ظاهرة الكتابة على جدران المراحيض

عبد الوافي العزوزي

الحوار المتمدن-العدد: 5850 - 2018 / 4 / 19 - 21:27
المحور: التربية والتعليم والبحث العلمي
    

ظاهرة الكتابة على جدران المراحيض
------------------------------------


تعد ظاهرة الكتابة على جدران المراحيض من الظواهر التي انتشرت في المجتمع. بل أصبحت تمثل منحدراً سلوكياً سيئاً في بعض المواقف ، ولعل هذا لم يأت من فراغ ولكن هناك عوامل متعددة وراء ذلك . وقد يكون العامل النفسي والانفعالي هو الذي يدفع إلى مثل هذا التعبير المغلوط وغير اللائق ،لا اجتماعياً ولا أدبياً ، متخذاً في ذلك حججاً وأفكار وهمية على أن ذلك العمل ما هو إلا محاكاة مع النفس وتعبير عن الذات والآراء والخواطر الدفينة في قلب الإنسان الذي يرى أنه من خلال ذلك العمل ينفس عن نفسه ويفرغ شحنته المكبوتة التي تثقل عنه وتسبب له التوتر والاكتئاب إن لم يكتبها . لكن المكان الذي اختاره هذا الشخص للكتابة هو الجدار بحيث الكل سيقرأ له دون أن يصرح له بهويته تفاديا للإحراج ، لأنه يعتقد إذا انكشف أمره ستنقص قيمته في المجتمع الذي ينتمي إليه ، لهذا نجد الأماكن الأكثر استهدافا بالكتابة المشبوهة هي المراحيض ، باعتبارها أماكن معزولة عن الآخرين على الأقل وقت الكتابة لتصبح أماكن عامة بعد ذلك . وهذه هي غاية الذي يكتب بالمراحيض حيث الكتابة يراها الجميع والكاتب مجهول .

وقد يكون العامل وراء ذلك تشويه سمعة،أو التعصب لإحدى الأندية التي يشجعها ، أو لحب دفين في قلبه، ولعل ذلك يندرج في الأسباب التالية:
الكتابة على الجدران ظاهرة نفسية انفعالية تفيد تفريغ لمكبوتات داخلية يقوم بها الكاتب لتشويه سمعة الغير وذلك لحمل حقد معين تجاه الشخص المستهدف باعتباره عدوا له غير قادر على مواجهته مباشرة "كسب وشتم التلميذ لأستاذه مثلا " ، أو التعصب لفريق معين يشجعه في الكرة. كما أن هذا النوع من الكتابة هي كتابة المدح والتعبير الوجداني ، وان صح التعبير سنسميها " مدح الجنون بسبب العشق المجنون من طرف شخص مجنون " ، ونجد في هذا الصدد عبارة تتكرر باستمرار وهي "I love you " احبك ، هذه العبارة لاشك إنها تدل على نقص الجرأة لصاحبها لكي يعبر عن أحاسيسه مباشرة للشخص الذي يحبه ، وبالتالي الجدار ينوب عنه في التعبير عن مشاعره دونما إحراج أو خجل . وهنا يتبين أن الكتابة على الجدران ظاهرة دعاية ورسائل واضحة إلا أنها غير مباشرة ، فهي تأخذ وجهتين مختلفتين إما أن تكون سلبية قدحية وإما أن تكون ايجابية مدحية ، إذ هي إما تعبير عن حب أو كراهية . لهذا يمكن أن نقر على أن الكتابة على الجدران هي ظاهرة نفسية تستدعي معالجتها والتدخل لفك رموزها وتحليلها وتوجيه صاحبها توجيها صحيحا يجعله يقتنع أن الجدران ليست للكتابة .لان هذه النوع من الكتابة مرض نفسي معالمه واضحة إما الخجل وإما الانتقام أو غياب الجرأة والشجاعة الكافية لمواجهة الخصوم ، كل هذه المعالم نعلم خطورتها ولا احد يرغب أن يعاني منها لهذا وجب علينا معالجتها والقضاء عليها والمساهمة في تنشئة الإنسان السوي الخالي من الاضطرابات النفسية ،ولتجاوز هذه الظاهرة لابد من القيام بالإجراءات التالية :

1ـ ضرورة قيام الجهات المسئولة وخاصة التربوية بدراسة هذه الظاهرة والتعرف على حجمها وتحديد الأماكن التي تنتشر الكتابة فيها ، وتحديد نوع الكتابة والمجال الذي تنتمي إليه. ووضع خطة عمل لمتابعة تلك الظاهرة يتضافر فيها جهود الجميع.

2ـ قيام المشرفين التربويين أثناء جولاتهم على المدارس بتوعية المجتمع المدرسي وحث العاملين بالمدرسة على توعية الطلاب وتبصيرهم بالأسلوب التربوي المناسب.

3ـ على المرشد الطلابي بالمدرسة الأعداد لخطة تهدف إلى توعية المجتمع المدرسي بأهمية التعاون للحد من هذه الظاهرة وإلمام الطلاب بأبعادها وما ينجم عنها من أضرار نفسية وتربوية .

4 توفير بدائل للكتابة وتعبير عن سلوك الأفراد في الأماكن العامة والخاصة .

وعموما ظاهرة الكتابة على جدران المراحيض هي ظاهرة اجتماعية لا يجب الاستهانة بها، لأن من خلالها يمكن أن نعرف مستوى تلاميذنا وطلابنا ومجتمعنا بصفة عامة وكلما زادت هذه الظاهرة في الانتشار زاد المجتمع في الانحطاط والتخلف وهذه الظاهرة هي دليل قاطع على أن الشخص الذي يعتبر نفسه ليس أميا لأنه يتقن الكتابة، أقول ما هو إلا "كاتب على جدران مرحاض" لان الشخص المثقف ليس هو من يكتب، بل هو من يوجه كتاباته لتحسين أخلاقه ، ورفع مجتمعه وتطويره وإنقاذه من دوامة الانحطاط والركود ، إذا ما اعتبرنا أن الكتابة على جدران المراحيض هي رمز لهذا الانحطاط .

#عبد_الوافي_العزوزي (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات