الأحد 09 مارس 2003 18:31
أصدر الداعية الاسلامي الأشهر والنجم الديني الأبرز الشيخ يوسف القرضاوي فتوى "بعدم جواز استخدام المطارات والموانئ والاراضي لضرب العراق" وندد الداعية الاسلامي من قطر يوم الجمعة الماضية بأي تعاون مع الولايات المتحدة ضد العراق معتبراً أن مواجهة "الغزاة فرض عين" على المسلمين. وهاجم القرضاوي في خطبة الجمعة في مسجد عمر بن الخطاب في الدوحة "من يتعاون مع اميركا في حربها ضد العراق" وأفتى "بعدم جواز استخدام المطارات والموانئ والاراضي العربية والاسلامية للمساعدة في ضرب العراق". وتابع القرضاوي قائلاً "اذا غزا العدو بلداً مسلما يجب على جميع أهله ان يخرجوا وينفروا لطرده من بلدهم .. وهو فرض عين على الجميع نساء ورجالا". واضاف "ان قدر اهل البلد على رد العدوان، فبها ونعمت، وان لم يقدروا انتقلت الفرضية الى جيرانه من المسلمين وهكذا".
ولكن شيخنا الجليل لم يجب على أسئلة كثيرة بخصوص هذه الفتوى التي تعتبر أحدث فتوى تصدر عن مرجعية دينية لها في كل عرس قرص!
فالشيخ القرضاوي يفتي في الدين والاقتصاد والطب والفيزياء والكيمياء وعلم النفس والاجتماع والأدب والسياسة والعولمة والاستراتيجيات ونراه على شاشة "قناة الجزيرة" في برنامجه (الشريعة والحياة) لا يعتذر عن الاجابة على أي سؤال يوجه إليه، بدءاً من أسئلة الحج والوضوء والحيض والنفاس وانتهاءً بأسئلة الذرة وأبحاث الفضاء ومركبات الفضاء والأسواق المالية ومروراً بالارهاب وطالبان والعُربان الأفغان.
والأسئلة الكثيرة التي لم يُجب عليها شيخنا الجليل في هذه الفتوى هي:
- هل هذه الفتوى جزء لا يتجزأ من موقف "جماعة الاخوان المسلمين" الذي وقفوه في حرب الخليج 1991 إلى جانب صدام حسين في غزوه للكويت، باعتبار أن الشيخ القرضاوي هو الآن المرجعية الشرعية العليا لجماعة الاخوان المسلمين، وهو ما شجع الآن "جماعة الاخوان المسلمين" في الأردن على اصدار بيانهم الجديد بالأمس والذي هو صورة طبق الأصل لبيانهم في العام 1991 والذي أعلنوا فيه وقوفهم إلى جانب نظام صدام في غزوه ونهبه وسلبه للكويت؟
- هل هذه الفتوى دينية أم أنها فتوى سياسية؟
- وإذا كانت هذه الفتوى دينية فما هو قياسها الشرعي؟
- وهل يوجد في تاريخ الإسلام حاكم فعل بشعبه وبأمته والعرب والمسلمين ما فعله صدام حسين الذي هو الآن حبيس الرافدين؟
- وهل قامت في تاريخ الإسلام دولة عظمى كأميركا لتتصدى لمثل هذا الديكتاتور، فكان حكم الإسلام عليها بالعدوان، وأمر الإسلام بمقاومتها والتصدي لها؟
- وإذا كانت هذه الفتوى سياسية، فما هو حل شيخنا الجليل في القضاء على حكم ديكتاتوري كحكم صدام حسين؟
- هل نتركه لكي يقوم غداً بعد رحيل القوات الأمريكية الجرارة من قاعدتي السيلية والعيديد في قطر بالتهام قطر كما حاول في السابق التهام الكويت في العام 1990؟
- ألا يخشى شيخنا الجليل على أهله وزوجه وبناته وماله وعِرضه وأعراض باقي المسلمين في الخليج من عسكر صدام حسين غداً أن يفعلوا بهم ما فعلوه في الكويت من هتك للأعراض وسلب للأموال وإفناء للزرع والضرع، فيما إذا رحلت القوات الأمريكية غداً عن قطر دون أن تقتلع نظام صدام من جذوره؟
- ثم كيف يحثنا شيخنا الجليل على الدفاع عن نظام صدام الظالم، ويطلب من المسلمين النُصرة له، والله يقول في (سورة البقرة، الآية 270) ) وما للظالمين من أنصار( ؟
- ومن يستطيع اقتلاع نظام صدام حسين، وهو النظام الجبار الذي لا بُدَّ أن الله سلّط عليه نظاماً أكثر جبروت منه لكي يُخلّص الإنسانية من شروره؟
ألم يسمع شيخنا بالآية 129 من سورة "الأنعام" التي تقول ) وكذلك نولي بعض الظالمين بعضاً بما كانوا يكسبون( وقول شاعرنا العربي (وما من ظالم إلا ويُبلى بأظلم) وأن أمريكا هي الأظلم التي ابتُلي بها الظالم صدام، لقوله تعالى في (سورة البقرة، الآية 59) )فأنزلنا على الذين ظلموا رجزاً من السماء(.
أليست طائرات التحالف التي ستُغير على نظام صدام غداً وتقتلعه من جذوره هي ذلك الرجز (العقاب) الغربي من السماء، بعد أن تعذّر وعزَّ الرجز العربي المُفتَقد؟
- ألم يسأل شيخنا الجليل نفسه من ذا الذي جلب كل هذه المصائب على شعبه وعلى أمة العرب والإسلام، اليس نظام صدام الذي (خرّب) بيت العرب والمسلمين، فجوّع شعبه، وترك العراق قاعاً صفصفاً، وقال الله في (سورة النمل، الآية 52) في أمثاله من الظالمين ) فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا) ؟
- ألم يسأل شيخنا الجليل نفسه والمصلين يوم الجمعة الماضي في مسجد عمر بن الخطاب في الدوحة حيث أصدر فتواه تلك، من ذا الذي سلّط "أرباب الأرض" على حكام العراق الظالمين، فذهب "أرباب الأرض" يستصـدرون القرارات الدوليـة ضد العراق ونظامه. والله هو القائـل في ( سورة النمـل، الآية 85) بمثل هذه الحالـة ) ووقع القول عليهم بما ظلموا فهم لا ينطقون( ؟
- ثم لماذا لا ننصاع للحكمة الإلهية في إغراق آل صدام الظالمين، كما انصعنا للحكمة الإلهية في إغراق آل فرعون الظالمين الذين قال الله فيهم في (سورة الأنفال، الآية 54) ) وأغرقنا آل فرعون وكل كانوا ظالمين(.
أليس صدام حسين حبيس الرافدين، هو فرعون العرب الآن الذي سيغرقه الله كما أغرق فرعون مصر من قبل؟
- أليس ما نحن فيه الآن هو من صنع أيدينا؟ وأن البلاء الأكبر الذي سيحل بنا قريباً هو ما صنعناه نحن بأنفسنا، لقوله تعالى في (سورة الزمر، الآية 24) )وقيل للظالمين ذوقوا ما كنتم تكسبون( ولو كان حكام العراق ابرياء ومظلومين كما يدعون لدفع الله عنهم هذا البلاء. والله هو الذي يخاطب أمثالهم دائماً في (سورة آل عمران، الآية 182) بقوله )ذلك بما قدمت أيديكم وأن الله ليس بظلام للعبيد(.
- ثم كيف يقف شيخنا الجليل موقف الحميم الشفيع من نظام صدام الظالم بهذه الفتوى والله يقول في كتابه العزيز (سورة غافر، الآية 18) (ما للظالمين من حميم ولا شفيع يُطاع).
فهل يختلف اثنان في المشرق أم في المغرب على ظلم صدام وجبروته؟
فكيف يريدنا الشيخ القرضاوي أن نطيعه في هذه الفتوى وندافع عن نظام صدام؟
- ولماذا لم يُذكّر شيخنا الجليل المصلّين بكل هذه الآيات المُحكمات؟
والى متى يظل الدين وأشياخ الدين يُستعمَلون مطيّة للحكام الظالمين في عصرنا الحديث؟
ألا يكفينا من أصابنا من الأشياخ الذين استُعمِلوا كمطيّة للحكام الظالمين بدءاً من معاوية بن أبي سفيان، ومروراً بالمماليك والعثمانيين والحكام الثوريين، وانتهاء بحكام العراق الحاليين؟
- ولو لم تكن هناك قوة عظمى كأمريكا ذات جبروت أكبر وأعظم من جبروت صدام، وظهر صدام حسين في العراق وعلى حدود الخليج، فما الذي كان سيفعله صدام في شعبه وفي شعوب الخليج وفي الشعوب العربية الأخرى؟
لقد أصاب الشيخ الجليل والمفكر الإسلامي المصري الكبير المرحوم خالد محمد خالد عندما قال في أزمة الخليج عام 1990: ليست المصيبة أن القوات الأمريكية نزلت في الخليج، ولكن المصيبة الكبرى لو أن القوات الأمريكية لم تنزل بالخليج، فماذا كان سيفعل صدام؟
وأخيراً نريد أن نسأل شيخنا القرضاوي سؤالاً مباشراً ومحدداً؟
- لصالح مَنْ هذه الفتوى وغيرها من الفتاوى الأخرى التي بدأت تتوارد تباعاً من الأشياخ الآخرين من هنا وهناك دفاعاً عن نظام صدام، والتي لا هي بالسياسية ولا بالدينية؟
هل هي نكاية بأمريكا؟
هل هي نكاية باسرائيل؟
هل هي نكاية ببعض الأنظمة القائمة؟
ولماذا ندع نظام صدام يستفيد من كل هذه النكايات ويعتاش عليها؟
ألم يكن الأفضل من شيخنا الجليل القيام بـ "هداية" صدام، بدعوته إلى التنحي وغادرته "أرض السواد" كما فعل شيخنا الحكيم زايد بن سلطان في مبادرته البيضاء، لكي يحقن دماء العرب والمسلمين الأبرياء من أهل العراق؟
كاتب وناقد أردني، ورئيس الرابطة الجامعية الأمريكية بدينفر
إيلاف خاص