتمام المصالحة الوطنية ويدعمها ويسير بها إلى الأمام ، ويحمي القضية الفلسطينية من المخاطر التي تستهدفها و تعمل على تصفيتها إقليمياً و دولياً , و مطالبتها الرئيس الفلسطيني محمود عباس بالتراجع عن الإجرائات العقابية التعسفية التي قامت بها السلطة الفلسطينية بحق موظفيها في قطاع غزة من قطع للرواتب و تجويع أبناء شعبنا الفلسطيني .
في حين لوحظ تبلور موقف سياسي على وحدوي على أرضية المصلحة الوطنية التي تقتضيها المرحلة الحالية في مسيرة قضيتنا الفلسطينية و تقارب بين حركتي حماس و الجهاد الإسلامي و الجبهة الشعبية في قطاع غزة , للوقوف في وجه تفرد حركة فتح في قيادة منظمة التحرير الفلسطينية و لمجابهة قرارات الرئاسة الفلسطينية المجحفة بحق أبناء الشعب الفلسطيني و التي تتزامن مع مسيرات العودة الكبرى و فعاليات المقاومة السلمية و الشعبية التي تقام منذ ذكرى يوم الأرض الفلسطيني على الحدود الشرقية لقطاع غزة على الخط الفاصل مع أراضينا المحتلة عام 1948 , حيث أن هذه الإجراءات التي تأتي أيضاً متوازية مع تقليصات الأونروا لخدماتها و تقليص موازنتها أمريكياً , لتصب في مصلحة الإحتلال الصهيوني و الإدارة الأمريكية و صفقة القرن المزعومة التي تهدف مباشرةً لتصفية القضية الفلسطينية و الحقوق الفلسطينية و على رأسها حق العودة و تقرير المصير , و لكن قوبل هذا التقارب ” اليساري – الإسلامي ” الفلسطيني بالنقد و السخرية من قبل أبناء حركة فتح في قطاع غزة و وصل الحال بوصف حركة فتح برئيسها محمود عباس لما تقوم به الجبهة الشعبية بالخيانة و المؤامرة على منظمة التحرير الفلسطينية و التهديد بفرض عقوبات مالية و غيرها على الجبهة الشعبية في قطاع غزة و الضفة الغربية على حد سواء , و بث الإشاعات و الفتن بأن الجبهة الشعبية أصبحت تتلقى دعماً إيرانياً مثل حركتي حماس و الجهاد الإسلامي , و لكن ذلك لم يثني الجبهة الشعبية و لم يؤثر على موقفها الصلب الرافض لإنعقاد المجلس أو المشاركة به متمسكةً بأسبابها و رؤيتها الوطنية التي طرحتها ووضحتها خلال إجتماعاتها الأخيرة في القاهرة مع حركة فتح الإسبوع السابق .
حيث أن هذا التقارب لاقى إستحساناً واضحاً في أوساط الشعب الفلسطيني عامةً رغم الإستغراب من هذا التقارب الذي تخطى كافة الفروقات الإيديولوجية و الفكرية ( اليسارية و الإسلامية ) , حيث أن الجبهة الشعبية بادرت بهذا التقارب متناسية أي صدامات كانت بين رفاقها قوى الأمن في السنوات السابقة و تلك الفروقات الإيديولوجيا , و ذلك إنطلاقاً من مواقفها الإيمانها الراسخ بوحدة الشعب الفلسطيني و ضرورة التوحد في وجه الهجمة الصهيوأمريكية بحق أبناء شعبنا الفلسطيني و القضية الفلسطينية , بالإضافة لإعتماد الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين على المنهاج التاريخي الجدلي و الدياليكتيك و قانون صراع و تحالف الأضاد في تحديد و إختيار تحالفاتها و حلفائها بما يستدعيه الموقف المطلوب منها إتخاذه تاريخياً ووطنياً في إتجاه تحقيق و الدفاع عن الأهداف الوطنية التي إنطلقت من أجلها و قدمت آلاف الشهداء و الأسرى من كوادرها و مؤسسها و قادتها على درب الحرية و تحرير الأرض و الإنسان .
#تامر_سلامة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟