تنفيذاً لمقررات مؤتمرالمعارضة الذي أنعقد نهاية العام الماضي في لندن دعي في أواسط شباط المنصرم أعضاء لجنة التنسيق والمتابعة المؤلفة من 65 معارضاً عراقياً تم تعيينهم في نهاية مؤتمر لندن الى مصيف صلاح الدين التابع لمحافظة أربيل في كردستان العراق لحضور أجتماع المتابعة ومناقشة المستجدات على الساحة السياسية ولاسيما التقارير التي تناقلتها وسائل الأعلام عن طبيعة الحكم بعد أسقاط النظام في العراق.
وقد شارك في هذا الأجتماع 54 عضواً من أصل 65 من أعضاء لجنة التنسيق والمتابعة. ولا شك أن الأجتماع كان بمثابة نقطة مضيئة على درب المعارضة الوطنية العراقية الطويل الزاخر بالخلافات والخصومات والتناحرات الطبيعية منها والمصطنعة! ومن أهم مدلولاته الأيجابية هو تلبية هذا الحشد من المعارضين للدعوة وبنسبة 83% من العدد الكلي لأعضاء لجنة التنسيق والمتابعة وهو 65 رغم ظروف المنطقة السياسية والجغرافية المعقدة التي أنعقد في ظلها الأجتماع ولاسيما وأن طبول الحرب الطاحنة بدأت تقرع في أرجاء المنطقة بتسارع واضح كما نعلم. أضافة الى موقع الأجتماع النائي جغرافياً بالنسبة الى أعضاء لجنة التنسيق والمتابعة.
أن الدعوة الى أجتماع صلاح الدين ـ الثاني كانت بالأساس لغرض متابعة مقررات مؤتمر لندن. وهذه الخطوة السياسية الفريدة من نوعها بحد ذاتها تعكس تطوراً نوعياً جديداً في أستراتيج العمل التنظيمي للمعارضة العراقية التي تبوأت مستوى أرقى من النضج السياسي! لقد أصبحنا نتابع ما بدأناه من مشاريع سياسية في مؤتمراتنا السابقة!
رغم الظروف الصعبة للأقليم وسيادة الشعور لدى المواطنين بالقلق من أحتمال اندلاع الحرب في أية لحظة ومن أنتقام وبطش النظام فأن القائمين على تنظيم الأجتماع قد أدوا واجبهم في تحقيق ذلك الحدث السياسي الكبير الذي كان مدعاة لأهتمام الصحافة العالمية بالأضافة الى الأدارة الأمريكية والرأي العام العربي والعالمي المتفهم للمسألة العراقية.
فالأجراءات التي أتخذها القائمون على الأجتماع من مسؤولي الحزبين الكرديين ولا سيما الحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة الأستاذ مسعود البارزاني الذي برهن على قدرته الفائقة على التنظيم والضيافة والأدارة الدقيقة التي لمسها الضيوف القادمون لحضور الأجتماع والتسهيلات التي قدمت اليهم عززت من صفة النجاح الذي حققه ذلك الحدث السياسي الكبير. لقد لمسنا من شخصية الأستاذ البارزاني صفة القائد العراقي المنتمي الى العراق قبل الأنتماء الى كردستان العراق!
أن حرصنا على أدامة زخم النجاح الذي حققته المعارضة عبر أجتماع صلاح الدين ـ 2 يحتم علينا التنبيه الى العديد من نقاط الضعف والسلبيات وفي مقدمتها حالة الأحباط والقلق التي تولدت لدى قاعدة المعارضة بسبب الممارسات الأرتجالية وغير المدروسة والبعيدة عن الشعور العالي بالمسؤولية الوطنية التي تميز بها مؤتمر لندن الذي هيمنت عليه مجموعة الستة و ظهرت ثانية على السطح قبيل وخلال وبعد أجتماع صلاح الدين ـ 2 مما أصبح يهدد بنسف الجهود من الأساس الهادفة الى أسقاط النظام وتهيئة الظروف الموضوعية لقيام مجتمع يرفل بالحياة الديمقراطية وينعم بالوحدة الوطنية السليمة ويستظل بالتآخي الأثني والفكري والمناطقي الذي يعد حجر الزاوية للأستقرار الوطني والتطور الأقتصادي والأجتماعي والسياسي لعراقنا الحبيب.
لقد أنعكست سلبيات وتجاوزات مؤتمر لندن على أعمال أجتماع صلاح الدين ـ 2 كما وزادت الفجوة بين المهيمنين على أجتماع صلاح الدين ـ 2 وبين العناصر المعارضة الأخرى التي كانت خلال الأجتماع الحاضرة (الغائبة) بسبب (الغطاء التحزبي) الثقيل الذي خيم على جو المؤتمر!
لقد أكدت الصحافة التي غطت الأجتماع أن هؤلاء ال 54 مشاركاً قد توزعوا على الفصيلين الكرديين والمجلس الأعلى ومجموعة الجلبي. أما عدد الحاضرين من المستقلين فعلياً عن مجموعة (3+1) فكان تسعة أشخاص فقط!!
أية ديمقراطية تلك؟ وأية حرية عمل تلك الممنوحة بالقطارة وبأسلوب (بطاقات الحصة التموينية) المشؤومة! أين المستقلون من معارضي النظام؟ وهل أقتصرت المعارضة العراقية على الحزبين الكرديين والمجلس والجلبي؟ أين ممثلو 25 مليون عراقي ينتظرون الفرج بفارغ الصبر؟
والحق يقال فأن مقابلة الأدارة الأمريكية لمجموعة الستة في البداية لم تكن لتعني تسجيل العراق عقاراً شخصياً لهذه المجموعة ولم تعدها لجنة دائمية للوصاية على المعارضة أو على العراق! أنما المنطق وأصول العمل السياسي ينصان على أن هذه المجموعة كانت قد كلفت بالتحضير لمؤتمر المعارضة الموسع في لندن الذي كان ينبغي أن يشارك في أعماله ممثلون من كافة مساحات الطيف السياسي العراقي وعلى هذه المجموعة أن تنحل حالما ينعقد المؤتمر لتناط المسؤولية بلجنة أخرى تدير أعمال المؤتمر وتشرف على أنتخاب لجنة للتنسيق والمتابعة ولا يوجد منطق سياسي قويم يبيح لمجموعة الستة أو لغيرها من المجموعات الهيمنة والوصاية الأزلية على المعارضة. ناهيك عن التقصير الأعظم الذي أرتكبته المجموعة حينما أختارت من عناصرها أكثر من 95% ليكونوا أعضاء في لجنة التنسيق والمتابعة!
عليه ألقت مشاعر الريبة والقلق والأحباط لدى المشاركين المستقلين الذين لا ينتمون الى ما تبقى من مجموعة الستة بهذا الشكل أو ذاك. وكما نعلم فأن مجموعة الستة تقلصت الى مجموعة (3+1) بعد سلسلة الأنسحابات الأخيرة!! ويمكن توجيه الضوء الى تلك السلبيات المزمنة وفي مقدمتها الهيمنة غير الشرعية لهذه المجموعة على مقدرات العمل المعارض ومصادرة حق الآخرين في المشاركة في نشاطات التغيير المنشود وأستبعاد جميع الأطراف الوطنية العراقية المعروفة لدى العراقيين بماضيها وحاضرها النضالي ضد القمع والدكتاتورية والظلم كحزب الدعوة ومجموعة ثوار الأنتفاضة والشيوعيين والبعثيين المعارضين وكافة الأحزاب والقوى الوطنية القومية واليسارية والديمقراطية الأخرى من الساحة والأستحواذ على مقدرات العمل المعارض في مؤتمري لندن وصلاح الدين ـ 2.
ومع كل تقديرنا وأحترامنا للحركات الثلاث التي سجلت في لندن وصلاح الدين ـ2 جميع (مؤسسات) المعارضة بأسمها في (الطابوالسياسي) معتقدة أن ال 25 مليون عراقي وعراقية سوف يأخذونهم بالأحضان أذا هم دخلوا العراق المحرر (لوحدهم) بغياب الأكثرية الساحقة من الحركات والفصائل المعارضة المستبعدة من العمل المعارض بأسلوب يذكرنا الى حد كبير بأساليب السلطة القمعية!!
أن المسار الخطير الذي سلكته مجموعة الستة بعد أن أعلنت نفسها (حاكماً عسكرياً ) على فصائل المعارضة أتخذ منذ مؤتمر لندن شكل أنهيار كارثي عندما أدى الى تقليص الستة الى (3+1)!! وأدى ذلك الأنهيار الى الأستحواذ المطلق على الساحة من قبل أقلية سياسية لا تمثل سوى نسبة ضئيلة جداً من العراقيين على أرض الواقع! وهكذا وبدلاً من أن يصحح المسار الذي بدأ في لندن محملاً بالأخطاء والعقد الطفولية تضاعفت السلبيات هذه المرة في صلاح الدين ـ2 حتى طفح الكيل!
أن الأصرار العقيم وغير المفهوم على التمسك (بوصفة) النسب القديمة التي أكل عليها الدهر وشرب في صلاح الدين ـ الأول كان السبب الأساس في فشل مؤتمري لندن و صلاح الدين ـ 2 بالتوصل الى نتائج عملية و مقبولة من جمهورالمعارضين العراقيين.
لقد خيم جو واضح من هيمنة (الأقلية الحاضرة) على مقدرات (الأغلبية المغيبة قسراً) لذلك لم يكتب لأية جملة خرجت من صلاح الدين ـ 2 كقرار صادر عن المجتمعين النجاح لأن الكلام الذي تقوله الأقلية بأسم الأكثرية على الدوام هو كلام لاطعم له ولا معنى ولا ذوق!!
وبالرغم من تأكيد الجانب الأمريكي الذي حضر الأجتماع بصفة مراقب على أن الوقت لم يحن بعد لطرح فكرة تعيين أو أنتخاب ما يسمى بالقيادة بعد فقد أصرت (المجموعة) على ذلك وعينت ( قيادة مؤقتة للعراق) مؤلفة من ستة أشخاص! وأذا علمنا أن أثنين من هؤلاء هم حصة الحزبين الكرديين فالأربعة الباقون أريد لهم أن يمثلوا كافة عناصر الطيف السياسي والأجتماعي العراقي! حتى القديسين لا يستطيعون ذلك!! فكيف بأناس يأتمرون بأوامر الحزب الذي ينتمون اليه؟!
توجد في العراق 18 محافظة تقطنها مختلف الأثنيات والأديان!! كيف يتسنى لأربعة أشخاص أو ستة من الذين لا يستطيعون أن يشربوا الماء قبل الأستئذان من مسؤوليهم الحزبيين أن يحكموا شعباً متنوع الأعراق كشعب العراق؟ من يمثل الكلدو ـ آشوريين والتركمان والفيليين والعرب وأكراد بغداد وغيرهم من البشر؟ من يمثل الأكثرية الغائبة المغيبة ألا وهم المستقلون؟! من يمثل الشرائح العلمانية واللبرالية والقومية واليسارية وغيرها من مكونات شعبنا؟! أين من يمثل المرأة ويدافع عن حقوقها المهدورة التي لن يستطيع جميع رجال العراق أن يتحدثوا بأسمها؟!
لقد طلب مني أثناء الأجتماع أن أكون واحداً من أعضاء تلك اللجنة القيادية فرفضت شاكراً! والسبب أنني أطمح أن توسع هذه اللجنة الى 15 شخصاً لتضم عناصر تمثل الطيف السياسي والأثني العراقي مع وضع حد للأستئثار (بالغنيمة) وفسح المجال امام ممثلين عن كافة القوى المعارضة المعروفة وممارسة أعلى درجة من الشعور بالمسؤولية والوطنية والأبتعاد جهد الأمكان عن خصلة تسقيط وتسفيه (الآخرين)!! وبهذه المناسبة فقد برهن الدكتور عدنان الباجه جي من جديد على شعوره العالي بالمسؤولية التأريخية وعلى سعة أفقه وحسه الوطني المرهف بأتخاذه الخطوة الجريئة بأنسحابه هو الآخر من تلك اللجنة (القيادية) التي لا تمثل من العراقيين أكثر من 10%!!
ولكي لا توصد جميع الأبواب أمام وحدة العمل المعارض لا سيما في فترة حرجة من الفترات التي يشهدها العراق في الوقت الحاضر فأننا نعاود أقتراحنا الذي طرحناه على فصائل المعارضة في عدة مناسبات ألا وهو العمل على توحيد جهود جميع الفصائل المعارضة في جبهة وطنية واسعة وشاملة تحصن عملنا السياسي من التفرد والتشرذم وبالتالي الأختلاف وربما فيما بعد التناحرـ لا سمح الله ـ. وأخيراً نود الأشارة الى أن الجموع الغفيرة للعناصر المستقلة من المعارضين للنظام والحريصين على أن يتحقق للعراق مجتمع مدني ديمقراطي بعيد عن الطائفية والسيناريوهات الأنعزالية الفتاكة سوف لن يسكتوا عن أختطاف سفينة المعارضة من قبل أقلية من المعارضين لا هم لها سوى التهافت على الكسب الحزبي المفعم بالأنانية وقصر النظر وكما بلغ أسماعي فأن هؤلاء وأعني بهم الأكثرية المستبعدة عن مؤتمري لندن وصلاح الدين ـ 2 يعدون العدة حالياً لتنظيم مؤتمر معارضة موسع في لندن يتاح فيه لجميع المستقلين بالأضافة الى كافة القوى والأحزاب العراقية المستبعدة أن تشارك في أعماله بعيداً عن نزعات الوصاية والأستئثار.