أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - شادي الشماوي - الأمّة و القوميّة و النسويّة - أمير حسنبور















المزيد.....



الأمّة و القوميّة و النسويّة - أمير حسنبور


شادي الشماوي

الحوار المتمدن-العدد: 5848 - 2018 / 4 / 17 - 23:55
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


الفصل الرابع : الأمّة و القوميّة و النسويّة
أمير حسنبور

( العنوان الأصلي " الأمّة و القوميّة " وهو عنوان الفصل 11 من كتاب :
" الماركسيّة و النسويّة " ، تجميع و نشر شهرزاد موجاب ، كتب زاد ، لندن 2015 )

( تعريف بالمؤلّف بالصفحة 375-376 من الكتاب :
أكاديمي ماركسي رائد في الدراسات الكرديّة ، درّس بالجامعات الكنديّة بما في ذلك في قسم حضارات الشرق الأدنى و الأوسط ، جامعة تورنتو ( 1999- 2009) . إهتماماته البحثيّة و التدريسيّة تشمل دراسات التواصل و وسائل الإعلام ، و اللسانيّات و علم الاجتماع ، والسياسة و التاريخ في الشرق الأوسط و كردستان . ألّف " القوميّة و اللغة في كردستان ، 1918ـ 1985 " ( 1992) ، و نشر عدّة مقالات باللغة الكرديّة و بالفارسيّة و ساهم في التزويد بالمراجع لأعمال مثل " موسوعة التلفاز " (1997، 2005 ) و " الموسوعة الإيرانيّة " ( 1988ـ 1989 ، 1995 ـ 1997) ، و " موسوعة آسيا المعاصرة " (2002) ، و " منجد غروف الجديد للموسيقى و الموسيقيين " (2201) ، و " موسوعة الشرق الأوسط المعاصر " (2004 ) ، و " موسوعة النساء و الثقافات الإسلاميّة " (2005) ، و " موسوعة الشتات " (2004) و " موسوعة الإبادة الجماعيّة و الجرائم ضد الإنسانيّة " (2005). و قدّم الأستاذ حسنبور دروسا عن قوميّات الشرق الأوسط و الحركات الإجتماعيّة ، و النظريّة و المنهجيّة في بحوث الشرق الأوسط . و في دراساته ، يخوض في مروحة كبيرة من المواضيع منها الإبادة الجماعيّة و إنتفاضات الفلاّحين و الطبقات الإجتماعيّة و التقاليد الشفاهيّة . )
------------------------------------------------------------------------------------------------------------
تشدّد الماركسيّة على الطبيعة الطبقيّة للأمم و القوميّات ، محدّدة إيّاها في صعود البرجوازيّة في سيرورة الإنتقال من الإقطاعيّة إلى الرأسماليّة .(1) و يغيب الجندر عن هذا التنظير . و تسلّط النسويّة [ نظريّة المساواة بين الجنسين ] الضوء على الطبيعة الجندريّة للأمم معتبرة إيّاها شكلا من التنظيم البطرياركي / النظام الأبوي للمجتمع .(2) و في هذا التنظير يتمّ التغاضى عامة عن الطبقات .
و تبحث الماركسيّة عن إلغاء الأمم و القوميّات في سيرورة الثورة الإشتراكيّة المفضية إلى المجتمع الشيوعي الخالى من الطبقات . و بينما تشدّد النسويّة على الطبقة البطرياركيّة الرأسماليّة ، ليس تفكيك البطرياركيّة عادة مقدّمات منطقيّة لتفكيك الأمّة .
التنظير الماركسي
تكمن مصلحة الماركسيّة في التنظير للأمّة و القوميّة في مشروعها للتغيير الراديكالي للعالم و تعويض المجتمع الطبقي المنقسم إلى عدّة أمم ، بالشيوعية التي تعتبر مجتمعا إنسانيّا خاليا من الطبقات و لا تفصل بين أفراده قوميّات و حدود قوميّة.
و تبعات الأمّة و الإثنيّة و كذلك الدين و القبيلة و الموطن و اللغة و الجندر تعالج كمآزق المجتمع الطبقي و قد أطلق عليها ماركس نعت " ما قبل التاريخ " ( ماركس 1970 : 22) . و الوعي و الهويّات أو الخصوصيّات المتجذّرة في هذه الإختلافات تربط بالعلاقات الطبقيّة و تخدم إعادة إنتاج هذه العلاقات داخل التشكيلة الإقتصاديّة ـ الإجتماعيّة التي إليها تنتمى ( مثلا ، الإقطاعيّة و الرأسماليّة و الإشتراكية ). الأمم إرث من الماضي و ليست عمادا للمجتمع الجديد .
و بالتالى ليس مفاجأ أن يمقت الماركسيّون الأمّة ( القوميّة ) إيديولوجيّا و نظريّا . و مع ذلك ، سياسيّا ، تقيّم الحركات القوميّة وفق الإعتبارات الثلاثة المتداخلة التالية : أـ هل تهدف إلى الإطاحة بالعلاقات ما قبل الرأسمالية و الإقطاعيّة و القبليّة و العبوديّة إلخ ؟ ب ـ هل تناضل ضد الإضطهاد القومي؟ ت ـ هل تعرقل أم تشجّع مشروع البروليتاريا في الإطاحة بالرأسماليّة ؟ بصفة مبكّرة منذ 1848 ، كتب ماركس و إنجلز في " بيان الحزب الشيوعي " :
" و يتّهمون الشيوعيين ، عدا ذلك ، بالرغبة في إلغاء الوطن و القوميّة .
ليس للعمّال وطن ، فليس في الإستطاعة إذن سلبهم ما لا يملكون . و بما أنّ على البروليتاريا أن تستولي أوّلا على السلطة السياسيّة ، و أنّ تشيّد نفسها بحيث تغدو الطبقة القائدة للأمّة ، و أن تصبح هي الأمّة ، فهي لا تزال بعد إذن وطنيّة ، و لكن ليس بالمعنى البرجوازي لهذه الكلمة ".( ماركس و إنجلز 1976 : 502 -503 ؛ بالعربيّة : الصفحة 70 من " مختارات ماركس و إنجلز " في أربعة أجزاء ، الجزء الأوّل ، دار التقدّم ، موسكو ؛ " بيان الحزب الشيوعي " ).
و هم يقرؤون بطريقة غير جدليّة ، كثير من المعلّقين على الماركسيّة لا يفقهون لماذا يجب على البروليتاريا التبرّأ من الأمّة و في نفس الوقت ، التشكّل كأمّة . في تعليق له على الإستشهاد بماركس ، أشار لينين ( 1972: 166ـ 167) إلى أنّ جملة " ليس للعمّال وطن " تعنى أـ أنّ الموقع الاقتصادي ليس قوميّا بل عالميّا ، ب ـ أنّ عدُوّهم الطبقي عالمي و ظروف تحريرهم عالميّة و ت ـ أنّ الوحدة العالميّة للعمّال أهمّ من وحدتهم القوميّة . و مع ذلك ، تتكوّن الطبقة العاملة و هي منحصرة سياسيّا داخل حدود الدولة ـ الأمّة . و قد أشار ماركس و إنجلز إلى أنّه : " بالرغم من نضال البروليتاريا ضد البرجوازيّة ليس في أساسه نضالا وطنيّا ، فهو مع ذلك يتّخذ هذا الشكل في بادئ الأمر . إذ لا حاجة للقول إنّ على البروليتاريا في كلّ قطر من الأقطار أن تقضي قبل كلّ شيء على برجوازيّتها الخاصة ." ( ماركس و إنجلز 1976 : 495 ؛ بالعربيّة : الصفحة 61 من " مختارات ماركس و إنجلز " في أربعة أجزاء ، الجزء الأوّل ، دار التقدّم ، موسكو ؛ " بيان الحزب الشيوعي " ). و هكذا تقع الطبقة العاملة المنقسمة جرّاء الحدود القوميّة ، تحت الحكم الاقتصادي و السياسي و العسكري لبرجوازيّتها " الخاصة " ، و يجب على نضالها أن يتوجّه أوّلا و قبل كلّ شيء ضد عدوّها الطبقي الخاص . وعليه ، مفهوما جدليّا ، القومي و العالمي ، كالبرجوازية والبروليتاريا المتجذّرين فيهما ، يمثّلان " وحدة وصراع الأضداد " ـ أي يعتمدان و ينفيان بعضهما البعض .
و بينما يتخذ تشكّل الأمم أشكالا مختلفة ، تحدّد النظريّة الماركسيّة ظهور الأمم بصعود الرأسماليّة ـ ظهرت الأمم في إطار سيرورة التفكّك الاقتصادي و السياسي للمجتمع الإقطاعي المجزّأ و التشكّل صحبة السوق الموحّد ، إستنادا إلى تقسيم العمل. و تشمل هذه السيرورة تشكّل الأرض المشتركة ( الوطن ؛ السوق القوميّة ) التي يمكن فيها للرأسمال و العمل التحرّك بحرّية. و جذبت السوق الرأسماليّة الفلاّحين المرتبطين بالأرض و حوّلتهم إلى عمّال مأجورين ( البروليتاريا ) و من ثمّة إختلط السكّان و تطلّبت هذه السيورة لغة قوميّة تتجاوز اللهجات الجهويّة و تيسّر إنشاء الروابط القوميّة ومنها الحياة الثقافيّة، على أنّها لا تزال مختلفة طبقيّا . قبل الحرب العالميّة الأولى ، عندما كان إشتراكيّو أوروبا الغربيّة و روسيا و منهم روزا لكسمبورغ و كارل راداك و اوتو باور و ف. إ. لينين و ج . ستالين يناقشون المسألة القوميّة ، لخّص ستالين الموقف الماركسي ـ اللينيني : " الأمّة هي جامعة أناس ثابتة تألّفت تاريخيّا ، نشأت على أساس جامعة اللغة و الأرض و الحياة الإقتصاديّةو الخصائص النفسيّة التي تتجلّة في جامعة الثقافية " ( ستالين 1970 : 68 ، التشديد في النصّ الأصلي ؛ بالعربيّة : " الماركسيّة و المسألة الوطنيّة " ، دار الطبع و النشر باللغات الأجنبيّة ، موسكو سنة 1952).
لا يصبح شعب أمّة إلاّ إذا توفّرت فيه الخصوصيّات الأربع جميعها . (3) و وجود دولة ليس من متطلّبات الأمّة رغم أنذ القوميين يجتهدون من أجل الدولة ، و وفق لينين " الميزة النموذجيّة و الشيء الطبيعي في المرحلة الرأسماليّة هو قيام الدولة القوميّة " (4) ( بالعربيّة : الصفحة 146 من المجلّد 5 من " المختارات في 10 مجلّدات " ، دار التقدّم ، موسكو . مقال" حقّ الأمم في تقرير مصيرها " ).
وهكذا النظريّة الماركسيّة للأمّة مختلفة عن الفهم التقليدي الذى ترفعه عاليا النظريّة الديمقراطية للأمم " الإثنيّة "(الثقافيّة ) و " المواطنيّة " ( السياسية ).(5) و على الرغم من أنّ الأدب بهذا الشأن يعتبر اللغة و الثقافة كمميّزات إثنيّة ، لكنّهما ، في النظريّة الماركسية ، ظاهرة إجتماعيّة ـ تاريخيّة بدلا من كونها مظاهر كامنة أو أوّليّة للأمم . و تختلف النظريّة الماركسيّة أيضا عن نظريّات " الأمّة المواطنيّة " التي تساوى الأمّة بالهياكل السياسيّة التشريعيّة مثل " الديمقراطيّة الشعبيّة ( أو الليبراليّة أو " الديمقراطية البرجوازية " )، و بالقيام بذلك تخلط بين الأمّة و الدولة ( من أجل نقد لهذه النظريّات ، أنظروا مثلا ، ياك 1999).
تتطوّر الرأسماليّة و أممها تطوّرا غير متكافئ مفرزة عالما منقسما تراتبي متكوّن من صغار و كبار ، من أمم متطوّرة و أخرى في طريق النموّ ، أمم مستعمِرة و أخرى مستعمَرة ، أمم مستقلّة وأخرى تابعة ، أو أمم مضطهِدة وأخرى مضطهَدَة. و في ظلّ ظروف تطوّر غير متكافئ ، هناك أمم أكثر من الدول، وغالبيّة هذه الدول كيانات متعدّدة القوميّات . كان تشكّل الأمم و دولها في بداية العصر الرأسمالي تقدّميين طالما أنّ الدول القوميّة ساعدت على تفكيك الإقطاعيّة . وفي الوقت نفسه، كان على الرأسماليّة ، لا سيما في تطوّرها اللاحق ، أن تحطّم الحدود القوميّة ، وهو وضع يعبّد الطريق للإشتراكيّة : " الرأسماليّة تعرف في تطوّرها إتجاهين تاريخيين في المسألة القوميّة : الأوّل هو إستيقاظ الحياة القوميّة و الحركات القوميّة ، و النضال ضد كلّ إضطهاد قوميّ ، و إنشاء دول قوميّة . و الثانى ، تطوّر شتّى العلاقات بين الأمم و تكاثرها المتزايد ، و هدم الحواجز القوميّة ، و إنشاء وحدة الرأسمال العالميّة ، و وحدة الحياة الإقتصاديّة بصورة عامة، و وحدة السياسة و العلوم ، إلخ ..
و كلا الإتّجاهين هما قانون عالمي للرأسماليّة . فالأوّل يسود في بدء تطوّرها ، و الثاني يميّز الرأسماليّة الناضجة السائرة نحو تحوّلها إلى مجتمع إشتراكي . و برنامج الماركسيين في المسألة القوميّة يأخذ هذين الإتّجاهين بعين الإعتبار ، إذ يدافع أوّلا عن المساواة بين القوميّأت و اللغات في الحقوق ، و عن إستحالة القبول بأيّة إمتيازات بهذا الصدد ( و عن حقّ الأمم في تقرير مصيرها أيضا ... ) ، و إذ يدافع ثانيا عن مبدأ الأمميّة و النضال العنيد الحازم ضد تسميم البروليتاريا بسمّ التعصّب القومي البرجوازي ، مهما رقّ و نعم . " ( لينين 1971 (أ) : 15 ، التشديد في النصّ الأصلي ؛ بالعربيّة : الصفحة 67 من المجلّد الخامس من " المختارات في 10 مجلّدات " ، دار التقدّم ، موسكو . مقال " ملاحظات إنتقاديّة حول المسألة القوميّة " ).
و يقيّم ماركس و إنجلز و الكثير من أتباعهما الأمم و القوميّات و الحركات القوميّة إنطلاقا من مساهمتهما في الثورة و معارضتهما لها . و ينظر الماركسيّون إلى الأمّة ( و القوميّة ) كمكوّن للرأسماليّة و كلاهما ، تاريخيّا ، قد عفا عليهما الزمن . و حسب لينين ، " إنّ التعصّب القومي البرجوازي و الأممية البروليتاريّة شعاران متناقضان تماما ، لا يمكن التوفيق بينهما أبدا ، شعاران يمثّلان المعسكرين الكبيرين الطبقيين في العالم الرأسمالي بأسره و يعبّران عن سياستين ( بل عن مفهومين عن العالم ) في المسألة القوميّة . " ( المصدر السابق : 14 ؛ بالعربيّة : الصفحة 66 من المجلّد 5 من " المختارات في 10 مجلّدات " ، دار التقدّم ، موسكو. مقال " ملاحظات إنتقاديّة حول المسألة القوميّة " ) . و في الآن نفسه ، يعارض الماركسيّون الإضطهاد القومي ليس لدوافع أخلاقيّة و إنّما لأنّه يحول دون دمقرطة الحياة السياسيّة و يعرقل النضال من أجل الإشتراكيّة . فوفق ماركس ، " أيّة أمّة تضطهِد أمّة أخرى تصنع قيودها الخاصة ." ( ماركس 1971 : 163 ) و أكّد لينين كذلك : " ليس بماركسي ، حتّى و لا بديمقراطي من يقرّ بالمساواة في الحقوق بين القوميّات و اللغات و لا يدافع عنها، و من لا يناضل ضد كلّ إضطهاد قومي و ضد كلّ عدم مساواة قوميّة " ( لينين 1971 (أ) : 16 ؛ بالعربيّة : الصفحة 68 من المجلّد 5 من " المختارات في 10 مجلّدات " ، دار التقدّم ، موسكو. مقال عنوانه " ملاحظات إنتقاديّة حول المسألة القوميّة " ) . و في الدفاع عن السياسة البلشفيّة في دعم حقّ الأمم المضطهَدَة في تقرير المصير ، أعرب لينين عن " طالما تناضل برجوازيّة الأمّة المضطهَدة ضد الأمّة المتسلّطة ، فنحن معها دائما و أبدا ، في جميع الظروف ، بعزيمة تفوق تأييد الآخرين جميعا ، لأنّنا ألدّ أعداء الإضطهاد ، نكافحه بجرأة و إستقامة . و طالما تعمل برجوازيّة الأمّة المضطهَدة في سبيل تعصّبها القومي البرجوازي ، فنحن ضدّها ، أي أنّنا نقاوم إمتيازات الأمّة المتسلّطة الظالمة و أعمالها العنيفة من جهة ، و لا نتسامح مطلقا مع سعي الأمّة المضطهَدة وراء الإمتيازات ." ( لينين 1971 (ب) : 55، و التشديد في النصّ الأصلي ؛ بالعربيّة : الصفحة 166 من المجلّد 5 من " المختارات في 10 مجلّدات " ، دار التقدّم ، موسكو . مقال " حقّ الأمم في تقرير مصيرها " ).
الإضطهاد القومي حاجز أمام الثورة الإشتراكيّة لا سيما لأنّه يقسم الطبقة العاملة حسب الإنتماءات القوميّة و يحوّلها إلى " جيش إحتياط " لدى برجوازيّتها " الخاصة " . و في حين يعارض القوميّون الإضطهاد القومي ، ينتفعون منه طالما أنّه ييسّر التعاون الطبقي باسم الدفاع عن " الوطن " و " الأمّة " أو " الشرف القومي " . و البديل هو الأممية : " إنّ الماركسيّة لا تتّفق مع التعصّب القومي ، مهما كان " عادلا " و " صافيا " و ناعما و متمدّنا . بل إ،ّها تستعيض عن التعصّب القومي ، أي تعصّب ، بالأممية ، بإندماج جميع الأمم في وحدة عليا تتطوّر و تنمو تحت أنظارنا كلّما مدّ خطّ حديدي جديد ، وأنشئ تروست عالمي جديد، و تأسّست جمعيّة عمّاليّة جديدة ( عالميّة بنشاطها الاقتصادي ، ثمّ بأفكارها وميولها أيضا ) " ( لينين 1971 (أ) : 22 ؛ بالعربيّة : الصفحة 76 من المجلّد 5 من " المختارات في 10 مجلّدات " ، دار التقدّم ، موسكو. مقال " ملاحظات إنتقاديّة حول المسألة القوميّة ").
هذا الرأي حول الظروف المساعدة على الأممية قد أدخل الإضطراب على عديد نقّاد الماركسية الذين عادة ما يستشهدون بماركس نفسه بشأن مستقبل الأمم : " ها هي الفواصل الوطنيّة و التناقضات بين الشعوب تزول يوما بعد يوم تبعا لتطوّر البرجوازيّة ، و حرّية التجارة ، و السوق العالميّة ، و تشابه الإنتاج الصناعي و شروط المعيشة الناجمة عن ذلك . " ( ماركس و إنجلز 1976 : 503 ؛ بالعربيّة : الصفحة 70 من " مختارات ماركس و إنجلز " في أربعة أجزاء ، الجزء الأوّل ، دار التقدّم ، موسكو ؛ " بيان الحزب الشيوعي " ). و تقوّض هذه التطوّرات في القوى المنتجة المكاسب القوميّة و الحدود و الوحدة الترابيّة و الإستقلال . و بالفعل ، التقدّم في " وسائل الإتصال و النقل " قد سمحت مبكّرا ، مع أواسط القرن التاسع عشر ، كما كتب ماركس في الغرندريسي ، ب" مَحقِ الزمان للمكان " ( ماركس 1973 : 524 ) ، إلى درجة أنّ : " هذا الإنقلاب المتتابع في الإنتاج ، و هذا التزعزع الدائم في كلّ العلاقات الإجتماعيّة ، و هذا التحرّك المستمرّ و إنعدام الإطمئنان على الدوام ، كلّ ذلك يميّز عهد البرجوازيّة عن كلّ العهود السالفة ، فإنّ كلّ العلاقات الإجتماعيّة التقليديّة الجامدة ، و ما يحيط بها من مواكب المعتقدات و الأفكار ، التي كانت قديما محترمة مقدّسة ، تنحلّ و تندثر ؛ أمّا التي تحلّ محلّها فتشيخ و يتقادم عهدها قبل أن يصلب عودها . و كلّ ما كان تقليديّا ثابتا يطير و يتبدّد كالدخان ، و كلّ ما كان مقدّسا يعامل بإحتقار و إزدراء ...
و بدافع الحاجة الدائمة إلى أسواق جديدة تنطلق البرجوازيّة إلى جميع أنحاء الكرة الأرضيّة . فينبغى لها أن تدخل و تتغلغل في كلّ مكان ، و توطّد دعائمها في كلّ مكان ، و تقيم الصلات في كلّ مكان ." ( ماركس و إنجلز 1976 : 487 ؛ بالعربيّة: الصفحة 51 – 52 من " مختارات ماركس و إنجلز " في أربعة أجزاء ، الجزء الأوّل ، دار التقدّم ، موسكو ؛ " بيان الحزب الشيوعي " ).
و مع ذلك ، ديناميكيّة رأس المال " التوسّع أو الموت " لا تؤدّى إلى تفكيك الأمّة و النظام العالمي للدولةـ الأمّة . و الظروف السياسيّة ـ أي وجود الدولة الرأسماليّة و سياساتها القوميّة و كذلك هيمنة إيديولوجيّأت القوميّة و الشوفينيّة القوميّة أو الفاشيّة ـ لن تسمح بالتفكيك العفوي أو السلمي للدولة ـ الأمّة . و تحرس البنية الفوقيّة القاعدة الإقتصاديّة و في حال شعرت البرجوازيّةبالتهديد ستلجأ إلى الأمّة و القوميّة و الوطن و البلد و الوطنيّة و الفاشيّة و كره الأجانب و العنصريّة و الكراهيّة الدينيّة و الحرب و الإبادة الجماعيّة لأجل تدمير أيّة فكرة تعايش و سلم و أمميّة . و نظرة ماركس لظهور الظروف الماديّة لإضمحلال الأمم يقف برهانا على صحّتها ، ضمن تطوّرات أخرى ، تشكّل الإتّحاد الأوروبي بكلّ من نجاحاته و إخفاقاته . و من الدال أيضا أنّ أفتحاد الأوروبي قد قام على أنقاض الحربين اللتين تركّزتا في أوروبا و دمّرت القوى الإمبريالية قارتها و ، إلى جانب دول أخرى ، دمّرت الكثير من بقيّة العالم . و تجربة أخرى لها دلالتها هي حلّ الأممية الثانية للأحزاب الإشتراكية بعدما إلتحقت جميعها ، بغستثناء البلاشفة ، ب " الحرب الوطنيةّ " لبرجوازيّة كلّ منها إبّان الحرب العالميّة الأولى . و هكذا ، سيادة السياسة القوميّة أو الأممية لا يمليها الاقتصاد الرأسمالي . إنّها ترتهن بالأحرى بالنظرة السياسيّة و الإيديولوجيّة للأحزاب الشيوعيّة ؛ و بكلمات أخرى ، الصراعات في البنية الفوقيّة ، بدلا من مستوى التطوّر الرأسمالي، تحدّد كيف تتمّ معالجة التناقض بين السياستين و الطبقتين .
مصمّمين على عدم الإلتحاق ببرجوازيتهم " الخاصة " في الحرب العالمية الأولى ، حوّل البلاشفة الحرب الرأسماليّة إلى ثورة ضد الرأسماليّة و أطاحوا بالنظام القيصري و أرسوا أسس الإشتراكيّة في ظلّ ظروف مجاعة و دمار و تدخّل عسكري للقوى الإمبريالية . لقد كانت ثورة في أوسع بلد عالميّا ، روسيا المتعدّدة القوميّات و التي كانت حسب لينين " سجن الأمم ". كان هذا هو التحرّر من " الضرورة " المنادى به في إنسجام مع الجدلية الهيغليّة و إنجلز ، الإعتراف بالضرورة و وفق ماو تسى تونغ تغييرها أيضا ( ماو تسى تونغ ، 2007 (ب) : 183).
لقد كان الحزب البلشفي متسلّحا بالإعداد النظري لتحقيق ما سمّاه إنجلز ، في إطار مختلف ، صعوبة " القفزة من مملكة الضرورة إلى مملكة الحرّية " ( إنجلز 1976 : 367). و قبل الثورة ، أكّد لينين على أنّه " من غير الممكن القضاء على الإضطهاد القومي ( أو أيّ إضطهاد سياسي آخر ) في ظلّ الرأسماليّة " يستحيل القضاء على الإضطهاد القومي ( والإضطهاد السياسي ، بعامة ). ولهذا كان من الضروري القضاء على الطبقات ، أي إقامة الإشتراكيّة . " و لكن الإشتراكيّة ، مجتمع طبقي بحدّ ذاتها ، ليس بوسعها إلاّ أن " تخلق إمكانيّة القضاء على الإضطهاد القومي قضاء تاما . " ( لينين 1971(ت) : 116 ؛ بالعربيّة : الصفحة 92 من المجلّد 5 من " المختارات في 10 مجلّدات " ، دار التقدّم ، موسكو. مقال" خلاصة المناقشة حول حقّ الأمم في تقرير مصيرها " ، و التشديد في النصّ الأصلي ) . بكلمات اخرى التحرّر من الأمّة كان مسألة إنتقال ليس من الرأسمالية إلى الإشتراكيّة و إنّما من الإشتراكية إلى الشيوعية . و قد إتّخذت عدّة خطوات لتوفير إمكانية هذا التغيير . و من المواضيع الكبرى في النظريّة و الممارسة ، إمكانيّة بناء الإشتراكية في بلد واحد أو مثلما إقترح ماركس ، على نطاق البلدان الرأسمالية المتطوّرة في أوروبا . و في غياب الثورات الإشتراكية المظفّرة في أوروبا ، و آخذا بعين الإعتبار التغيّرات الناجمة عن تحوّل الرأسماليّة إلى إمبرياليّة منذ أواخر القرن التاسع عشر ، تبنّى الحزب مشروع " الإشتراكية في بلد واحد " . والبلد الوحيد في العالم يحمل إسما غير إثني و غير مرتبط بمنطقة كان إتّحاد الجمهوريّات الإشتراكية السوفياتي، المتشكّل من جمهوريّات تميّزت و سمّيت حسب القوميّات الكبرى فيها ، كالأرمن و الجورجيين و الطادجيكيين و جميعهم إنخرطوا في طريق التشكّل القومي بضعة عقود فقط قبل 1917. وكجزء من مشروع إلغاء الإضطهاد القومي ، في 1917، إعترف الحزب بإستقلال فنلندا و منح الدستور القوميّات السيادة و المكانة المتساوية مع حقّ تقرير المصير بما في ذلك حقّ الإنفصال. وكان واضحا ، في العمل النظري للينين أنّ حقّ تقرير المصير مثل " الأجر المتساوي للعمل المتساوي " " حقّ برجوازي" يعيد إنتاج لامساواة العلاقات الرأسمالية . و لنضرب مثالا آخر ، في الثقافة و الفنون ، وقع تشجيع سياسة " شكل قومي و مضمون إشتراكي ". و رغم أنّ العداء القوميّ قد خفّ ، تحوّلت كافة هذه الخطوات إلى محاور صراع طبقي بين الشيوعيين و القوميين . بلغة جدلية ، الشيوعيّون و القوميّون أو البروليتاريا و البرجوازيّة ، بعيدا عن أن يكونا منفصلين ، يوجدان في وحدة و صراع .
و ليس مفاجأ أنّ الشيوعيين أنفسهم دافعوا عن سياسات كانت قوميّة و برّروا ذلك ب " الضرورات " من مثل فرض الحصار الرأسمالي و الحرب العالمية الثانية أو الحرب البادرة . و قد وجدت القوميّة تعبير عنها بطرق متقنة حينما ، مثلا، كان يتوقّع من الأحزاب الشيوعية عبر العالم أن تساند " مركز قيادة الثورة العالميّة ، افتحاد السوفياتي ، حتّى على حساب التخلّى عن الثورة ضد برجوازيّتهم الخاصة . و أيضا كان مدمّرا التعويل على القومية إبّان الحرب العالميّة الثانية و حتّى النقل القسري لبعض القوميّات من مسرح عمليّات الحرب غربي إلى وسط الجمهوريّات الآسيويّة . و قبل أقلّ من عقد بعد تشكّل " الكتلة الإشتراكيّة " التي إمتدّت من الصين إلى ألمانيا ، فتح نيكيتا خروتشاف ، بواسطة إنقلاب سنة 1957 ، الطريق للعلاقات الرأسماليّة وبعد بضعة سنوات ، سيشخّصه الحزب الشيوعي الصيني الوضع على أنّه " إعادة تركيز للرأسماليّة " أدّى إلى تحوّل الإتّحاد السوفياتي إلى بلد " إمبريالي- إشتراكي - أي إشتراكي قولا وإمبريالي فعلا ". و ملخّصا تجربة كلّ من الإتّحاد السوفياتي و الصين ، أشار ماو إلى أنّه في سيرورة الصراع الطبقي في ظلّ الإشتراكية ، تظهر " برجوازيّة جديدة " داخل الحزب الشيوعي الحاكم و خطّها الإيديولوجي و السياسي يفضى إلى إعادة تركيز الرأسماليّة . و قد حدث هذا أيضا نتيجة إنقلاب في الصين سنة 1976 أسفر عن صعود " أتباع الطريق الرأسمالي " إلى السلطة و إعادتهم لتركيز الرأسماليّة و قوميّتها .
بينما في المواقف النظريّة ـ السياسيّة الملخّصة أعلاه لا إحالة على التناقض التاريخي بين الجنسين ، سمحت الماركسيّة كنظريّة جدليّة عامة للمجتمع بنظرات ثاقبة في التقسيم الجندري للمجتمع . من أوغست بابل ( " المرأة و الإشتراكية " 1879، و إنجلز " أصل العائلة و الملكيّة الخاصة و الدولة " ، 1884 [ 1985] ) في القرن التاسع عشر ، إلى قادة الحركات النسويّة على غرار كلارا زتكين و إنيسا آرمندا و ألكسندرا كولنتاي في بدايت القرن العشرين ، وفّر الماركسيّون كمّا من المعرفة النظريّة و العمليّة بشأن العلاقات الجندريّة ، قسّمت الوعي و الممارسة النسويين إلى تيّارين طبقيين ـ تيّار ليبرالي و تيّار إشتراكي / شيوعي . و في إرتباط بنظريّات الأمّة ( القوميّة ) ، تهدف النسويّة الليبراليّة إلى بلوغ المساواة في إطار الأمّة الرأسماليّة و هيكلتها السياسيّة ـ التشريعيّة ـ أي الديمقراطية البرجوازية . و على العكس من ذلك ، تؤكّد الماركسيّة على أنّ المساواة الجندريّة لا يمكن بلوغها في ظلّ الرأسماليّة و ذلك لأنّ الرأسماليّة لا تسمح إلاّ بالمساواة القانونيّة بين النساء و الرجال و في غياب المساواة الإجتماعيّة و الإقتصاديّة يُعاد بطريق الحتم إنتاج لامساواة النظام البطرياركي . و قد حاجج ماركس عند التعاطى مع الحقوق المتساوية للعمّال ، بأنّه نظرا لكون العمّال كأفراد لهم حاجيات متباينة ، يظلّ الحقّ المتساوى ، حتّى في ظلّ الإشتراكيّة هو " من حيث المحتوى ، حقّ قائم على عدم المساواة ، ككلّ حقّ ". ( ماركس 1972:16 ؛ بالعربيّة " نقد برنامج غوتا " ، دار التقدّم ، موسكو ، الصفحة 15).
و على خلاف النسويّة الليبراليّة و أجندتها المركّزة على الأمّة ، أطاحت النساء الإشتراكيّات رمزيّا حدود الدولة ـ الأمّة حينما في 1911 أطلقن 8 مارس كيوم عالمي للمرأة العاملة . و بعد سنتين من ثورة أكتوبر ، سلّط لينين الضوء في 8 مارس 1920 ، على منعرجات غير مسبوقة وتقدّميّة بإتّجاه المساواة القانونيّة في العلاقات الجندريّة في الإتّحاد السوفياتي، منبّها إلى أنّ هذا مجرّد خطوة ضروريّة لكن غير كافية بإتّجاه المساواة الحقيقيّة ( غير القانونيّة ) . و أكّد أنّ حتّى الإشتراكية ليس بوسعها أن تجتثّ الهيمنة الذكوريّة ( لينين 1982: 85 ). و بدلا من مواصلة خلق ظروف إضمحلال الأمّة و البطرياركية ، أعلن الحزب الشيوعي السوفياتي في ثلاثينات القرن العشرين ، مخالفا النظريّة الماركسيّة ـ اللينينيّة ، أنّ العلاقات الطبقيّة و البطرياركيّة قد زالت .
التنظير النسوي
وُلدت النسويّة بالمعنى البسيط للوعي و المعرفة بشأن العلاقات الجندريّة و تحرير النساء ، ولدت مع القوميّة و دولتها ـ الأمّة الأولى ( مثلا ، هولندا و بريطانيا و فرنسا و الولايات التحدة ) في عصر التنوير . و إكتشف الجيل الأوّل من النسويّات أنّ الدولة الديمقراطيّة البرجوازيّة لا تنوى معاملة الرجال و النساء كعناصر متساوية للأمّة . و لم تسمح المواطنة كمكسب للثورات الديمقراطية الممدوح كثيرا ، بالعضويّة الكاملة في ألمّة إلاّ إلى الرجال ذوى الأملاك أو الدافعين للأداءات ، و أنكرت حقوق المواطنة للنساء و العمّال الرجال و الأقلّيات الدينيّة و الإثنيّة و العرقيّة . لم يدرك الذكر روبيس بيار وحده كممثّل للجناح الراديكالي للبرجوازيّة ، بل أدركت أيضا النساء المثقّفات أنّ نداء الثورات من " الحرّية ، المساواة ، الأخوّة " لم يكن أكثر من وعد . و فى منتهى الدلالة أنّ أولمب دى جوج ( 1748 - 1793 ) ، وهي امرأة أرستقراطيّة ، رفضت فورا السمة المميّزة للثورة الفرنسيّة أي " إعلان حقوق الرجل و المواطن [ الذكر ] " و أصدرت بدلا عنه " إعلان حقوق المرأة و المواطنة ".
و واصلت النسويّات و الناشطات من النساء النضال من أجل الرفع من مكانة المرأة بتوجيه مطالبهنّ إلى الدولة و العمل ضمن إطار الأمّة . غير أنّ الدولة ـ الأمّة كانت متردّدة في إصلاح الهيكلة التراتبيّة للأمّة . و قد إستغرق الأمر زهاء القرن لتتمكّن النضالات الفكريّة و السياسيّة للمُ]طالبات بحقّ لإقتراع النساء من أن تفرض على الدولة حقّ الإقتراع و الترشّح . و مع ذلك ، لم تتغيّر الطبيعة الجندريّة للدولة ـ الأمّة بصورة قابلة للملاحظة نتيجة الإصلاحات ـ حتّى أفصلاح الأبرز ، بلوغ النساء الجهاز المركزي للحكم الديمقراطي ، البرلمان . معارضة العسكراتيّة الذكوريّة و عنف الدولة ـ الأمّة في أوج الحرب العالميّة الثانية ، كتبت فرجينيا وولف ( 1882ـ 1941 ) عن العلاقة العدائيّة بين النساء و الأمّة . و قد لاحظت أنّ امرأة تتساءل : " ماذا تعنى لى أنا الغريبة كلمة " بلادنا " ؟ و للإجابة ستحلّل معنى الوطنيّة بالنسبة لها . ستستعلم عن موقع جنسها و طبقتها في الماضي . و ستستعلم عن كمّية الأرض و الثروة و الإزدهار بحوزة جنسها و طبقتها الخاصين في الحاضر ـ كم من " أنجلترا " تملكه فعلا ... " بلادنا " ستقول ، " عبر معظم الفترات التاريخيّة قد عاملتنى معاملة العبيد و حرمتنى التعليم أو أي قسط من أملاكها ... في الواقع كإمرأة لا أملك بلدا . كإمرأة لا أرغب في أي بلد . كإمرأة بلدى هو العالم بأسره " . و حتّى إن حسم العقل الأمر ، سيظلّ هناك بعض الشعور العنيد ، بعض الحبّ لأنجلترا المزروع في أذن الطفل القادم من الشامات و في شجرة الدردار من قبل دفقة أمواج على الساحل ، أو أصوات تهمس بأغانى أطفال ، هذا قطرة من الشعور النقيّ ، و إن كان غير عقلاني ، سيجعلها تقدّم لأنجلترا أوّلا ما ترغب من سلام و حرّية للعالم بأسره " ( إستشهد به في وست 1997 : XI ).
و لم تكن دى جوج و وولف وحدهما في تسليط الضوء على هذا النزاع . ستّة عقود بعد وولف ، كبلان ، مثلا نسويّة أخرى ، لاحظت أنّ " النسويّة و القوميّة مواقف إيديولوجيّة تقريبا غير منسجمين دائما داخل الإطار الأوروبي ؛ و بالنتيجة تنافرتا و كانت نسويّة غرب أوروبا " تتبع أحزاب اليسار " ( كابلان 1997 : 3 ). و على عكس " النسويّة الليبراليّة " الأمريكيّة أو نسويّة الأمم الصناعيّة الغربيّة خارج أوروبا ، نسويّة غرب أوروبا " تنزع إلى أن تكون أكثر جذريّة و متميّزة أكثر بلغة و أفكار الماركسيّة و اللينينيّة و الشيوعية و الإشتراكية ..." ( المصدر السابق : 22).
و مع ذلك ، سيكون من المناسب عدم خلط النزاع بين النساء و الأمّة ( القوميّة ) مع النزاع بين النسويّة و الأمّة ( القوميّة ) . النسويّة هي المكوّن الواعى و المصاغ نظريّا و سياسيّا ضمن نضال النساء من أجل التحرّر ؛ وهي متكوّنة من تنوّع في المواقف تمتدّ من أجندا النسويّة الليبراليّة لإصلاح العلاقات الجندريّة في إطار الدولة ـ الأمّة إلى أرضيّة النسويّة الماركسيّة الساعية إلى تفكيك الأمّة البطرياركيّة . و عادة ما يحدّد الوعي أجندا الحركات النسائيّة . في المدّة الأخيرة ، سلّطت بعض النسويّات في الغرب الضوء على النزاع بين النساء و الأمّة بوسائل نظريّة فاقت جوج و وولف . و على سبيل المثال ، يوفال ـ دافيس شخّصت ثلاثة أنماط لإعادة إنتاج النساء للأمم ـ البيولي و الثقافي و الرمزي . بيد أنّ إعادة الإنتاج البيولوجيّة ، في هذه الدراسة ، تقلّص إلى مسألة حقوق الإنجاب ـ أي " حقّ النساء في إختيار إن كانت ترغب في إنجاب أطفال و كذلك عددهم و متى ..." ( 1997: 22). مقارنة بالإقتراح الماركسي للطبيعة الثنائيّة للإنتاج (6) ، هذه المقاربة محدودة أكثر في المدى و الدلالة . و في الواقع ، تسعى بعض النسويّات إلى معالجة النزاع بين جعل القوميّة أكثر مساواة عبر إصلاح نظام الحقوق . فوست مثلا ، تقدّمت ب" نظريّة النسويّة القوميّة " المتمثّلة في " حركات إجتماعيّة متزامنة تبحث عن الحقوق النساء و حقوق القوميّات داحل أطر إجتماعيّة و إقتصاديّة و سياسيّة متنوّعة ". ( 1997 : XXX)
و في سياقات غير غربيّة ، كذلك ، تهدف النسويّات كما يهدف القوميّون إلى تسوية النزاع . و غالبا ما يحاجج الجانبان بأنّه يجب على النساء أن لا تدفع من أجل المساواة و العدالة الجندريّة طالما أنّ الأمّة برمّتها واقعة تحت الإستعمار أو الإضطهاد الخارجي ( أنظروا ، ضمن أدب واسع النطاق ، جيوردينا 1986). و عادة ما تعرقل هذه التسوية بحطّ بديلها ـ أي لا أولويّة للمطالب القوميّة نسبة لمطالب النساء ـ إلى مستويات " بديل البيض " و " العنصريّة " أو " الغرب " ( أنظروا مثلا ، يوقال ـ ديفيس 1997: 117 ـ 118 ). و بينما العنصريّة موجود فعلا على مستوى الغرب ، فإنّ التسوية بين القوميّة و النسويّة عالميّة، تجدونها في كلّ من الغرب و الشرق وهي تمثّل موقفا طبقيّا : تفضيل البرجوازيّة للإبقاء تحت المراقبة لجميع النزاعات الإجتماعيّة و السياسيّة و الإقتصاديّة صلب الأمّة و ضمان ولاء النساء للدولة ـ الأمّة . و في هذه التسوية ، للقوميّة و دولتها اليد العليا .
و في غياب تسوية مشابهة لتلك في حركات التحرّر الوطني ، إستطاعت لحركات الإجتماعيّة للستّينات في الغرب ، لا سيما حركات النساء و النسويّة ، أن توسّع من منظومة الحقوق . و مع نهاية القرن العشرين ، في عدّ بلدان غربيّة تمّت جملة من الإصلاحات رفعت عديد الحواجز أمام المساواة القانونيّة بين الجنسين . و ترتئي الحركات النسائيّة و النسويّة على الدوام حقوقا جديدة و اليوم الحقوق الممنوحة من الدولة أوسع نطاقا من تلك التي كانت تتأمّلها الأجيال الأولى من النسويّات . و بهذا المعنى، من اليسير أن نبيّن أنّ المساواة الدستوريّة و القانونيّة قد تمّ تحقيقها في بعض الدول ـ الأمم حيث يمكن للمرء أن يزعم أنّ النسويّة الليبراليّة قد أنجزت مهمّتها . وبينما يمكن دفع الدولة أكثر لتمنح مزيدا من الحقوق ، يحاجج الماركسيّون أنّ المساواة القانونيّة، بعيدا عن إلغاء اللامساواة غير القانونيّة ، تساهم عمليّا في إعادة إنتاجها . و رغم أنّ بعض نزعات النسويّة غير الماركسيّة لا سيما الفوضويّة و الراديكاليّة ، تواصل الشكّ في الدولة ، فإنّ بدائلها للرأسماليّة و الأمّة ( القوميّة ) تميّزها عن الماركسيّة . و النظريّة الماركسيّة تعتبر الدولة و نظامها القانوني منبعا من منابع إعادة إنتاج التناقض بين الجنسين . و قد إستطاع نظام الحقوق كنتاج للتنوير و الثورات الديمقراطية البرجوازية لأواخر القرن الثامن عشر ، أن يفكّك النظام السياسي - التشريعي للديمقراطية البرجوازية . و مثل هذا النظام غير قادر ، حتّى في شكله الأكثر تهذيبا و الأكثر جذريّة ، على تفكيك رأسماليّة اليوم و بطرياركيّتها . ( لوتا و دونيا و ك . ج. أي 2009 ).
التنظير النسوي ـ الماركسي : المتطلّبات و العراقيل
لقد رأينا في العقدين السابقين مساهمات هامة من قبل كلّ من النسويّات الماركسيّات و غير الماركسيّات ، في فهمنا للعلاقات الجندريّة إبّان صعود الرأسماليّة ز و على سيبل المثال ، سلفيا فردريتشى،" كاليبان و الساحرة : النساء و الجسد و المراكمة البدائيّة " (2004) و فيه تربط المراكمة البدائيّة بتملّك عمل النساء غير مدفوع الأجر بما في ذلك الإنجاب ، بدلا من العمل المأجور فقط . و كتاب ليوبلدينا فرتوناتى ،" ممرّ الإنجاب : العمل المنزلي و البغاء و العمل و رأس المال " (1995) يحاجج بأنّ الإنجاب يخلق قيمة و بما هو كذلك يجب أن يعامل كإنتاج . و كتاب مارى موراي ،" البطرياركيّة في المرحلة الإنتقاليّة من الإقطاعية إلى الرأسماليّة " (1995) يتطرّق إلى العلاقات بين البطرياركيّة و الملكيّة و القرابة في ظهور الدولة في أنجلترا خلال المرحلة الإنتقاليّة إيّاها . و مع ذلك ، لم تركّز هذه الدراسات التي ألهمتها الماركسيّة على ظهور الأمم في سيرورة المرحلة الإنتقاليّة . وبالعكس ، عملُ دانا نلسون غير الماركسي " الرجولة القوميّة : المواطنة الرأسماليّة و الأخوّة المتخيّلة للرجال البيض" (1998) يعالج الجندر و الأمّة و العرق و كيف أنّ " رجولة البيض " قد شكّلت الأمّة ألمريكيّة من الحرب الثوريّة إلى أواسط القرن التاسع عشر .
و توفّر الدراسات التجريبيّة النظريّة الواعية رؤى عميقة في تشابك العلاقات الاجتماعية للرأسماليّة و البطرياركيّة و القوميّة حتّى و إن لم تستهدف بوجه خاص تطوير التنظيرات النسويّة – الماركسيّة عن المّة . و يقتضى مثل هذا الهدف عملا نظريّا في حدّ ذاته ، لكن النظريّة ، بعيدا عن أن تكون تلخيصا بسيطا أو تعميما للإكتشافات التجريبيّة محور صراعات سياسيّة و فلسفيّة و إيديولوجيّة . و الماركسيّة شأنها في ذلك شأن النسويّة نتاج لمثل هذه الصراعات على الجبهتين – خارجيّا ، ضد المنافسين ( النظرات البطرياركيّة و الرأسماليّة ؛ و داخليّا ، في صفوف المواقف المتنازعة في حقلها ذاته . و على سبيل المثال ، طوّ{ت الماركسيّة نظرة ماديّة ، في نزاع مع المثاليّة ، و في الوقت نفسه في تعارض مع الماديّة الميكانيكيّة . و مع ذلك ، ليست المواقف النظريّة و السياسيّة مثلما الطبقات الإجتماعيّة منفصلة ، تفصل بينها جبال : تشكّلت الجدليّة الماركسيّة أكثر بجدليّة هيغل المثاليّة من جدليّة الماديين التي كانت أقلّ تقدّما . و على الرغم من أو كذلك بسبب هذا التداخل في المواقف، إرتأت الماركسيّة أن تميّز نفسها ب‘تبارها النظرة العالميّة لطبقة ، الطبقة العاملة عوض إنتقائيّة الأفضل .
و من البداية ، كانت الماركسيّة و النسويّة منفصلتين كموقفين طبقيين متنازعين رغم أنّ التنظير الماركسي للبطرياركيّة أمسى مكوّنا من مكوّنات المعرفة النسويّة . و كان من الواضح أنّ في بدايات الماركسيّة ( مثلا ، لدى إنجلز ) لم يكن الجندر مكوّن طبقيّ و مع ذلك قلّص الإقتصاد الماركسيّ ، لا سيما في الإتحاد السوفياتي أواخر عشرينات القرن العشرين ، الجندر إلى طبقة و قلّص الإضطهاد الجندري إلى إضطهاد طبقي . و مع بدايات ثلاثينات القرن الماضي ، أعلن الحزب الشيوعي أنّ الصراع الطبقي و إضطهاد النساء و الإضطهاد القومي قد إنتهى في الإتحاد السوفياتي .
و قد دفع هذا الزعم البلاد و قسم كبير من الحركة الشيوعيّة العالميّة إلى إتّجاه يميني و محافظ بتبعات سياسيّة جدّية . و فيما من البديهي بالأحرى أنّ في النظريّة الماركسيّة الجندر مختلف عن الطبقة و أنّ الإضطهاد و الإستغلال مختلفين (7) ، من المعلوم أيضا أنّ مشاريع إلغاء الإضطهاد الجندري أو الإضطهاد القومي سياسة و سياسات ذات طابع طبقيّ .(8) و هكذا ، يمكن أن نقول أنّ فكرة لينين القائلة إنهّ افضطهاد الجندري و القومي لن يتمّ إجتثاثهما في ظلّ الإشتراكيّة من ناحية و زعم ستالين في ثلاثينات القرن العشرين – بالكاد في بداية الإشتراكيّة – إنتهيا إلى موقعين طبقيّين حتّى و إن نبعا من الحزب ذاته.
و نظرا لجدّية الصراعات السياسيّة حول العلاقات الجندريّة ، من غير العسير شرح إخفاقات مشاريع " الزواج " بين النسويّة و الماركسيّة . لقد كانت الماركسيّة تحدّيا جدّيا للنسويّة الليبراليّة في نهاية القرن التاسع عشر و بداية القرن العشرين ، و في ستّينات القرن العشرين و سبعيناته أعادت صياغة المعرفة النسويّة . إلاّ أنّه منذ أواخر القرن العشرين ، بينما شهدت النسويّة " إنفجارا معرفيّا " ( كرامارى و سبندار 1992) ، عانت الماركسيّة من تراجعات لا سيما عقب إعادة تركيز الرأسماليّة في الصين ( 1976) و قبلها في الإتحاد السوفياتي (1957) ، و إنهيار الكتلة الشرقيّة (1989- 1992) ، و هيمنة الليبراليّة الجديدة و نموّ الإصلاحيّة في الأكاديميّات ( أنظروا أدناه ) . و تعرف الماركسيّة ، في إطار الأزمة الإقتصاديّة الراهنة ، إنتعاشا جديدا على أنّه ليس بوسعنا تبنّى ما كانت عليه في القرن العشرين دون تجديد واسع النطاق في النظريّة ، خاصة في مقاربتها للعلاقات الجندريّة . و يمكن أن تشمل المعرفة الواسعة التي أنتجتها النسويّات بالطريقة نفسها التي عانق بها ماركس و إنجلز بحماس و بصفة نقديّة ، الخطوات المتقدّمة في المعرفة غير الماركسيّة كنظريّة داروين للتطوّر و إكتشافات هنرى لويس مورغان و نظراته الثاقبة بشأن المجتمعات ما قبل الطبقيّة .
تهدف الماركسيّة و النسويّة كلاهما إلى تغيير الواقع ( المجتمع الطبقي و البطرياركيّة ) و تعويضه بأنظمة علاقات إجتماعيّة بديلة . و هذا الهدف السياسي يميّزهما عن النظريّات الملتزمة بالأعراف و العادات مثل ما بعد البنيويّة التي ترفض التحرير على أنّه " روايات كبرى " و تقلّص الوعي و العمل الإنسانيين إلى " هنا و الآن " . و لا شكّ في أنّه بينما لا يمكن إيجاد تسوية للنزاع بين الماركسيّة و تيّارات " ما بعد " ، فإنّ بعض المواقف النسويّة تنزلق بسهولة إلى مابعد البنيويّة . (9)
تتقيّد النسويّة بنسختها ما بعد البنيويّة بمواقف أبستيمولوجيّة متنوّعة . فمثلا ، خشية أن تسرق جوهريّة [ أسنسياليزم ] ما بعد البنيويّين لفائدة كتل بنائهم الكبرى لنظريّة مناسبة ، مفاهيما حيويّة ك " البطرياركيّة " و " المرأة " ( أنظروا أدناه ) ، و تحدّ من مساهمتهم في النضالات السياسيّة . و تاثير هذه الحركيّة مضعف للغاية بحيث أنّ بعض مناهضي الجوهريين ينخرطون في خدع نظريّة و عوضا عن الإعتراف بالجواهر و نبذ الجوهريّة ، ينبذون الجواهر و يعقدون تحالفات " مؤقّتة و إستراتيجيّة " مع الجوهريّة .(10) و من أجل فسح المجال للمساهمة في سياسات المقاومة و التضامن ، يتخفّون وراء " إستراتيجيا الجوهريّة " و " إستراتيجيا الكونيّة " ( بردن 2012 ) و حتّى " إستراتيجيا النسبيّة " ( ريان 1995 : 582).
و تقرّ الماركسيّة بوجود الجواهر التي دونها سيكون من العسير التمييز بين الظواهر في المجتمع و الطبيعة غير أنّها تعدّ الجواهر تاريخيّة و مثلها مثل كلّ الظواهر ، تتغيّر . بالنسبة للجدليّة ، الحركة مطلقة و السكون نسبيّ . و الإعتقاد في الجواهر لا يجعل من أي إنسان جوهري إلاّ إذا فُهمت الجواهر على أنّها لا تتغيّر أو أنّها أبديّة . و تمسى التنظيرات الماركسيّة " للأمّة" و " للبطرياركيّة " أو أيّة تشكيلة إجتماعيّة أخرى حتّى أكثر تعقيدا و مناسبة طالما تُفهم عبر ألصناف الفلسفيّة ك " الحرّية و الضرورة " و " الضرورة و الصدفة " و " الجوهر و الظاهر " و " المادة و الوعي " و " العام و الخاص " و " الحركة و السكون " و " النسبيّ و المطلق " و " الممكن و الواقع " و " الملموس و المجرّد " .حينما يستخدم غير الماركسيين هذه الأضداد ، إن إستخدموها أبدا ، يتعاطون معها كأشياء متضادة ، ثنائيّات . و بالنسبة للجدليّة الماركسيّة ، الجانبان في علاقة " وحدة و صراع " – يعنى يرتبط الواحد بالآخر لوجودهما و في ظلّ ظروف معيّنة يمكن أن ينفى أو يتغيّر الواحد إلى الآخر. و وفق وجهة نظر الماركسيّة ، مثلا ، تنوّع " الأمم " أو " البطرياركيّات " حتميّ إعتبارا لطبيعتها الإجتماعيّة – التاريخيّة ، فكلّ منها يتشكّل أو يوجد في ظلّ ظروف معيّنة و الفكر الإنساني المتسلّح باللغة قادر على إدراك العام في الخاص. لكلّ بطرياركيّة خصوصيّاتها بطريق الحتم بمعنى أنّها تظهر في إطار تاريخي مختلف بفعل التنوّع في الوعي و الثقافة و الجغرافيا و النظام الطبقيّ و التشكيلات الاقتصادية – الإجتماعيّة و اللغة و الدين و الدولة و القوميّة و الإثنيّة و هلمجرّا . و بداهة ، لم تخلق المجتمعات الإنسانيّة ، وبعضها منعزل بحواجز ماديّة كالمحيطات و القارات ، العلاقات الجندريّة وفق أي مخطّط لنظام عالمي. و من الممكن أن ندرك العام في خاص البطرياركيّات . البطرياركيات الفرنسية و الكري [ هنود حمر بالكندا ] و الإسبانيّة و الإيرانيّة بطرياركيات متباينة لكن ببساطة يمكن رؤيتها كأنظمة علاقات جندريّة قبل ، لنقل ، أنظمة دينيّة و طبقيّة أو قرابة . و زيادة على ذلك ، يُشكّل العام و الخاص علاقة جدليّة ، و بعيدا عن أن يكونا صنفين أو ميزتين كامنتين ، يمكن إدراكهما كعلاقات ترابط متبادل و تغيّر الواحد إلى الآخر ، في مكانتهما ، كعام و خاص ، حسب الظرف : " و بسبب أنّ أنواع الأشياء لامتناهية و أنّ تطوّرها غير محدود ، فإنّ ما هو عمومي في حالة معيّنة يصير خاصا في حالة معّينة أخرى . و على عكس ذلك فإنّ ما هو خاص في حالة معيّنة يصير عموميّا في حالة معيّنة ثانية ." ( ماو تسى تونغ 2007(أ) : 85 ؛ بالعربيّة : الصفحة 478 من المجلّد الأوّل من " مؤلّفات ماو تسى تونغ المختارة " ، درا النشر باللغات الأجنبيّة ، بيكين ).
و هكذا البطرياركيّة ( نظام ممارسة الذكر للسلطة في إطار علاقات جندريّة منظّمة تراتبيّا ) ، فيما هي دائما خاصة ، تشكّل شيئا عاما ضمن المجتمعات الطبقيّة من العصر القديم إلى العصر الحديث ( توجد في جميع هذه المجتمعات ) ، و إن ظهرت كشيء خاص على إمتداد التاريخ ، من التشكيلات ما قبل الطبقيّة إلى بداية التشكيلات الطبقيّة .
و تخلط ما بعد البنيويّة بين التناقضات الجدليّة و الثنائيّات و حلّها لذلك هو إستبعاد مظهر من الضدّين ، العام ، و دون قصد لكن بصفة منهجيّة ، تقدّم المظهر الآخر ، الخاص ، على أنّه عام . و إليكم مثال لفهم الجوهريّة و إستبعاد العام لفائدة الخاص : " رغم القيمة الإرشادية للبطرياركية في التنظير للهياكل الإجتماعيّة التراتبيّة ، بالنسبة للنسويّات ، تقلّص فائدتها إلى جوهريّتها و وفقها الهيمنة الذكوريّة على النساء إجابة حتميّة على الإختلافات الطبيعيّة . تغذّى فرضيّات من هذا القبيل مفاهيما لاتاريخيّة عن " المرأة " و " الرجل " كأصناف عامة ، و تتجاهل الإختلافات العرقيّة و الطبقيّة و غيرها . لا فائدة للبطرياركية كمفهوم نظري يتمّ النزاع حوله في هذه المواضيع ." ( كود : 2000: 379).
هنا المفهوم الأهمّ في النظريّة النسويّة ، " البطرياركيّة " ، وُضع جنبا لأنّه يستخدم جوهريّا داخل إدعاءات غير موثوق بها عن " طبيعة الإختلافات ". و في الواقع ، النظريّة الماركسيّة و الكثير من النظريّة الإجتماعيّة غير الماركسيّة قد نبذا الحتميّة البيولوجيّة . و هذه الإعتراضات لا تسمح للنسويّة ما بعد البنيويّة بأن تنظّر تنظيرا مناسبا للأمّة ( القوميّة ) ، وهي مهمّة تستدعى سجلاّ مفهوميّا بما فيه " التحرير " و " الإستقلال " و " السيادة " و " الحرّية " و " حقّ تقرير المصير " و " الإمبرياليّة " و " الأممية " وهي مفاهيم بعدُ منبوذة على أنّها " روايات كبرى " أو جوهريّات .
في إطار العولمة و الثورة التكنولوجيّة الجارية ، ينشر ألدب غير الماركسي أفكار تآكل الحدود و تبخّر الأمّة (- الدولة ) إلاّ أنّ نظريات " ما بين القوميّة " و " الكونيّة " و " ما بعد القوميّة " أو " القوميّة النسويّة " تخفق في أن تأخذ بعين النظر كيفيّة إعادة الأمم إنتاج نفسها من خلال ، ضمن إجراءات إخرى ، تعزيز الحدود القوميّة حتّى وهي تتآكل .
يشير النزاع بين الماركسيّة و النسويّة حول مسلة الأمّة ( القوميّة ) المعروض بإقتضاب في هذا الفصل ، إلى الحاجة إلى تفاعل بنّاء بين هتين النظرتين الكبيرتين للعالم . و في حين أنّ الظروف الماديّة لإضمحلال الأمم موجودة لفترة طويلة ، تواصل الأمم ممارسة سيادتها ، جزئيّا عبر السلطة البطرياركيّة ، جاذبة مئات ملايين النساء إلى السوق الرأسماليّة و مطلقة " حربا ضد النساء " لا تفتأ تتوسع أبدا . و تعدّ معالجة هذه التناقضات تحدّيا نظريّا و سياسيّا كبيرا في زمننا هذا . و تدافع النظريّة الماركسيّة عن إضمحلال الأمم و كافة المؤسسات و العلاقات الإجتماعيّة للمجتمع الطبقي ، عبر صراع طبقي طويل ألمد . أمّا الشغل الشاغل الأساسي للنسويّة فهو إلغاء التراتبيّة الجندريّة داخل حدود الأمّة .
-----------------------
الهوامش :
1- يركّز هذا الفصل على التنظير للأمّة ( القوميّة ) في الماركسيّة " الكلاسيكيّة " ، و قبل كلّ شيء أعمال ماركس و إنجلز و لينين .
2ـ ب " النسويّة " أقصد ، عدا عندما تلحق بالماركسية ، نسخها غير الماركسيّة المتنوّعة جدّا ، و بعضها مشخّص هنا ك " ليبراليّة " و " ما بعد البنيويّة ".
3- نقد هذا الموقف يخفق في الإستيعاب الجدلي للترابط بين هذه المكوّنات الأربعة للأمّة ، و يرفضها على أنّها " لائحة تسوّق " ستالين . (مثلا ، يوفال – دافيس 1997:19) . و الأطروحات النظريّة الكامنة وراء هذا التحديد هي :
أ- الأمم ليست ظواهرا أبديّة و لا أولّية و إنّما بالأحرى لها بداية و لها نهاية ؛
ب- إنّها إفراز للرأسماليّة ( " الحياة الإقتصاديّة المشتركة " )؛
ت- ليست الأمم تشكيلات عرقيّة أو قبليّة بل هي تتشكّل من عدّة إثنيّات و خلفيّات عرقيّة ؛
ث- الأمم مجموعات مستقرّة من الناس عوضا عن " مجموعات عرقيّة ورخوة الترابط " مثل الإمبراطوريّات ما قبل الرأسماليّة.
ج- لا يمكن للناس الذين يعيشون في مجموعة مستقرّة دون لغة مشتركة أن يشكّلوا أمّة رغم أنّه يمكن لأمم مختلفة أن تملك نفس اللغة و مثال ذلك الأنجليزية في زيلندا الجديدة و أستراليا و الولايات المتحدة ؛
ح- اللغة المشتركة لوحدها كالأنجليزية في أنجلترا و الولايات المتحدة لا تؤدّى إلى تشكيل أمّة ( مستعمرات بريطانيا و إسبانيا منفصلة عن بريطانيا و إسبانيا و إن كانت لديها لغة واحدة )؛
خ- أرض مشتركة ضروريّة " للتجمّع الطويل و النظامي " الذى يرتهن بالناس الذين يعيشون معا جيلا بعد جيل .
د- الأرض المشتركة و اللغة المشتركة لا يوجدان لوحدهما أمّة ؛ الوحدة العرضيّة لمقاطعات في ظلّ ملك لا تخلق أمّة ؛ و
ذ- تتميّز الأمم التي تتكلّم اللغة نفسها بثقافة مشتركة ( ستالين 1970 : 66-69).
4 ـ لاحظ لينين أنّ " السعي إلى إقامة دولة قوميّة تستجيب على الوجه الأكمل لمتطلّبات الرأسماليّة الحديثة هذه ، هو أمر ملازم لكلّ حركة قوميّة . و تدفع إلى ذلك أعمق العوامل الإقتصاديّة . و من هنا يبدو أنّ الميزة النموذجيّة و الشيء الطبيعي في المرحلة الرأسماليّة هو قيام الدولة القوميّة في أوروبا الغربيّة كلّها بل في العالم المتمدّن كلّه ."( لينين 1971 (ب) 40-41، بالعربيّة : الصفحة 146 من المجلّد 5 من " المختارات في 10 مجلّدات " ، دار التقدّم ، موسكو . مقال" حقّ الأمم في تقرير مصيرها " ، و التشديد في النصّ الأصلي) .
5- من أجل نقد غير ماركسي لثنائيّة المواطنة / الأثنيّة ، أنظروا مثلا ، ضمن أدب واسع النطاق ، سبنسر و وولمان (1998).
6- من الأعمال الأولى مثل " الإيديولوجيا الألمانيّة " (1846) إلى " رأس المال " (1867، المجلّد 1 ) إلى آخر الأعمال و منها " أصل العائلة و الملكيّة الخاصة و الدولة " (1884) [ 1985] ، إعتقد ماركس و إنجلز أنّ الإنتاج هو المظهر المميّز الأهمّ لنوعنا وهو يتمثّل في مكوّنين إثنين لا يمكن الفصل بينهما بالنسبة للفهم المادي ، العمل المحدّد في التاريخ هو ، في نهاية المطاف ، إنتاج و إعادة إنتاج الحياة المباشرة . و لهذا ، مرّة أخرى ، جانبان : فمن جهة الغذاء و الملبس و السكن و الأدوات الضروريّة لذلك الإنتاج ؛ و من الجهة الثانية ، إنتاج البشر ذاتهم ، إستمرار العنصر البشري " ( إنجلز 1985 : 71).
و بينما يمكن لهذا البريق النظري أن يرسي أساس التنظير الجندري ، لم يمضى ماركس و إنجلز فيه بعيدا ، و أخفقت الأجيال الماركسيّة اللاحقة في إستيعاب دلالته و قد عارضه البعض ( من أجل عرض غير نسويّ للصراع حول هذا الموقف النظري في النظريّة الماركسيّة ، أنظروا غوره [ 1988] ؛ و أنظروا كذلك ساير [ 1987: 77-82] ).
7- من أجل نقد لخلط الإقتصاد الماركسيّ بين الطبقة و الجندر ، أنظروا موجاب ( آت قريبا ) .
8- النساء مصدر و محرّك النضال ضد العلاقات الجندريّة البطرياركيّة . و مع ذلك ، في التاريخ الثريّ لهذا النضال ، من طلب التحرير إلى حقوق الإجهاض ، ساندت بعض النساء النظام البطرياركي و كذلك فعل بعض العمّال / الإشتراكيين . و هذا قبل كلّ شيء قضيّة سياسيّة كمجال للوعي و إستقلاله عن موقع المرء في الطبقة و الجندر و الأمّة .
9ـ من أجل نقد للملتزمين بالعادات و التقاليد من النظريّات النسويّة المعاصرة ، أنظروا ، ضمن آخرين ، أبارت (1996) و إيزنشتاين (2009).
10- أنظروا ، مثلا ، معضلة نشطاء حقوق السكّان ألصليين : " في سياسة الدفاع عن حقوق السكّان الأصليين في الندوة العالميّة، وُجدت خطابات و ممارسات تحدّد إستراتيجيا عالم المعاني و العالم الذى يبحث عن تحديد ما هي ما هي تقاليد و ما هو تاريخ و ما هي الذاكرة الجماعيّة و النظرة للعالم و ما هي الظروف الحاليّة ، و أنماط حياة و التطلّعات المستقبليّة للسكّان ألصليّين . أحاجج أ،ّ مفكّرى و نشطاء السكّان ألصليّين يصوّرون فكر السكّان ألصليّين الجوهري على أنّه إستراتيجي لإصباغ الشرعيّة على مطالب العدالة و الحقوق الإجتماعيّة ، و هكذا ، هذا الوصف لا ينبغي أن يُفهم ببساطة كجوهريّة غير نقديّة و رجعيّة . بناء و إعادة بناء الشعوب يعنيان التفاوض حول المفاهيم التي تستخدمها الدولة – الأمّة و في نفس الوقت ، إعادة رسم واعية و مستمرّة للحدود الثقافيّة " ( أسكر سيغا 2010 : 3).
----------------------------------------------------------------------------------------------------------
المراجع بالأنجليزية :



#شادي_الشماوي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أفريل 1968 : تمرّد السود الذى زلزل أمريكا و العالم
- الديمقراطية و النضال النسوي - الفصل الثالث من كتاب - الماركس ...
- الثورة و النضال من أجل المساواة بين الجنسين - مريم جزايري
- لندعم نضالات النساء في إيران ضد الإرتداء الإجباري للحجاب !
- – الماركسية و النسويّة - الفصل الأوّل من الكتاب 30 – لشهرزاد ...
- حول - الإمبراطوريّة - : الشيوعية الثوريّة أم - الشيوعية - دو ...
- لا يزال - بيان الحزب الشيوعي - صحيحا و خطيرا و أمل الذين لا ...
- مقدّمة الكتاب 29 - دفاعا عن الشيوعية الثوريّة و تطويرها - ضد ...
- رفع التحدّى أم التنكّر للثورة ؟ – مقتطف من - الديمقراطية : أ ...
- النموذج الإنتخابيّ البرجوازيّ مقابل قيادة الجماهير لإعادة صي ...
- المركزيّة الديمقراطيّة و صراع الخطّين و الحفاظ على الطليعة ع ...
- إن لم تكن الطليعة هي التى تقود فمن سيقود ؟– مقتطف من - الديم ...
- أيّ نوع من الحزب ، أيّ نوع من الثورة ؟ – مقتطف من - الديمقرا ...
- تصفية التحليل الطبقيّ بإسم معارضة - الإختزاليّة الطبقيّة -– ...
- المركزيّة و اللامركزيّة و إضمحلال الدولة : – مقتطف من - الدي ...
- الصراع الطبقيّ فى ظلّ الإشتراكيّة و أشكال الحكم الجماهيريّ – ...
- مشكلة البيروقراطيّة و دور الحزب و هياكل الدولة فى ظلّ الإشتر ...
- أفق كمونة باريس : الثورتان البلشفيّة و الصينيّة كإمتداد و تع ...
- ممارسة السلطة فى المجتمع الإشتراكيّ : القيادة و الجماهير و د ...
- الحزب الشيوعي الإيراني الحزب ( الماركسي – اللينيني – الماوي ...


المزيد.....




- ناجون كرد متفائلون بوقف إطلاق نار حزب العمال الكردستاني: نري ...
- بعد دعوة -أوجلان- لنزع سلاح -العمال-.. تركيا لن تنسحب قريباً ...
- بيان المكتب المحلي لفرع حزب النهج الديمقراطي العمالي بآسفي
- مواجهات بين عدد من المتظاهرين والشرطة الإسرائيلية أمام مقر ن ...
- أوجلان يلقى السلاح
- فانس ذهب في رحلة تزلج فوجد المتظاهرين له بالمرصاد بسبب ما حد ...
- استطلاع ـ غالبية الألمان يؤيدون ائتلافا حكوميا بين المحافظين ...
- مفاجأة أوجلان.. هل تثبط استراتيجية إسرائيل
- آلاف المتظاهرين يخرجون في عدة مدن إسرائيلية للإفراج عن الرها ...
- بين ترحيب وتشكيك.. أكراد العراق منقسمون حول إعلان حزب العمال ...


المزيد.....

- لينين والبلاشفة ومجالس الشغيلة (السوفييتات) / مارسيل ليبمان
- قراءة ماركسية عن (أصول اليمين المتطرف في بلجيكا) مجلة نضال ا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- رسائل بوب أفاكيان على وسائل التواصل الإجتماعي 2024 / شادي الشماوي
- نظرية ماركس حول -الصدع الأيضي-: الأسس الكلاسيكية لعلم الاجتم ... / بندر نوري
- الذكاء الاصطناعي، رؤية اشتراكية / رزكار عقراوي
- نظرية التبادل البيئي غير المتكافئ: ديالكتيك ماركس-أودوم..بقل ... / بندر نوري
- الذكرى 106 لاغتيال روزا لوكسمبورغ روزا لوكسمبورغ: مناضلة ثور ... / فرانسوا فيركامن
- التحولات التكتونية في العلاقات العالمية تثير انفجارات بركاني ... / خورخي مارتن
- آلان وودز: الفن والمجتمع والثورة / آلان وودز
- اللاعقلانية الجديدة - بقلم المفكر الماركسي: جون بلامي فوستر. ... / بندر نوري


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - شادي الشماوي - الأمّة و القوميّة و النسويّة - أمير حسنبور