|
في محنة بعض زملاء المهنة
كاظم الموسوي
الحوار المتمدن-العدد: 5849 - 2018 / 4 / 18 - 15:04
المحور:
الصحافة والاعلام
خرجت وسائل اعلام ناطقة بالعربية باسماء ووجوه زملاء عرب، يتحدثون ويكتبون عن "جرائم أنظمة عربية" كانوا يرتعون في مرابعها، وينسون ضمائرهم عند بوابات محاسبيها واموالها. برزت بعض مظاهر هذه المحنة في الازمة الخليجية - الخليجية، ومنها امتدت او في التوازي معها إلى قضايا اخرى، كانت معالم لها في طريقها الإعلامي او تمرير رسائلها عبرها. واصبحت قناة دولة عرفت باسمها صوت معارضة او اكثر لحكومات مختلفة معها، هي ومن تمولها من وسائل اعلام في انقلاب هزلي لا تحسد عليه. فضلا عن استضافة معارضين سياسيين معروفين واعطاء فرص واسعة لهم على تلك المنابر، وتحويل أغلب برامجها الحوارية وصفحات منشوراتها الى لسان حال معارض ومشاكس وناقد متناسية ماضيها في المدح والتطبيل على مختلف الأصعدة والمستويات. في ليلة ليلاء، في المقلب الاخر، كشفت فضائيات أخرى مستور اؤلئك الذين انقلبوا في تلك الليلة، أحدهم رجل مخابرات وظف في مهنة الإعلام وطرد منها لاسباب كثيرة، معروفة لمن يسأل عنها، وذهب كالعادة ليصبح معارضا لحكومة بلاده واذا بتلك الليلة يعود إلى مهنته الاولى مدافعا عن حكومته وباحثا عن كل الاسباب التي تدين ما كان يوما ملجاه وحماه. هكذا تحولت هذه الأصوات وتغيرت الوجوه وتناقضت المواقف، باي معنى لها أو مدلول عليها، وثمة اصوات أخرى أكثر تراجيكوميدية من ذاك. أحدهم متورط بينه وبين من يموّله ويرتزق عليه ولغيره ايضا، وبكل صلافة خرج متلكأ في مفرداته ومتموجا في تعبيراته وكاذبا في صوته ولغته وحركاته، فاضحا محنة كبرى يعيشها في وقت لم يتوقع حصوله. في تلك الليلة من تلك الأيام برزت المحنة وفضحت الوجوه. فحين يفقد الاعلامي، الكاتب او الموظف، حسه وفكره وضميره، لا يحتاج بعد ذلك الى من يخبره عما فعل وما كان والى ما صار او وصل إليه. فهو في كل هذه الحالات ضيّع البوصلة وافتقد الإنسان الذي يكونه، باعتبار أن الإنسان موقف، وان الموقف تعبير عنه أو هو دليله في هذه الدنيا الفانية. لا يستغرب بعدُ أن يصير لديه ما كان يطلق عليه لفظيا بالعدو الستراتيجي والكيان الصهيوني الى اسم دولة، وبعض وسائل الاعلام تضعه بين قويسات صغيرة، ربما خجلا مما تدعيه ومسعى لتخفيف حمأة التقلب والتلوّن والفقدان للوازع او البرهان، ولكن تحت غطاء التطبيع والاعتراف له بما لم يكن في حسابه، ويشهر كل ما لديه من خزين مدفون او رصيد مخبأ في توصيف العدو الجديد لواضعي مكتبه او قلمه او موجهي حركته وحتى لسانه، رغم قوة فكيه عليه. ولا يستغرب طبعا اصدار مواقع جديدة، إعلامية إلكترونية او ورقية او برامج جديدة، تحمل ما مطلوب وما يراد له أن يكون بدلا عن " الثوابت" والرأي والرأي الاخر، او أن تعرف اكثر بلا مصداقية او نزاهة او عفة، من اي نوع لها، حتى لغويا، ويبدع فيها امثال هؤلاء المبدعين المتورطين والقيام بما لم يقم به غيرهم في التفنن و" الابداع" الإعلامي الجديد المطلوب منهم. تتسابق هذه الوسائل وموظفوها المكلفون، زملاء المهنة، في اغراء مسؤوليهم بما اخفوه عنهم في سابق زمان، وفي ابداع ما لابد منه في زمن تحريف المعنى وتشويه المبنى وغسل الأدمغة او كي الوعي، الذي درسوه او تعلموه قبل الوصول إلى حيث يقبعون او يتباهون في عرض المواهب وتمثيل المذاهب. ولا سؤال لهم بعد أن انغمروا في مشاهد العروض، القديمة أو الجديدة، وباسماء مزركشة وجذابة، وبوجوه مطلية وبمراسلين بوظائف عدة. تتشابه اعلاناتهم وتختلف الوانهم، تتوافق مضامينهم وتفترق اتجاهاتهم، كادوات عازفي الأوركسترا والسيمفونية، والمايسترو الواحد والموجه الرائد. محرج في بعض هذه الملاحظات ما صدر عن " مفكرين" ومراسلين اعلاميين مثلا عن مفهوم الثورة والمقاومة والممانعة والانتفاضة الشعبية وقوى التحرر والتغيير وامثالها، وكيف تحولت في بعض برامجهم العلنية ورسائلهم وحواراتهم الى مفردات سخرية والى عناوين مقلوبة وتوجهات مضادة للعقلية السائدة في تلك الفضائيات او المواقع والصحف والتصريحات. واصبحت كلمة " داعش" مثلا اخرا، وهي مختصر لتنظيم الارهاب المقر والمعترف به دوليا وامنيا الى تنظيم " الدولة" والتذكير باصداراته والنقل منها كمصدر موثوق عندها والتذاكي بتمرير مقاصده وأهدافه واخباره، في وقت تزييف الوقائع وتدوير الحقائق والخداع في التعبير والتصوير والاسماء والاحداث. محنة زملاء المهنة صارخة ومعيبة ومخجلة. تتكشف في الأزمات والتبدلات والتغيرات غير المحسوبة او المنتظرة، وتتعرى بعضها دون طلب او سؤال او اكراه مقصود. ماذا سيسجل التاريخ العربي عنها، وكيف يمكن الثقة بما يدوّن من هؤلاء وعنهم، وهم أمام العين الان تقلبوا وتناقضوا وتنازعوا ولم يحرجوا امام ضميرهم او مستقبلهم او صفحات التاريخ. حين يقال إن التاريخ لا يرحم قد "يبدعوا" في التأويل والتبرير، وحتى الإسناد لنص مقدس او حدث مشهود، ولكن الحقيقة لا تغطى بغربال كالشمس التي لا يمكن تكذيبها في أي زمان ومكان. صوّر المحنة تعددت وبعض الزملاء في محنتهم لا يتباهون طبعا ولكنهم يبررون ما تورطوا به وربما يزينونه لأنفسهم ويحاولون المغالبة فيه والمناطحة أحيانا دون وخزة ضمير فعلي او احساس انساني طبيعي. لسان الحال العام يردد؛ عشنا و شفنا والزمن سجال. منذ اول هجمة استعمارية على وطننا العربي وغزو واحتلال بلداننا، ونشر القواعد العسكرية والاتفاقات العدوانية المعروفة في التفرقة والتسيّد والاستغلال والإستبداد، ومثل هذه الصور او الحالات تتكرر دون اعتبار او تحسب او تساؤل مسؤول. إن مجرد ذكر وجودها ظاهرة غير مرغوبة وشهادة بؤس وخسران. كان المفروض الا تتوفر لها ظروف وتجهز بيئات ولا تصبح محنة او أشد منها. كان من الواجب في بعض محنة زملاء عرب درس تاريخي وعبرة لأجيال لابد أن تلتزم بما يلزم ويتوجب بما يجب وتحمل مسؤولية أمة ومشروع حضارة وحقوق انسان وتنمية مستدامة لمستقبل منشود ولبناء عالم آمن بسلام وطمأنينة وخيارات مضمونة.
#كاظم_الموسوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ملايين العرب بلا غذاء كاف
-
الفقر في بلاد الرافدين
-
في لندن مؤتمر يبحث في تدهور أوضاع العراق المائية والصحية
-
في ذكرى المناضل الراحل صباح جواد
-
غصن الزيتون المغمس بالدم
-
نبيل رجب في البحرين
-
انتفاضة الشعب السوداني وضرورة التغيير
-
كلمات من دفتر الاحوال... (15)
-
اخبار مؤسفة من الكويت
-
في وداع اليساري المشاغب
-
ما بقي من -داعش-.. واخطاره
-
كلمات من دفتر الاحوال... (14)
-
كلمات من دفتر الاحوال... (13)
-
العراق: ماذا جناه ما سمي بالاستفتاء؟
-
كلمات من دفتر الاحوال...( 10)
-
بعد خمسين عاما ..لماذا نتذكر جيفارا؟
-
الصراع الأمريكي - الروسي على -داعش- في منطقتنا
-
كلمات من دفتر الاحوال...(9)
-
كلمات من دفتر الاحوال.. (8)
-
كلمات من دفتر الاحوال...(7)
المزيد.....
-
إيطاليا: اجتماع لمجموعة السبع يخيم عليه الصراع بالشرق الأوسط
...
-
إيران ترد على ادعاءات ضلوعها بمقتل الحاخام الإسرائيلي في الإ
...
-
بغداد.. إحباط بيع طفلة من قبل والدتها مقابل 80 ألف دولار
-
حريق ضخم يلتهم مجمعاً سكنياً في مانيلا ويشرد أكثر من 2000 عا
...
-
جروح حواف الورق أكثر ألمًا من السكين.. والسبب؟
-
الجيش الإسرائيلي: -حزب الله- أطلق 250 صاروخا على إسرائيل يوم
...
-
اللحظات الأولى بعد تحطم طائرة شحن تابعة لشركة DHL قرب مطار ا
...
-
الشرطة الجورجية تغلق الشوارع المؤدية إلى البرلمان في تبليسي
...
-
مسؤول طبي شمال غزة: مستشفى -كمال عدوان- محاصر منذ 40 يوم ونن
...
-
إسرائيل تستولي على 52 ألف دونم بالضفة منذ بدء حرب غزة
المزيد.....
-
السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي
/ كرم نعمة
-
سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية
/ كرم نعمة
-
مجلة سماء الأمير
/ أسماء محمد مصطفى
-
إنتخابات الكنيست 25
/ محمد السهلي
-
المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع.
/ غادة محمود عبد الحميد
-
داخل الكليبتوقراطية العراقية
/ يونس الخشاب
-
تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية
/ حسني رفعت حسني
-
فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل
...
/ عصام بن الشيخ
-
/ زياد بوزيان
-
الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير
/ مريم الحسن
المزيد.....
|