|
العالم العربي قُبَيْلَ العدوان المرتقب !
منذر علي
الحوار المتمدن-العدد: 5843 - 2018 / 4 / 12 - 19:51
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
يجرى تقاسم العالم العربي على قدم وساق من قبل " محور الشر السداسي" ، المكون من إيران وإسرائيل والسعودية والإمارات وتركيا والولايات المتحدة الأمريكية ، أما أولئك التابعون للمحور السداسي، من العرب ، سواء العاملون في مسلخ الموت في الداخل العربي ، أو القابعون في الخارج ، المتحلقون حول مائدة الدم ، فأنهم مجرد أدوات، يعملون، مقابل أجر يومي ، لصالح الذئاب الخارجية ، أي لحساب " محور الشر السداسي" ، تحت أوهام سياسية و دينية وطائفية وعرقية و جهوية ما أنزل الله بها من سلطان. وقد نتج عن ذلك أنَّ الوطن العربي، بكل مكوناته الدينية والعرقية، غدا في قبضة الذئاب، و العرب واقعون في الفخ، يلعقون دماءهم ، فيما العملاء يلعقون أحذية الغُزاة ويتربحون! وحينما تحقق القوى الإقليمية الشريرة كامل مصالحها السياسية والإستراتيجية في العالم العربي ، فأنها ستقذف بأولئك العملاء في أقرب مزبلة ، إنْ أبدوا تذمرًا أو امتعاضًا أو اعتراضًا، وستأتي بغيرهم من العملاء الطيعين، Docile ، ليتلاءموا مع المرحلة الجديدة، في ظل الاستعمار البدوي العربي -الإسرائيلي -الأمريكي- والفارسي – التركي للعالم العربي ، المتنافر والمتداخل والمتشابك والمتدثر بالعروبة والإسلام وحقوق الإنسان والشرعية الدولية الزائفة. هل حقًا تصدقون إيران، حينما تقول أنها تسعى لإغاثة الشعب الفلسطيني والبحريني والعراقي والسوري واليمني المظلوم والمكلوم ؟ وهل حقًا تصدقون الولايات المتحدة و السعودية والإمارات ، وقطر وتركيا ، وغيرها من الأدوات الأمريكية والصهيونية ، حينما تزعم أنها حريصة على الأمة العربية وعلى استقلال العالم العربي واستقراره؟ سيتوجب على المرء أنْ يصادر عقله لكي يقبل بهذا الهراء الآثم. إذن ، لا ينبغي أنْ تصدقوا هذه الدعابة السمجة ، التي ترددها قوى الشر التوسعية الفاجرة ليلة نهار، التي تزعم أنها تسعى للدفاع عن حقوق الإنسان في سوريا ، و تنزع إلى وقف الحرب ، وعودة الشرعية لهذا البلد العربي أو ذلك ، والدفاع عن الشعوب العربية في تحقيق مصيرها ، و تعزيز الأُخُوَّة العربية والإسلامية، وتحقيق السلام، و رفع الظلم الواقع على العرب والأقليات العرقية وغير ذلك من التصريحات الجوفاء ، التي لا معنى لها في الواقع العملي. ذلك أنَّ ممارسات تلك القوى تؤكد كل يوم ، و بشكل لا لبس فيه، أنَّ هذه القوى، هي من تنتهك السيادة الوطنية للعالم العربي والشرعية التاريخية للعرب في أوطانهم ، وهي التي تُكرس الظلم وتعمم الظلام، وتنشر الفساد و وتزرع الاضطرابات ، وترسخ الاختلال، و تعمق الاحتلال الخارجي ، في إطار تحالف أوسع مدى مع القوى الإمبريالية والصهيونية والغربية ، المهيمنة ، التي تعبث بعالمنا العربي اليوم. لقد راقبتِ القوى الخارجية التنافر المتعدد: الطائفي والقبلي والديني والعرقي والسياسي والجهوي ، الذي يحكم توجهات النخب السياسية العربية وممارستها العملية ، واستغلتها بمهارة ، ثم مكرت بالعرب الغافلين ، و كان الغرب الامبريالي شر الماكرين. لقد بدأتِ القوى الخارجية باستغلال الجماعات الطيِّعة ، ذات القابلية السهلة للانحطاط والانكسار والسقوط في معمعة الارتزاق والعمالة ، وقامت بترويضها بالمال وحقنتها بالأوهام الدين والسياسة ، ودفعتها للتناطح في إطار إستراتيجية مُحكمة الإتقان ، ثم قامت باستغلال الانقسامات الداخلية بين أطرافها المتعددة ، الناتجة عن الفعل الخارجي ، والمنبثقة عن الرغبات الداخلية المحمومة النخب السياسية العمياء ، ذات المصالح المتعارضة ، والرؤى القبلية والدينية والسياسية والعرقية المتنافرة ، الطامحة للاستئثار بالسلطة على حساب الاستقرار والسيادة الوطنية للبلدان العربية. ولقد تمكنت القوى الخارجية من استغلال المكونات الداخلية العربية ، بسبب قابليتها ، الناتجة عن الحاجات السياسية والمالية ، وعن العطب الكبير في الوعي ، وعن الجهل ، وعن قلة الحيلة والخبرة السياسية ، وعن تهشم الهوية الوطنية والقومية، وعن اغترابها عن حقائق الواقع السياسي والتاريخي للعالم العربي وعن واقع الملابسات والعلاقات المعقدة التي تحكم السياسية المحلية والإقليمية والدولية. وحينما تمكنت القوى الخارجية ، من اختراق العالم العربي ، عبْر المال والدين والقوة ، و وسائل الإخضاع المتعددة ، ومن ثم الولوج في الجسد العربي المنهك ، الفاقد للمناعة، عبْر الفجوات والتشققات المتعددة ، الناتجة عن تلك الانقسامات، شرعت في تقاسم العالم العربي، ولكن ليس بشكل مباشر، وإنما عبر أدواتها الداخلية المُسْتلبة ، المتمثلة: بالقوى الأيدلوجية ، المنضوية ضمن المشروع الغربي، وبالقوى الطائفية والدينية ، المسكونة بالخرافات المعتقة، الموجهة بالأوهام المؤرقة ، التي أفلحت من خلالها في تهييج الملايين من المعطوبين بالجهل ، ودفعتهم صوب الانتحار الجماعي. وكذا عبر القوى " الليبرالية " الماكرة ، المدجنة بالمفاهيم المطبوخة في أقبية مؤسسات الاستخبارات الغربية ، حيث رأينا بعضهم في أوقات مختلفة يتبخترون عُجْبًا وخُيلاء في أروقة الاستخبارات الأمريكية ، CIA ، والاستخبارات البريطانية MI6 ، ثم يأتون ، بعد ذلك ، كما حدث في العراق وليبيا ، ويقدمون أنفسهم " كمنقذين " تحت رايات الديمقراطية وحقوق الإنسان والفدرالية ، والليبرالية الجديدة ، والخصصة ، فيخلقون أوهامًا لدي الجماهير المغيبة ، إنَّ العرب ، تحت قيادتهم ، سيصبحون مثل سويسرا والنرويج والدنمرك ، متجاهلين لحقائق الواقع التاريخي . وها نحن اليوم نرى العواقب المأساوية جليِّة في العراق وليبيا وسوريا واليمن ، الناتجة عن تلك الأوهام والتدخلات التي فتكت بالعالم العربي. وفي الساعات القليلة القادمة ثمة عدوان وشيك على سوريا من قبل القوى الامبريالية: الأمريكي والبريطاني والإسرائيلي والفرنسي ، لاستباحة سوريا وتحويلها إلى ما هو أسوأ من العراق وليبيا واليمن ، خدمة للكيان الصهيوني ، ومن ثم الشروع في إدخال العرب عصرًا استعماريًا طويلًا ومظلمًا. وبذلك يكون تم التطويح بشكل نهائي بكل المكتسبات القومية التي تحققت على مدى أكثر من سبعين عامًا. وكما كان الحال في العراق ، وليبيا سيُمنح "أبطال الخراب" في سوريا بعض الفتات، وخاصة أولئك المرتبطون بروابط وثيقة، أمنية ومالية وسياسية بالمحور الأمريكي الإسرائيلي- السعودي، الذين سيقبلون بالخنوع ، وبطيب خاطر، و بالوصاية الخارجية المطلقة ، و لكن المحور الأمريكي الصهيوني سيرُكل بعنف السذج الذين يمكنهم الاعتراض على توجهاته الاستعمارية . خلاص انتهت الحكاية. لقد وقعت تلك النخب السياسة في فخ لا مخرج منه ، بسبب أوهامها ، متجاهلة إنَّ الحضارة الإنسانية لا تصنع بالأوهام والخديعة والخفة ، والعمالة للقوى الخارجية ، وإنما بالاعتماد على الشعوب ، و تفعيل دور العقل في إطار القيم الوطنية ، والانفتاح والتفاعل الإيجابي مع العالم المعاصر ، ولكن في إطار الحرص على السيادة الوطنية، وفي ظل مناخ سياسي مستقر، موائم للاستثمار الإيجابي للطاقات البشرية وللموارد الطبيعية ، بغية النهوض بالمجتمعات العربية وتحقيق العدالة الاجتماعية ومراعاة مصالح المكونات الاجتماعية والثقافية المختلفة و حماية وحدتها وصيانة سيادتها. واليوم ليس أمام الشعوب في العالم العربي ، الذي خذلته نخبه السياسية، المعطوبة بالجهل والتسرع والحماقة ، من خيار سوى الخروج من حالة الشلل والاستكانة وانتظار الأقدار ، والبدء الفوري ودون تلكؤ في استنهاض الروح الوطنية على امتداد الأرض العربية ، بغية التحرر من التبعية لمحور الشر السداسي وأدواته المحلية ، و التوحد حول برنامج سياسي شامل ، مستمدًا من التجربة التاريخية لحركة التحرر الوطني و من المصالح القومية العليا للأمة العربية ، بمضامينها الوطنية الديمقراطية التقدمية ، لكي تتمكن الشعوب العربية من استعادة أوطانها من النخب الفاسدة ، ومن قبضة الوحوش الخارجية التوسعية الكاسرة ، وسد الأبواب في وجوههم الكالحة ، وإقامة الدولة الوطنية الديمقراطية القطرية الحديثة، القائمة على الحرية والعدل ، المتفاعلة والمتواشجة سياسيًا واقتصاديًا وثقافياً مع غيرها من الدول على الصعيد القومي ،، والمُعبِّرة عن إرادة الشعوب الحُرة ، و المُمثلِّة لمصالح الجماعات المحلية و الوطنية والقومية الشاملة ، لا مصالح فئة، أو قبيلة ، أو طائفة، أو منطقة ، أو جهة جغرافية معينة فيه ، أو دولة قطرية على حساب غيرها . دولة مدنية حديثة، منفصلة عن المذاهب المتنافرة ، منفتحة على شقيقاتها ، ومنفتحة على قيم العصر ، ومتحررة من الأوهام و الخرافات ، القديمة والحديثة ، ومعتمدة على العلم ، ومُحتًكِمة للقانون العادل، وقادرة على توفير الاستقرار، و تحقيق التنمية والعدل والحرية والتقدم وصيانة السيادة الوطنية ، وإقامة علاقة مُتكافئة مع دول العالم، قوامها المصالح والمنافع والاحترام المتبادل.
#منذر_علي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كفى صراعًا : علي ومعاوية تصالحا، يا جماعة!
-
أبشركم: اليمنيون سينتصرون!
-
العرب التعليم الديني والمستقبل
-
مجرد تساؤلات في ضوء المحنة اليمنية!
-
اليمن وعلي سالم البيض وحكم التاريخ!
-
تأملات في دلالات الأحداث الأخيرة في اليمن !
-
جار الله عُمر سيبقى مشرقاً كالحقيقة!
-
اليمن الوضع القائم والاختيارات الممكنة
-
لنوقف الحرب ونتصالح صوناً لليمن (2)
-
لنوقف الحرب ونتصالح صوناً لليمن (1)
-
أضوء على العلمانية
-
الضمير الإنساني والموقف السياسي!
-
أي وطن هذا الذي نحلم به؟
-
ما الوطن ؟
-
حتى لا نفقد البوصلة تحت وقع المحنة!
-
كيف نتجاوز التخلف؟
-
الأميرُ الغِرُّ يغدو ملكاً!
-
نداء عاجل: اليمن والطاعون القادم!
-
اليمن والمخرج من المأزق القائم!
-
آفاق الحرب والسلام في اليمن
المزيد.....
-
أشرف عبدالباقي وابنته زينة من العرض الخاص لفيلمها -مين يصدق-
...
-
لبنان.. ما هو القرار 1701 ودوره بوقف إطلاق النار بين الجيش ا
...
-
ملابسات انتحار أسطول والملجأ الأخير إلى أكبر قاعدة بحرية عرب
...
-
شي: سنواصل العمل مع المجتمع الدولي لوقف القتال في غزة
-
لبنان.. بدء إزالة آثار القصف الإسرائيلي وعودة الأهالي إلى أم
...
-
السعودية تحذر مواطنيها من -أمطار وسيول- وتدعو للبقاء في -أما
...
-
الحكومة الألمانية توافق على مبيعات أسلحة لإسرائيل بـ131 مليو
...
-
بعد التهديدات الإسرائيلية.. مقتدى الصدر يصدر 4 أوامر لـ-سراي
...
-
ماسك يعلق على طلب بايدن تخصيص أموال إضافية لكييف
-
لافروف: التصعيد المستمر في الشرق الأوسط ناجم عن نهج إسرائيل
...
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|