علي فايز الحج
الحوار المتمدن-العدد: 5845 - 2018 / 4 / 14 - 00:52
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
كيف ولدت داعش ؟
لقد أضحى تنظيم الدولة لغزا يحير علماء الاجتماع والسياسة بسبب سرعة نموه وقوة مقاتليه وسرعة اعتناق الناس لمبادئه بالرغم من الاجماع العالمي على خطأ تلك المبادئ انها تنافي مبادئ الانسانية والدين , وإذا كان العالم قد يضع عذرا لسوري او عراقي في حال انضمامه لتنظيم الدولة , فما لذي يجبر مسلما اوروبيا يتنعم في اوروبا للمجيئ الى سوريا او العراق ليحارب في صفوفه ؟
حتى نفهم ظاهرة تنظيم الدولة بالشكل الصحيح لابد لنا من الابتعاد عن الاحكام المسبقة التي تحد من التفكير السليم وان ننظر نظرة موضوعية للأمور, ولكي نتغلب على التنظيم المتطرف علينا ان نفهم الاسباب التي أدت لظهوره اولا ولاعتناق الشباب المسلم ثانيا , وكيف يمكننا من خلال معرفتنا تلك تطوير اساليب الحماية الاجتماعية لوقف تغوله في مجتمعاتنا .
((الخلفية التاريخية ))
ان فكرة الدولة والخلافة الاسلامية ليست وليدة تلك اللحظة التي اعلن فيها ابو بكر البغدادي قيام دولته المزعومة بل هي فكرة طرحها حزب التحرير الاسلامي منذ منتصف القرن الماضي كنوع من ردة فعل فلسطيني إسلامي على التنظيمات القومية واليسارية التي كانت تحكم العالم العربي آنذاك والتي اعتبرها التنظيم الوليد سبباً في ضياع فلسطين , نظرا لكونها احزاب عميلة وجدت لمنع الاسلام من الحكم وإبعاد الشباب العربي عن تعاليم الاسلام ولذلك كان لابد من وجهة نظر الحزب ان يكون هناك تنظيم إسلامي يقود الامة للدولة الاسلامية الموعودة والتي في فترة تاريخية كانت دولة قوية والتي من خلالها يمكن استعادة فلسطين والوقوف بوجه الاستعمار والصهيونية , وقد اعتمد هذا الحزب على تجارب صلاح الدين وغيره ممن تمكنوا من هزيمة المحتل الاجنبي من خلال تحكيم الشرع سبيلا للانتصار, وان افضل طريق لذلك هو بقيام الدولة الاسلامية . وهنا لابد من ذكر انه خلال فترة نضال حزب التحرير لذلك لم يمارس أي نوع من العنف لفرض فكره بل استمر بممارسة ذلك بأساليب دعوية بحتة .ومنذ تلك الايام والاسلاميون او قسم منهم على أقل تقدير يحلمون بدولة اسلامية يحكم الشرع الاسلامي مفاصلها تعيد الامجاد وقد اخذت تلك الفكرة تنحو منحا متطرفا واكثر تشددا بعد الهجمات التي تعرضوا لها من التطرف القومي الذي حكم البلاد العربية لتتحول الفكرة الى صراع كبير بين معسكر وطني (بمعنى وطن ) مقابل معسكر اسلامي شمولي .
(( أسباب الظهور ))
ليست قوة تنظيم الدولة بالأسلحة التي يمتلكها , بل في الايدلوجيا التي ترتكز عليها والغريب أنه حتى هذه اللحظة لم تقدم الدولة أية صورة واضحة لذاتها وكينونتها بل تقدم نفسها على أنها تجمع جهادي لا اكثر وما كلمة دولة الا من اجل الحث العاطفي فقط . وما يدفع الشباب العربي للانتساب لصفوف التنظيم هو قدرتها على الاستفادة من المتناقضات الحاصلة في التاريخ العربي الاسلامي وتقديم نفسها بديلا استراتيجيا وحلا لتلك المتناقضات التاريخية اللاهوتية تحديداً , والحالة التي يعيشها العالم العربي تجعله وبسبب الاستبداد الطويل أرضية خصبة لكل تنظيم سياسي يريد ان يضع قدما في هذا المجتمع بداية من أقصى التطرف الالحادي وانتهاء بالتطرف الديني ويعود ذلك لانحلال الوعي الكامل بالهوية العربية وهذا العامل الاساسي يستفيد منه التنظيم المتطرف وغيره من التنظيمات الغريبة .
ان تنظيم الدولة لم يمتلك ايدلوجيا قادرة على تقديم نفسها بأسلوب علمي كما في بقية التيارات السياسية الاخرى التي تسعى لقيادة الدول وليست حتى كتنظيمات الاسلام السياسي الذين يقدمون انفسهم كحل عملي للمشاكل الاجتماعية العربية , بل يعتمد منظروا التنظيم على حالة الفوضى السائدة في المجتمع العربي لخلق قاعدة جماهيرية مناصرة لفكرهم ممن مللوا من الوعود والاهداف المخملية ,ان تنظيم الدولة لا يقدر على الإجابة على الاسئلة التقليدية حول شكل الدولة ومؤسساتها بل يعمل على مزج المؤسسات الحكومية التي خرج عليها بالكوادر المؤيدة له فقط . أن شعبية تنظيم الدولة اعتمد بالدرجة الاولى على تقديم نفسها كحل للقضايا العالقة على الساحة السياسية العربية كالقضية الفلسطينية , حيث إنها القضية المحورية لكل مشاكل العرب منذ قيام الدولة الاسرائيلية وحتى اللحظة ويعيش المجتمع العربي منذ تلك الايام حالة من الضياع والفوضى , فهو لا يستطيع ان يسير الى الامام متناسياً القضية الفلسطينية ولا يستطيع ان يواجه اسرائيل بسبب القوة العسكرية لها ودعم العالم لها ولذلك تنظيم الدولة يعتمد على حالة الضياع تلك من أجل الاستغلال العاطفي متذرعة بكون الامة قد ابتعدت عن نهج الاسلام ولذلك لا يُكتب لها التوفيق وان التنظيم هو الاقدر على مواجهة الدولة الاسرائيلية ولكن بعد قيام الدولة الاسلامية وفق الرؤية الصحيحة التي تمتلك سرها قيادات التنظيم والتي تتلخص بمحاربة المرتدين وعودة دولة الخلافة الرشيدة مذكرين بمحضر كلامهم ذاك عن تجارب المسلمين في مواجهة الاعداء .
العامل الاهم في جذب التنظيم للشباب هو الخلاف القديم الجديد بين المسلمين , حيث ما يزال الخلاف السياسي الديني حول ولاية الرسول زمنيا ومكانيا بين السنة والشيعة , فالشيعة يتهمون السنة باغتصاب حق علي بن ابي طالب بالخلافة ببنما السنة يدافعون عن خلافة الخلفاء السابقين مؤكدين بطلان ادعاءات الشيعة , هذا العامل الذي سبب مئات الفتن بين المسلمين عبر اكثر من أربعة عشر قرنا من الزمن دون ان يجد العرب له حلا وتفاقم الصراع وتحوله من المعترك السياسي الى الدائرة الدينية الفقهية جعل منه مادة دسمة لكسب الشعبية عند جهلاء الطرفين علما وللتاريخ لابد من القول الى أن أصحاب العلاقة قد عملوا ما بوسعهم لدرء الفتنة ومنع اقتتال المسلمين . العامل الاهم الذي باعتقادي هو السبب الرئيس في نشوء الدولة الاسلامية هو الاستبداد الذي تعاني منه الامة منذ الخمسينات والذي قضى على الدولة المدنية الناشئة التي عقبت الاستقلال والتي كانت امتداد لعصر التنوير العربي مما ادى الى انقطاع بالتسلسل المنطقي لبناء الامم وتكوينها الصحيح , فقد وجدت الامة نفسها بعد أن كانت الدولة العربية تنمو نموا مدنيا ديمقراطيا تحولت الى مجتمعات عسكرية مغلقة كتلك التي كانت في العهد الانحطاط العربي والعثماني , هذا التحول أدى الى ضياع في الهوية العربية وشعور عام بعدم الانتماء اليها والبحث عن هوية بديلة قادرة على تلبية الحاجات الاساسية للإنسان العربي في الانتماء , هذا البحث اصطدم بجدار النظام العسكري الامني للاستبداد العربي والذي شكل نوعا من القيد على العقل العربي ومنعه من الابداع , كما ان النظام العسكري العربي عمل وخلال مدة الحكم على تطبيع المؤسسات الحكومية والغير الحكومية بطابعه الامني مما أفرغ المجتمع العربي من مؤسسات كانت يمكن ان تكون قادرة على رأب الصدع الذي أحدثته السياسات الاستبدادية والتي لم تتوقف عند الحد السياسي بل وتبعته بحالة تفقير ممنهج للإنسان العربي لتسهيل السيطرة عليه وجعل الهم الاقتصادي الشغل الشاغل له لإبعاده عن الامور السياسية والفكرية وجعله بين خيارين الحرية السياسية أو الحقوق الاقتصادية المتمثلة بحق العمل .
هذه الحالة الاجتماعية التي أحدثتها الأنظمة العسكرية الحاكمة للأمة خلقت فراغا كبيرا في المرجعية الفكرية والسياسية والدينية للمواطن العربي مما سهل على دعاة التطرف الديني وغيرهم ممن يدعون الاهتمام بالمصلحة العربية وبالتالي فتنظيم الدولة لم يأتي من فراغ بل لقد كانت السياسات الاستبدادية للحكم العسكري العربي جزء من المسؤولية على وجوده ونموه .
كل ما تم نقاشه الان يعد من الاسباب الغير مباشرة لنشوء التنظيم المتطرف واعتباره هوية بديلة عن الهوية العربية بالنسبة لعدد كبير من الناشئة العرب , ولكن لو أردنا نقاش الاسباب المباشرة لظهوره سنجد ان التطورات الامنية التي عقبت الثورات العربية والتي تركت المجتمع العربي في حالة فراغ بسبب السقوط المدوي للأنظمة العربية والتي كما قلنا انها عملت على تطويع المؤسسات الحكومية والغير حكومية وجعلها لاحقة بالمؤسسة العسكرية الامنية وبالتالي ليس بمستغرب سبب الانفلات الامني في العديد من الدول التي شهدت تحولا اجتماعيا كتونس ومصر وسوريا وليبيا واليمن وأن بدرجات لكون النظام الاستبدادي المصري والتونسي اعتمدوا على المؤسسة الامنية في القمع وليس الجيش كسوريا وليبيا والذي كان اليد الطولى في القضاء على الثورات في تلك البلدان وبسبب غياب الجيش وكافة القوى الامنية سهل لتنظيم الدولة التغلغل الى قلب المجتمعات العربية بحجج مختلفة وفي الحالة السورية دخل التنظيم بعد التوحش الذي أبداها الجيش السوري في قمع معارضي الاستبداد وارتكابه لمجازر مروعة بحق مدنيين بهدف الارهاب والتطهير الطائفي الذي تحول الى سمة للصراع العسكري في سوريا بعد تحول الثورة السورية الى مرحلة الكفاح المسلح , بمعنى آخر أن حالة القهر الطائفي الذي حصل في مجتمع متعدد الطوائف والاعراق بسبب القمع الطائفي للأنظمة العسكرية المدعومة إقليميا كان السبب المباشر لظهور التنظيم بالقوة التي بدا عليها .
أن جميع الجهود التي تبذل من الاطراف المختلفة للقضاء على التنظيم سوف تصدم بحائط الفشل مالم يتم دراسة الاسباب الحقيقية لظهوره والتي تم ذكرها سابقا فتنظيم الدولة لن يهزم بالقوة العسكرية بل بالعودة عن سياسات الاستقطاب الطائفي والبدء بخلق دولة مدنية ديمقراطية واحترام كامل للحقوق الانسانية في التعبير والعبادة والعمل والقول ونشر ثقافة الوعي بخطورة التطرف والانتماء الطائفي بدل الانتماء الوطني وهذا الوعي لن يخلقه الا منظمات المجتمع المدني المحررة من نير السلطات والبدء بوقف عسكرة وطائفية المجتمعات العربية والعمل على تطبيعها بطابع مدني وهذا هو حجر الزاوية في أي حل للقضاء على التطرف في البلدان العربية .
#علي_فايز_الحج (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟