|
تَرَسْمُل المُتَمَرْكِس : عصام الخفاجي أنموذجاً /14-20
حسين علوان حسين
أديب و أستاذ جامعي
(Hussain Alwan Hussain)
الحوار المتمدن-العدد: 5846 - 2018 / 4 / 15 - 03:49
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
عندما يقارن القارئ الكريم النص المترجم الذي يأخذ الدكتور عصام الخفاجي المحترم على عاتقه اجتزاءه من أقوال ماركس مع النص الكامل غير المجتزأ لماركس الوارد في الحلقة السابقة ، سيكتشف حالاً حصول عملية تزوير فاضحة بارتكاب أربع جرائم دفعة واحدة : "القص و الإضافة و الرفع و اللصق" بحق نص ماركس بغية إنطاق ماركس بما لم ينطق به أولاً ، مع حذف ما قد نطق به ثانياً ! النص المترجم الذي قام الدكتور عصام الخفاجي المحترم بتزويره و بنسبه لماركس ظلماً و عدواناً قوامه عند الدكتور عصام الخفاجي فقرة واحدة فقط تتكون من ثلاث جمل متصلة ببعضها البعض و نصها بالحرف الواحد هو :
نص الدكتور عصام الخفاجي الذي زوَّر به ماركس : "لا يتحطّم أي نظام اجتماعي قط قبل أن يكتمل تطوّر كل قوى الإنتاج التي تتناسب معه. ولا يمكن لعلاقات إنتاج أرقى قط أن تحل محل العلاقات القديمة قبل أن تنضج الشروط المادية لوجودها ضمن إطار المجتمع القديم. ذلك أن البشرية لا تحدد مهمّات لها إلا إذا كانت قادرة على تحقيقها".
أما النص الصحيح غير المزوَّر لماركس فقوامه جملتان ثنتان فقط لا غير ، تقع كل جملة منهما في فقرة منفصلة عن الثانية ؛ الجملة الأولى تقع في نهاية الفقرة السابقة ، و الجملة الثانية تستهل الفقرة التي تليها .
النص غير المزوَّر لماركس [الأقواس لي]: [الجملة الأولى الكائنة في ختام الفقرة السابقة من نص ماركس] "لا يتحطم قط أي نظام اجتماعي قبل أن تتطور كل قوى الإنتاج الكافية له ، و لا تحل علاقات الانتاج الجديدة الأرقى محل القديمة قبل أن تنضج الشروط المادية لوجودها ضمن إطار المجتمع القديم ."
[الجملة الثانية الكائنة في بداية الفقرة اللاحقة من نص ماركس] "إن البشرية ، بالضرورة ، لا تضع لنفسها من المهمات إلا ما تقدر على حله ، حيث أن التفحص الأدق سيبين دوماً أن المشكلة نفسها لا تظهر إلا عندما تكون الشروط المادية لحلها قد تواجدت ، أو على الأقل أنها في طريقها للتشكل ."
و من الفاضح أن نكتشف حالاً بأن الدكتور عصام الخفاجي المحترم يبتر عمداً من الجملة الثانية نصفها الثاني كله و الذي يقرأ : " حيث أن التفحص الأدق سيبين دوماً أن المشكلة نفسها لا تظهر إلا عندما تكون الشروط المادية لحلها قد تواجدت ، أو على الأقل أنها في طريقها للتشكل " لكونها تفسد عليه تماماً مغزى كل عملية التزوير التي أنبرى بنفسه لارتكابها باعتباره يريد أن يتولى بنفسه مهمة إنطاق المسكين ماركس بجملة "ذلك أن البشرية لا تحدد مهمّات لها إلا إذا كانت قادرة على تحقيقها " ضمن نفس فقرة الجملة الأولى : "لا يتحطم قط أي نظام اجتماعي قبل أن تتطور كل قوى الإنتاج الكافية له ، و لا تحل علاقات الانتاج الجديدة الأرقى محل القديمة قبل أن تنضج الشروط المادية لوجودها ضمن إطار المجتمع القديم " لكي يتأتى له بارتكابه مثل هذا التزوير خداع قراء الحوار المتمدن بواسطته عبر الدس لتصوير ماركس العظيم كما لو كان ينطق بالأقوال التي تناقض بعضها بعضاً . هنا ، لا يتورع الدكتور عصام الخفاجي عن تقسيم جملة ماركس الأولى إلى جملتين منفصلتين متتاليتين و ليست جملة واحدة كما هي في الأصل ، بعد أن يدس من جيبه كلمة "يكتمل" قبل كلمة "تطور" على الجملة الأولى . ثم يبتر الجزء "الذي يخربط عليه الغزل" كلياً من جملة ماركس الثانية تماماً . بعدها ، يرفع النص الذي يستبقيه هو من هذه الجملة الثانية تحكماً - لأنه يخدم أغراض تزويره - من محله الأصلي الكائن في بداية فقرتها اللاحقة إلى محله الجديد في نهاية الفقرة السابقة عبر إضافة أداة الإشارة "ذلك" إليها من جيبه "الرأسمالي الثوري اليساري" المخفي ليصبح مبتورها هو الجملة الثالثة المتصلة بنصه المزوَّر . و من المعلوم أن الجيوب المخفيّة للإمبريالية-الصهيونية عامرة بالفبركات من كل الأصناف : من نزول الأمريكان على سطح القمر ، إلى الهدم المبرمج لبرجي مركز التجارة العالمي مع البناية الثالثة الأصغر عبر الشارع في نيويورك (ألتي دفعت شركات التأمين اليابانية المستغفًلة و ليست الأمريكية قيمتها ثلاثة أضعاف) ، إلى فريتي أسلحة الدمار الشامل في العراق و الكيمياوي السوري (ألتي دفع و يدفع الشعبان العراقي و السوري ثمنهما بملايين الشهداء و المهجرين) ! الآن عرفنا من هو المزيف الحقيقي لرؤية ماركس ! صحيح ، إن كنت لا تستحي فاعمل ما تشاء ، إلا أن للتاريخ لسان يفضح العدوان و يأبى التزوير ! و لكن ما الذي يستبطنه قيام الدكتور عصام الخفاجي بتزوير نص ماركس في هذا السياق بالضبط ، و ليس في غيره ؟ الجواب هو فشله التام في فهم الماركسية أولاً ، و ثانياً لاصطفافه نهائياً مع المصالح الرجعية الامبريالية بدعوى أنها "تثوّر التكنولوجيا وتزيد الثروة المنتجة" مثلما يفتري على قراء الحوار المتمدن بعدئذ ، كما لو كان الطرف الذي يتولى تطوير التكنولوجيا و انتاج الثروة هم الرأسماليون المتبطلون من أمثال روتشيلد و سوروس و روكفلر و ليس المهندسين و العمال . و لكن مندرجات النص الأصلي لماركس الوارد بترجمتي في الحلقة السابقة تنسف جملة و تفصيلاً كل الفريات التي أوردها الدكتور عصام الخفاجي المحترم واحدة بعد أخرى . ففي نص ماركس الأصلي نجد التفسير العلمي لشعار "يا عمال العالم أتحدوا" ، و لشبح الشيوعية الذي يطارد أوربا ، و للرأسمالية التي تحفر قبرها بيدها ، و للثورة الاشتراكية القادمة ، لكون ماركس و أنجلز كانا يعلمان علم اليقين بأن الرأسمالية قد استنفدت كل إمكانياتها على التطور و أصبحت نظاماً رجعياً حد النخاع منذ عام 1847 . و لقد أثبتت وقائع التاريخ في حياتهما و بعد وفاتهما صحة رؤيتهما لرجعية النظام الرأسمالي الذي بات يتقلب من أزمة اقتصادية خانقة لأخرى ، فلجأ إلى إشعال الحربين العالميتين لتجنيد الملايين من شبابه للقتال و للاحتلال مما تسبب في إفناء ما يزيد على خمسين مليوناً من البشر الأبرياء لحساب تأمين مصالح حفنة من الإمبرياليين العفنين ، و من بعدها إلى إشعال الحروب المحلية التي أبادت إلى الآن خمسين مليوناً أخرين ، و إلى لعبة الانقلابات العسكرية التي طالت كل قارات العالم لغرض النهب المنظم لثرواتها و تصريف أسلحته و بضائعه بإدامة تخلفها و منع نشوء و تطور الانظمة التقدمية فيها ، و إلى الحرب الباردة لإدامة العدوان ضد الاتحاد السوفيتي و أوربا الاشتراكية ، و إلى إحتكار براءات الإختراع العلمية بشرائها لنفسه و ركنها على الرفوف العالية لإدامة وجوده أطول فترة ممكنة بعد أن أستنفد كل إمكانية للتطور . تكفي نظرة واحدة إلى طينة القادة الذين حكموا بلدان أوربا الغربية و بريطانيا و أمريكا و سياساتهم طوال الفترة من عام 1900م. إلى اليوم للكشف عن مدى تعفن هذا النظام و رجعيته . و بصدد التناقض بين علاقات الإنتاج و القوى المنتجة ، يكفي القول بأن الهاتف المحمول – تاريخ براءة اختراعه من طرف الفنلندي "أريك تيغرشتيك" هو سنة 1917 – قد احتاج أكثر من نصف قرن – ليظهر أول مرة في أمريكا عام 1973، و إلى ربع قرن إضافي لينتشر في كافة أرجاء العالم . نفس الشيء يقال عن التأخير المتعمد في انتاج و تطوير الوقود الحيوي و المحرك الكهربائي و الشمسي للسيارات و الدراجات و الطائرات و أدوية السرطان و الإيدز و الملاريا و غيرها من الأمراض و عن المايكروويف و الليزر و الانترنيت و المصابيح الكهربائية قليلة الاستهلاك للطاقة ، إلخ . ليسأل كل مستخدم للحاسوب - المحمول منه و المنضدي – نفسه : أي أنظمة برمجية غير مايكروسوفت يمكنه استعمالها حالاً ؟ لا توجد ؛ إحتكار تام ! لماذا يدوم هذا الاحتكار الرأسمالي التام ؟ الجواب : بقوة بركات الإمبريالية و السي آي أي لأن هذا النظام الامريكي يسمح لها بالتجسس على أخص خصوصيات كل فرد من مستعمليه حول العالم ، و مثله أندرويد و غوغل و فيسبك و يوتيوب ووو ! "ثورية يسارية" و "حقوق الإنسان" ! و لنسأل أنفسنا : لماذا يكون اليوم كل جهاز إلكتروني جديد نشتريه بخمسة أضعاف قيمة تكلفته قد أصبح "تكنولوجيا قديمة" لحظة شرائنا له ، و ينبغي علينا رميه جانباً كل ستة شهور و شراء الجيل التالي منه بدلاُ من قيام الشركة المنتجة بتحديثه نفسه ؟ و ماذا عن الشرور المستطيرة للرأسمالية جراء التلوث البيئي لليابسة و للمياه و للبحار و للهواء و للفضاء و الاحتباس الحراري و ثقب الأوزون و تجريف الغابات و ذوبان الجليد في القطبين و انقراض الأنواع الحية و اللغات و الجماعات البشرية البدائية ؟ ألم يعترف ترمب علناً بأن التزام الولايات المتحدة الأمريكية باتفاقية باريس لخفض نسبة بسيطة من انبعاثات المصانع الملوثة للبيئة – و ليس وقفها تماماُ – بغية الحفاظ على أقل ما يمكن الحفاظ عليه من صحة و مستقبل كل سكان الأرض إنما يضر بمصالح الشركات الصناعية الأمريكية ، ثم انسحب منها ؟؟ كيف تكون الرجعية الرأسمالية ، إذن ؟ "ثورية يسارية" ، "تزيد الثروة" يقول ، كالعميان ! كم من ترليونات الدولارات تخسر البشرية يومياً في انتاج كل أنواع أسلحة القتل و الدمار الشامل و في إدامة سباق التسلح و في انتاج السجائر و المخدرات و في حرق الوقود الاحفوري الثمين الناضب من بترول و غاز للحفاظ على مصالح الشركات الرأسمالية المنتجة لها و كلها مدمر للبشر و لثروات هذا الكوكب ؟ هل يمكن تصور وجود رجعية أفدح من هذه جراء التناحر المستحكم القائم بين علاقات الإنتاج الرأسمالية و القوى المنتجة الذي كان ماركس و إنجلز أول من لفت نظرنا إليه و دعانا لوقفه ثورياً في الوقت المناسب لتفادي كوارث تجاوزه و التي أصبحت الآن تهدد البشرية بالفناء بفضل المزوّرين و المطلبين له مثل الدكتور عصام الخفاجي و أمثاله ؟ كل هذا و لا يستحي الدكتور عصام الخفاجي عن إطلاق تسمية "الثورية اليسارية" المزوَّرة على الرأسمالية ! عبوات الجيف الرأسمالية الحاكمة من طراز ترمب و نتنياهو و مَيْ و ماكرون هي ثورية يسارية ! يا لها من بضاعة فاسدة هذي التي تجبر كل البشر الواعين إلى الضحك على مروّجيها الدجّالين المزوّرين المفضوحين "بتوع آخر زمن" !
يتبع ، لطفاً .
#حسين_علوان_حسين (هاشتاغ)
Hussain_Alwan_Hussain#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تَرَسْمُل المُتَمَرْكِس : عصام الخفاجي أنموذجاً /13-20
-
َترَسْمُل المُتَمَرْكِس : عصام الخفاجي أنموذجاً /12-20
-
ترسمل المتمركس : عصام الخفاجي أنموذجاً / 11-20
-
تداعيات في وقت الفراغ
-
الأرنب و السلحفاة
-
الجيف بروائحها ، لا بألوانها
-
انحناءة إجلال للبلاشفة في مئوية ثورة اكتوبر / 5-5
-
انحناءة إجلال للبلاشفة في مئوية ثورة اكتوبر / 4-5
-
انحناءة إجلال للبلاشفة في مئوية ثورة اكتوبر / 3-5
-
المنهج البنيوي في العلوم الاجتماعية (5-5)
-
المنهج البنيوي في العلوم الاجتماعية (4-5)
-
المنهج البنيوي في العلوم الاجتماعية (3-5)
-
المنهج البنيوي في العلوم الاجتماعية (2-5)
-
المنهج البنيوي في العلوم الاجتماعية (1- 2)
-
قصيدة من دفتر قديم للشاعر : عمار حسين علوان (عمار العراقي) ع
...
-
جرائم آل سعود تخجل منها النازية
-
انحناءة إجلال للبلاشفة في مئوية ثورة اكتوبر / 2-5
-
أرزاق الله
-
ماركس : تدوير رأس المال و الخدمات (5-5)
-
ماركس : تدوير رأس المال و الخدمات (4-5)
المزيد.....
-
اليساري ياماندو أورسي يفوز برئاسة الأورغواي خلال الجولة الثا
...
-
حزب النهج الديمقراطي العمالي يثمن قرار الجنائية الدولية ويدع
...
-
صدامات بين الشرطة والمتظاهرين في عاصمة جورجيا
-
بلاغ قطاع التعليم العالي لحزب التقدم والاشتراكية
-
فيولا ديفيس.. -ممثلة الفقراء- التي يكرّمها مهرجان البحر الأح
...
-
الرئيس الفنزويلي يعلن تأسيس حركة شبابية مناهضة للفاشية
-
على طريق الشعب: دفاعاً عن الحقوق والحريات الدستورية
-
الشرطة الألمانية تعتقل متظاهرين خلال مسيرة داعمة لغزة ولبنان
...
-
مئات المتظاهرين بهولندا يطالبون باعتقال نتنياهو وغالانت
-
مادورو يعلن تأسيس حركة شبابية مناهضة للفاشية
المزيد.....
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
-
إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات
...
/ شادي الشماوي
-
المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب -
...
/ شادي الشماوي
-
ماركس الثورة واليسار
/ محمد الهلالي
المزيد.....
|